ملخص
على رغم عدم الوصول إلى إجابات محددة عن شكل النظام الجاري تحميله، إلا أن أميركا كانت في القلب من أي حديث عن نظام عالمي سواء أكان قديماً أو جديداً.
في محاولة لفك لوغاريتمات ما آلت إليه أحوال النظام العالمي واستشراف ملامحه الجديدة والعالم العربي في القلب منها، انقسم محللون إلى فريقين: الأول يرى الولايات المتحدة الأميركية في القلب من القديم والجديد، وإن كان بتغيير الأدوار وتعديل التوجهات، والثاني يرى في النظام الجديد الجاري تشكيله أدوار بطولة تتسع للاعبين جدد.
منتدى الإعلام العربي في دورته الـ21 المنعقدة في دبي بين يومي 26 و28 سبتمبر (أيلول) الجاري تساءل: "هل نحن مقبلون على نظام عالمي جديد؟!"، مذيلاً علامة الاستفهام بأخرى للتعجب. وعلى رغم أن الجلسة السريعة التي أدارتها الإعلامية نوفر رمول لم تصل إلى إجابات محددة أو معالم واضحة أو أمارات جلية عن شكل النظام الجاري تحميله سواء عالمياً أو عربياً، إلا أن أميركا كانت في القلب من أي حديث أو تحليل للنظام العالمي سواء كان قديماً أو جديداً.
الكاتب إياد أبو شقرا رأى أن ما يعيشه العالم حالياً هو أقرب ما يكون إلى نظام اللانظام، أو نظام الفوضى، مشيراً إلى أن الدول والقوى العظمى حين تضعف أو تنهار لا تفعل ذلك أو تفقد قواها بين ليلة وضحاها. وقال إن الاتحاد السوفياتي وقت انهار كان قادراً على تدمير العالم بأسره، لكنه انهار في النهاية.
وعن "وهن" النظام العالمي، قال إن الوهن واضح لا ريب فيه، ويكفي أن أميركا غير قادرة مثلاً على مواجهة "تيك توك"، ولديها مشكلات مع شركة "هواوي"، وفي مواجهات عديدة مع الصين.
الأكثر تأثيراً
أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الكويت محمد الرميحي لا يرى ملامح الفوضى أو اللانظام المشار إليهما، بل لا يرى ملامح نظام عالمي جديد، يرى نظاماً عالمياً يهيمن فيه الأكثر تأثيراً، والأكثر تأثيراً هو أميركا ومعها أوروبا من واقع الأرقام والإحصاءات الاقتصادية، وذلك على رغم تداول الحديث عن قوى أخرى تلوح في الأفق مثل الصين.
يقفز اسم الصين ومكانتها وتوقعات دورها في النظام الجديد كلما ذكر اسم أميركا، لكن هذه المتلازمة لم تعد متلازمة المتناقضين سياسياً المتضادين اقتصادياً بالضرورة، بحسب ما قال الكاتب ورئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية أحمد المسلماني. "نحن إزاء جديد أبرزه أنه لم يعد هناك شرق وغرب، رأسمالية هناك واشتراكية هنا، بل باتت هناك رأسمالية ناجحة ورأسمالية فاشلة".
ويرى المسلماني ملامح نظام عالمي جديد ربما تكون فيه روسيا تابعة للصين، وأوروبا تظل تابعة لأميركا، وربما تكون القوى العظمى أميركا والصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الكاتب والباحث في شؤون السياسة العربية عبد العزيز الخميس لا يرى ذلك، بل يرى أميركا القوة العظمى الوحيدة والأهم في العالم، مضيفاً: "غير صحيح أن الصين ستحل محل أميركا". ويضيف، "ما حدث هو أن دولاً عربية شبت على الطوق، وأعلنت أنها سيدة قرارها. العرب أعلنوا أنهم يريدون أن ينفتحوا على كل القوى في العالم، لا قصر التعامل مع قوة بعينها. المسألة مسألة مصالح".
وفي سياق المصالح أيضاً، أشار محمد الرميحي مدللاً على استمرار هيمنة الدور الأميركي في العالم إلى أن جانباً غير قليل من المصالح الاقتصادية الخليجية في دول أوروبا وأميركا، بل كثير من الاستثمارات الصينية في أميركا.
ولأن أميركا والصين وأوروبا وما يجري فيها، وتوازن قوى العالم، واضطرابات العالم الدائرة رحاها لا يمكن فهمها بمنأى عما يجري في روسيا، فقد تحدث إياد أبو شقرا عن حرب روسيا في أوكرانيا حيث "مشكلة روسيا في أوكرانيا ليست بسيطة كما يظن الغرب. فأوكرانيا ثقافياً وتاريخياً جزء من الثقافة الروسية. أوكرانيا مسألة مصيرية جوهرية في منظور الدولة الروسية ومصالحها. روسيا لا تستطيع أن تتصور أوكرانيا جزءاً من الغرب أو عضواً في ناتو، هذا يعتبر اعتداءً مباشر على المصالح الروسية".
على النقيض، لم ير محمد الرميحي في مسألة الثقافة المشتركة أو حتى الواحدة ما يدعو إلى تشكيل دولة واحدة، "وإلا لأصبحت الدول العربية كلها دولة واحدة. الاعتداء على دولة مشكلة كبيرة".
تكتلات جديدة
مشكلة أخرى في النظام العالمي القائم وتستمر في فرض نفسها في النظام الجديد هي التكتلات الجديدة الجاري تشكيلها وتلك التي تنضم إليها دول جديدة، والتي يجري تسييسها جميعاً. عبدالعزيز الخميس يقول إن دخول السعودية أو الإمارات أو غيرهما إلى "بريكس" أثار ردود فعل كبيرة، وأن البعض اعتقد أنها رد على السياسة الأميركية "لكنها ليست كذلك".
التغيرات التي تجري بحسب ما يقول، "هي تغيرات طبيعية لا سيما مع تغير الأوضاع في العالم وتغير القيادة التي أصبحت شابة. تغيرت كذلك الدفة في الأولويات والنظر إلى فرص الوظائف وسوق العمل والاستثمار. يجري البحث عنها وعن الممرات الجديدة. المحللون في الغرب يعتقدون أن التكتلات والانضمام لها هي مسألة سياسية، لكننا (العرب) نراها مسألة اقتصادية ومصالح وبرغماتية بحتة. البدوي أكثر برغماتي في العالم".
مسألة التكتلات والانضمام إلى أكثر من تكتل من دولة واحدة مسألة لا تستدعي أو تستحق القلق، كما يقول أحمد المسلماني "لا أظن أن انضمام دول عربية إلى بريكس سيكون له أثر سياسي، هي آثار ومصالح اقتصادية".
الآثار والمصالح الاقتصادية تطاول أفريقيا "قارة الأمل"، وفي أقوال أخرى "قارة الأمل المفقود"، بين الحين والآخر. لماذا الالتفات لأفريقيا الآن؟ وتتواتر الأسباب الاقتصادية والمصالح. يقول المسلماني: "أفريقيا قارة منهكة. وما يجري هو صراع على القارة أكثر من كونه صراعاً من أجل القارة. بين جماعات تنشر التطرف والتشدد، وفقر وإفقار، لا يمكن القول إلا أن الدول الغربية تتعامل مع القارة باعتبارها منجماً ليس إلا".
ويضيف إياد أبو شقرا بعداً وثيق الصلة بالفقر للقارة السمراء، حيث تحولها إلى "أكبر خزان للمهاجرين. ويكفي أن التصدي للهجرة وسن السياسات التي من شأنها أن تحد من تدفقها أصبحت من أولويات سياسات الدول الأوروبية. الهجرة من العالم الثالث إلى الأول مسألة مصيرية، وقد ترسم معالم النظام العالمي الجديد".
والعالم العربي، وأغلبه عددياً يقع في أفريقيا، ليس بعيداً مما يجري. يقول محمد الرميحي أن العرب يواجهون مشكلتين مصيريتين حالياً: مواءمة التراث مع الحداثة، وعدم نجاح الدولة الوطنية الحديثة. يقول إن "هاتين المشكلتين أدتا إلى عوامل الفشل في دول مثل السودان وليبيا والتسبب في الفقر في دول مثل لبنان".
ورأى الرميحي نموذجين واضحين للنجاح "أنجزهما محمد بن سلمان ومحمد بن زايد" في إشارة إلى السعودية والإمارات.
على الطريق
تسأل المحاورة نوفر رمول: "وما التوقعات ونحن في مفترق الطرق الآن؟" فيرد عبدالعزيز الخميس بسرعة: "لم نعد في مفترق الطرق، نحن الآن على الطريق".
وعن مستقبل الخليج العربي وسط التغيرات العالمية تطرق الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي جاسم محمد البديوي إلى العلاقات مع إيران والتي وصفها بـ"عنصر مهم لضمان أمن واستقرار المنطقة"، والتي قال إنها بدأت قبل فترة طويلة وتمضي قدماً حالياً في ظل موقف موحد من كل الدول الست، والاتفاق على الطلب من إيران عدم التدخل في شؤونها واحترام المواثيق العالمية والأممية، وأضاف أن هذا التقارب ليس جديداً "لكن على إيران أن تعي المكانة الجديدة التي باتت دول الخليج العربي تحتلها وتحترم العلاقات الطبيعية التي يجب أن تكون موجودة بين الجيران".
وقال البديوي إنه التقي وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان في نيويورك قبل أيام على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنه بات من الواضح تماماً أن إيران ترغب بهذا التقارب وهذه العلاقات الإيجابية مع جيرانها من دول الخليج العربي، وأشار إلى أن إيران تجمعها بدول الخليج علاقات منذ عقود، وحتى حين تم سحب السفراء سابقاً، بقيت الجاليات الإيرانية واستمرت العلاقات على مستوى الشعوب.
وعلى مستوى الدول والقيادات، أشار الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى أن دول الخليج تتخذ خطوات جريئة وواثقة وتجدد سياساتها وفكرها، وتعي تماماً الواقع الجديد ومتغيرات الأوضاع في العالم، وحتمية التواؤم معها كوحدة واحدة.
ودلل على ذلك بقوله إن الاجتماعات التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت شاهداً على الدور الجديد الموحد لدول الخليج في كل الملفات من تنسيق وسياسات والدور الاقتصادي وضمان تدفق الطاقة والمساعدات الإنسانية وغيرها.
وضمن هذا الموقف الموحد، الوقوف على مسافة واحدة من الجميع حيث لقاءات وفعاليات مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وكذلك الصين وهكذا.
وعبر البديوي عن أسفه للحادثة المؤسفة التي وقعت على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، ومقتل عسكريين بحرينيين جراء هجوم مسيرة يعتقد أنها تابعة للحوثيين. وأضاف أن الأمور كانت بدأت في التحسن وبدأ استقرار نسبي يعود إلى المنطقة، لكن التصعيد الخطير أعاد الجميع خطوات إلى الوراء.
لكن تظل أولويات دول مجلس التعاون الخليجي الست المهيمنة هي تحقيق القدر الأكبر من التكامل الاقتصادي، لا سيما في ظل توافر كل العوامل والإمكانات. ويرى البديوي مسارين رئيسين يتوجب على الدول الخليجية العمل عليهما في الفترة الحالية: زيادة كفاءة المجلس والعمل على تقديمه الخدمات للدول الأعضاء وزيادة كفاءتها، والتكامل الاقتصادي، معتبراً الأخير هو التحدي الحقيقي.
لكن هل يمكن للمصالح الخاصة والاستراتيجية لكل دولة على حدة أن تؤثر سلباً على هذا المسار، لا سيما في ظل عصر يتسم بالاصطفافات؟ جاء الرد بالإيجاب، شرط الاستعداد لتقديم تنازلات، إذ يستحيل جني ثمار أي تكامل في لحظتها، بل يأتي الجني في مرحلة لاحقة. وأضاف أن "الدول الست تؤمن إيماناً كاملاً بأهمية التكامل الاقتصادي، لكنها حالياً في مرحلة النقاش المفتوح والصريح، إلى أن نصل لاتحادنا الجمركي والتكامل الاقتصادي".
وسلط البديوي الاهتمام على الأرقام الخليجية "المذهلة" والتي جاءت نتيجة سياسات واضحة وفتح أسواق وآفاق واستثمارات مدروسة وتنسيق مع الجيران والقوى الإقليمية والدولية. الناتج القومي المحلي لدول الخليج الست 2.4 تريليون دولار ما يضعها في المرتبة الثامنة عالمياً. ويتوقع أن يصل إلى ستة تريليونات دولار مع قدوم عام 2050، وقيمة الصناديق السيادية في الدول الست 3225 مليار دولار، وحجم التجارة البينية 1.7 مليار دولار.