ملخص
تسببت جائحة كورونا في ابتعاد الملايين من أفراد العائلات عن بعضهم البعض، لكن بالنسبة إلى كيم كيو، كانت سبباً غير متوقع لإعادة جمعها بشقيقتها بعد 23 عاماً تقريباً من افتراقهما.
تسببت جائحة كورونا في ابتعاد الملايين من أفراد العائلات عن بعضهم البعض، لكن بالنسبة إلى كيم كيو، كانت سبباً غير متوقع لإعادة جمعها بشقيقتها بعد 23 عاماً تقريباً من افتراقهما.
الشقيقتان، وهما من كوريا الشمالية، كانتا قد اجتمعتا لآخر مرة عندما شاهدت كيو، وكانت في العشرين من عمرها، شقيقتها كيم تشول أوك، التي تصغرها بست سنوات، تؤخذ بعيداً من قبل مهربي البشر، كي تباع من أجل الزواج إلى رجل صيني في العقد الرابع من عمره. في سن الـ15، كانت تشول أوك حاملاً، لتفقد أختها الاتصال معها بعد ذلك. كيو نجحت بعدها في الهرب إلى كوريا الجنوبية ومن ثم إلى المملكة المتحدة.
في عام 2020، نجحت الأختان وبأعجوبة في التواصل مع بعضهما عبر الإنترنت، عندما أبلغت ابنة كيو، الماهرة في التكنولوجيا، أمها أن امرأة لديها الصفات التي تتطابق مع تشول أوك وتاريخها العائلي، تسعى إلى إعادة التواصل مع أقربائها المفقودين منذ زمن طويل، من خلال منشور على موقع التواصل الاجتماعي الصيني "وي تشات" WeChat.
لكن، وبعد استئناف عمليات "الإعادة القسرية" من الصين إلى كوريا الشمالية بعد تخفيف القيود الحدودية المرتبطة بالجائحة، أعربت كيو لـ"اندبندنت" عن قلقها من أنها ربما فقدت أختها مرة أخرى- ربما إلى الأبد هذه المرة.
كيو تعتقد أن شقيقتها تشول أوك، كانت واحدة من 600 مواطن كوري شمالي رحلوا وبشكل مفاجئ من الصين إلى كوريا الشمالية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفي الغالب أن وجهتهم ستكون السجن في مملكة كيم جونغ أون المعزولة.
وفيما واصلت كيو الإجهاش بالبكاء، قالت بتوسل: "أرجوكم أعيدوها لي. ما من أحد يخبرني بمكانها، هل هي آمنة وعلى قيد الحياة؟ لا أحد يعرف شيئاً عن حالتها. هناك المئات من الكوريين الشماليين، مثل أختي، محتجزين في سجون ذلك البلد (الصين). على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى التقدم مطالبة كوريا الشمالية والصين بالإفراج عنهم وإبلاغنا عن المكان الذي يحتفظون فيه بأحبتنا".
وفق تقرير استقصائي نفذته "مجموعة عمل العدالة الانتقالية" TJWG، وهي منظمة حقوقية غير حكومية مقرها سيول في كوريا الجنوبية، فإن من بين 600 كوري شمالي رحلوا قسراً من الصين إلى كوريا الشمالية في أكتوبر الماضي، كان هناك نحو 420 امرأة فيما بدا أنها أكبر عملية إعادة قسرية تجريها تقوم بها بكين منذ سنوات.
المجموعة المعنية بحقوق الإنسان حذرت من أن ما يصل إلى 1500 من المنشقين الكوريين الشماليين قد يواجهون الترحيل إلى بلادهم في الأشهر المقبلة، بعد إعلان بيونغ يانغ عن إعادة فتح حدودها في أغسطس (آب) الماضي.
هؤلاء الأشخاص لم يسمع أفراد أسرهم عنهم منذ أوائل أكتوبر، وهناك مخاوف من تعرضهم للتعذيب والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والسجن في معسكرات الاعتقال، والإجهاض القسري، وحتى الإعدام.
وبالعودة إلى الفترة التي انفصلت فيها الأختان عن بعضهما في مطلع التسعينيات، وسط مجاعة شديدة في كوريا الشمالية خلال حكم كيم جونغ إيل، حاولت عائلة كيو وشقيقتها الهرب، والتخطيط لتأسيس حياة جديدة في مقاطعة جيلين الصينية، عندما قام مهربو البشر باحتجاز تشول أوك.
بعد بضعة أسابيع، تلقت كيو اتصالاً من رقم مجهول لتسمع صوت أختها تشول أوك، التي أخبرتها بأنها لا تزال في الصين، ولكن تحت سيطرة رجال مجهولين. "قلت لهم، امنحوني 16 ساعة فقط وسأقوم بتجهيز المال الذي تطلبونه، وسآتي إلى الصين كي أصحبها، ولكن أبقوها آمنة فقط حتى وصولي إليكم. لكن وبعد ساعتين فقط قاموا ببيعها إلى رجل آخر، وعندما عاودت اتصالي بهم، قالوا إن الرقم خطأ... توسلت لهم، ولكنهم لم يخبروني أبداً أين ذهبت أختي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى مدى الثلاث أو أربع سنوات التي تلت ذلك، حاولت كيو البحث عن تشول أوك، حتى بعد نجاحها بالانشقاق واللجوء إلى كوريا الجنوبية. في عام 2002، خسرت كيو شقيقها البالغ من العمر 25 عاماً تحت التعذيب في السجن في كوريا الشمالية، وذلك بعدما كان قد اعتقل في ظروف غامضة أيضاً.
ولدى سؤالها عن السبب الذي دفعها للهرب من كوريا الشمالية، تقول كيو إن الأمور كانت مختلفة في البلاد قبل عام 1994 تحت حكم كيم إيل سونغ، جد كيم جونغ أون. لكن لدى تولي والد كيم جونغ أون السلطة بعد رحيل والده، تغيرت الأمور بشكل كبير بالنسبة إلى العائلات الفقيرة مثل عائلة كيو. وبحسب كيو فقد "خفضت السلطات حجم المساعدات الغذائية للسكان بنسبة النصف، وكان هناك القليل جداً من المال والوسائل الأخرى لشراء الطعام". وأضافت أن النظام الكوري الشمالي تغير إلى الأسوأ في ظل حكم كيم جونغ أون.
على مدى السنوات التالية، واصلت كيو محاولاتها البحث عن شقيقتها عبر الإنترنت، وكانت تدخل بشكل عشوائي اسمها على وسائط البحث، لرؤية إذا ما كان من الممكن ظهور أي معلومات عنها، ولكن ما من نتيجة مطلقاً.
في يناير (كانون الثاني) من عام 2020، وفي خضم جائحة كورونا في الصين، التي لم تكن قد وصلت إلى بقية دول العالم بعد، قالت لها ابنة أختها إن امرأة تدعى كيم تشول أوك، تبحث عن عائلتها على تطبيق "وي تشات" WeChat، والتي قامت بمشاركة اسم والدها وأمها وأيضاً اسم أختها.
التفاصيل الواردة في منشور تشول أوك على تطبيق "وي تشات"، تطابقت مع معلومات أختها كيو، التي كانت في تلك الآونة قد انتقلت إلى المملكة المتحدة. وهي لم يكن لديها تطبيق "وي تشات" في لندن، فقامت بتحميل التطبيق الصيني، والاتصال بأختها. عملية التأكد من حقيقة هويتهما جرت بسرعة عبر تبادل سريع للصور بينهما. وكانت الدموع تنهمر من عيون كيو. فلقد أصبحت أختها أماً وقد تكيفت مع حياتها الزوجية. وعلى رغم أن زواج أختها لم يكن باختيارها، فإنها ادعت أنها راضية بحياتها.
حتى خلال فترة مرضهما، واظبت الشقيقتان على تواصلهما، في محاولة لتعويض وقت ضاع منهما. لكن، وفي يناير 2023، واجهت تشول أوك تحدياً خطراً عندما أصيبت بفيروس كورونا، وكادت تفقد حياتها. تقول كيو: "لم تقدم لها السلطات الصينية اللقاح أو المساعدة الطبية في المستشفيات لأنها كانت تفتقر إلى الوثائق اللازمة. لقد كان وقتاً عصيباً، ومن خلال محادثاتنا الهاتفية، أدركت أنني كنت على وشك فقدانها مرة أخرى".
وتضيف كيو: "قلت لها إنني أود أنقلها إلى المملكة المتحدة"، لكن ذلك كان أمراً أشبه بالمستحيل في ظروف الجائحة. وفي أبريل (نيسان) الماضي، اعتقلت تشول أوك من قبل الشرطة في مدينة شانغ شون في الصين، عندما كانت في طريقها إلى كوريا الجنوبية لزيارة بعض الكنائس.
وتقول كيو، إنها لم تنجح في تأمين أي اتصال مع تشول أوك بعد ذلك، ما عدا تواصل يتيم معها في التاسع من أكتوبر، عندما سمحت لها الشرطة الصينية بترك رسالة واحدة إلى ذويها.
تقول الرسالة: "سيجري ترحيلي إلى كوريا الشمالية خلال ساعتين، اتصلوا بخالتكم في المملكة المتحدة. افعلوا شيئاً من أجلي".
هذا التحقيق الاستقصائي الذي أعدته المنظمة غير الحكومية ومقرها سيول خلص إلى أن المسؤولين الأمنيين الصينيين قاموا بتسيير حافلات وسيارات نقل جماعي وسط إجراءات أمنية مشددة لنقل مرحلين كوريين شماليين، كانوا في مراكز الاعتقال الصينية في أكتوبر من هذا العام.
هذا واستخدمت في الأقل خمس نقاط حدودية في مقاطعتي جيلين ولياونينغ الصينيتين، كممر لعمليات ترحيل المنشقين وإعادتهم إلى كوريا الشمالية. ومن بين تلك المعابر، معبر داندونغ المتجه نحو سينيجو، ومعبر تشانغ باي نحو هييسان، وهيلونغ نحو موسان، وتومين إلى أونسونغ، ومعبر هانتشون نحو كيونغ وون، نحو 300 شخص منهم من المتوقع أنه جرى ترحيلهم بالفعل من طريق معبر أونسونغ نحو تومين، بحسب ما قالته "مجموعة عمل العدالة الانتقالية".
وترك التعتيم الإعلامي المطبق من قبل كوريا الشمالية على القضية، الأهالي من دون أي فكرة عما جرى لأحبتهم في الأسابيع التي تلت ترحيلهم. "على العالم أن يساعد أختي والمئات من الكوريين الشماليين الآخرين مثلها، والذين يقبعون في ظروف غير معروفة حالياً،" أضافت كيو لـ"اندبندنت".
المسؤولون الذين عملوا على إعداد هذا التحقيق يقولون، إن ما لا يقل عن 1100 كوري شمالي آخرين محتجزون في مراكز اعتقال صينية. بحسب إيثان هي-سيوك شين، المحلل القانوني لدى مجموعة عمل العدالة الانتقالية: "هؤلاء الأشخاص في وضع محفوف بالمخاطر، وهم معرضون دائماً لخطر إعادتهم إلى النظام القمعي الذي فروا منه" ويقول إيثان إن كوريا الشمالية تدعم عمليات الترحيل هذه كاستراتيجية لثني مواطنيها عن الفرار من البلاد... وعن موقف الصين يتابع إيثان: "تنظر الحكومة المركزية الصينية إلى القضية من وجهة نظر جيوسياسية ــ إذ إنه من مصلحة بكين أن تحتفظ بعلاقات جيدة مع بيونغ يانغ، والأهم أيضاً هو عملها على عدم انهيار كوريا الشمالية بسبب عملية نزوح جماعية لسكانها".
وختم إيثان: "نحن نحث حكومات المملكة المتحدة والولايات المتحدة على التنديد بهذه الإجراءات واتخاذ الخطوات اللازمة ضد عمليات الترحيل القسري التي تقوم بها الصين، لمنع اختفاء كثير من الكوريين الشماليين في الجحيم بعد عملية إعادتهم بالقوة إلى موطنهم الأصلي".
© The Independent