Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختفاء محير وأثمان باهظة... لماذا ارتفع سعر "كيس السكر" في مصر؟

السوق تشهد تعطيشاً يمهد لارتفاع السعر والأزمة تتجاوز المستهلك وصولاً إلى المصانع

توفر الدولة السكر لمستحقي الدعم بأقل من نصف دولار وتتحمل فارق السعر (أ ف ب)

ملخص

سعر الكيس وصل 1.5 دولار في بلد تمتلك اكتفاء ذاتياً بـ90 في المئة تقريباً من الاستهلاك

ذاب السكر كعادته، في سوق استهلاكية واسعة عانت، أخيراً، من ظاهرة "التعطيش" في بادرة وإشارة مهمة تمهد دوماً لرفع أسعار السلع عملاً بما استقر في العقلية الجمعية المصرية من أن العثور على السلعة بسعر مرتفع أفضل بكثير من اختفائها على سعر متدن.

وفي الآونة الأخيرة، عانت السوق المصرية اختفاء "كيس السكر" قبل أن يأخذ طريقاً إلى الظهور بأسعار أعلى مما كان عليه، بفعل ممارسات التخزين التي وقفت وراء أزمة شحه وارتفاع ثمنه، وجعل السوق عطشى وأرفف البقالات والمتاجر خالية إلا من حضور مصحوب بسعر باهظ.

وبينما عانت رحاب إبراهيم، الموظفة الأربعينية في محافظة دمياط شمال البلاد في رحلة البحث عن "كيس السكر" في عديد من المتاجر، حتى وجدت أحدها يبيعه بسعر أعلى، اضطرت لشراء أربعة أكياس تجنباً لاختفاء محير في السوق المصرية.

حتى قبل عامين، كانت رحاب مدرجة على قاعدة مستحقي الدعم الحكومي ضمن 65 مليون مواطن، وهو ما كان يتيح لها الحصول على السكر بأسعار زهيدة ومدعمة، تتحمل فيها الدولة فارق السعر بين الكلفة الفعلية وسعر البيع، لكن امتلاك زوجها سيارة حديثة، دفع نحو قيام وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية بإزالتها من قاعدة المستحقين، أخيراً.

الكيس بـ1.5 دولار

أما محمد يحيى، العامل الثلاثيني في أحد محال الحلويات الشرقية بالمحافظة ذاتها، فقال لـ"اندبندنت عربية"، إن الأسعار ارتفعت سريعاً بالنظر إلى ارتفاع كلف الإنتاج، إذ يدخل السكر مكوناً رئيساً من مكونات الحلويات الشرقية، وفي بيته اضطر هو الآخر لشراء السكر الأبيض غير المدعم بسعر 47 جنيهاً (1.52 دولار) للكيس، بعد اختفاء محير، وفق ما يقول.

وبينما تصر وزارة التموين والتجارة الداخلية، على امتلاك البلاد مخزوناً استراتيجياً يكفي ستة أشهر من الاستهلاك، وذهاب تقديرات رسمية إلى اكتفاء البلاد من السلعة بنحو 90 في المئة تقريباً، يبدي مصنعون ومنتجون وتجاراً اندهاشاً حيال الأزمة الحالية في حديثهم لـ"اندبندنت عربية"، في وقت تقول الدولة إنها توفر السكر لمستحقي الدعم بـ12.60 قرش (0.41 دولار) وفي بعض منافذها بـ27 جنيهاً (0.87 دولار).

ويصر رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية بالجيزة هشام الدجوي، في حديثه على وفرة المعروض من السكر بسعر 27 جنيهاً (0.87 دولار)، نافياً وجود أي اختفاء للسلعة، في حين يقر عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية حازم المنوفي، بمعاناة المستهلكين مع سعر السكر الذي اختفى، وفق ما يقول لـ"اندبندنت عربية" بفعل ممارسات التخزين السلبية من جانب بعض الموردين وكبار التجار.

وقال المنوفي، إن أسعار السكر الحالية في مصر "غير مبررة" فلا معنى لارتفاع المنتج بهذا المستوى في ظل امتلاك الدولة لاكتفاء ذاتي يقارب 90 في المئة، مطالباً الأجهزة الرقابية بتشديد حملاتها على الأسواق، والعمل أيضاً على وفرة المعروض من السكر في المنافذ المملوكة للدولة، معتبراً أن الإجراء الأخير يكفل الحد من الأزمة من دون أي يقدم حلاً نهائياً في شأنها، إذ إن الحل رهن إحكام الرقابة على الأسواق بشكل عام.

بوادر الأزمة

وظهرت بوادر الأزمة للعلن في الشهر الماضي، حين أعلنت وزارة التموين بالتعاون مع القطاع الخاص، الاتفاق على طرح السكر بسعر 27 جنيهاً، ضمن حزمة من سبع سلع أخرى مخفضة بما يراوح ما بين 20 و25 في المئة تشمل "السكر، وزيت الطعام، والرز والفول، والعدس، والألبان، والجبن الأبيض، والمكرونة"، بهدف تخفيف العبء عن كاهل الأسر ومحدودي الدخل.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، مددت الهند، أكبر منتج للسكر في العالم، القيود المفروضة على تصدير السلعة مدة عام حتى أكتوبر 2023، بغية التهدئة من وتيرة التضخم محلياً والحد من ارتفاع الأسعار بعد صادرات قياسية بفعل الطلب العالمي المتنامي، فيما تقدر وزارة الزراعة الأميركية، إنتاج القاهرة من السكر في العام التسويقي 2022-2023 عند 2.925 مليون طن، من 2.4 مليون طن في موسم 2018-2019، و2.8 في 2021-2022.

وبحسب وزارة التموين المصرية، يبلغ حجم إنتاج البلاد من السكر 2.8 مليون طن، فيما تقدر حجم الاستهلاك بـ3.1 مليون طن، ويتم سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك عبر استيراد كميات تتراوح بين 300 و400 ألف طن.

أزمة في المصانع

لكن على ما يبدو من حديث رئيس شعبة السكر والحلوى بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية، حسن الفندي لـ"اندبندنت عربية"، فإن الأزمة لا تتعلق بالمستهلك وحده، إذ تمتد آثارها لتشمل المنتجين والصناع أيضاً، وهو واحد من هؤلاء، إذ يقول إن السكر الذي يعد مكوناً رئيساً من مكونات إنتاج عديد من السلع الغذائية مثل العصائر والحلوى وغيرها مختف وتعاني المصانع من ندرة وجوده، فضلاً عن أسعاره المرتفعة.

وبينما يبدي الفندي حيرة في شأن الأزمة وجذورها في بلد ينتج 90 في المئة من استهلاكه، فإنه يطالب الحكومة بالتدخل لمواجهة الأزمة والوقوف على أسبابها بشكل جلي، بخاصة مع تضرر المصانع من الأسعار المرتفعة للسلعة، وهو ما يمكن معه تمرير هذه الارتفاعات للمستهلك النهائي.

أما حازم المنوفي، فيعود في حديثه ليؤكد أن ارتفاع الأسعار غير المبرر لا يخدم المنظومة التجارية ولا يدفع المبيعات، إذ إن الملاحظ له تراجع المبيعات في ضوء ارتفاع الأسعار وامتناع البعض عن الشراء أو حتى تقليص المشتريات وقصرها على الضرورات، وهو ما يتعين معه الحفاظ على الأسعار في متناول القدرة الشرائية للمستهلكين من دون المغالاة فيها.

تضخم شرس

واستشرى التضخم في مصر، في أعقاب تراجع الجنيه المصري أمام الدولار ثلاث مرات منذ مارس (آذار) من العام الماضي، إثر هرب 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في الربع الأول من عام 2022، بفعل التشديد النقدي الذي مارسه "الاحتياط الفيدرالي" وارتفاع عوائده على الأموال الفيدرالية وسندات الدين، وهو ما أسهم في إحياء السوق السوداء من جديد بعد سنوات من مواتها، ليسجل السعر الرسمي في البنوك المحلية 30.85 جنيه للدولار في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، ويرتفع في السوق الموازية إلى مستوى يقل قليلاً عن 50 جنيهاً للدولار، بحسب متعاملين، في وقت يترقب المصريون، قراراً في شأن تعويم رابع أمام الدولار، وسط مساع للقاهرة للوفاء باشتراطات صندوق النقد الدولي المتعلقة بمرونة سعر الصرف، والحصول على شرائح جديدة من قرض الثلاثة مليارات دولار، المتفق في شأنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضمن برنامج لـ46 شهراً يشمل ثماني مراجعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل أيام، أعلن البنك المركزي المصري أن المعدل السنوي للتضخم الأساس سجل 38.1 في المئة خلال أكتوبر 2023 من 39.7 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) 2023، وذكر أن الرقم القياسي الأساس لأسعار المستهلكين، وفقاً لمؤشراته سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.8 في المئة خلال الشهر الماضي، مقابل معدل شهري بلغ ثلاثة في المئة خلال الفترة نفسها من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.1 في المئة خلال سبتمبر 2023.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أعلن أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ 190.1 نقطة لشهر أكتوبر الماضي مسجلاً تراجعاً في معدل التضخم السنوي، إذ وصل إلى 38.5 في المئة مقابل 40.3 في المئة لشهر سبتمبر 2023.

وأرجع الجهاز أسباب التراجع إلى خفض أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 0.6 في المئة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 2.9 في المئة، ومجموعة الخضراوات بنسبة 2.5 في المئة، ومجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 0.1 في المئة، واستقرت أسعار مجموعة خدمات البريد وأسعار مجموعة خدمات الهاتف وأسعار مجموعة التأمين، على رغم تغير أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 5.6 في المئة، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 0.1 في المئة، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 3.6 في المئة، ومجموعة الملابس الجاهزة بنسبة 0.5 في المئة.

وذكر "جهاز الإحصاء" أن معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية تراجع ليسجل 1.2 في المئة أكتوبر الماضي، مقابل اثنين في المئة في سبتمبر السابق عليه، وجاء هذا التراجع نتيجة تسجيل قسم الطعام والمشروبات تغيراً قدره 1.7 في المئة وخفض في أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 0.6 في المئة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 2.9 في المئة، ومجموعة الخضراوات بنسبة 2.5 في المئة.