رحبت شركات الطاقة الكبرى بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في ختام مؤتمر الأطراف "كوب28" في دبي، معتبرة أنه يسهم في إزالة الضبابية عن سوق الطاقة ويشجع الشركات على الاستمرار في خططها لتوسيع النشاط.
ومع أن الاتفاق ذكر "الوقود الأحفوري" للمرة الأولى عبر ثلاثة عقود من مفاوضات المناخ، إلا أنه لم يتطرق إلى مسألة التخلي التدرجي عن استخدامه، بل حث الدول الأعضاء على العمل باتجاه التحول في مجال الطاقة بطريقة منضبطة وعادلة وبما يناسبها، وأزال ذلك الغموض المحيط بموضوع تخلي العالم عن النفط والغاز والذي جعل الشركات الكبرى في وضع صعب، فكل خططها الاستثمارية وتوسعة نشاطاتها المستقبلية تعتمد على حجم الطلب المتوقع.
وعقب الإعلان عن اتفاق "كوب28" في شأن الوقود الأحفوري لم تتأثر أسعار أسهم الشركات الكبرى مثل "بي بي" و "شل" و"إكسون موبيل" و"شيفرون"، إذ أنهت كلها تعاملات، الأربعاء الماضي، في بورصة لندن من دون تغيير في أسعار أسهمها تقريباً.
ومع فشل الدعوة إلى اتفاق يلزم الدول الأطراف بالتخلي عن الوقود الأحفوري ضمن مكافحة التغيرات المناخية، أعلنت شركات طاقة كبرى استمرار خططها الاستثمارية، فعلى سبيل المثال أعلنت رابطة "أوفشور نورواي" الممثلة لشركات الطاقة النرويجية أن استثمارات البلاد في النفط والغاز سترتفع تسعة في المئة العام المقبل لتصل إلى 22 مليار دولار.
استقرار الشركات
إلى ذلك، اعتبر كثير من المحللين أن اتفاق "كوب28" من شأنه أن يعيد بعض الاستقرار لقطاع الطاقة حول العالم، مما يسمح لشركات الطاقة الكبرى بالعودة لاستثمار أرباحها وتدفقاتها النقدية في زيادة قدراتها الإنتاجية من النفط، في وقت توسع استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة قليلة ومنعدمة الانبعاثات الكربونية، مثل طاقة الهيدروجين وغيرها.
وهذا الاستقرار سيسهم بقدر كبير في احتفاظ شركات الطاقة الكبرى بتصنيفاتها الائتمانية بعد أن خفضتها معظم المؤسسات خلال أزمة وباء كورونا عام 2020.
في غضون ذلك، أصدرت وحدة خدمات المستثمرين في مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني، هذا الأسبوع، دراسة عن شركات الطاقة الكبرى وآفاق تصنيفها الائتماني، وأشارت خلالها إلى أن أكبر خمس شركات عالمية حققت فائضاً بما يزيد على نصف تريليون دولار خلال عامين تمكنها من الاستثمار في نشاطها التقليدي من إنتاج النفط والغاز، إضافة إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة.
وذكر التقرير أن شركات "بي بي" و"شيفرون" و"إكسون موبيل" و "شل و"توتال إنيرجي" تمتعت بتدفقات نقدية بلغت 613 مليار دولار خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) 2021 وحتى سبتمبر (أيلول) 2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وساعدت التدفقات النقدية والأرباح الهائلة الناتجة من ارتفاع أسعار الطاقة مع عودة النشاط الاقتصادي العالمي عقب أزمة وباء كورونا في تحسين حسابات الشركات وزيادة احتياطاتها النقدية التي تمكنها من مواجهة أية تحولات في قطاع الطاقة العالمي، ليضعها ذلك في موقف جيد للاستجابة لأية تغيرات. إلا أن القدر الأكبر من تلك الأرباح ذهب للمساهمين في شركات الطاقة الكبرى في صورة توزيعات عائدة على الأسهم وإعادة شراء أسهم.
وتعتبر "موديز" وغيرها من مؤسسات التصنيف هذا التوجه سلبياً في تأثيره على التصنيف الائتماني، إذ إن تلك الأموال تذهب إلى خارج الشركة واستثماراتها ونشاطها، وبالتالي تضعف وضعها المالي في التصنيف.
إلا أن الحجم الهائل للتدفقات النقدية كان كافياً لعدم خفض التصنيف الائتماني لأي من شركات الطاقة الكبرى خلال العام الحالي، على عكس ما حدث من خفض تصنيف معظم الشركات في أزمة وباء كورونا حين انهار الطلب على الطاقة نتيجة إغلاق الاقتصادات حول العالم وهبوط الأسعار.
توزيع الفوائض النقدية
ويشير التقرير بالتفصيل إلى سياسة إعادة شراء السهم التي اتبعتها شركات النفط الكبرى إضافة إلى توزيعات الأرباح على الأسهم.
وخلال العام الماضي 2022 وحده بلغ حجم ما أنفقته شركات الطاقة الكبرى على إعادة شراء أسهمها، وهي وسيلة أخرى لإعادة التدفقات النقدية للمساهمين إلى جانب توزيعات أرباح الأسهم، نحو 57 مليار دولار، وهو مبلغ يزيد على ما أنفق على إعادة شراء الأسهم خلال الفترة من 2015 إلى 2021.
وشكل ذلك أكثر من نصف التوزيعات على المساهمين، كما بلغ ما أنفقته شركات الطاقة الكبرى على إعادة شراء أسهمها خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 48 مليار دولار.
ونتيجة للزيادة الهائلة في التدفقات النقدية لشركات الطاقة الكبرى ارتفع الإنفاق الرأسمالي لها 19 في المئة خلال الفترة من 2020 إلى 2022.
ويتوقع أن يزيد هذا الإنفاق أكثر خلال الأعوام المقبلة على بناء وصيانة وتحديث الأصول المادية لتلك الشركات. وبحسب تقرير "موديز"، فإن خطط الاستثمار مدفوعة أساساً بمطالب المستثمرين، لكنها أيضاً تركز على الكلفة المنخفضة ومعايير خفض الانبعاثات والرغبة في تحقيق عائدات سريعة على الأصول.
ومن أوجه استخدام التدفقات النقدية والأرباح غير المسبوقة لشركات الطاقة الكبرى استخدام تلك الأموال في خفض ديون الشركات، مما جعل تلك الشركات في وضع ائتماني أفضل بكثير حتى في حال انخفاض أسعار النفط والغاز، أو في حال تعرضت لضغوط في شأن الانبعاثات في إطار سياسات مكافحة التغير المناخي.
ومنذ نهاية عام 2020 انخفض معدل الدَين لشركات الطاقة الخمس الكبرى 28 في المئة، أي ما يعادل 138 مليار دولار، وهكذا أصبح دَين تلك الشركات عند أدنى مستوى له منذ عام 2014، وزادت تلك الشركات احتياطاتها النقدية 43 في المئة عن متوسط الاحتياطات خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وأضافت الشركات الخمس نحو 32 مليار دولار لاحتياطاتها النقدية، إذ يسمح هذا الوضع المالي لشركات الطاقة الكبرى بالحفاظ على خططها التوسعية في مجال الوقود الأحفوري مع زيادة استثماراتها في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.