ملخص
يرى مراقبون أن ما يحدث من تصعيد عسكري بين الجيش و"الدعم السريع" يهدف فعلياً لتحقيق مكاسب على الأرض من شأنها أن تحسن وتعزز الوضع التفاوضي للطرفين
تواصلت المواجهات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في جبهات القتال المختلفة في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، وتحديداً في منطقة جبل أولياء الواقعة على بعد 45 كيلومتراً جنوب الخرطوم، التي ما زال كل طرف يدعي سيطرته عليها ببث مقاطع فيديو مصورة لجنوده يتجولون في طرقاتها ومحيط قاعدتها الجوية، فيما شهدت المنطقة حركة نزوح جماعي لسكانها باتجاه الجنوب نحو المناطق الآمنة في ولاية النيل الأبيض، فضلاً عن عمليات نهب وسلب لممتلكات مواطنيها. وبحسب شهود عيان، فإنه سمع الثلاثاء دوي انفجارات قوية في منطقة جبل أولياء وتحليق مكثف للطيران الحربي التابع للجيش في هذه المنطقة، إضافة إلى شن غارات على مواقع "الدعم السريع" بضاحية الرياض شرق العاصمة، التي ردت بإطلاق المضادات الأرضية بكثافة.
وأشار الشهود إلى تبادل الجانبين عمليات قصف مدفعي متواصل انطلق من منصاتهما المختلفة في مدن العاصمة الثلاث باتجاه محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، ما أحدث انفجارات عنيفة تصاعد على أثرها الدخان في سماء تلك المنطقة.
وأبان مواطنون بأن اشتباكات وقعت بين القوتين في منطقة الفتيحاب ومحيط سلاح المهندسين جنوب أم درمان، كما تعرض سكان الحارة الثامنة الثورة، شمال أم درمان، إلى قصف مدفعي عشوائي من قبل قوات "الدعم السريع" تسبب بحالات هلع وخوف وسط السكان ونزوح بعضهم إلى خارج هذه المنطقة.
ووفقاً لهؤلاء المواطنين، شهد محيط جسر الحلفايا الذي يربط بين مدينتي أم درمان وبحري، اشتباكات عنيفة بين طرفي الصراع باستخدام جميع أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة بمشاركة المسيرات.
كسر الحصار
ورأى الباحث السياسي السوداني، ماهر أبو الجوخ أن "ما يحدث من تصعيد عسكري بين الجيش والدعم السريع يهدف فعلياً لتحقيق مكاسب على الأرض من شأنها أن تحسن وتعزز الوضع التفاوضي للطرفين اللذين يتفاوضان حالياً قي منبر جدة برعاية الوساطة السعودية- الأميركية، لكنه لا يعتقد أن سير هذه العمليات قد يقود إلى حسم أو إنهاء الحرب الدائرة بينهما منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لذلك هي تحركات فعلية مرتبطة بتحسين المواقف التفاوضية أكثر من كونها تحسم الحرب.
وتابع أبو الجوخ "بالنسبة إلى تحركات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الأخيرة باتجاه كل من السعودية وكينيا، فإنها فعلياً تعد محاولات لكسر الحصار الإقليمي والدولي المضروب على دعاة الحرب الذين يمثل البرهان رأس رمحهم الحقيقي باعتباره ظل منذ خروجه من القيادة العامة يمارس التسويف في المسار التفاوضي، وبات من الواضح أنه تحت الضغط والتأثر المباشر بمنظومة النظام المباد باعتبار أن مواقفه النهائية تتوافق مع توجهات ذلك النظام".
وواصل "بالتالي فإن محاولات إعاقة منبر جدة ما عاد لها خيار سوى العمل على خلق مسار إقليمي موازي عبر منظمة الإيغاد أو الاتحاد الأفريقي، وفي تقديري أن هذا الأمر محكوم عليه بالفشل أيضاً لأن الإيغاد والاتحاد الأفريقي موجودان في مسار جدة 2، ولذلك فهامش المناورة أصبح معدوماً تماماً، وأن المسار الذي يحظي بالقبول والسند المحلي والإقليمي والدولي هو منبر جدة لوقف الحرب، فليس بالإمكان إعاقته ولن يستطيع البرهان والنظام المباد إعلان مغادرته، كما ليس بمقدورهم تسويق بضاعاتهم لكسب الوقت". ومضى في القول "قد يلجأ البرهان وأنصار النظام السابق للتلكؤ، لكن وفق المعطيات الراهنة فإنهم سيهدرون وقتاً طويلاً سيخصم من فرص ورصيد قائد الجيش المستقبلي قبل أن يستكملوا مفاوضات جدة، هذا ما لم يحدث تصدع في الجبهة الداخلية لأنصار البرهان ومسانديه بسبب هذا الواقع. وأي كانت التطورات، فكل الطرق في المستقبل ستقود صوب منبر جدة لإنهاء الحرب في السودان".
وحدة القوى المدنية
في الأثناء، التأم المكتب التنفيذي لتحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وكادره القيادي أمس الأربعاء في اجتماع بالقاهرة حيث ناقش عدداً من القضايا السياسية والتنظيمية وسبل تطوير رؤى تلك القوى وأدوات عملها، مما يعزز فعاليتها ويمكنها من القيام بدورها ومهماتها، بخاصة في جانب "وحدة القوى الديمقراطية والمدنية وقوى الثورة والانتقال من أجل إنهاء الحرب وتحقيق السلام واستعادة الانتقال الديمقراطي واستكمال أهداف وشعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، فضلاً عن تفكيك بنية التمكين والفساد".
وبحسب بيان للتحالف، فإن "الاجتماع سيبحث على مدى أربعة أيام كل ما يتصل بالأوضاع الإنسانية وإيصال المساعدات والعدالة الانتقالية وقضايا الانتهاكات والرؤى الاقتصادية والإعمار وجبر الضرر والتعويضات".
ولفت البيان إلى تأكيد قوى الحرية والتغيير على استمرارها في "كل جهود ومساعي وحدة القوى الديمقراطية المدنية ومد يدها لكل قوى الثورة والانتقال من أجل إنهاء الحرب وتحقيق السلام واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي"، فيما حض "طرفي النزاع على وضع حد لهذا الصراع عبر التفاوض من خلال منبر جدة دون كلل أو ملل حتى تضع الحرب أوزارها وينعم السودان وأهله وجيرانه بالسلام مجدداً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعهد بحماية المدنيين
من جانبه، حث القائد الثاني لـ "قوات الدعم السريع" عبد الرحيم دقلو الفارين من القتال في إقليم دارفور على العودة إلى قراهم وتعهد بتوفير الحماية لهم ومحاربة المتفلتين الذين يعتدون عليهم.
وقال دقلو في خطاب مصور، "ندعو أهلنا اللاجئين والنازحين في إقليم دارفور للعودة إلى مناطقهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية، وليس هناك ما يخشونه اليوم". معترفاً بأن "سكان إقليم دارفور عانوا خلال السنوات الماضية من ظلم واضطهاد النظام البائد"، الذي قال إنه "أفسد الحياة وأشعل نيران الفتنة القبلية والعنصرية في ما بينهم". وأضاف أن "هذا العهد البائد لن يعود مرة أخرى، ستتعافى دارفور إلى الأبد من القتال والصراع القبلي والفتن وسينعم الجميع بالأمن والاستقرار ولن نسمح للفلول بتنفيذ مخططاتهم الخبيثة التي تهدف إلى الفتنة".
وأردف دقلو "سنقولها بالصوت العالي، إن وحدة السودان وأراضيه وشعبه، خط أحمر، ولن نسمح لكائن من كان المساس بها. السودان انقسم من قبل إلى شمال وجنوب ولم يجنِ شعب البلدين شيئاً من هذا الانقسام وظلت القضايا التي تسببت فيه كما هي دون حلول"، لافتاً إلى أن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق قوات الدعم السريع، هي حماية المدنيين وتأمينهم والحفاظ على ممتلكاتهم العامة والخاصة.
وأشار عبد الرحيم دقلو إلى "وقوف الدعم السريع على مسافة واحدة من جميع المكونات السكانية في دارفور والدفاع عنهم"، مبيناً أن القوات ستواجه من أسماهم "المتفلتين والمتربصين بأمن وسلامة المواطنين". ولفت إلى عدم تردده في محاسبة أي فرد يعتدي على حقوق الآخرين أو يهدد أمنهم وسلامتهم، مع تأكيده بأن قوات "الدعم السريع" لن توفر حماية للمتفلتين وستواجههم بالحسم والردع، مشيراً إلى استعدادهم للتعاون مع أي لجان تحقيق متعهداً بتقديم أي فرد يثبت تورطه في ارتكاب انتهاكات لمحاكمة عادلة. وحض دقلو سكان دارفور إلى "إعلاء روح التسامح ومحاربة خطاب الكراهية والعنصرية في ما بينهم وتفويت الفرصة على دعاة الفتنة". كما دعا سكان مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور إلى "التعايش وتجاوز مرارات الماضي"، مطالباً في الوقت ذاته "الحركات المسلحة بالتعاون مع قوات الدعم السريع والقيام بالواجب تجاه توفير الأمن والاستقرار لإنسان دارفور".
وكانت قوات "الدعم السريع" سيطرت الشهر الماضي على الجزء الأكبر من إقليم دارفور عقب معارك ضارية مع الجيش السوداني في ولايات جنوب ووسط وغرب دارفور، وتسلمت مواقع الجيش في تلك الولايات. وعقب إعلان قوات "الدعم السريع" بسط سيطرتها على ثلاث ولايات من أصل خمس، غادر عدد كبير من السكان المدن الرئيسة هرباً من انتهاكات وتجاوزات محتملة.
الإمدادات الجراحية
إلى ذلك، حثت منظمة "أطباء بلا حدود"، السلطات السودانية على رفع حظر نقل الإمدادات الجراحية إلى المستشفيات الواقعة في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع" في الخرطوم، مؤكدةً أنها قد تضطر لإغلاق مجمع العمليات في المستشفى التركي الواقع جنوب الخرطوم. وكان الجيش و"الدعم السريع" وقعا في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، اتفاقاً يقضي بمعالجة إيصال الإغاثة الذي بناءً عليه التزمت القوات المسلحة إكمال إجراءات التخليص الجمركي للمساعدات الإنسانية في فترة سبعة أيام عمل وبت تأشيرات الدخول المتأخرة فوراً.
وذكرت المنظمة في بيان أنه "عندما يتعلق الأمر بجرحى الحرب، تعالج المنظمة الأشخاص بناءً على احتياجاتهم الطبية. من المخالف لأخلاقيات الطب رفض العلاج المنقذ للحياة لأي شخص بغض النظر عما إذا كان يقاتل أو وقع في مرمى النيران".
وأكدت "أطباء بلا حدود" أنها اضطرت إلى التوقف عن إجراء العمليات الجراحية في مستشفى بشائر خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بسبب الحظر، ليصبح بذلك المستشفى التركي المرفق الوحيد في جنوب الخرطوم الذي يحتوي على غرفة عمليات تعمل بكامل طاقتها.
وأفاد البيان "مما يزيد من خطورة الوضع، أن الحظر لا يؤثر فقط في نقل الإمدادات. كذلك يُحرَم العاملون في المجال الإنساني من تصاريح السفر، حيث لم يحصل أي عضو من الطاقم الطبي على تصريح للسفر إلى جنوب الخرطوم للعمل منذ أكتوبر". وزاد أن هناك "إمدادات وطاقم من منظمة أطباء بلا حدود جاهزون وينتظرون في ود مدني على بعد أقل من 200 كيلومتر من الخرطوم. إن القوات المسلحة السودانية تمنع تقديم الرعاية الطبية لسكان عاصمتها".