Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

صور ضحايا الحروب والكوارث بين ضرورة النشر وقوانين الخصوصية

تسقط حقوق الميت الشخصية بموته في بعض الدول الأوروبية بينما نظم أخرى اعتبرت أنها تنتقل بالوراثة إلى أهله

توصي "شبكة الصحافيين الدوليين" المصورين والإعلاميين بالتقاط صور رمزية (أ ف ب)

ملخص

في عام 1900 التقطت صورة خلسة لفتاة مراهقة وتم استخدامها دون موافقتها في إعلانات للدقيق، إلا أنها رفعت دعوى أمام المحكمة العليا في نيويورك، فكانت البداية لسن أول قوانين "الخصوصية"... إليكم القصة

لا يمكن لقتلى الحروب أو الزلازل والفيضانات أن يعترضوا على نشر صورهم أمواتاً في وسائل الإعلام على رغم أن حق التقاط صورة لشخص آخر ونشرها في أي وسيلة، تخضع لمعايير أخلاقية وقانونية أولها موافقة صاحب الصورة على نشرها، ويحق للمعترض أن يطالب بالتعويض عن الضرر بحق أساس من حقوقه الشخصية، أي حق اختيار أو رفض التقاط صورة له ونشرها.

هذا ينطبق على كل الأشخاص الأحياء، بل ويحق للمشاهير الذين تشكل شخصيتهم علامة تجارية بذاتها الحصول على تعويضات كبيرة في حال تم استخدام صورهم وشهرتهم في تحقيق ربح أو الترويج لمنتج ما، مهما كان نوعه.

بالطبع فإن هذا الموضوع بات مطروحاً بشدة حول العالم بعدما تحول كل شخص إلى مصور فوتوغرافي وفي كل لحظة يحمل فيها هاتفه ويلتقط صورة لمشهد ما، بل ويمكنه نشر هذه الصورة حول العالم في اللحظة نفسها أيضاً، فأدى هذا الموضوع إلى نشوء جدالات كثيرة حول التصوير في الأماكن العامة وحقوق الأشخاص المتواجدين والمارة خلال التصوير، وأيضاً الذين يتم تصويرهم عن قصد من دون معرفتهم بعدما باتت أجهزة التصوير فائقة القدرة على التقاط الصور الواضحة لأشخاص بعيدين من الكاميرا.

هذه الحالات أعادت طرح الأسئلة حول حق الموتى في الاعتراض على نشر صورهم بعد موتهم خلال حرب ما أو زلزال أو حادثة سير أو مرض أصابهم.

التساؤل الأول الوارد هو كيف يكون للميت الحق في الاعتراض بعد موته؟ وهذا ما أجابت عنه قوانين حديثة كثيرة في بعض الدول الأوروبية، بأن حقوق الميت الشخصية تسقط بموته، ومنها حقه في الاعتراض على تصويره ونشر صورته في وسائل الإعلام.

وعلى رغم منطقية هذا الحل فإن نظماً قانونية أخرى اعتبرت أن حق الميت الشخصي ينتقل بالوراثة إلى أهله، بالتالي يصبح حقه في الاعتراض على عرض صوره من حق ورثته، ويمكنهم المطالبة بتعويض عن نشر صور فقيدهم من دون إذنهم.

هذه الحجج المتبادلة بعض من آراء كثيرة متداخلة ومتعاكسة في موضوع حقوق نشر الصور من دون إذن أصحابها في عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتقدم التقني الكبير، إذ بات حق الاعتراض الشخصي على التصوير في مكان عام من الأمور المعقدة جداً.

قتلى المجازر والعنف ومشاهد الموت الأليمة

ينتقل هذا النقاش إلى عالم مصوري الفوتوغرافيا الذين يتسابقون للحصول على الصورة الأكثر ارتباطاً بالحدث ولو على حساب جثث الأشخاص الذين يظهرون فيها ومعاناة أهاليهم، وبدأ هذا النقاش منذ مقتل الأميرة ديانا في حديث سيارة تم اتهام مصوري الباباراتزي بالتسبب به، ثم تكرر الأمر في حالات تصوير إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين شنقاً، وكذلك قتل العقيد الليبي معمر القذافي والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والتمثيل بجثثهم أمام الكاميرات، وعلى رغم كثرة الحالات التي يمكن البحث فيها حول حدود حقوق المصورين الصحافية والإعلامية، إلا أن حلاً واحداً واضحاً لم يخرج من بينها حتى اليوم.

تقوم كل دولة على حدة بوضع قوانينها حول أمور تصوير الموتي وتصوير الآخرين في الأماكن العامة، ومعظم هذه القوانين يستند إلى قرارات المحاكم القضائية في قضايا مرفوعة أمامها حول هذا الأمر.

وتقوم المنظمات الدولية المعنية بحقوق ضحايا الحروب والنزاعات والجوائح الطبيعية بنشر تعليمات حول كيفية التقاط الصور ونشرها لهؤلاء الضحايا، كما تقوم جمعيات التصوير الفوتوغرافي في الدول وتلك التي تنضوي في إطارها منظمات وجمعيات تجمع المصورين العاملين في وسائل الإعلام أو في غيرها من الوسائل التي تعتمد على الصورة والفيديو لنقل الأحداث التي تجري في مكان ما.

على سبيل المثال توصي "شبكة الصحافيين الدوليين" المصورين والإعلاميين التقيد بالتعليمات التالية لتصوير ضحايا مجزرة ما، ومنها التقاط صور رمزية لما حصل من خلال تصوير يد أو قدم شخص مقتول، أو صور لملابس ملطخة بالدماء، أو حتى ألعاب أو أحذية أطفال، إضافة لالتقاط صور عامة للمكان الذي وقعت فيه المجزرة، قد تجد حائطاً عليه طبعة يد ملطخة بالدم، وغيرها من الرموز التي تساعد على إيصال الفكرة القاسية من دون المساس بكرامة وخصوصية الضحايا وأهاليهم.

اقرأ المزيد

ويحدد أمين عام شبكة الصحافيين الدوليين عمرو الأنصاري في بحثه "ما بين السبق الصحافي وأخلاقيات المهنة… 20 نصيحة لنشر صور الجثث" في الطريقة التي يجب اتباعها لتصوير طفل ناج من مجزرة ما أو إجراء مقابلة معه.

وبسبب خصوصية الطفل سناً وفهماً لما يجري حوله وعدم امتلاكه القدرة على رفض المقابلة أو التصوير، فإن الأنصاري ينصح المصورين بطرح  أسئلة عدة، منها هل هذا الطفل من الأطفال الذين فقدوا بيوتهم في القصف؟ إذاً هو مدمر مثل ألعابه أو تائه يبحث عن سريره الدافئ وأهله، وهل هو شقيق أحد القتلى؟ إذاً فقلبه مشروخ يبحث عن سنده، وهل هو ابن قتيل أو قتيلة؟ إذاً فقلبه ينزف ويبحث عن المتكأ، هل هو صديق قتيل أو زميل صف؟ كل حالة لها خصوصية أكبر وفقاً لدرجة اقتراب الطفل من بؤرة القصة، حسب قول عمرو.

وبرأي الشبكة الدولية للمصورين الفوتوغرافيين، فإنه ينبغي على الصحافي ألا يعرض الصورة بأي حال من الأحوال بشكل من أشكال الإثارة، فبدلاً من نشر صورة كبيرة على الصفحة الأولى، يمكن نشرها في داخل الصحيفة كصورة صغيرة، وبدلاً من عرض صور عدة ذات دلالة واحدة، يتعين على الصحافي البحث عن صورة واحدة قوية معبرة، على ألا يكون السعي وراء السبق الصحافي وتحقيق مزيد من الانتشار والجماهيرية هو الهدف على حساب حقوق الضحايا ومشاعر المشاهدين وضرورة نقل المعلومة.

وتوصي المنظمة بتحذير المشاهد أنه على وشك الاطلاع على محتوى مسيء أو مؤلم، ومن ثم على المحرر أن يضيف رابطاً يمكن المستخدم أن يضغط عليه ليرى الصورة بعد التحقق من إخفاء وجوه الضحايا الظاهرة في الصورة على الأقل.

ويقدم المصور عمراوي نصيحة بسيطة لكيفية إخفاء هوية الشخص المراد تصويره بأن يقف الشخص الذي ترغب في ظهوره بشكل معتم أمام مصدر الضوء، مما يؤدي إلى اختفاء تفاصيل وجهه وظهوره بشكل معتم.

وحول الموضوع نفسه كانت منظمة الـ"يونيسف" أصدرت نشرة تضم مبادئ رئيسة حول التغطية الإعلامية المسؤولة بخصوص الأطفال واليافعين كي لا يؤدي تصويرهم إلى تعريضهم أو تعريض أطفال غيرهم لخطر الانتقام أو الوصم، خصوصاً وأن الأطفال فئة ضعيفة لا يستطيعون تحديد ما يمكن أن يقال وما لا يجب أن يقال، ولا يعرفون ما إذا كان ما يقولونه سيتسبب بضرر لهم أو لعائلاتهم.

لذا اعتبرت المنظمة الدولية أنه لا يجوز مقابلة طفل مهما كان عنوان القصة ومهما كانت درجة قربه من بؤرة الحدث، قبل أخذ إذن ولي أمره، وشرح الهدف من المقابلة له.

في القانون الإنجليزي والمتبع أيضاً في ولايات أميركية كثيرة وعدد من الدول فإن "الحق في الخصوصية هو حق شخصي يسقط عند الوفاة"، ولذلك لا يمكن للموتى المطالبة بالتعويض عن نشر صورهم دون إذن، ومع ذلك قد يكون لورثة الشخص المتوفى الحق في التحكم في الاستخدام التجاري لصورة الشخص المتوفى.

وقد أردف محرر الموسوعة البريطانية حول الأمر بأن الجماعة الصحافية الدولية أجمعت على احترام الخصوصية، فإذا كان محظوراً على الصحافي استضافة شخص مقيد الحرية أو طفل غير واع أو مريض غير قادر على التحكم، فيكون من الأجدر به احترام قدسية الموت وعدم السعي لتصوير إنسان متوفى لا يملك من أمره شيئاً.

بعض النظم التشريعية توصلت إلى قليل من القواعد الجديدة التي يعتقد أنها ستتغير وتتبدل وتتطور مع مرور الوقت، فاعتبرت أنه إذا كان المصور الذي التقط الصورة موجوداً في ممتلكاته والأشخاص الذين يصورهم موجودون في مكان عام فلا يمكن اعتبار عمله انتهاكاً لقوانين الخصوصية.

يقوم هذا المبدأ على قياس مدى انتهاك التقاط الصورة لحقوق الخصوصية الشخصية على نوع المكان الذي تلتقط منه سواء كان خاصاً أو عاماً، وكلما كان المكان أكثر عمومية تضاءلت حقوق الموجودين فيه، وبالطبع ترتفع حظوظ المطالبة بتعويضات لمن التقطت صورته من دون إذنه في مكان خاص كمكتب العمل أو في المنزل أو في غرفة تغيير الملابس داخل محل للألبسة، وهو مكان خاص داخل المكان العام.

المزيد من تقارير