ملخص
يستفيد من هذه المشاريع إضافة إلى الطرفين المغربي والجزائري المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "سيداو" ونيجيريا، ومن ناحية أخرى شركاء الأعمال الأوروبيون وكذلك الشركات الوطنية المشاركة في مشاريع خطوط أنابيب الغاز، من دون نسيان كتلة تحالف دول الساحل واللاعبين الآخرين من البلدان التي تمر بها خطوط أنابيب الغاز والمستثمرين الدوليين والمنظمات البيئية
يمثل قطاع الغاز في نيجيريا المورد الأهم، إذ يوفر نحو 75 في المئة من إيرادات الموازنة و95 في المئة من عائدات التصدير للبلاد، مما دفع إلى التنافس وتحول أساليب تصدير الغاز إلى أوروبا إلى قضايا جيواستراتيجية حاسمة.
ويتنافس كل من الجزائر والمغرب حول مشاريع ضخمة في هذا الشأن منذ أعوام عدة، في ظل تصريحات متناقضة على أعلى المستويات داخل الحكومة النيجيرية في شأن خط أنابيب الغاز الشهير الذي من المفترض أن تبلغ طاقته السنوية 30 مليار متر مكعب.
ووقعت أبوغا على خطابات نيات مع كل من الجزائر والمغرب، مما يرسل إشارات قوية إلى الرغبة في التعاون.
وينطلق المشروعان من نيجيريا ليصلا إلى أوروبا، الأول خط أنابيب الغاز ما بين نيجيريا والمغرب "NMGP" عبر ساحل غرب أفريقيا، والآخر خط " Nigal" يربط بين نيجيريا والنيجر والجزائر والمعروف أيضاً باسم "ترانس-الصحراء"، وصمم خط الأنابيب المغربي ليكون تحت الماء بينما من المقرر أن يكون مشروع الجزائر على سطح الأرض.
ويتمتع المشروعان المتنافسان بأهمية اقتصادية استراتيجية في سياق إعادة تنظيم سوق الطاقة، خصوصاً في سوق الغاز والتنافس على الوقود ما بين الرباط والجزائر، إذ أضحت هذه المبادرات قادرة على الاستفادة من أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وهكذا سارعت المغرب والجزائر ونيجيريا إلى وضع نفسها كأفضل البدائل لتزويد أوروبا بالغاز، بعد أن انفصلت القارة العجوز عن موردها الرئيس روسيا.
تنويع مصادر الإمداد
إلى ذلك، وُلد المشروعان طموحين ويحمل كل منهما الآمال والتطلعات الاقتصادية لبلادهما. ومع وجود احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي يسعى كلا البلدين إلى تعزيز مواقفهما من خلال تطوير البنية التحتية لنقل الغاز إلى أوروبا والأسواق العالمية الأخرى.
وإضافة إلى الهيمنة الاقتصادية الإقليمية يسعى كلا البلدين إلى تعزيز نفوذهما الجيوسياسي وتوطيد تحالفاتهما الاستراتيجية، علاوة على أن تطوير خطوط أنابيب الغاز أمر ضروري لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتنويع مصادر الإمداد، وتشمل التنافس على الوصول إلى أسواق الطاقة الأوروبية والأفريقية، فضلاً عن الرغبة في تعزيز الموقع الاقتصادي والجيواستراتيجي لكل دولة.
أما على المستوى الجيواقتصادي تمثل خطوط أنابيب الغاز استثمارات ضخمة يمكن أن تحفز اقتصاد البلدان المتقاطعة وتخلق فرصاً تجارية جديدة.
ومع ذلك، تثير هذه المشاريع أيضاً تساؤلات حول السيادة والأمن والاستدامة البيئية، مما يتطلب إدارة حذرة وشفافة.
ويستفيد من هذه المشاريع إضافة إلى الطرفين المغربي والجزائري المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "سيداو" ونيجيريا، ومن ناحية أخرى شركاء الأعمال الأوروبيون وكذلك الشركات الوطنية المشاركة في مشاريع خطوط أنابيب الغاز، من دون نسيان كتلة تحالف دول الساحل واللاعبين الآخرين من البلدان التي تمر بها خطوط أنابيب الغاز والمستثمرين الدوليين والمنظمات البيئية.
ومن المفترض أن يبلغ طول خط الغاز المار عبر الجزائر 4128 كيلومتراً منها 1037 كيلومتراً في الأراضي النيجيرية و841 كيلومتراً داخل أراضي النيجر، و2310 كيلومترات في أراضي الجزائر.
وخلال اتفاق التفاهم الموقع خلال الثالث من يوليو (تموز) 2009 قدرت الكلفة ما بـين 10 و11 مليار دولار، أما خلال عام 2024 فتقدر ما بين 19 و20 مليار دولار بحسب دراسة للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "IFRI".
وتصل كلفة الطريق الذي يمر عبر الجزائر إلى 10 مليارات دولار، وينطلق خط الغاز هذا من "واري" في نيجيريا وينتهي داخل حاسي الرمل بالجزائر مروراً بالنيجر، ويمكن ربط هذا المشروع بـ"Transmed" وهو أكبر أنبوب غاز موجود حالياً.
ويسمح بزيادة السعة بمقدار 7 مليارات متر مكعب سنوياً التي ستضاف إلى 26.5 مليار متر مكعب سنوياً، مما يسمح بسعة 33.5 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز. ويبلغ طول "Transmed" 550 كيلومتراً على الأراضي الجزائرية و370 كيلومتراً عبر الأراضي التونسية باتجاه إيطاليا.
ويعد المشروع استراتيجياً بالنسبة إلى الجزائر التي زودت أوروبا بـ19 في المئة من إجمال الإمدادات خلال عام 2023 وتهدف إلى رفع هذه النسبة بين 20 و25 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب تقارير مختلفة لوزارة الطاقة فإن خط الغاز هذا سيزيد من قدرات تصديره، ويقدر احتياط الغاز التقليدي للجزائر بنحو 2400 مليار متر مكعب من الغاز مع استهلاك محلي مرتفع بسبب سياسة الدعم المعمم وهو ما يقترب من الصادرات الحالية، لأن تطوير الطاقات المتجددة لا يمثل خلال عام 2023 سوى أقل من اثنين في المئة من الاستهلاك المحلي، ومن المستهدف خلال الفترة 2030/2035 رفع هذه النسبة إلى 40 في المئة.
في حين يبلغ طول خط أنبوب الغاز ما بين المغرب ونيجيريا الذي تقدر كلفته ما بين 25 و30 مليار دولار ومدة إنجازه ما بين ثمانية و10 أعوام نحو 6000 كيلومتر، ويمر جزء كبير منه عبر البحر.
وسيمتد خط الأنبوب هذا على طول الساحل الغربي لأفريقيا من نيجيريا مروراً ببنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا، وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا والصحراء الغربية إلى المغرب. وسيربط بخط أنبوب الغاز ما بين المغرب وأوروبا وسيزود الدول غير الساحلية مثل النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وعلى المدى الطويل سيربط بخط أنبوب الغاز المغربي الأوروبي وشبكة الغاز الأوروبية.
وتؤكد مذكرة التفاهم التزام المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "سيداو" وجميع الدول التي يمر بها خط الغاز بالإسهام في دراسات الجدوى والدراسات الفنية وتعبئة الموارد والتنفيذ، وفي المرحلة الحالية عبرت هذه الدول عن نيتها لتوقيع اتفاقات تتعلق ببنائه ولكن أيضاً للتحقق من كميات الغاز المتاحة لأوروبا وبدء المناقشات مع مشغلي حقل "تورتو" للغاز قبالة سواحل السنغال وموريتانيا، إذ وقعت هاتان الدولتان اتفاقاً خلال ديسمبر (كانون الأول) 2018 للاستغلال المشترك لحقل غاز "تورتو–أحميم".
ويهدف هذا المشروع إلى ربط موارد الغاز النيجيرية إلى بلدان أفريقية مختلفة، ويوجد بالفعل خطا أنابيب للغاز في منطقة شمال غربي أفريقيا، "خط أنابيب غاز غرب أفريقيا" الذي يربط نيجيريا بغانا عبر بنين وتوغو، وخط أنبوب الغاز "المغرب-أوروبا" المسمى أيضاً "بيدرو دوران فاريل" عبر إسبانيا عبر مضيق جبل طارق والمغرب.
الحجج ما بين الكلفة والتكتلات الإقليمية
تركز السلطات الجزائرية في استراتيجية التسويق الخاصة بمشروعها على مدة الانتهاء من أشغال خط الأنابيب الخاص بها والذي كان من المقرر في البداية تسليمه خلال عام 2027، في حين أن موعد التسليم في المغرب مخطط له خلال عام 2046.
وتطرح الجزائر أيضاً الحجة البيئية التي تريد تقديمها لمشروعها من خلال التخطيط لتهجين مصادر الطاقة في خط أنابيبها، إذ تخطط الجزائر لإنشاء محطات طاقة هجينة ما بين الطاقة الشمسية والغاز مما يسلط الضوء على أشعة الشمس الاستثنائية في منطقتها التي تبلغ 3500 ساعة من أشعة الشمس سنوياً، أي ما يعادل 2000 كيلووات ساعة لكل متر مربع، وتشير الجزائر إلى كلفة مشروعها الذي تقدره بـ13 مليار دولار على رغم أنها ارتفعت إلى 19 مليار دولار حالياً مقابل 25 مليار دولار لمشروع المغرب، كما يقولون إن مشروعهم أسهل في التنفيذ من الناحية الفنية والدبلوماسية نظراً إلى أنه يعبر ثلاث دول فحسب.
ومن جانبه، يستجيب المغرب للإمكانات الجيواقتصادية لمشروعه من خلال تأهيله باعتباره أكثر تأثيراً من الناحية الاقتصادية نظراً إلى أنه يشمل 13 دولة على ساحل المحيط الأطلسي والتي ستستفيد من الفوائد الاقتصادية، وتعتمد الرباط على دعم مسؤولي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الذين أكدوا خلال ديسمبر 2022 أن هذا المشروع سيضمن الطاقة والتماسك الاقتصادي للمنطقة الإقليمية، من ثم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بينما أشارت الجزائر في هذا الصدد إلى أن المذكرة وُقع عليها من قبل تسع دول فحسب من أصل 13 دولة شارك فيها مشروع خط الأنبوب.
ويشار إلى أن بعض التوقيعات على الاتفاقات من حيث المبدأ من جهة بين الجزائر وشركة "Total Energie" العملاقة ومن جهة أخرى ما بين المغرب وشركة "شل"، تهدد بامتداد حرب خطوط الأنابيب هذه إلى لاعبين أوروبيين ودول جنوب الصحراء الكبرى.