ملخص
تواصل الاشتباكات البرية داخل أحياء أم درمان والخرطوم وشرق النيل
شنت قوات "الدعم السريع" مجدداً هجوماً عنيفاً ومكثفاً من ثلاثة محاور على دفاعات قوات الجيش بمنطقة جبل أولياء جنوب ولاية الخرطوم، استمرت المعارك والاشتباكات من الصباح حتى مساء أمس الأحد، وهو الهجوم التاسع من نوعه على المنطقة خلال الأسبوعين الماضيين.
هجوم وتصدٍ
وأكدت مصادر عسكرية أن الجيش تمكن من التصدي لهجمات "الدعم السريع" وكبدها خسائر كبيرة وصادر كمية من الأسلحة الصغيرة وأوقع عدداً من القتلى في صفوفها. وأوضحت المصادر أن قوات الدفاع الجوي التابعة للجيش السوداني في المنطقة أسقطت مسيرتين تتبعان لقوات "الدعم السريع" في سماء المنطقة، وقصفت أحد متحركات العدو بمنطقة سوبا، شرق النيل، ملحقة به خسائر مادية كبيرة وقتلى وجرحى. وأضافت المصادر عينها، أن قوات العمل الخاص هناك دمرت شاحنة محملة بالذخيرة لـ"الدعم السريع" بشارع جبرة الرئيس، إلى جانب مخزن كبير للذخيرة ومدفع "دي 30" في معسكر طيبة كانت تستخدمه تلك القوات في قصف معسكر جبل أولياء والقرى المحيطة به.
وتدور معارك عنيفة منذ أكثر من أسبوع في منطقة خزان جبل أولياء تسعى فيها قوات "الدعم السريع" للسيطرة على قاعدة النجومي الجوية التابعة للجيش والجسر الصغير الرابط بين غرب أم درمان أقصى جنوب الخرطوم.
التمدد جنوباً
وفيما تتواصل العمليات العسكرية بين الجانبين في تلك المنطقة، بدأت تداعيات القتال تتمدد جنوباً في اتجاه ولاية النيل الأبيض، حيث أفاد شهود بأن مجموعات من "الدعم السريع" على الجانب الغربي من جسر الخزان المدمر اتجهت جنوباً على طريق الخرطوم - ربك عاصمة ولاية النيل الأبيض، متسببة برعب وحالات نزوح لسكان بعض القرى والمدن بمحلية القطينة خوفاً من وصول الاشتباكات إلى مناطقهم.
وأفاد مواطنون بنزوح سكان الأحياء المتاخمة لمقار الجيش داخل مدينة القطينة إلى مناطق آمنة، وإغلاق المحال التجارية أبوابها وسط اضطراب وإشاعات عن تحرك أرتال من قوات "الدعم السريع" صوب المدينة.
في الوقت ذاته، تواصلت الاشتباكات المندلعة منذ يومين حول معسكر تدريب سلاح المهندسين التابع للجيش في ضاحية العيلفون، شرق الخرطوم، كما تبادل الجانبان القصف المدفعي في محيط القيادة العامة وسط العاصمة.
قصف واشتباكات
وتابع الطرفان في شمال مدينة أم درمان استهداف مواقع بعضهما بعضاً بالقصف المدفعي، ووقعت اشتباكات برية بينهما في أحياء وسط أم درمان القديمة والسوق الشعبية ومحيط المنطقة الصناعية المتاخم لمحلية أم بدة، جنوب عرب أم درمان.
وكشفت لجان مقاومة العباسية عن انتشار جثث متحللة داخل الحي جراء الاشتباكات المستمرة بالمنطقة، مؤكدة استمرار تساقط الرصاص والمقذوفات المدفعية والصاروخية على الحي، مع انقطاع مستمر للتيار الكهربائي والمياه وشبكات الاتصالات.
أما على محور الخرطوم بحري، فتجدد القصف المتبادل والاشتباكات بين الجانبين شمال المدينة. وأوضحت مصادر عسكرية أن قوات العمل الخاص تمكنت من طرد العدو من قسم شرطة الدروشاب ومباني نيابة مدينة الخرطوم بحري.
حصار واقتتال
وفي جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع"، تجددت الاشتباكات القبلية الدامية أمس الأحد في محلية برام مخلفة كثيراً من قتلى والجرحى وأعمال حرق ونهب واسعة للمتاجر والمنازل.
وذكر شهود أن مجموعات مسلحة هاجمت المنطقة على ظهر عربات وخيول وأسقطت عدداً من القتلى وتسببت في نزوح عدد كبير من المواطنين إلى مناطق أخرى.
وانتهت في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، منتصف ليلة أمس المهلة التي حددتها قوات "الدعم السريع" المتمركزة على بعد بضع كيلومترات خارج المدينة تأهباً لاجتياحها، وسط حالة من الخوف والهلع إثر فشل جهود وساطة آلية السلم والأمن بالولاية.
وتتمركز قوة كبيرة من "الدعم السريع" بحسب القيادات الأهلية، منذ أيام عدة في منطقة أم ورقات، كما تسربت أعداد منها إلى المناطق المحيطة بقيادة الفرقة 20 التابعة للجيش، مطالبة بانسحابها.
وأوضحت قيادات أهلية محلية أن عدداً كبيراً من المواطنين نزح من الأحياء المتاخمة للمناطق العسكرية، على رغم التطمينات التي تحاول الإدارة الأهلية بثها وسط المواطنين.
صعوبة الفاشر
من جهة أخرى، توقع المتخصص في مجال العلوم السياسية، الزمزمي بشير، في شأن مسار المعارك، أن "تواصل قوات "الدعم السريع" نقل ثقل نشاطها العسكري من الخرطوم إلى دارفور"، لكنه يرى أن "محاولتها اقتحام مدينة الفاشر التي تشهد حشداً من الطرفين، لن تكون أمراً سهلاً".
وأشار بشير إلى أنه "على رغم كسب قوات (الدعم السريع) لمعارك عدة في دارفور، لكنها لن تكسب الأرض مستقبلاً، بخاصة أن مدن دارفور محاطة بسلاسل اجتماعية مترابطة يصعب على تلك القوات بتاريخها الدموي مع القبائل الأفريقية التعامل معها، فضلاً عن معارضة حركة تحرير السودان (عبدالواحد نور) غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا على ما تقوم به تلك القوات بالإقليم".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "قوات (الدعم السريع) نجحت بتصعيدها المتزامن مع استئناف مفاوضات منبر جدة، في تحقيق عدة انتصارات في مدن نيالا وزالنجي والجنينة، لكنها فشلت في الانسجام مع تلك المجتمعات، مما يفقد انتصاراتها المعنى الحقيقي لها". ورأى أن "عجز قوات (الدعم السريع) عن تحقيق مزيد من التقدم الميداني بالخرطوم على رغم سيطرتها عليها لأشهر، جعلها تحاول التعويض في دارفور ومحاولة دخول الفاشر"، منوهاً بأنه "منذ تدمير جسر شمبات الذي يربط الخرطوم عسكرياً بدارفور وكردفان، تسعى تلك القوات جاهدة لفتح مسار جسر خزان جبل أولياء لإعادة ربط نفسها بغرب السودان".
وأشار الأكاديمي السوداني إلى أن "التغييرات التي حدثت في القيادات العسكرية الميدانية للجيش في الآونة الأخيرة، وتكليف قيادات ذات خبرات ميدانية قتالية كبيرة، إلى جانب بدء مشاركة نحو نصف مليون مستنفر تم تدريبهم في المعارك، أحدثت تحولاً واضحاً في على الأرض لصالح الجيش بالخرطوم كونها تمثل محور المعارك ومن يصمد وينتصر فيها هو الذي ربما يكسب الحرب".
ترحيب بالإدانات
إلى ذلك، رحبت وزارة الخارجية السودانية، "بالإدانات الدولية المتتالية للانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها قوات (الدعم السريع) المتمردة، بخاصة في ولاية غرب دارفور". ولفت بيان الوزارة إلى الإدانات الصادرة من الاتحاد الأوروبي، ومجموعة "الترويكا" التي تضم كلاً من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والنرويج، إلى جانب إدانة المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك والشهادات الموثقة والصادمة التي نقلتها أجهزة الإعلام الدولية مثل شبكة "سي أن أن"، وصحف "نيويورك تايمز"، و"ورلد ستريت جورنال" لضحايا "التطهير العرقي والفظائع" التي تمارسها قوات "الدعم السريع"، بحسب الخارجية السودانية.
إلى ذلك، جددت وزارة الخارجية، مطالبتها للأمم المتحدة والمجتمع الدولي "بتخطي مرحلة بيانات الإدانة إلى تصنيف هذه الميليشيات المتمردة جماعة إرهابية".
اهتمام إنساني دولي
إنسانياً، تختتم اليوم الإثنين فعاليات مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان، الذي تستضيفه العاصمة المصرية القاهرة بمشاركة مجموعات الإغاثة ومنظمات المجتمع المدني السودانية والنازحين واللاجئين ومنظمات الإغاثة الدولية العاملة في السودان ومنظمات الأمم المتحدة، وعدد من قادة وممثلين عن الدول المانحة.
وأكدت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس وقوفها إلى جانب السودان في أزمته الحالية من أجل إيصال المساعدات إلى المدنيين العزل هناك، منوهة لدى مخاطبتها المؤتمر بأنه "من غير المقبول أن يتسبب السعي إلى السلطة في تقسيم السودان من جديد".
وأشارت توماس لدى مخاطبتها المؤتمر إلى أنه "على رغم حاجة أزمة السودان إلى مزيد من التعاون الدولي من أجل تقديم الدعم اللازم، فإن حلها الأول يكمن في إنهاء الحرب وإحلال السلام"، مؤكدة أن بلادها لن تتوقف عن دعم السودان والمساعدة على وقف الحرب.
واستعادت توماس مشاهداتها خلال زيارتها لمخيمات اللاجئين في تشاد، حيث رأت أن "أطفالاً على حافة الموت، ونساء يعانين، لكنهم للأسف على رغم ذلك، كانوا من المحظوظين الذين استطاعوا الهرب".
كارثة إنسانية
بدوره وصف السفير الأميركي جيمس جيفري في كلمته الوضع في السودان بـ"الكارثة الإنسانية"، في ظل تصاعد مستمر لأعداد الضحايا، مؤكداً دعمه لتطلعات الشعب السوداني من أجل الديمقراطية.
وأكد جيفري أن "هذا هو الوقت المناسب لوقوف كل دول العالم إلى جانب السودانيين"، معتبراً هذا المؤتمر "الأول من نوعه لوضع حد لمعاناة شعب السودان".
من جانبه، كشف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم لدى مخاطبته المؤتمر، عن "تهديدات تؤثر في إمكانية تقديم الدعم الصحي للشعب السوداني"، منوهاً بأن "أكثر من ثلاثة ملايين شخص معرضون للإصابة بالكوليرا في ظل انهيار تام لأنظمة الصحة في البلاد".
وأكد أدهانوم استمرار مساعي المنظمة لتقديم العلاجات اللازمة ورفع الوعي واتخاذ التدابير لمنع انتشار الأمراض المعدية، بخاصة بعد وصول حالات المجاعة إلى نحو 20 مليوناً، بينما يحاول الآلاف الوصول إلى معسكرات آمنة، بعد نزوح وتشرد أكثر من سبعة ملايين شخص، في وقت يعاني فيه الأطفال أمراضاً معقدة تحتاج إلى عناية خاصة.
اتفاق وتواصل
داخلياً، كشفت تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) عن تواصل رئيسها، رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك مع طرفي النزاع بغرض إيقاف الحرب وإحلال السلام بالبلاد.
وأوضحت التنسيقية أن حمدوك ناقش مع الطرفين الأوضاع الإنسانية والسياسية وإمكانية الوصول إلى حل تفاوضي والجهود المبذولة لتوحيد القوى المدنية السودان.
في غضون ذلك، ينتظر أن تصل الهيئة القيادية بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغير اليوم الإثنين إلى مدينة جوبا، عاصمة جنوب السودان، بدعوة رسمية من الرئيس سلفاكير ميارديت لمناقشة سبل وقف الحرب الدائرة بالبلاد.
واتفق حزبا "الأمة القومي" و"الاتحادي الديمقراطي" التاريخيين بالبلاد على "العمل المشترك على إيقاف الحرب وإنهاء الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد".
وأكد الحزبان تمسكهما بوحدة السودان والقوى السياسية والمدنية ودعمهما لكل المساعي في هذا الشأن، وبمبادئ وأهداف ثورة ديسمبر، وأقرا بضرورة وجود جيش سوداني مهني قومي ذي عقيدة قتالية واحدة وتشكيل لجنة مشتركة لمعالجة القضايا الإنسانية وضمان وصول المساعدات للمحتاجين.
وجدد الحزبان اللذان يقود كل منهما تحالفاً سياسياً مناوئاً للآخر، داخل الحرية والتغير (المجلس المركزي، والكتلة الديمقراطية) في بيان عقب اجتماع قيادي مشترك بينهما بالقاهرة، دعمهما لمنبر جدة التفاوضي وجهود الاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد) ومبادرة دول الجوار، وضرورة التنسيق بينها.