ملخص
ينبئ الوضع الأمني في باكستان بأن موجة عنف ستزداد سوءاً في الأيام المقبلة في ظل انتشار الإرهاب بالبلاد.
في أكثر عام دموي للقوات الباكستانية منذ ثمانية أعوام قتل 386 من عناصر الأمن في هجمات إرهابية خلال العام الحالي من بينهم 137 فرداً من الجيش و208 من الشرطة.
منذ تولي "طالبان" الحكم في أفغانستان زادت نسبة العنف الإرهابي في باكستان 73 في المئة، فيما تنبئ الحالة الأمنية بأن موجة العنف ستزداد سوءاً في الأيام المقبلة. على الجانب الآخر فإن استراتيجية باكستان لمكافحة الإرهاب والتعامل مع التطرف لا تجاري التطورات السريعة وليست كافية لمواجهة التحديات الجديدة.
سابقاً، بدأ الجيش الباكستاني عام 2009 بعد فترة طويلة من المعاناة والتأخير بعمليات عسكرية للقضاء على خطر الإرهاب، مما أدى إلى خفض ملحوظ للعمليات الإرهابية بين عامي 2015 و2019، كما أنها أدت إلى إضعاف الجماعات الإرهابية مثل حركة "طالبان باكستان" وشبكة الجماعات المسلحة الانفصالية في بلوشستان.
لكن الدولة الباكستانية لم تدرك هشاشة إنجازاتها في مجال مكافحة الإرهاب، ومع خفض العنف واستعادة الأمن وخلق حالة من الهدوء بدأت معضلة أخرى، إذ يتبين لمن يتفحص الأمر أنه على رغم الخفض الكبير في العمليات الإرهابية فإن مصادر التطرف الأساسية لم تنضب أبداً بل استمرت في بث سمومها وأفكارها المتشددة.
حلة جديدة
ظل الخطر الأكبر في الداخل الباكستاني بعد 11 سبتمبر (أيلول) محلياً متمثلاً في حركة "طالبان باكستان"، والحركات الانفصالية البلوشية والجماعات الديوبندية المخالفة للشيعة، وهذا التهديد الداخلي تحول إلى الخارج ونشط هناك من خلال ملاذات "طالبان باكستان" في أفغانستان، وتحول كل من المسلحين المتشددين والانفصاليين القوميين إلى أشكال جديدة من التهديدات.
على سبيل المثال، أصبحت حركة "طالبان باكستان" أكثر نضجاً من الناحية الاستراتيجية، وأكثر حنكة من الناحية السياسية وأكثر نشاطاً على مواقع التواصل الاجتماعي للبروباغندا، كما أنها أصبحت أقوى من الناحية التنظيمية وأكثر وجوداً في إقليمي خيبر بختون خوا وبلوشستان، من خلال التركيز على توحيد مختلف الفصائل الإرهابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إضافة إلى ذلك ظهرت عناصر متطرفة جديدة مما زاد الأمر تعقيداً، إذ برز تنظيم "داعش" الإرهابي في خراسان كثاني أقوى تهديد للأمن الداخلي لباكستان، بعد أن استولى على جماعات قديمة مثل "عسكر جهنغوي" وحركة "جند الله".
الحركات الانفصالية البلوشية أيضاً تحولت من حركة قبائلية غوغائية إلى نضال للطبقة المتوسطة والمتعلمة، التي تدعم وتتبنى أساليب متطرفة وعنيفة مثل الهجمات الانتحارية لتحقيق أهدافها.
استراتيجية باكستان
لعل انسحاب الولايات المتحدة وعودة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان أظهرا التحديات الخطرة التي تواجهها باكستان من خلال تصاعد موجة العنف في الدولة، إلا أن سياسة إسلام آباد في مكافحة الإرهاب والتعامل مع التطرف لم تتغير معها، بل إن البلاد تنازلت عن القرار الوطني الموحد الذي اتخذته القيادة العسكرية والسياسية لمحاربة الشبكات الإرهابية بعد هجوم 14 ديسمبر (كانون الأول) 2014 على المدرسة العسكرية في بيشاور، من خلال عقد محادثات مع الإرهابيين إبان سيطرة "طالبان" على أفغانستان.
مكنت هذه المحادثات حركة "طالبان باكستان" من إعادة توحيد صفوفها وسمحت لبعض مجموعاتها العودة إلى باكستان وأعطتها شرعية، مما أثبت كارثية في ما بعد من الناحية الأمنية.
إذاً، ماذا الذي ينبغي أن تفعله باكستان؟ في غياب الإجماع الدولي على مكافحة الإرهاب في أفغانستان يتعين على إسلام آباد أن تعمل مع البلدان الإقليمية المعنية، حتى تتوحد أصوات دول مثل الصين وإيران وروسيا في مواجهة التهديد الإرهابي المتنامي القادم من أفغانستان. وخير مثال على هذه الجهود الموحدة الجلسة التي اختتمت أخيراً في مدينة كازان الروسية لمحادثات "صيغة موسكو" في شأن أفغانستان.
إضافة إلى ذلك يتعين على باكستان أن تعيد تقييم المشهد الأمني وتدرس التهديدات الحالية قبل الشروع في محاولة تقويضها ومكافحتها.
أخيراً، من المرجح أن تستمر موجة الإرهاب في باكستان نظراً إلى التغير السريع في المشهد الأمني فيها، وسيتعين على الدولة أن تتبنى نهجاً طويل الأمد للحد من جاذبية الوسائل العنيفة لإحداث تغيير مجتمعي، ولا يتحقق ذلك إلا بزيادة الأنشطة السياسية السلمية وتعزيز الديمقراطية والعمل على تمكين الشباب.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"