ملخص
لا تزال الخلافات متعمقة حول مشروع قانون الهجرة في فرنسا وسط طروحات خاصة بالاستفتاء
صدمة لا يزال صداها مسموعاً داخل البرلمان الفرنسي بعد رفضه الشروع في مناقشة مشروع قانون الهجرة الجديد، وتشكيل لجنة نيابية مشتركة لصياغة نص توافقي، على أن يعرض مجدداً على مجلس الشيوخ ومن ثم إلى البرلمان وفي حال الموافقة يتم تبنيه.
وبعد الفشل الذي مني به وزير الداخلية غيرالد دارمانان أمام البرلمان انتقل الملف إلى رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن التي ألغت مشاركتها في مؤتمر دولي حول اللاجئين بجنيف للتفرغ للمشاورات مع اليمين الجمهوري في محاولة لإيجاد اتفاق خلال مناقشة اللجنة التشاورية التي ستجتمع يوم الإثنين المقبل.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أمهل هذه اللجنة ستة أيام للتوصل إلى نص مقبول، إذ يريد بدوره إقفال الملف قبل أعياد الميلاد وحدد موقفه بـ"لاءين"، الأولى (لا لحل المجلس)، والثانية (لا لتمرير المشروع بالقوة)، أي الاستعانة بمواد الدستور. كما أعلن ماكرون عن نيته التخلي عن مشروع القانون في حال عدم التوصل إلى اتفاق في مشاورات اللجنة النيابية المشتركة، ما فسره المحللون، كمحاولة للضغط على نوابه لقبول اتفاق اللجنة.
وتضم اللجنة المذكورة أربعة نواب يمثلون اليمين، اثنين اشتراكيين، ونائباً عن الوسط ونائباً عن أقصى اليمين، إضافة إلى نائب عن "فرنسا المتمردة"، مما يعني أن ميزان القوة يميل لصالح اليمين الجمهوري.
وتوحي المواقف المتصلبة من الطرفين بأن التوصل إلى صيغة توافقية لن تكون بالسهولة، إذ يصر رئيس الحزب الجمهوري أريك سيوتي على تبني النص المتشدد كما خرج من تحت قبة مجلس الشيوخ.
وتتمسك الغالبية بمبدأ عدم المساس بالمساعدة الطبية التي تمنحها الدولة للمقيمين بصورة غير قانونية، ورسمت خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها تمثلت في اعتماد النص على المساعدة الطبية، والإبقاء على منع وضع القصر الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة في مراكز الحجز، وتسوية أوضاع المهاجرين بصورة غير قانونية من العاملين في قطاعات تحتاج إلى اليد العاملة، إضافة إلى حق الحصول على الجنسية بالولادة على الأراضي الفرنسية.
الغالبية وصراع الأجنحة
وما يخشاه اليسار الفرنسي في حال تبني النص المشدد كما أقره مجلس الشيوخ، أن يؤدي ذلك إلى تفكك الغالبية، بخاصة جناح اليسار في حزب ماكرون، الذي يرى في الرضوخ لشروط اليمني إيريك سيوتي، إشارة إلى أن اليمين هو من يدير زمام الأمور، إضافة إلى كون نقاط الخلاف تمس بالمبادئ العليا الإنسانية التي صنعت الجمهورية، بحسب تعبير أحد النواب.
أما جناح اليمين في حزب الغالبية فلا يخفي تأييده لنسخة مجلس الشيوخ، وتجلى ذلك في تصريح وزير الاقتصاد (وهو جمهوري سابق) برونو لومير لصحيفة "لوفيغارو"، في موقف مماثل اتخذه وزير الداخلية غيرالد دارمانان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزداد قناعة المحللين الفرنسيين المتابعين للمشهد السياسي بأن إيجاد معادلة ترضي الطرفين أي الغالبية والوسط من جهة، واليمين الجمهوري من جهة أخرى سيكون صعباً.
إذاً، فما احتمالات التوصل إلى حل في ظل هذه المعطيات؟ هنا يرى المتخصص في الشؤون الدستورية الفرنسية بياريك غارديان أن التخلي عن مشروع القانون – وفق رؤية ماكرون - ليس أمراً سهلاً، "إذ لا يتعلق الأمر بنص أو قانون بسيط، فهذا القانون يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى الفرنسيين، وتحديداً في الظروف الراهنة". كما أن القانون – وفق غارديان - شكل أحد المواضيع الأساسية في حملته الانتخابية، والتخلي عنه سيكون بمثابة تناقض، وكون الكلمة الفصل لليمين الجمهوريين، فمن غير المستبعد أن تخرج اللجنة المشتركة بنسخة متشددة، تحظى بأصوات الجمهوريين.
ويواصل بياريك غارديان تحليله مستنداً إلى المعطيات التالية، لعل أولها صعوبة التخلي عن مشروع القانون، على رغم تصريح الرئيس الفرنسي بذلك، نظراً إلى أهمية الموضوع، فالأمر لا يتعلق بتبني مشروع قانون بسيط، "ما نحن بصدده هو مشروع قانون يحتل أهمية خاصة في حياة الفرنسيين كما أنه شكل أحد المواضيع الرئيسة في حملة ماكرون، الانتخابية والتخلي عنه يكون بمثابة أن يناقض نفسه".
أما النقطة التالية فتتعلق بإمكانية الدعوة إلى استفتاء شعبي، وهو أمر ردده أخيراً وزير الداخلية صاحب المشروع، لكن المادة 11 من الدستور لا تسمح بذلك كون الدستور يحدد الاستعانة بالاستفتاء بالقضايا المالية والاجتماعية والبيئية، لكن يمكن للرئيس أن يستفيد من فرصة مراجعة الدستور في مارس (آذار) المقبل، حول موضوع الإجهاض، وفي هذه المناسبة قد يمكن إضافة فقرة تمكن من الاستعانة بالاستفتاء للهجرة.
ويبرز كذلك عدم إمكانية فرض المشروع بالقوة عبر المادة 49.3 إذ لا يمكن الاستعانة بها أكثر من مرة خلال دورة نيابية، وتم الرجوع إليها مرات عدة، في حين أن الحل الأخير فيتمثل في حل البرلمان الفرنسي نفسه، وهو أمر غير مضمون العواقب.
حكومة بلا أغلبية
ويزيد الأمور تعقيداً أن الحكومة الفرنسية الحالية لا تتمتع بالغالبية العظمى كما كانت الحال تحت الجمهورية الثالثة، وفي حال عدم توصل اللجنة إلى نص فإن النسخة المشددة التي تبناها مجلس الشيوخ في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي هي التي ستعتمد كأساس للمفاوضات بين الحكومة واليمين.
ففي ظل عدم التخلي عن نسخة مجلس الشيوخ، بالنسبة إلى الجمهوريين، بخاصة أن زعيم حزبهم إريك سيوتي كرر ما يصر عليه منذ البداية عبر منصة "إكس" بعد اجتماعه مع رئيسة الوزراء.
وربما يذهب البعض إلى "أبعد ما يمكن في نسخة مجلس الشيوخ"، كما صرح بذلك أحد نواب الغالبية، وحينها سيكون على اليمين القبول ببعض التنازلات المتعلقة بالمساعدة الطبية التي تمنحها الدولة لجميع المقيمين وبما في ذلك المقيمون غير الشرعيين وشروط الحصول على المساعدات الاجتماعية.
وإذا كان تصريح برونو لومير في "لوفيغارو" وغيرالد دارمانان هو بمثابة الإقرار بخسارة في واعتماد نصاً صارماً يلقى الترحيب لدى جناح اليمين في حزب ماكرون مؤذنا باعتماد نص صارم حتى لو كلف ذلك تفكك الغالبية.
على ذلك يعلق بياريك غارديان بالقول، "نحن في وضع مشابه لما عايشته الجمهورية الثالثة ومن الصعب التشريع في ظل غياب غالبية واضحة وحديث دارمانان، وربما يمكن إجراء استفتاء، لكن في هذه الظروف ليس مضموناً". وتابع "لكن هناك تعديلاً دستورياً في مارس المقبل حول قانون الإجهاض، وهنا يمكن الاستفادة من هذه الفرصة لإضافة تعديل يتعلق بالاستفتاء".
أما فيما يتعلق بحل البرلمان فذلك يتطلب حساباً دقيقاً، ولا يمكن نسيان – وفق غارديان - سابقة حل البرلمان في عام 1997 أي خلال ولاية الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، يوم كان دومينيك دوفيلبان، مدير مكتب الرئاسة.
آنذاك أشارت استطلاعات الرأي الفرنسية إلى أن الحكومة قد تخرج معززة بانتخابات برلمانية مسبقة، فلجأ إلى حل البرلمان، لكن نتيجة التصويت لم تكن مطابقة لحسابات الاستطلاعات، وتعين حينها التعايش مع حكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان.
ولا يستبعد أن تكون الفكرة بحل البرلمان راودت ماكرون، لكن الاستطلاعات أظهرت أنه في هذه الحال سيجد نفسه مع عدد أكبر من نواب التجمع الوطني "أقصى اليمين"، فهم اليوم أكثر من 91 نائباً، مما يزيد الوضع تعقيداً.