ملخص
ذهب النائب البريطاني طوبياس ألوود إلى كابول وطالب بالحوار مع "طالبان" ثم واجه مجموعة من الضغوط التي أجبرته على الاستقالة من رئاسته اللجنة البرلمانية للشؤون الدفاعية
في العادة، لا يورط الأبطال أنفسهم بمشكلات، وأن ميلهم إلى الاندفاع بشجاعة وراء ما يؤمنون به هو دوماً السبب في ذلك. ينتمي طوبياس ألوود إلى ذلك النوع من الأبطال، مع التذكير بأنه انتخب إلى البرلمان البريطاني عن منطقة شرق بورنموث لحوالى 20 عاماً، وكذلك شغل منصب الأمين العام للجنة البرلمانية الخاصة لمتابعة شؤون الدفاع حتى قبل أسبوع تقريباً.
لقد اندفع ألوود إلى واجهة الاهتمام في 22 مارس (آذار) عام 2017، بعدما هرع النائب إلى مساعدة الضابط في شرطة البرلمان كيث بالمر عقب تعرضه للطعن في هجوم وقع على أبواب مبنى البرلمان البريطاني. طبّق ألوود، وهو جندي سابق، إسعافات أولية سريعة على الشرطي المصاب، بما في ذلك العمل على إعادة انعاشه من طريق الفم، والضغط على قلبه، لكنه لم ينجح في إنقاذ حياة الشرطي بالمر. صور الفيديو للمحاولات اليائسة التي قام بها النائب ألوود حصلت على إشادات من كافة الأطراف على شجاعته، وصدرت كلها بسبب مسارعته المباشرة إلى المساعدة، واضعاً أمنه على المحك في وجه ذلك التهديد.
لكن مبدأ التصرف، أو حتى الكلام، أولاً، والتفكير [في التبعات] لاحقاً، لديه سلبياته. فلقد أدى ذلك في الماضي إلى توريطه، وهو ما من شأنه أن يشرح لماذا لم ينجح النائب في الترقيات لأي منصب أعلى من منصب وزير دولة في السلم الحكومي البريطاني. لكن، قبل ثلاث سنوات، خلال محاولته الثانية، انتُخِبَ رئيساً للجنة الدفاع البرلمانية، وتلك وظيفة ربما كانت مناسبة أكثر لقوته التي لا يمكن التشكيك بها، بدلاً من شغله منصب وزير في الحكومة. في ذلك المنصب تحول ألوود إلى مدافع شجاع وفصيح، عن قرار الدعم البريطاني العسكري إلى أوكرانيا. وواصل في الوقت نفسه إصراره في أوقات محددة (وبرأيي، وهنا لا بد لي من الاعتراف، أنه قام بذلك أحياناً بتهور)، على المطالبة بأن تُقدّم المساعدات إلى أوكرانيا بشكل أسرع بكثير، بل أن تكون نوع المساعدات أكثر عمقاً.
بخصوص أوكرانيا في الأقل، حافظ النائب ألوود على مواقفه المتطابقة تماماً مع مواقف الحكومة حتى الآن في ما يتعلق بالسياسات المتبعة، على رغم تغير رؤساء الوزراء الذي لوحظ في المشهد البريطاني. وفي المقابل، جاء موضوع أفغانستان ليشكل السقوط المتأتي من مواقفه.
قبل أسابيع من انطلاق العطلة البرلمانية الصيفية، قام ألوود بزيارة دامت أسبوعاً إلى أفغانستان، نظمتها مؤسسة إنسانية تعنى بإزالة الألغام هي "هايلو تراست" Halo Trust. بعد الزيارة قام ألوود بنشر شريط فيديو مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أشاد فيه بحركة "طالبان" وحكمهم للبلاد، لنجاحهم في تحسين الوضع الأمني "بشكل كبير"، وبدئهم في القيام بإصلاحات زراعية، وتشجيعهم على استخدام الطاقة الشمسية. وأبرز ما دعا إليه النائب كان مطالبة المملكة المتحدة بضرورة "التواصل" مع حركة "طالبان"، لمنع تحول أفغانستان إلى "دولة تابعة للصين".
بالطبع، ما رآه النائب ألوود مجرد صورة مجتزأة عن حقيقة الأوضاع. لكن الواقع يتمثل في أن أفغانستان ما بعد الانسحاب لم تكن كارثة على تلك الدرجة من الفظاعة التي جرى توقعها على نطاق واسع.
حالياً، لا أتوقف عن الاندهاش بمدى عدم تروي السياسيين حينما يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي. إذ إن استعمال خاصية التأخير المتوافرة بيسر في التغريدات، قد يكون أمراً مفيداً لكل السياسيين المعنيين بالاحتفاظ بوظائفهم. في المقابل، إن السؤال عن مدى قدرة تأخير النشر في حماية النائب ألوود من نفسه في تلك الحالة، لهو أمر آخر، لأنه من الواضح أنه يؤمن بما قاله. وعلى رغم كل شيء، فإنه لم يذكر سوى ما رآه بعينيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن يبدو أن مسألة قيامه بزيارة أفغانستان فعلياً، لم تصب في مصلحته. وقد قوبلت صور الفيديو التي نشرها بسيل من الانتقادات، من قِبل صقور حزب المحافظين، يتقدمهم السير إيان دانكن سميث، وكذلك واجهته انتقادات من جمعيات حقوق الإنسان. خلال أيام قليلة، نشر ألوود بيان آخر، اعتذر فيه عمّا سمّاه "ضعف التواصل"، وأوضح أنه "آسف جداً جداً لأنه كان من المستطاع كتابة تأملاتي حول الزيارة بعناية أكبر، وقد أخرجت من سياقها".
وسواء اعتُبِرَ ذلك كإعادة نظر أصيلة بما فعله، أو مجرد "اعتذار من دون أن يكون اعتذار"، فإن ذلك لا يؤثر كثيراً. ولم يكفِ [ذلك الاعتذار] كي يحتفظ ألوود بوظيفته في لجنة الدفاع البرلمانية. إذ قدّم أعضاء تلك اللجنة عريضة لحجب الثقة عن رئاسته للجنة، مع تأجيل عملية تصويت على الموضوع حتى الخريف. خلال الصيف، عمد النائب ألوود إلى "إجراء جردة حسابية" لما جرى، وفي 13 سبتمبر (أيلول)، اليوم الذي يسبق الاجتماع المرر للجنة الدفاع، أطاح ألوود نفسه بنفسه.
وإن ذلك لأمر مؤسف. فقد توجّب على النائب ألوود أن يصمد في مكانه. ولربما صعُب عليه الاستمرار في الاحتفاظ بمنصبه كأمين عام اللجنة، لكن السبب الأساسي يتمثل في أنه دُفِعَ إلى الاستقالة، التي لم تتأت من خطأ ملاحظاته، بل لأن ما أعلنه ودافع عنه، جاء مختلفاً عن المواقف السياسية السائدة التي تنتهجها الحكومة. وتفيد تلك المواقف بأن أفغانستان ضربتها الفوضى العامة منذ استيلاء "طالبان" على السلطة، والبلد بات بؤرة شيطانية تنتمي إلى العصور الوسطى، خصوصاً بالنسبة إلى النساء، وبالتالي، يجب "على بريطانيا" عدم التواصل مع "طالبان" لأي سبب، لأن ذلك قد يمنح النظام بعض المشروعية.
وبالتالي، تكمن الصعوبة في أن النائب ألوود اكتشف أن ثوابت أساسية في السياسة البريطانية لم تكن حقيقية، أو في الأقل لم تكن كلها كذلك. ويضاف إلى ذلك أنها تترك آراء المملكة المتحدة حول أفغانستان مجمدة في مكانها الذي وصلت إليه مباشرة حين الانسحاب الغربي الإجباري، من دون تقديم أي وسيلة للخروج من المأزق الحالي.
في مثل هذا التوقيت قبل عامين، عملت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على إخفاء الهزيمة التي لحقت بهما، وتمعنتا في حال الفوضى التي تُرِكَتْ خلفهما في كابول، وأنعمتا النظر أيضاً في أطلال سياساتهما في أفغانستان على امتداد عشرين عاماً ماضية، وقد صممتا، إضافة إلى أمور أخرى، على إبقاء طالبان خارج منظومة السلطة في البلاد. وفي تحرك مبكر بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، اتخذ الرئيس بايدن قرار المضي قُدماً بقرار الانسحاب من أفغانستان الذي اتخذه دونالد ترمب. ولم تتوقع الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة إلى أي مدى سيؤدي ذلك إلى ضرب الحكومة الموالية لهم في البلاد، والسرعة التي ستزحف بها طالبان نحو السلطة في كابول. ونتج من ذلك حالة التخبط والفوضى التي شهدناها في مطار كابول في أغسطس عام 2021.
وفيما تعلق تلك الصور [عن الإنسحاب الأميركي من أفغانستان] في ذاكرتنا، قد ننسى أنه آنذاك تفاوضت الولايات المتحدة، وليس المملكة المتحدة، مع حركة "طالبان". وقبل أسبوع واحد من مغادرة آخر طائرة لكابول، أرسل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، ويليام بيرنز، في مهمة سرية مخصصة لذلك. ولربما تمثّل الغرض من الزيارة بالعمل على حماية عملية انسحاب الطائرات التي تغادر مطار كابول، والحد من حالة الفوضى في المطار. لكن، في تلك المرحلة، حدث اتصال مباشر بين الجانبين.
منذ تلك الفترة، سادت على ضفتي المحيط الأطلسي، سياسة جديدة قضت بعدم الحوار مع حركة "طالبان". واتخذ ذلك القرار على رغم وجود الكثير مما يفترض الحديث بشأنه بين الجانبين. وبالنسبة إلى المملكة المتحدة، كان من المحتمل أن تتطرق مثل تلك المفاوضات أو الأحاديث إلى سبل مساعدة المترجمين الأفغان [العاملين آنذاك مع القوات البريطانية] حول سبل مغادرتهم الآمنة للأراضي الأفغانية مثلاً، من دون إجبارهم على اللجوء إلى استخدام مهربي البشر و"الزوارق الصغيرة"، إضافة إلى، نعم، الحديث عن مستقبل حق الفتيات في الذهاب إلى المدارس. ومن وجهة نظر حركة "طالبان"، لربما اشتمل مثل ذلك الحديث على المطالبة بالإفراج عن الأموال المجمدة، وزيادة حجم المساعدات.
بالطبع، ما رآه النائب ألوود مجرد صورة مجتزأة عن حقيقة الأوضاع. لكن الواقع يتمثل في أن أفغانستان ما بعد الانسحاب لم تكن كارثة على تلك الدرجة من الفظاعة التي جرى توقعها على نطاق واسع. ولم تنهَرْ الدولة الأفغانية، ولم تنزلق نحو الفوضى، ولم تستسلم للمجاعة والأوبئة. وينعم كثير من الأقاليم الأفغانية بالسلام للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. وينطبق ذلك الأمر على إقليم هلمند، حيث فشلت القوات البريطانية بشكل كبير، إما في تحقيق الاستقرار أو كبح عمليات إنتاج الأفيون، فيما تحولت [تلك القوات] إلى أهداف لهجمات "طالبان".
بعد عامين على الانسحاب من أفغانستان، حان وقت إعادة تقييم عدم اعترافنا بحركة "طالبان"، وذلك، وبدرجة أقل، كي نُبقي أفغانستان بعيدة عن قبضة الصين وتأثيرها (وإذا أفاد ذلك الطرح المحافظين المتخوفين من الصين، فليكن ذلك)، إذا لم نقل كي نحاول تحسين حياة الأفغان؟ بعض منظمات الإغاثة الدولية، من بينها منظمة "هالو" Halo، إضافة إلى الجمعيات الإسكندنافية أيضاً، قد وجدت طريقة لمواصلة العمل [في أفغانستان] على رغم استمرار العقبات، وقد شمل عملها توفير المساعدة إلى الطبقة المحرومة والفقيرة من النساء الأفغانيات.
في المقابل، لا بد من الاعتراف أيضاً أن الحقوق، ومنها حقوق النساء، ستكون بلا قيمة، طالما استمر الناس في الخوف من مغادرة منازلهم، لأن الأوضاع خارجها يعمها انعدام الأمن. وتذكروا بغداد في عام 2003. إذا نجحت حركة "طالبان" في توفير الأمن في مناطق خربتها الحروب حتى الآن، فمن شأن ذلك أن يوفر أرضية لبدء حوار لم يكن متاحاً في وقت سابق. ويجب أن يبدأ مثل ذلك الحوار.
كخلاصة، إن طوبياس ألوود، نائب في البرلمان البريطاني ليس هناك كثيرون من أمثاله. ويملك خلفية تساعده في فهم القضايا الدولية، وتتوافر لديه خبرات واسعة تشمل عمله في صفوف القوات المسلحة. إنه شخص لديه خبرة كي يفهم معنى أن تخسر عزيزاً كخسارته أخيه الذي قضى في تفجيرات في بالي [بإندونيسيا]. وبحسب ما بتنا نعرف، يتحلى ألوود بالشجاعة الفردية. واستناداً إلى كل تلك الميزات، من المؤسف أنه لم يدافع عن قضيته التي تتمثل في محاولة التواصل مع حركة "طالبان". وتستحق تلك القضية، ماضياً ومستقبلاً، مهمة الدفاع عنها.
© The Independent