ملخص
احتفالات الألعاب النارية في مصر قد تنتهي بالإعدام... إليكم القصة
الصخب رفيق الاحتفالات في مصر، بالصوت المرتفع حيناً، وبالأضواء المبهرة أحياناً، وما بين الصوت والضوء، تستجد أمور تضيف للاحتفالات بريقاً مختلفاً، وتتلاشى أمور أخرى، باتت في طي المألوف، وتكتسب الاحتفالات زخماً باختلاف أشكالها، بتعدد ما يبهر الأعين ويخطف الأنفاس، لتلبي ذلك الإبهار بجمعها الصوت والضوء، لكنها تنطوي على أخطار جسيمة.
كانت آية إبراهيم، التي تعيش في محافظة القليوبية، شمال القاهرة، تبحث عن ألعاب نارية لعرس شقيقها، كجزء من اكتمال البهجة، والاحتفاظ بصور مميزة، ومقاطع فيديو لا تنسى، وحينما عثرت على بعضها، خبأتها ليوم العرس الذي كان في قاعة أفراح غير بعيدة من منزل الزوجية، لكن الألعاب النارية وضعت الاحتفال في خانة مختلفة.
تحول الأمر في بضع ثوان، إلى حالة هرج ومرج، مع اشتعال جزء من فستان العروس، بسبب أحد الألعاب النارية، والتي كان يتحكم فيها طفل صغير، وعلى رغم إطفاء الجزء المشتعل من الفستان الأبيض، إلا أن "ليلة العمر" كما يشير لها المصريون انتهت في تلك اللحظة، وغادر العروسان.
حين وقع حادث الحمدانية، في محافظة نينوي شمال العراق، وقتل أكثر من 100 شخص بسبب ألعاب نارية، في قاعة عرس، تذكر آية تلك الواقعة، التي حدثت في عرس أخيها، والتي باتت أمراً يتندر به داخل أسرتها "هي جزء من الاحتفالات، تختلف أشكال الألعاب النارية، لكن تظل جزءاً من أي احتفال، لكن بعد ما حدث في عرس أخي لم نعد نستخدمها مطلقاً".
تجريم قانوني
لكن وإن كانت آية قد مرت بتجربة شخصية، منعتها في ما بعد عن الاحتفال بالألعاب النارية في المناسبات، لكن الأمر شائع لدى كثير من المصريين، يجهزون للاحتفالات المختلفة، سواء عيدي الفطر والأضحى، أو الخطوبة والأعراس، وأعياد الميلاد، وحتى افتتاح بعض الأماكن الجديدة، باستخدام الألعاب النارية والمفرقعات، على رغم أن القانون المصري يجرمها ويعاقب عليها.
قانون العقوبات المصري رقم 58 لعام 1937 بتعديلاته، تناولها في باب يحمل اسم المفرقعات، فنص على أنه "يعاقب بالسجن المؤبد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع مفرقعات أو مواد متفجرة أو ما في حكمها قبل الحصول على ترخيص بذلك، وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي"، كما نصت على أنه "يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع بغير مسوغ أجهزة أو آلات أو أدوات تستخدم في صنع المفرقعات أو المواد المتفجرة أو ما في حكمها أو في تفجيرها".
ثم اعتبرت أنه يقع في حكم المفرقعات أو المواد المتفجرة، كل مادة تدخل في تركيبها، تاركاً تحديدها لقرار من وزير الداخلية، ثم تناولت المادة العقاب بالسجن لكل من علم بارتكاب هذه الجرائم ولم يبلغ السلطات المختصة قبل اكتشافها، وإلى جانب تلك العقوبات، فإن المحكمة تقضي بمصادرة محل الجريمة، وكذلك الأراضي والمباني والمنشآت المستخدمة فيها، كذلك أيضاً وسائل النقل المستخدمة في نقلها، والأدوات المستخدمة في ارتكابها.
وفي حال استخدام المفرقعات بشكل يعرض حياة الناس للخطر، فإن العقوبة تكون السجن المؤبد، فإذا أحدثت موت شخص أو أكثر كانت العقوبة الإعدام.
المواد التي تعتبر في حكم المفرقعات صدر قرار بتعديلها ثم استبدل الجدول الذي يضم المواد التي تدخل في حكم المفرقعات، بجدول آخر صدر به قرار لوزير الداخلية في عام 2004، ويتضمن مواد تدخل بشكل أساس في المفرقعات وكذلك الألعاب النارية، من بينها البارود الأسود.
مبيعات الإنترنت
لكن على أرض الواقع، فالألعاب النارية والمفرقعات، تباع في غير مكان، وحاضرة بشكل كبير في المناسبات المختلفة، تباع على الأرصفة أحياناً، أو بشكل خفي داخل بعض المحال التجارية في الأحياء الشعبية، ثم وجدت طريقها إلى عالم الإنترنت، بعيداً من أعين الرقابة، لتظهر في غير مناسبة واحتفال، في يد الكبار والصغار على حد سواء.
وتجد هذه الألعاب النارية والمفرقعات أيضاً سبيلها إلى المشتريين، من خلال عالم الإنترنت في كثير من الأحوال، لا سيما الكبيرة منها، من خلال صفحات تعرض ما لديها من منتجات، وتضعها أحياناً في عروض جاذبة، وربما مقاطع فيديو تشرح طبيعة اللعبة النارية المباعة، أو التي تدخل في عرض ما، مدونة رقم هاتف للتواصل عبر تطبيق "واتساب".
وبالبحث عن تلك الصفحات، لا سيما على موقع "فيسبوك" كانت هناك عشرات النتائج، لصفحات لا تزال فاعلة، وتنشر عروضاً لألعاب نارية حتى وقت قريب، ويتفاعل المتابعون معها بالسؤال عن السعر أو طريقة الشراء، وما إذا كانت هناك كميات كبيرة متوافرة من عدمه، وترد تلك الصفحات عليهم.
أنواع مختلفة
توضح إحدى الصفحات، في منشور لها، إتاحة "الشماريخ والدخان للأفراح والمناسبات بأسعار خيالية" لكنها أيضاً تتيح الشحن لجميع محافظات مصر، موضحة أن البيع لا يقتصر على محافظة بعينها، وأنها تبيع مواد جيدة، سواء بالجملة أو القطاعي، معددة بعض الأنواع التي لديها من ألعاب نارية على شاكلة "فلاش وسموك وشنطة وسلسلة وبايرو، وكذلك هاند وشماريخ وتورتة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضبط الأجهزة الأمنية أحياناً من يقومون بالترويج لتلك المواد على مواقع التواصل الاجتماعي، كان آخرها في محافظة الإسكندرية منذ أيام، حين تم إلقاء القبض على عاطل، له معلومات جنائية، يتاجر في الألعاب النارية، ويروج لنشاطه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب الصفحات، فإن هناك مجموعات تحمل أسماء مختلفة، يتبادل فيها البعض ما لديهم من ألعاب نارية ومفرقعات، كما يتيحون البيع من دون مبادلة أيضاً، وبكميات كبيرة بحسب المنشورات والصور المعروضة، فيما تتعدد التعليقات بين المكان وطبيعة الشحن والكميات المتاحة، في منشورات عدة على تلك المجموعات.
تجربة مقلقة
تقول روان سيد، والتي تعرف أن حيازة تلك المواد ربما تضعها في خانة المساءلة حال العثور عليها بحوزتها، إنها تواصلت مع إحدى الصفحات من قبل، وأخبرها من على الطرف الآخر، بأن عليها مقابلته في أحد الأماكن التي حددها، وكانت الشابة ترغب في شراء ألعاب نارية لإحدى المناسبات في أسرتها، إنها كانت تشعر بالخطر وهي تسير في الشوارع حاملة تلك المواد في حقيبتها.
حين اشترت الشابة ما تريد، لم تجد معها ما يكفي من المال للعودة إلى منزلها، بواسطة أحد تطبيقات المواصلات، أو حتى ركوب سيارة أجرة (تاكسي)، ولأن حقيبتها تخضع للتفتيش في المترو، فإن ذلك لم يكن حلاً مطروحاً "حينها قررت ركوب المواصلات، كنت أخشى أن يضبطني أحد بتلك المواد".
تصف روان تلك اللحظات بالصعبة، كونها تحمل مواد تعرف أنها ستضعها في خانة المساءلة والعقاب، وحين وصلت إلى منزلها، كان بعض الأقارب الآخرين حصلوا على ألعاب نارية أخرى، لكنها تؤكد أنها لن تقوم بذلك الأمر مرة أخرى، لشدة القلق الذي كانت تمر به مع حمل تلك المواد.
ضبط بالأطنان
ولا توجد إحصائية تشير إلى نسب تلك الألعاب النارية، لكن أخباراً نشرتها صحف مصرية، في سنوات ماضية، تشير إلى ضبط أطنان من الألعاب النارية في بعض الموانئ، كما حدث في عام 2020 حين أمرت نيابة أمن ميناء الإسكندرية، بالتحفظ على 25 طناً من الشماريخ والألعاب النارية، والتي كانت في حاوية حاولت إحدى الشركات تهريبها، بعدما وصلت معلومات تفيد بأن إحدى الشركات في مصر، تستورد مواد محظورة ليتم ضبط المواد، ما بين شماريخ وألعاب نارية مختلفة الحجم والأشكال.
وقد سبق لمباحث موانئ السويس، إحباط تهريب 10 أطنان ألعاب نارية آتية من الصين، داخل حاوية مساحتها 40 قدماً، بعدما وردت معلومات لمباحث موانئ السويسي، باعتزام شركة استيراد وتصدير جلب كمية كبيرة من الألعاب النارية من الصين، وكان ذلك في عام 2016.
وبالعودة إلى سنوات أخرى، فإن الواقعة مكررة، فقد تمكنت الإدارة العامة لشرطة ميناء الإسكندرية في عام 2012، من ضبط 17 طناً من الألعاب النارية الآتية في حاوية من الصين، ويدخل في تلك الألعاب مواد مخالفة لقرارات وزير الداخلية بشأن المفرقعات والمواد التي تعتبر في حكمها، وجرى آنذاك ضبط 787 كرتونة، بداخلها 17 طناً من الألعاب النارية، تشمل صواريخ وشماريخ وألعاب أخرى نارية محظور دخولها البلاد بحكم القوانين.
يقول أحد باعة الألعاب في مصر، إن الصين تعد مورداً كبيراً للألعاب النارية، لكثير من الدول، ولديها أشكال مختلفة من تلك الألعاب النارية، وهي تجارة مربحة، كونها مواد محظورة، فتباع بشكل مرتفع، كونها غير متاحة في كافة الأماكن، لكنه يرفض بيعها، وإن كانت مغرية الربح "في حال تم القبض عليها فالعقوبة كبيرة، ولدي متاجر كبيرة فلن أعرض نفسي للمسؤولية القانونية أو العقابية".
مبيعات مستمرة
خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، جرى إلقاء القبض على عدد من المتاجرين في الألعاب النارية، كان أبرزها، حين تم ضبط بائع لديه نحو مليون و200 ألف قطعة ألعاب نارية مختلفة الحجم في مخزن استأجره لتخزين تلك الألعاب، وتمكنت الشرطة في أحد الأقسام التابعة لمديرية أمن القاهرة من ضبطه بعد معلومات وتحريات، تفيد بمزاولة نشاط غير مشروع، متخصص في الألعاب النارية.
خلال الشهر نفسه، كانت النيابة العامة في القاهرة تباشر التحقيق مع طالب في واقعة اتهامه بالتسبب في إصابة بالرأس لسيدة خلال استخدامه ألعاباً نارية في حفل زفاف، وأصيبت السيدة على إثرها بانفجار كامل في العين، وكسر في الجمجمة نتيجة الإصابة، وتمكن أفراد الأمن من معرفة مصدر تحصل ذلك الطالب على الألعاب النارية، وجرى ضبط ألعاب نارية لدى البائع، كان يطرحها في الأسواق، لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وخلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، قضت محكمة جنايات الإسكندرية، بمعاقبة عاطل بالسجن المؤبد غيابياً، لاتهامه بحيازة ألعاب نارية بغير ترخيص في حكم المفرقعات، وكانت تحريات مباحث أحد أقسام شرطة الإسكندرية أفادت بأنه حال مرور قوة أمنية أبصرت المتهم، وهو يروج لألعاب نارية.
وما بين إصابات وأحكام بالسجن وقوانين تجرم حيازة تلك الألعاب، فإن الألعاب النارية باتت أكثر خطورة من قبل، بتطويرها لتكون أكثر جلبة وصخباً، لكنه صخب ينتهي عادة بمشكلة.