Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفاوضات جدة وقارب نجاة السودانيين من الحرب

مقترحات الحل السعودية - الأميركية تظل الأفضل على رغم التحركات الإقليمية

جانب من مفاوضات جدة بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" برعاية سعودية أميركية (الخارجية السعودية)

ملخص

منذ بداية الحرب تعددت المبادرات الإقليمية والدولية لحل المشكلة، إلا أن معظم تلك المبادرات اصطدمت بالرهان على حسم الحرب عسكرياً، مما نتج منه تصاعد حدة العنف السياسي والقبلي.

منذ بدايتها في مايو (أيار) الماضي، بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، ظلت الوساطة السعودية - الأميركية تتصدر مبادرات وقف القتال في السودان، إذ تستضيف مدينة جدة المفاوضات بين وفدي الفريقين في جولات عدة آخرها أمس الخميس، بالشراكة مع ممثل مشترك لكل من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).

ويضم وفد الحكومة السودانية في المفاوضات الحالية قائد القوات البحرية اللواء محجوب بشرى، واللواء أبو بكر فقيري، والسفير عمر صديق والمقدم طلال سليمان، بينما يضم وفد "الدعم السريع" العميد عمر حمدان ومحمد المختار وعز الدين الصافي وفارس النور.

وتهدف المبادرة المشتركة منذ نشوئها إلى عقد حوار بين طرفي القتال والتزام حماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، فضلاً عن إنشاء لجنة لمراقبة وتنسيق وقف إطلاق النار تتكون من ممثلين من الوساطة وطرفي الصراع، ووقف العدائيات من أجل الوصول إلى اتفاق حيالها.

وأسفرت المفاوضات التي رعتها السعودية والولايات المتحدة منذ السادس من مايو الماضي عن أول اتفاق (إعلان جدة) بين الجانبين لالتزام حماية المدنيين. وأعلن عن أكثر من هدنة تعهد بها قائدا الطرفين من دون الالتزام بها، وتواصلت المعارك على رغم التهديدات الأميركية بفرض عقوبات، كما استمرت الضربات الجوية والتفجيرات في عدد من مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان وضواحيها).

لكن المفاوضات السابقة انهارت في يونيو (حزيران) الماضي بسبب الخروقات في الهدنة، وتبادل الاتهامات بين طرفي النزاع، وانسحاب وفد الجيش من طاولة المحادثات احتجاجاً على رفض قوات "الدعم السريع" إخراج قواتها من منازل المواطنين والمستشفيات والمؤسسات الحكومية العامة، كما اتهمت "الدعم السريع" بدورها الجيش بالسعي إلى محاولة إفشال منبر جدة واللجوء إلى الحل العسكري، مما دفع السعودية والولايات المتحدة إلى تعليق المفاوضات.

وبهذه العودة يؤكد تيسير الرياض وواشنطن هذه المحادثات استمرارهما في حث الطرفين على استئناف ما تم الاتفاق عليه بينهما في إعلان جدة، على أن تكون الأولوية للقضايا الإنسانية ووقف إطلاق النار وتدابير بناء الثقة من أجل إرساء أساس للحل من طريق التفاوض.

ملامح الترتيبات

 لم تكن "مبادرة جدة" هي الوحيدة من أجل البحث عن إيجاد حل للأزمة السودانية، وعلى رغم طرح مبادرات عدة داخلية من الإدارة الأهلية، ورموز المجتمع السوداني والطرق الصوفية، وكذلك مبادرات خارجية عدة، لكن الحكومة السودانية ترى أن تعدد المنابر مضر بالقضية، ولا يساعد في الحل، ودعا نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار القوى الإقليمية والدولية إلى توحيد الجهود وإيقاف وضعية تعدد المنابر والمبادرات.

 وأفاد عقار في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر تقييم اتفاق "جوبا للسلام" الموقع عليه عام 2020، بمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، أن "الحكومة طرحت خريطة طريق لإنهاء الحرب الحالية عبر أربع مراحل، وهي الفصل بين القوات والعملية الإنسانية ومعالجة قضية الحرب بدمج قوات الدعم السريع وإنشاء جيش واحد، تنتهي بعملية سياسية بالاتفاق على دستور يحدد كيفية حكم البلاد".

وقال عضو وفد الحكومة المفاوض السفير عمر صديق إن "المفاوضات ستبنى على تنفيذ (إعلان جدة) التي حددت الأفعال المحظورة في الفترة القصيرة لإعلان وقف إطلاق النار لأن هناك التزاماً من الطرفين بوقف الهجمات والاعتداء على المدنيين، لكنهم واصلوا اعتداءهم على البنى التحتية واستخدام المدنيين كدروع بشرية إضافة إلى السلب والنهب والترويع واحتلال منازل المواطنين".

 

 

ورأى أنها أفعال تخالف القانون الدولي بخاصة اتفاق جنيف المعني بالنزاعات الداخلية، موضحاً أن "أهم ما ورد في إعلان جدة في ما يتعلق بالمبادئ الإنسانية هو ضمان استمرار تدفق الإغاثة للمواطنين ووصولها من دون أي عراقيل وسلامة وحماية العاملين في مجال الإغاثة".

غير أن عضو مجلس السيادة نائب القائد العام للجيش شمس الدين الكباشي، عبر عقب خروجه من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، أن موقفهم من الملف الإنساني هو احترام سيادة البلاد والمحافظة على أمنها القومي، وأن "إعلان جدة" حدد ملامح الترتيبات الأمنية والعسكرية، متمسكاً بمحاسبة قوات "الدعم السريع" على ما ارتكبته.

تسوية سياسية

من جانبها، ترى أستاذة القانون الدولي بالجامعات السودانية منيرة ساتي أن "المبادرة السعودية - الأميركية أقوى من المبادرات التي أطلقتها جهات إقليمية ودولية لوقف الحرب السودانية، مثل مصر والاتحاد الأفريقي، والآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد".

 وقالت ساتي "يشكل الرجوع إلى مبادرة جدة بعد فشل عدد من المبادرات الداخلية والخارجية الأخرى بداية الدخول في تسوية سياسية إذا اصطحبت معها الوفاء بإعلان جدة، وتجاوز الخلافات السابقة التي أدت إلى هذه الحرب، والعبور إلى محطات عملية".

وأردفت أستاذة القانون الدولي "نجاح المبادرة مبني على مدى معالجتها جذور الأزمة، أمنياً واجتماعياً بفتح مسارات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية، وإخراج الدعم السريع من منازل المواطنين، وسياسياً بالاتجاه نحو الانتقال إلى حكومة مدنية، وعسكرياً بإزالة العوائق من أجل تكوين جيش مهني موحد غير مسيس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع وجود إجماع كبير على مفاوضات جدة إلا أن هناك أصواتاً ترى تغليب الحل الداخلي من خلال "المبادرة الوطنية للمصالحة"، إذ قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في وقت سابق "الحرب في السودان دخلت مرحلة حرجة تهدد وحدة البلاد، وقد تضاءلت فرص النجاح لكل المبادرات الإقليمية والدولية للخروج من الأزمة. ويجب أن يكون دور المجتمع الإقليمي والدولي مسانداً للمبادرة الوطنية".

 كما يرى قادة "قوى إعلان الحرية والتغيير" الذين يعقدون تزامناً مع هذه المفاوضات، اجتماعات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ربط منبر جدة بـ"الجبهة الوطنية العريضة" وهي كيان سياسي يشمل كل الأحزاب السودانية ومنظمات المجتمع المدني، أسس منذ عام 2010 لوضع برنامج عملي انتقالي بعد إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير. وتبنت "الحرية والتغيير" أهدافه المتمثلة في "إقامة دولة مدنية ديمقراطية متعددة الأعراق والديانات والثقافات يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، وتطبيق النظام الفيدرالي بين أقاليم السودان، وعدم استغلال العرق أو الدين في السياسة".

خط المبادرات

 كانت مبادرة منظمة "إيغاد" التي شكلت فريقاً من رؤساء دول جنوب السودان وكينيا وجيبوتي تسير في خط المبادرات الأخرى بالاتجاه نحو تسوية الأزمة بين طرفي النزاع بإيجاد حل جذري وفتح ممرات إنسانية، ولكنها اختلفت عنها في طرحها إنهاء القتال عبر نشر قوات عسكرية أفريقية بجعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح. وربما تكون العودة إليها الآن من منطلق توسيع الشراكة لتضم أطرافاً أفريقية.

وقال أستاذ العلوم السياسية عمار سليمان "شجع إيغاد تجربتها الناجحة أثناء رعايتها مفاوضات السلام بين شمال وجنوب السودان التي أفضت إلى اتفاق نيفاشا 2005 الذي مهد لانفصال جنوب السودان عام 2011، ويمكن لهذا السبب إضافة إلى اتهام الرئيس الكيني وليام روتو بالانحياز للدعم السريع، أعلنت وزارة الخارجية السودانية اعتراضها على رئاسته مبادرة إيغاد".

وقال "بمشاركة (إيغاد) في مفاوضات جدة يتوقع كثر أن تكون هذه بداية لتكامل الجهود الدولية والإقليمية لتوسيع مفاوضات جدة كمنبر هجين".

وأشار سليمان إلى أنه "منذ بداية الحرب تعددت المبادرات الإقليمية والدولية لحل المشكلة، إلا أن معظم تلك المبادرات اصطدمت بالرهان على حسم الحرب عسكرياً، مما نتج منه تصاعد حدة العنف السياسي والقبلي وزاد تدفق النازحين واللاجئين، وزاد سوء الأوضاع الإنسانية والأمنية والاقتصادية".

قارب نجاة

 بعد ستة أشهر من الحرب وتشرد أكثر من 5 ملايين سوداني ما بين نازحين ولاجئين إلى دول مجاورة، وسقوط أكثر من 9 آلاف قتيل، وفق إحصائية الأمم المتحدة، ينظر إلى مفاوضات جدة التي تجمع بين الجيش وقوات "الدعم السريع" لتكون قارب نجاة للسودانيين ومقدمة لوقف الحرب. ولا شك أن أي مبادرة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين تجد الترحيب من الجميع، على أمل أن يضع ذلك حداً للمشكلات التي ظل السودان يعانيها منذ استقلاله في عام 1956 والتي تفاقمت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة. ويمثل تجاوب طرفي النزاع معها مؤشراً إلى توفر فرص نجاحها، خصوصاً بعد ضم الوسيط الأفريقي.

ويعتمد نجاح مفاوضات جدة على دور طرفي النزاع وعملهما على معالجة خلل الممارسة السياسية والعسكرية، خصوصاً أنهما كانا حتى قبل بداية الحرب يمثلان مؤسسة عسكرية ترجح العنصر التكتيكي على الاستراتيجي في علاقتهما بالقوى السياسية الأخرى، وذلك بسبب الهاجس الأمني الذي يحكم تحركات المدنيين على الساحتين الإقليمية والدولية.

 

 

هنا قال اللواء عباس الفكي "هناك خرق للهدن وعدم التزام المواثيق والعهود، مما أدى إلى فقدان الثقة بين طرفي النزاع، وهو ما أدى بدوره إلى ضرورة وجود وسيط خارجي وضمانات دولية أو إقليمية قبل التوقيع على أي اتفاق".

وأضاف الفكي "يمكن أن تؤثر تطورات الصراع على الأرض في إقليم دارفور بمدن الفاشر ونيالا والضعين على المفاوضات".

وكانت قوات "الدعم السريع" قد أعلنت فرض سيطرتها على قيادة الفرقة 16 مشاة في نيالا بولاية جنوب دارفور بعد معارك مع الجيش السوداني بعد استنفارها آلاف المقاتلين القبليين من ولايات وسط وغرب وشرق دارفور، من أجل مساندتها في إسقاط قيادة الجيش في جنوب الولاية. وجاء ذلك تزامناً مع إعلان طرفي الصراع قبول الدعوة إلى مفاوضات جدة، بينما ظهر نائب قائد قوات "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو مع قواته في مدينة نيالا أحد مسارح الحرب الرئيسة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير