كانت ليلة الأربعاء الـ31 من مايو (أيار) 2023 أمسية تاريخية لأحد الأندية العريقة في كرة القدم الإسبانية هو إشبيلية الذي يعد أكبر أندية الأندلس، حيث رفع حينئذ كأس بطولة الدوري الأوروبي لكرة القدم بعد فوزه على روما الإيطالي الذي يقوده المدير الفني البرتغالي المرموق جوزيه مورينيو.
تتويج إشبيلية بلقب الدوري الأوروبي في صيف 2023 كان للمرة السابعة في تاريخه وهو رقم قياسي في ثاني أكبر مسابقات الأندية بالاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، وجعله يتفوق بفارق أربع كؤوس على أقرب ملاحقيه أتلتيكو مدريد الإسباني، وليفربول الإنجليزي، وإنتر ميلان ويوفنتوس الإيطاليين، ولكل منهم ثلاث بطولات.
وتزامناً مع تأكيد هيمنة إشبيلية على مسابقة الدوري الأوروبي في ظل مشاركة أندية كبرى فيها مثل برشلونة الإسباني ومانشستر يونايتد الإنجليزي والعملاق الإيطالي يوفنتوس، كانت مؤسسة "ديلويت" العالمية المتخصصة في تدقيق الحسابات تنشر أحدث قوائمها المالية لأغنى أندية كرة القدم في أوروبا بحسب النتائج المالية لموسم (2021 - 2022)، وهو ما أظهر عدم وجود إشبيلية في قائمة الـ20 الأكثر ثراءً، والتي ضمت 11 نادياً إنجليزياً يتقدمهم مانشستر سيتي، وثلاثة أندية إسبانية هي ريال مدريد (في المركز الثاني)، وبرشلونة (السابع)، وأتلتيكو مدريد (المركز الـ12).
ووفقاً للقائمة التي تسمى "دوري المال" يحتل إشبيلية المركز الـ28 أوروبياً بإجمالي إيرادات بلغت 186.1 مليون يورو (204 مليون دولار)، وهو ما يوازي 26.5 في المئة من إيرادات ليفربول الذي جمع 701.7 مليون يورو (768 مليون دولار) خلال الموسم نفسه، و27 في المئة من إيرادات مانشستر يونايتد، و29 في المئة مقارنة ببرشلونة، وهو ما يدفع للتساؤل حول كيفية عمل إشبيلية التي تمكنه من مناطحة أغنى أندية القارة الأوروبية وتنحية الجوانب المالية من المعادلة بقدر المستطاع.
وكشف نائب الرئيس التنفيذي لإشبيلية خيسوس أرويو لـ"اندبندنت عربية" أسرار الثورة التكنولوجية التي يعيشها ناديه، والتي ساعدته على التطور والازدهار رياضياً واقتصادياً على رغم قلة الموارد مقارنة بالأندية الأكبر.
وقال أرويو إن التكنولوجيا هي الركيزة الأقل شهرة في إشبيلية لكنها مفتاح كل ما وصله إليه خلال السنوات الأخيرة، وأن مدى تركيز النادي الأندلسي على الابتكار التكنولوجي جعله معياراً رئيساً في تكنولوجيا صناعة كرة القدم.
وأضاف "نتيجة لهذه الخطة التكنولوجية الاستراتيجية، أصبحت لدينا برمجيات خاصة بنا لتحسين خطوط الأعمال والجوانب الرياضية الرئيسية وتحقيق إيرادات جديدة وزيادة أدائنا، إضافة إلى ذلك، قمنا بإنشاء منهجية تدريب جديدة لجميع المدربين المرتبطين بالفرق والأكاديمية".
وأضاف "تماماً كما حدث في بداية القرن الحالي، أحدث نادي إشبيلية ثورة في عالم الانتقالات من خلال نظام كشافين مختلف، واليوم أصبح قادراً على اكتساب ميزة تنافسية جديدة، وتعزيز الاستخدام الأكثر كفاءة للبيانات، ليس فقط في مجال كرة القدم ولكن في جميع مجالات عمل النادي".
وبالفعل كان إشبيلية رائداً في ثورة الانتقالات بالدوري الإسباني منذ مطلع القرن الحالي، حيث يعد النادي الإسباني الوحيد الذي تخطت إجمالي مبيعاته للاعبين مليار يورو مع تحقيق هامش ربح في الفارق بين أسعار الشراء والبيع.
ومنذ انطلاق موسم (2000 - 2001) وحتى الموسم الحالي، حقق برشلونة أعلى رقم في شراء اللاعبين (1.59 مليار دولار)، وكذلك الأكثر في إجمالي المبيعات (2.68 مليار دولار)، لكنه خسر 1059 مليون دولار بين أسعار الشراء والبيع، ثم يأتي من بعده ريال مدريد الذي خسر 1103 مليون دولار خلال الفترة نفسها بين أسعار الشراء (2.64 مليار دولار)، وأسعار البيع (1.55 مليار دولار)، بينما استقطب إشبيلية 229 لاعباً في مقابل 1007.56 مليار دولار، وباع 377 لاعباً نظير 1.11 مليار دولار، بهامش ربح يقترب من 96 مليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت من أهم الأسماء التي خرجت من إشبيلية إلى أندية أوروبية بمبالغ ضخمة، داني ألفيش وجول كوندي وكليمينت لونغليه إلى برشلونة، ووسام بن يدر إلى موناكو الفرنسي، وسيرجيو راموس إلى ريال مدريد، وخيسوس نافاس وألبارو نيغريدو إلى مانشستر سيتي.
والآن بعد السير طويلاً في طريق التكنولوجيا يضم إشبيلية ما يزيد على 25 متخصصاً وباحثاً في مجالات تطوير تقنيات المعلومات، من بينهم ثمانية علماء ومهندسو بيانات يعملون على تطوير تطبيقات كثيفة البيانات تستخدم الذكاء الاصطناعي ومصممة خصيصاً وفق رؤية ومستهدفات النادي.
وتنقسم التطبيقات التكنولوجية التي يستخدمها إشبيلية إلى قسمين، أولهما خاص بجانب كرة القدم وبدأ العمل عليه منذ عام 2022، ويضم ثلاثة تطبيقات رئيسية تساعد مسؤولي كرة القدم والتعاقدات على رصد المواهب في كل أنحاء العالم بشكل فوري وفق معايير محددة.
وقال عالم البيانات إلياس زامورا سييرو، الذي يتولى منصب رئيس مسؤولي البيانات في النادي، إن التقنيات الحديثة التي أنتجها مع فريقه المعاون كشفت له عن فرنسي ذي أصول مصرية - تونسية لم يكن يعلم بوجوده لكن أرقامه نبهت إلى سرعة صعوده في كرة القدم الإسبانية.
وحكى سييرو لـ"اندبندنت عربية" أنه كان يشرح لعدد من مسؤولي البيانات في أندية الدوري الألماني "بوندسليغا" مدى فاعلية نظام تتبع اللاعبين في إشبيلية، فقرر البحث عن لاعب مهاجم يتميز بالسرعة والقدرة العالية على المراوغة، ويشبه في أسلوب لعبه، نجم غرناطة الشاب بريان ساراغوسا (22 سنة) الذي ضمه غرناطة من ريكرياتيفو غرناطة صيف 2022 في مقابل 215 ألف دولار، وسينضم بالفعل إلى العملاق الألماني بايرن ميونيخ اعتباراً من الموسم المقبل مقابل 14 مليون يورو.
وأظهر تطبيق الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه إشبيلية أن الفرنسي ذو الأصول العربية هيثم حسن المحترف حالياً في نادي سبورتنغ خيخون الإسباني، هو أحد أقرب اللاعبين لأسلوب وأرقام ساراغوسا.
ويقضي حسن (21 سنة) فترة إعارة من ناديه الأصلي فياريال إلى سبورتنغ خيخون تمتد حتى نهاية الموسم الحالي، ويبدو أن موهبته وأرقامه قد تجذب الأندية الكبرى قريباً.
وأضاف سييرو "إنه لاعب رائع يمتلك السرعة والمهارات المميزة، وهو شبيه لأسلوب لعب ساراغوسا، أنا لم أكن أعرفه تماماً لكن التطبيق الذي نستخدمه حلل أرقام اللاعبين واختاره ضمن الخيارات الأولى، وهذا يوضح مدى فائدة التقنية".
وخاض حسن 18 مباراة مع خيخون المنافس في دوري الدرجة الثانية الإسباني هذا الموسم، إضافة إلى مباراتين في كأس ملك إسبانيا، وتمكن من تسجيل هدفين وصناعة خمسة أهداف.
وأردف سييرو، "لقد سجل هدفاً مذهلاً في شباك فريق ألباسيتي من لعبة فردية كاملة".
هيثم حسن المولود في باريس لأب مصري وأم تونسية بدأ مسيرته الاحترافية بالانتقال من أكاديمية نادي باريس أف سي إلى فريق شاتورو الفرنسي تحت 19 سنة عام 2017، وتدرج في الفئات العمرية حتى تم تصعيده للفريق الأول عام 2020، ثم انتقل إلى فياريال الإسباني ليلعب مع الفريق الرديف قبل خروجه في فترتي إعارة أولهما إلى ديبورتيفو ميرانديس وحالياً في سبورتنغ خيخون.
ولعب حسن للمنتخب الفرنسي تحت 17 و 18 سنة، لكنه لم يحدد بعد موقفه الحاسم من تمثيل المنتخب المصري أو التونسي.
وقال حسن في مقابلة مع موقع "كوبي أستورياس" الإسباني خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن "أولويتي الآن هي سبورتنغ، أنا أركز مع الفريق ولا أعرف إن كنت سأتخذ قراري قبل كأس أمم أفريقيا".
وأضاف، "إن شاركت في أمم أفريقيا سأغيب لشهر عن سبورتنغ وأولويتي حالياً هي الفريق ثم لنرى ماذا سيحدث في المستقبل".
وأضاف، "لم أقرر بعد أي بلد سأمثله فمصر وتونس منتخبان كبيران في أفريقيا، وعندما أذهب في إجازة أشعر أنني في حال جيدة في كليهما".
وتقام نسخة 2023 من بطولة كأس الأمم الأفريقية في كوت ديفوار بين الـ13 من يناير (كانون الثاني) والـ11 من فبراير (شباط) 2024.
وبعيداً من المستطيل الأخضر طور إشبيلية تطبيقات خاصة بتطوير أعماله أولها يخص استخدام الذكاء الاصطناعي في استهداف مجال بيع التذاكر للمباريات وتحديد الفئات المستهدفة وتقدير أعداد الحضور في كل مباراة، وبدأ العمل به عام 2023، إضافة إلى تطبيقات ذكاء اصطناعي تستهدف دراسة الترويج والرعاية ويبدأ العمل بها في 2024.