لم تمر عاصفة خفض التصنيف الائتماني على لبنان من دون تأثيرات جانبية، تجلّت في ارتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار لدى الصرافين الذين باتوا يلجأون إلى رفع الأسعار مع ارتفاع الطلب على الدولار، ليسجل سعر الصرف مستوى 1550 وحتى 1560 ليرة لكل دولار، فيما يحدد مصرف لبنان سعر الصرف الرسمي عند 1515 ليرة كحد أقصى، وهو مستوى تلتزم به المصارف اللبنانية لكنها في الوقت ذاته، تحدّ من عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار وفق توجيهات مصرف لبنان للحفاظ على النقد الأجنبي ومنع استنزافه وتوجهه إلى الخارج.
"الاضطراب فرصة لتحقيق أرباح ولكن"
لا يتخطى حجم التداولات في سوق الصرافين في لبنان مستوى أربعة ملايين دولار يومياً وهو مستوى صغير جداً من حيث الحجم، إذا قورِن بحجم التداولات اليومية في المصارف حيث السوق نظامية ومستقرة. لذلك، لا يتسبّب حجم سوق الصيرفة الحالي بأي أزمة على نطاق الوطن، فهو معروف بسوق السيولة أو الـcash ، أي أنه سوق النقد والتحويلات السريعة ويخضع لعامل العرض والطلب.
وفي وقت زادت المخاوف من خفض تصنيف لبنان وإمكانية انعكاس ذلك على سعر صرف الليرة، لجأ اللبنانيون إلى الدولار كعملة آمنة، فزاد الطلب في المصارف وانتقل إلى السوق الحرة، وتالياً ارتفعت الأسعار.
وتؤكد مصادر مصرف لبنان أن لدى هيئة الرقابة على المصارف التابعة له، سلطةً رقابية على عمل سوق الصيرفة التي وبحسب المصادر عينها، لم تصل إلى المضاربة الفعلية أو خلق أجواء مرعبة وهي عموماً غير قادرة على ذلك، فهامش تحرك الصرافين بالنقد ضيّق، لذلك لا يستطيعون إيجاد سوق سوداء. وتضيف المصادر أن التفاوت في الأسعار بنسبة تتحرك بين 10 و20 في المئة بين السعر الرسمي والصرافة تُعدّ هوامش مقبولة عالمياً.
وتتابع مصادر "المركزي" أن أعمال التجارة الكبيرة وتمويلها بالدولار مؤمَّن عبر المصارف وبسعر 1515 ليرة مقابل الدولار، فالمصرف المركزي ما زال يلبي الطلب وإن بضوابط تُعتبَر ضرورية في أوقات الاضطرابات، محذّرةً الصرافين من الوقوع في الفخ الذي ينصبونه لغيرهم، فمعظمهم لا يملكون حسابات مصرفية وقد لا يستطيعون شراء الدولار بالقيمة التي يبيعونها والعكس صحيح.
النقد بالدولار يفوق التوقعات
وكشفت مصادر المركزي عن رقم مفاجئ تمثل بتوفر 1.2 مليار دولار نقداً في بيوت وجيوب اللبنانيين الخائفين تحت الضغطَيْن النفسي والإعلامي المُمارَسَيْن عليهم. وتلك الأموال جاهزة للعودة إلى السوق عند هدوء الاضطرابات وتراجع حدة التهويل الإعلامي، ما سيحدّ من الطلب على الدولار ويدفع بأسعاره إلى التراجع مجدداً ومن هنا أيضاً، تحذير الصرافين من الوقوع في فخ مواجهة مصرف لبنان والمصارف الكبيرة الحجم والضابطة للسيولة وسعر صرف الليرة.
تضييق على التحويلات من الليرة إلى الدولار
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجأت بعض المصارف ومنذ فترة إلى رفض تحويل مبالغ بالليرة إلى الدولار بكميات كبيرة، ما دفع إلى التوجه إلى سوق الصيرفة. ولهذا الإحجام تفسيرات منطقية، فبحسب مصادر "المركزي"، عمد الأخير بهدف حماية النقد الأجنبي من الاستنزاف، إلى تحديد "كوتا" يومية لكل مصرف وفق حاجاته، فلبنان يستورد سنوياً ما قيمته 2.4 مليار دولار من المشتقات النفطية، تُهرَّب 20 في المئة منها إلى الدول المجاورة، ما يُعدّ استنزافاً للنقد الأجنبي.
كما لجأ بعض التجار إلى الإبقاء على الدولار المستوفى من مبيعاتهم داخل لبنان في حساباتهم وتحويل الليرة إلى دولار لتمويل مستورداتهم. ودفع هذا الإجراء أيضاً بـ"المركزي" إلى وضع ضوابط على التحويل، فالدولار متاح في السوق ولكن في فترات الاضطرابات، الإجراءات الاحترازية ضرورية.
النيابة العامة
وزاد من المخاوف والضغوط، خروج نقابة أصحاب محلات الخليوي ببيان أعلنت فيه رفع أسعار بطاقات إعادة التحميل، على ضوء ارتفاع سعر صرف الليرة أمام الدولار، كونها تشتري تلك البطاقات من شركتَي تشغيل قطاع الخليوي في لبنان بالدولار وتستوفي سعرها عند المبيع بالليرة. وبعملية حسابية سهلة، تكون نقابة أصحاب محلات الخليوي رفعت سعر الصرف إلى 1660 ليرة مقابل الدولار الواحد.
ودفع هذا الإجراء وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش إلى إرسال إخبار إلى النيابة العامة المالية طالبها فيه باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق "الهيئة التأسيسية لنقابة أصحاب محلات الخليوي" التي أصدرت تسعيرة لبطاقات الخليوي المسبقة الدفع تتجاوز الأسعار المحددة من قبل وزارة الاتصالات، من دون مراعاة القوانين والأنظمة المعمول بها ومن دون أن تكون لها الصفة للقيام بذلك".
إضراب الصرافين
وفي ضوء حملة التحرك على خط ضبط السوق الموازية وبعد استدعاء صرافين للتحقيق معهم بسبب رفع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، أعلنت نقابة الصرافين وضمن إطار تمسكها بتطبيق أحكام الدستور والقوانين والأنظمة مرعية الإجراء، التي تجعل النظام الاقتصادي ليبرالياً حراً وتكفل حرية التجارة وحرية التداول والقطع، إضراباً مفتوحاً يوم الجمعة المقبل استنكاراً للممارسات التعسفية، إلى حين استتباب التعامل مع شركات ومؤسسات الصرافة على نحو قانوني وسليم.
إذاً، هي أزمة الاضطرابات التي ترافق عدم اليقين والترقب وتراجع الثقة، لكنها اضطرابات يستطيع مصرف لبنان احتواءها في هذه المرحلة وبانتظار تراجع حدة التوترات وبدء العمل الحكومي الفعلي لاستعادة الثقة.