ملخص
أثار بول لينش، مؤلف رواية "أغنية النبي" اندهاش البعض لقوله إنه سيستخدم الجائزة لسداد جزء من قرضه العقاري. إنها إشارة إلى الأوقات العصيبة والبعيدة كل البعد عن الأيام التي كان فيها الكتاب ينفقون المال على أحواض السباحة وغيرها من مظاهر الأبهة عديمة الفائدة تماماً: بعيداً من الترف الخيالي: الواقعية المؤسفة لإنفاق "جائزة بوكر" المالية
عندما فازت الراحلة إي أس بيات بـ"جائزة بوكر" عن روايتها "تملّك" Possession في عام 1990، تعهدت على الملأ بإنفاق أموال الجائزة لإضافة حوض سباحة إلى منزلها في منطقة بروفنس. في عام 2009، وعدت هيلاري مانتل بأنها ستصرف المكافأة التي حصلت عليها عن روايتها "قصر الذئاب" Wolf Hall على "الجنس والمخدرات وموسيقى الروك أند رول". كان الفائز بالجائزة عام 2015، مارلون جيمس، يتطلع إلى شراء بدلة من تصميم أوزولد بوتينغ طالما كان يتمنى ارتداءها.
وهكذا، جاء من المحير بعض الشيء ـ والمحبط أيضاً ـ أن نعرف كيف ينوي المؤلف الإيرلندي بول لينش إنفاق الخمسين ألف جنيه استرليني التي كسبها عن روايته "أغنية النبي" Prophet Song .
في حفل توزيع "جائزة بوكر" الذي أٌقيم في لندن ليلة الأحد الماضي، قالت رئيسة لجنة التحكيم، إيزي إدوغيان، إن رواية لينش "تتحدث عن اللحظة الحالية بينما تمتلك أيضاً إمكانية الصمود إلى ما بعدها". ينطبق الشيء نفسه بالتأكيد على نية لينش استخدام جائزته المكتسبة لتغيير وضع قرضه العقاري. نعم، ما يتوق إليه الفنان المعاصر ليس الشمبانيا أو الألماس، بل تخفيض مدفوعاته الشهرية، نظراً لحال التضخم في الوقت الراهن والأوضاع في أيامنا هذه.
لذا، لا، لن يفعل ما فعله جون بيرغر في عام 1972، عندما وعد بمنح نصف الجائزة إلى حركة الفهود السود البريطانية. أو حتى إيان ماك إيوان في عام 1998، لما أعلن أنه من المحتمل أن ينفق الأموال على "شيء عديم الفائدة تماماً". لا يسعني إلا الشعور بشيء من الإدانة للثقافة الأدبية على نطاق واسع تجاه فكرة أن أول ما يخطر ببال الكاتب ليس "الإفراط في تناول الشمبانيا!" أو في نشاط تخريبي آخر، ولكن أوه، عليه التوجه إلى المصرف. ما هي الفرص التي يحظى بها الأدب العظيم في مثل هذه الظروف؟
بالطبع، ربما يحلم لينش بطريقة إبداعية أكثر لإنفاق أمواله في الأيام المقبلة، ولكي نكون منصفين، تم استجوابه على الفور بسؤال وقح، على رغم أنه كان متوقعاً. لقد كان أمامه وقت كاف لإعداد خطاب استلام الجائزة، استعان فيه باقتباسات من ألبير كامو و"الأناجيل الملفقة"، وشكر فيه أطفال العالم على "براءتهم" - لذا من المحتمل أنه فكر بعض الشيء في كيفية إنفاق الخمسين ألف جنيه استرليني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أن إنفاق المبلغ بكامله على طائرة خاصة متجهة إلى القارة القطبية الجنوبية، على سبيل المثال، ربما يكون اختياراً سيئاً نظراً لموضوع روايته، فقد كان لديه دائماً خيار صرف المال لدعم القضايا التي تحدث عن التزامه بها. مثلاً، عندما فازت كاثرين رانديل بجائزة بايلي غيفورد للأدب غير الخيالي عن كتابها "لامحدودية خارقة" Super-Infinite في عام 2022، تعهدت بتقسيم أموال جائزتها البالغة 50 ألف جنيه استرليني بين جمعيات خيرية معنية باللاجئين وقضايا المناخ. أعطى بيرغر أمواله إلى حركة الفهود السود كجزء من الاحتجاج ضد استغلال مجموعة بوكر التاريخي في منطقة الكاريبي.
لكن دعونا نؤكد مرة أخرى على أن الظروف المالية تختلف. كانت مسيرة بيرغر في وقت لم يكن السكن باهظ الثمن تقريباً - كما حرص أيضاً على استخدام النصف الآخر من جائزته لتمويل عمله المستقبلي. وأعلن في كلمة استلامه الجائزة: "أنا في حاجة ماسة إلى مزيد من المال لمشروعي حول العمال المهاجرين في أوروبا... حركة الفهود السود بحاجة ماسة إلى مزيد من الأموال من أجل صحيفتها وأنشطتها الأخرى. لكن تقاسم الجائزة يعني أن أهدافنا واحدة. ومن خلال هذا الاعتراف يتم توضيح الكثير. وفي النهاية – كما في البداية – الوضوح أكثر أهمية من المال". لا شك في ذلك.
في هذه الأثناء، يكشف قلق لينش بشأن قرضه العقاري عن حقيقة أكثر وضوحاً متعلقة بالفن: وهي أننا مهما أضفنا طابعاً رومانسياً على الكتّاب - ومهما كنا نلزمهم بمعايير أخلاقية عالية - فإنهم، مثلهم مثل أي شخص آخر، يحتاجون إلى قدر من الأمان المادي وحتى الراحة المادية إذا أرادوا تقديم أفضل نتاجهم أو أي أعمال على الإطلاق.
اعترف لينش بهذه الحقيقة عندما امتدح مجلس الفنون الإيرلندي، الذي يفسر تمويله السخي للفرد (ما يعادل تقريباً خمسة أضعاف التمويل في المملكة المتحدة) إلى حد ما اللغز العظيم وراء هيمنة الكتاب الإيرلنديين على المشهد الأدبي إلى هذا الحد. استغرق زميله المؤلف الإيرلندي بول ماري 10 سنوات في كتابة روايته "لدغة النحل" The Bee Sting (التي كتبها بخط يده بالمناسبة) وأشك في أنه كان يعيل أسرته من الطاقة الإبداعية فقط خلال كل تلك المدة.
قالت بيات نفسها لاحقاً إن حوض السباحة الخاص بها أبقاها "على قيد الحياة وقادرة على الحركة" ومن يدري؟ ربما كانت قائمة إنتاجاتها أقصر بقليل لولا حوض السباحة ذلك. اعترفت مانتل أن ما فعلته جائزتها المالية حقاً هو منحها مزيداً من الوقت للعمل على أجزاء التتمة لـ "قصر الذئاب" ونسخها المسرحية. أما آنا بيرنز، الفائزة بجائزة عام 2018 عن رواية "بائع الحليب" Milkman فقالت إنها ستستخدم أموالها "لسداد ديونها". هل يمكننا ربط الانحدار الملحوظ في المعايير الأدبية مع زيادة عدم الاستقرار في الأوضاع المعيشة للمؤلفين؟ كم عدد الأعمال العظيمة في خزينة الأدب التي أنتجها كتّاب لم تكن لديهم مخاوف تجاه قرضهم العقاري؟
ما أريد قوله هو أن كل ما يريده كل كاتب حقاً هو توافر الوسيلة والمساحة للكتابة. كتبت فيرجينيا وولف مقالة شهيرة عن ذلك ذات مرة، قائلة: "آمل في أن توفرن لأنفسكن من المال ما يكفي للسفر والتجوال، والتأمل في مستقبل العالم أو ماضيه، والحلم بالكتب والتسكع في زوايا الأزقة وترك حبل الأفكار يغوص عميقاً في الجدول". هذا ما كتبته متوجهة إلى جيل من الكاتبات المحتملات في كتابها "غرفة تخص المرء وحده" Room of One’s Own. خلاصة القول هي: من دون الاستقلال المالي، يكاد يكون من المستحيل على أي شخص أن يكتب أي شيء. ما إذا كان هذا الأمر جيداً أم لا، فهذه مسألة أخرى.
© The Independent