ملخص
كانت التربة الزراعية تعاني صور التلوث الصناعي وثقافة الاستهلاك في مناطق عدة من العالم وبخاصة منطقة الشرق الأوسط حتى قبل اندلاع الحروب فيها، لكن التجربة الواقعية للحروب أكدت أن التربة الزراعية المتضرر الأكبر من النزاعات الحديثة رغم اعتبارها متضرراً جانبياً ضمن معظم الحروب المعاصرة.
ضمن حروبنا المعاصرة وبفضل تطوير الأسلحة ومنها الصاروخ، وصلت خطورة استخدام الصواريخ الحربية في النزاعات الحديثة إلى درجة إتلاف التربة والتهديد بالمجاعات وصولاً إلى ما وصفته بعض المجلات العلمية بأنه احتمال وقوع خطر الجوع الكارثي في مناطق عدة في العالم. وأكدت تقارير إخبارية أن أثر استخدام الصواريخ في بعض الحروب يمتد ليهدد أمن الإنسان الناجي من الحرب صحياً وغذائياً لعقود مقبلة من الزمن.
الفتك بالبيئة
وتؤكد هذه المصادر أنه بعد إيقاع عشرات أو مئات الضحايا من المدنيين، يمتد أثر الصاروخ الحربي الفتاك مباشرة إلى البيئة الزراعية فيحدث ضرراً فادحاً بالتربة والمناخ والمحاصيل، ويؤثر كذلك بالهواء والماء. ويعد الصاروخ الحربي سلاحاً عسكرياً تاريخياً، لأنه استمد فكرته من مبدأ المقذوفات الحربية قديماً، ولكن أخطر ميزة لهذا السلاح هي تطبيقه لفكرة الفتك الهمجية والعشوائية التي تطاول البشر والشجر والحجر من دون تمييز.
سلاح تاريخي
فالصواريخ القتالية سلاح شرس تاريخي، لكنها شهدت تطويرات دائمة أدت إلى نقلات نوعية في طرق استخدام هذا السلاح، أهمها ما كان بعد الحرب العالمية الأولى على يد الألمان. ومنذ ذلك الوقت زاد التنافس في اقتناء وتطوير الصاروخ الحربي بشكل تقني وعلمي ممنهج، لينتقل ذلك السلاح خلال فترة زمنية قصيرة، من كونه مقذوفاً بسيطاً بدائياً محدود الأثر التدميري إلى كونه السلاح الأكثر تدميراً في العالم الحديث، والدليل على ذلك هو وجود الصواريخ النووية في وقتنا الراهن.
لمحة تاريخية
استخدمت الصواريخ الحربية ضمن قدرات وحمولات وأحجام مختلفة منذ الحرب العالمية الثانية ومروراً بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وأميركا، وخلال حرب فيتنام، ثم حروب الخليج العربي، وصولاً إلى نزاعات الشرق الأوسط المعاصرة في سوريا وفلسطين.
حروب جانبية
حتى يومنا هذا تتبع فكرة الخسائر البيئية الناجمة عن المقذوفات العسكرية عموماً والصواريخ خصوصاً، مبدأ الأضرار الجانبية التي يلحقها الصاروخ الحربي بالتربة والزراعة. لكن هذه الأضرار الجانبية توسعت في زمن التطور التقني والتقدم العلمي لتصل إلى كونها حروباً رئيسة وشاملة، لأنها تخاض بدراسة بالغة ضد التربة والمياه والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة أيضاً.
لفت انتباه
بعد العولمة أدى تطوير هذه الصواريخ بصورتها الحالية إلى لفت انتباه كثير من الصحافيين ووسائل الإعلام ومراكز البحوث والمجلات العلمية إلى خطر هذا السلاح على التربة الزراعية والأمن الغذائي في العالم. إذ احترقت آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة وتلوثت المياه الجوفية مما أدى إلى فشل المزارعين في إعادة زراعة أرضهم في كثير من الأحيان.
قبل الحرب العالمية الأولى
قديماً، قبل الحرب العالمية الأولى، كانت الصواريخ أقل فتكاً، فالصاروخ الواحد كان مصنعاً ضمن معايير علمية بسيطة وساذجة مقارنة بما بات الأمر عليه الآن. مما يعني أن قدرة الحروب على تدمير التربة الزراعية بالتالي المزروعات، وصولاً إلى المياه الجوفية وصحة الإنسان، أصبحت أكبر من أي وقت سابق، فالصاروخ الحربي لم يعد قادراً على قتل إنسان واحد بالمعدل وضمن مساحة محدودة من الأرض بل أصبحت قدرته التدميرية أكبر من ذلك بكثير، هذا عدا عن تنوع حمولته، وازدياد سرعته، والدقة المتناهية في توجيهه والتحكم به.
الصاروخ الحربي
يختلف الصاروخ الحربي الحديث عن كل أنواع المقذوفات قديماً، فالصاروخ الحربي اليوم ما هو إلا جسم طائر جوال دقيق ويتمتع بقدرة تدميرية هائلة، بمعنى أن التقدم العلمي في صناعة الأسلحة كان له كل الفضل بما وصل إليه هذا السلاح من قدرات قتالية فائقة. فالعلوم الحديثة مكنتنا من تطوير سرعة المقذوف وزيادة حجم الصاروخ بدءاً من صواريخ الألعاب النارية وصولاً إلى صواريخ القتال الفتاكة وانتهاء بالصواريخ العملاقة التي تحمل المركبات والسفن الفضائية خارج الغلاف الجوي للأرض.
الدور الألماني
وصلت الصواريخ القتالية إلى أوروبا عبر الحروب الصليبية وفقاً للموسوعة العلمية الأوروبية. وفي الحربين العالميتين لعب الألمان دوراً حاسماً في تطوير هذا السلاح لتنطلق بعد ذلك شرارة التنافس العالمي على اقتناء وتطوير الصواريخ الحربية الفتاكة. وتقول الموسوعة أيضاً إن فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة شهدت بداية مشاريع عملاقة لتطوير الصواريخ. وفي يومنا هذا ساعد الوصول إلى تقنية استخدام الوقود السائل من خلال خزانات منفصلة في الصاروخ، على تحقيق قفزة نوعية، إذ تستخدم مضخات أو غاز ذي ضغط عال في تغذية الجسم الطائر بالوقود.
صاروخ نووي
بعد مرحلة الوقود الصلب والسائل لدفع الصاروخ ظهر الصاروخ الأيوني أو الكهربائي، ثم جاءت مرحلة الصاروخ النووي لتجسد روح العصر الحديث في رغبة الإنسان بالفتك بخصومه. فالصاروخ النووي يستخدم الحرارة من التفاعل النووي لإنتاج الطاقة، ولذلك وصلت سرعته إلى 35 ألف كيلومتر في الساعة، ومدى الصاروخ البسيط يفوق 300 كيلومتر، وتحمل أنواع منه من المتفجرات ما يزيد على 560 كيلوغراماً، وبعضها يحمل أكثر.
أثر الصاروخ
من أهم آثار الصواريخ الحربية الفتاكة، غير إطاحة عدد كبير من الناس، هو أثرها في التربة والأراضي الزراعية. وأدى تزايد استخدام هذا السلاح في الحروب إلى فقدان مساحات هائلة من الأراضي الزراعية إلى جانب إحجام الفلاحين عن زراعة أرضهم. إذ وصل تضرر التربة إلى مستويات غير مسبوقة بسبب احتراق الأرض وتوقف الزراعة بالسقي وانتظار مياه الأمطار من خلال الزراعة "البعلية" في بعض المناطق. ووصل حجم الضرر في حرب واحدة في الشرق الأوسط إلى 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشكلات التربة
وتؤكد تقارير صادرة عن أطراف شاركت في نزاعات وحروب، استمر بعضها لأكثر من 10 أعوام، في وقتنا هذا، أن إلقاء الأسلحة الفتاكة كالصواريخ على مناطق مأهولة زراعية تسبب في استهلاك الأرض الزراعية والتربة واقتلاع الأشجار وتسميم المياه بصورة كارثية. فبعض المناطق التي تعرضت للقصف ظلت تربتها سوداء وغير صالحة للزراعة لمدة تجاوزت أربعة أعوام، فيما ذهبت محاولات الفلاح حراثة أرضه مرات عدة أدراج الرياح، وذلك بعد تلوث التربة بالمعادن الثقيلة والسامة مثل الزئبق والزرنيخ والرصاص.
استهداف التراب
وتعد التربة أكبر الضحايا الجانبية للحروب، ويؤكد خبراء من جامعات عربية، مثل أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة المنصورة أحمد عبدالرحيم وخبير التربة والمناخ في وزارة البيئة المصرية هشام ربيع وآخرون، أن هناك حاجة ماسة لأخذ عينات من تربة ومياه وهواء ونباتات مناطق الحروب لفحصها. ويشير هؤلاء في مقابلات مع وسائل إعلام عالمية إلى أن التربة المستهدفة بالصواريخ الحربية تتعرض لاستهدافات أخرى خطرة مثل تحويل الأراضي إلى مقار للتدريب، عدا عن احتراق التربة والمزروعات بسبب القصف والاشتباكات.
القصف بالفسفور الأبيض
يقول باحثون في تقرير نشرته مجلة "نيتشر" (Nature) (مجلة دورية علمية أسبوعية بريطانية)، إن القصف بالصواريخ المحملة بالفسفور الأبيض شديد الحرارة يترك صبغة سامة من المواد الكيماوية في الهواء والتراب تفوق بكثير ما ينتج من المتفجرات الأخرى والجثث المتحللة تحت الأنقاض. مما يهد بخطر المجاعة وزيادة "الجوع الكارثي" في جميع أنحاء العالم. ومادة الفسفور الأبيض هي مادة شمعية بيضاء شفافة مائلة للاصفرار وتدخل في القذائف والصواريخ بصورة واسعة، وهي مادة خطرة دائمة الاحتراق وتترسب في التربة. واستخدمت أول مرة في القرن الـ19 على صورة محلول في حرب فيتنام وامتد استخدامها حتى يومنا هذا في نزاعات وحروب أخرى مثل الحرب العراقية والفلسطينية والسورية وصولاً إلى الحرب على قطاع غزة.
جوع كارثي
يقود القصف بالصواريخ إلى نتائج حتمية مثل اقتلاع الأشجار وتحطيمها وتدمير أنظمة المياه والصرف الصحي، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وتناقص مساحة الأراضي الخصبة بسبب إنشاء المناطق العازلة والتعديات العسكرية.
وتكشف تحقيقات في هذا الشأن عن دور القصف بالصواريخ والحروب في زيادة معاناة البيئة والتربة. فالتربة الزراعية كانت تعاني صور التلوث الصناعي وثقافة الاستهلاك في مناطق عدة من العالم وبخاصة منطقة الشرق الأوسط حتى قبل اندلاع الحروب فيها. لكن التجربة الواقعية للحروب أكدت أن التربة الزراعية هي المتضرر الأكبر من النزاعات الحديثة رغم اعتبارها متضرراً جانبياً ضمن معظم الحروب المعاصرة.