Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسريبات تكشف اختراقا إيرانيا لدوائر السياسة الأميركية

باحث ألماني عرض الكتابة نيابة عن حكومة روحاني ومسؤولة في البنتاغون تأخذ المشورة من طهران حول جلسات الكونغرس وزيارة السعودية

ثلاثة على الأقل من مساعدي المبعوث الأميركي إلى إيران روبرت مالي ربطتهم صلات بحملة دعاية إيرانية (أ.ف.ب)

ملخص

باحث ألماني عرض الكتابة نيابة عن حكومة روحاني ومسؤولة في البنتاغون تأخذ المشورة من طهران حول جلسات الكونغرس وزيارة السعودية 

فجرت تسريبات لمراسلات حكومية بين باحثين غربيين من أصول إيرانية ومسؤولين في طهران جدلاً في الولايات المتحدة بشأن حملة دعاية نفذها النظام الإيراني في عهد الرئيس حسن روحاني للتأثير في المزاجين الأميركي والغربي حيال البرنامج النووي الإيراني، وتسهيل مفاوضات فيينا مع إدارة باراك أوباما.

وكشف موقع "سيمافور" الأميركي في تحقيق بالتعاون مع "إيران إنترناشيونال" عن أن الخارجية الإيرانية بقيادة الوزير محمد جواد ظريف تبنت في عام 2014 برنامجاً باسم "مبادرة خبراء إيران" لدعم قضايا إيران الدولية، وفي طليعتها البرنامج النووي الذي تسبب بعزلة طهران في الساحة الدولية.

وأظهرت رسائل بالبريد الإلكتروني تواصل مسؤولين من وزارة الخارجية الإيرانية مع باحثين وكتاب نشطين في الشأن الإيراني غربياً، منهم من يشغل منصباً حساساً في وزارة الدفاع، وآخرون مقربون من روبرت مالي، الذي عيّنه الرئيس جو بايدن مبعوثاً خاصاً إلى إيران في عام 2021 لإحياء الاتفاق النووي. 

وشملت نشاطات الشبكة نشر مقالات تدعم الموقف الإيراني وتروّج لسلمية البرنامج النووي، وأظهرت الرسائل المسربة باحثاً ألمانياً يعرض كتابة مقالات لنشرها باسم مسؤولين إيرانيين، وآخرين يرسلون كتاباتهم للمسؤولين في طهران لمراجعتها ويطلبون المشورة حول حضور جلسات استماع في الكونغرس الأميركي.

وكشفت التسريبات عن أن ثلاثة أشخاص على الأقل ممن ضمتهم قوائم الخارجية الإيرانية كانوا أو أصبحوا لاحقاً من كبار مساعدي المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، الذي علّقت الخارجية الأميركية تصريحه الأمني في يونيو (حزيران) وأوقفته عن العمل في ظل تحقيق حول سوء تعامله مع مواد سرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"مبادرة خبراء إيران"

تلقي التسريبات الأخيرة الضوء على "مبادرة خبراء إيران" التي ولدت كفكرة في مارس (آذار) 2014، وكيف وظّفها مسؤولو الخارجية الإيرانية في عهد روحاني لاختراق دوائر السياسة في واشنطن وأوروبا خلال آخر سنوات إدارة أوباما.

انطلقت المبادرة رسمياً في 14 مايو (أيار) 2014 بمؤتمر احتضنه فندق Palais Coburg في فيينا، مقر المحادثات النووية. وأدرج وزير الخارجية الإيراني آنذاك ظريف ضمن قائمة الحاضرين إضافة إلى أعضاء فريقه للمفاوضات النووية وثمانية ممثلين من مؤسسات الفكر والرأي الغربية، وفقاً لرسالة بالبريد الإلكتروني. وكان دبلوماسيون إيرانيون على مستوى منخفض قد اقترحوا في البداية عقد الاجتماع في طهران، لكن نائب ظريف نصح بعدم القيام بذلك لأسباب لوجستية.

وأظهرت المراسلات البريدية أن ظريف كان مصراً خلال النقاشات في فيينا على "ترقية أو تكوين شخصية عامة يمكنها الترويج دولياً لوجهات النظر الإيرانية بشأن قضية النووي"، وذكر على وجه التحديد النسخة الإيرانية من روبرت إينهورن، وهو دبلوماسي في إدارة أوباما وخبير في مجال الانتشار النووي، كان ينشر بانتظام مقالات علمية حول البرنامج النووي الإيراني ويظهر في مراكز الأبحاث الأميركية والأوروبية.

ووجه عدنان طباطبائي وهو أكاديمي ألماني حضر اجتماع المبادرة في فيينا رسالة إلكترونية لظريف قائلاً "لقد كنت محقاً للغاية عندما قلت إنك تأسف على عدم امتلاك لـ بوب آينهورن الخاص بها، وهو شخص يمكنه جذب الاهتمام إلى قضية إيران بالطريقة التي يفعلها آينهورن مع الولايات المتحدة أو مجموعة 5+1 في هذا الشأن".

وعرض طباطبائي على وزارة الخارجية الإيرانية في الرسالة نفسها كتابة مقالات نيابة عنها، وقال، "قد يكون اقتراحنا هو أن نعمل كمجموعة على مقال (2000 كلمة) حول المحادثات الجارية... يمكن، على سبيل المثال، نشرها باسم مسؤول سابق، من خلال CSR أو IPIS (مركزي أبحاث)، بالطبع بعد أن تراجع وفريقك المقال". ورد ظريف بقبول الاقتراح موصياً بنشر المقالات بأسماء إيرانيين وأجانب في الخارج، إضافة إلى مسؤولين سابقين.

ورفض طباطبائي التعليق على أنشطة الشبكة، قائلاً إن تقارير "إيران إنترناشيونال وسيمافور" "مبنية على أكاذيب وافتراضات خاطئة في الواقع". كما شكك في صحة المراسلات مع ظريف. وأشار موقع "سيمافور" من جانبه إلى أن شبكة "إيران إنترناشيونال" كلفت فحصاً جنائياً لرسائل البريد الإلكتروني، ولم تجد أي تناقضات في البيانات الوصفية التي قد تشير إلى أنها غير حقيقية.

تورط مسؤولة في البنتاغون

في رسالة إلكترونية بتاريخ 5 مارس (آذار) 2015، كتب سعيد خطيب زاده الدبلوماسي الإيراني المقيم في برلين، الذي أصبح لاحقاً متحدثاً باسم الخارجية الإيرانية إلى مصطفى زهراني رئيس معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية في طهران قائلاً إن "المبادرة تتكون أساساً من 6 إلى 10 باحثين إيرانيين مميزين من الجيل الثاني ممن كوّنواً صلات قوية مع مراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية الدولية الرائدة، بخاصة في أوروبا والولايات المتحدة".

وبعد أسبوع من تلك الرسالة، أفاد زاده بأن "مبادرة خبراء إيران" لاقت دعماً من أكاديميتين شابتين هما أريان طباطبائي ودينا أسفندياري بعدما اجتمع بهما في براغ، وكتب في رسالته إلى رئيس معهد الدراسات السياسية والدولية الإيراني، "اتفقنا نحن الثلاثة على أن نكون المجموعة الأساسية لمبادرة خبراء إيران".

وتعمل طباطبائي حالياً في وزارة الدفاع الأميركية كرئيسة موظفي مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة، وهو منصب يتطلب الحصول على تصريح أمني من الحكومة الأميركية. وعملت سابقاً في فريق مالي للتفاوض مع إيران حول إحياء الاتفاق النووي. أما أسفندياري فتعمل مستشارة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، وهو مركز أبحاث ترأسه مالي من عام 2018 إلى 2021.

ووفقاً لرسائل البريد الإلكتروني، استشارت طباطبائي وزارة الخارجية الإيرانية مرتين على الأقل قبل حضور بعض الفعاليات السياسية. وكتبت إلى زهراني باللغة الفارسية في 27 يونيو (حزيران) 2014، لتقول إنها التقت بالأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، الذي دعاها لزيارة السعودية. وقالت أيضاً إنها دُعيت لحضور ورشة عمل حول البرنامج النووي الإيراني في جامعة بن غوريون في إسرائيل، وكتبت، "أنا لست مهتمة بالذهاب، ولكن بعد ذلك فكرت أنه ربما يكون من الأفضل أن أذهب وأتحدث، بدلاً من إسرائيلية مثل إميلي لانداو التي تذهب وتنشر معلومات مضللة. أريد أن آخذ رأيك، وأرى ما إذا كنت تعتقد أنني يجب أن أقبل الدعوة وأذهب".

ورد زهراني، قائلاً "السعودية حالة جيدة، لكن الحالة الثانية [إسرائيل] من الأفضل تجنبها"، في حين أردفت طباطبائي. "شكراً جزيلاً على نصيحتك. سأتخذ إجراءً في ما يتعلق بـ (زيارة) السعودية وسأبقيكم على اطلاع دائم بالتقدم المحرز".

وفي رسالة أخرى، ذكرت طباطبائي إنها ستدلي بشهادتها أمام الكونغرس الأميركي بشأن الاتفاق النووي إلى جانب اثنين من الأكاديميين في جامعة هارفارد هما غاري سامور ووليام توبي، اللذين اعتبرتهما متشددين بشأن طهران، وكتبت "سوف أزعجك في الأيام المقبلة... سيكون الأمر صعباً بعض الشيء، نظراً إلى أن ويل وغاري لا يحملان وجهات نظر إيجابية بشأن إيران".

وشاركت طباطبائي مع المسؤول في الخارجية الإيرانية رابطاً لمقالة نشرتها في صحيفة "بوسطن غلوب" بعنوان "الأساطير الخمسة حول برنامج إيران النووي"، وأوضح المقال سبب حاجة إيران إلى الطاقة النووية، وسلط الضوء على فتوى تنسب للمرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي بحظر تطوير الأسلحة النووية باعتبارها مخالفة للإسلام. ويشكك بعض المسؤولين الغربيين في مصداقية الفتوى.

ولم تعلق طباطبائي وأسفندياري على التسريبات، إلا أن جهة العمل الحالية للأخيرة أكدت مشاركتها في "مبادرة خبراء إيران" وقالت إنها كانت عبارة عن شبكة غير رسمية من الأكاديميين والباحثين غير خاضعة لإشراف وزارة الخارجية الإيرانية، وإنها تلقت تمويلاً من مؤسسات أوروبية وحكومة أوروبية رفضت تسميتها.

وأكد البنتاغون في بيان دعمه لطباطبائي وعملية التدقيق المتعلقة بالموافقة على تصريحها الأمني، وقال، "يشرفنا خدمتها، لافتاً إلى أنها "خضعت لفحص دقيق وسليم كشرط لتوظيفها في وزارة الدفاع".

حملات دعاية وتأثير  

كشفت التسريبات عن تواصل علي فايز الباحث في "مجموعة الأزمات الدولية" وأحد تلاميذ روبرت مالي مع رئيس مركز الأبحاث التابع لوزارة الخارجية في طهران، إذ شاركه فايز مقالة قبل النشر حول "الأخطار المفاهيمية للدبلوماسية النووية مع إيران"، وكتب باللغة الفارسية في 4 يونيو 2014، بعد شهر من اجتماع فيينا، "أتطلع إلى تعليقاتكم وملاحظاتكم".

وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن زهراني شارك المقالة مع وزير الخارجية ظريف يوم وصوله، ثم نُشر بعد ذلك باثني عشر يوماً في مجلة "ناشيونال إنترست" تحت عنوان "معضلات زائفة في محادثات إيران"، مع بعض التغييرات الطفيفة في الصياغة. وليس من الواضح ما إذا كان ظريف قد أجرى بنفسه أي تعديلات، إذ لم يرد بأي تعليق على الرسالة البريدية. 

وتمنع عدد من مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام مشاركة المقالات قبل النشر مع أطراف أخرى، إلا أن "مجموعة الأزمات الدولية" قالت في بيان لـ "سيمافور" إنها تلتمس بشكل روتيني ونشط آراء الجهات الفاعلة الأساسية المشاركة في الصراع، وتشارك النصوص ذات الصلة مع صناع السياسات".

"مكائد إيرانية"

وذكر موقع "سيمافور" أن "مبادرة خبراء إيران ولدت من رحم إدارة روحاني الحريصة على إنهاء عزلة طهران بعد ثماني سنوات من رئاسة محمود أحمدي نجاد، والتي سعى خلالها إلى إنكار المحرقة وشجع على القضاء على إسرائيل، إذ طوّر ظريف، وزير خارجية روحاني، علاقات واسعة مع السياسيين والأكاديميين الغربيين خلال فترة عمله السابقة كسفير لطهران لدى الأمم المتحدة". وأضافت "رأى المشاركون في مبادرة خبراء إيران، ومعظم الحكومات الغربية في ولاية روحاني وصعود ظريف بمثابة فرصة لمحاولة إدماج الجمهورية الإسلامية في الاقتصاد العالمي وإنهاء الأزمة النووية، وفعلت إدارة أوباما المثل من خلال القنوات العلنية والسرية".

وقال الموقع الأميركي إن روبرت مالي وقع في شرك مكائد إيران، مشيرةً إلى غموض نظامها وعمل أجهزتها الاستخباراتية الموسع اللذين يخفيان النوايا الحقيقية للحكومة، إلا أن المراسلات الإلكترونية المسربة تعطي نظرة من الداخل على النظام.

وفي حين يُتهم مالي بالتعاطف مع النظام الإيراني، إلا أن حكومة إبراهيم رئيسي وفق التقرير "انقلبت عليه وعلى بعض أعضاء المبادرة في الأسابيع الأخيرة، واتهمتهم في وسائل الإعلام الحكومية بالسعي إلى التحريض على الاضطرابات العرقية والإثنية في البلاد"، لافتاً إلى أن صحيفة "طهران تايمز" وهي وسيلة إعلامية ناطقة باللغة الإنجليزية مرتبطة بمكتب الرئيس الإيراني احتفلت بإيقاف المبعوث وكتبت في مقالة الشهر الماضي، "إن محادثات مالي المشبوهة مع مساعديه من أصل إيراني أسهمت في سقوطه".

المزيد من تقارير