Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام التوتر الحدودي في مصر ومزيد من النازحين

يرى مراقبون أن تداعيات "طوفان الأقصى" والنزاع المسلح في السودان وترحيل المصريين من ليبيا واستهداف الملاحة بالبحر الأحمر أكثر الملفات اشتعالاً وتأثيراً على القاهرة

2023 هو عام التعقيدات والحروب في جميع الاتجاهات التي كان لها تأثيرات مباشرة على الأمن القومي المصري (أ ف ب)

ملخص

الموقف المحيط بمصر هو امتداد توترات سابقة، استجد عليها أزمات متفاقمة، أبرزها الصراع الداخلي في السودان مع اشتعال الجبهة الشمالية الشرقية

طوابير ممتدة على مرمى البصر أمام مبنى مفوضية القاهرة، يبحث أصحابها عن بطاقة تمنحهم صفة لاجئ، وشاحنات متراصة قرب معبر رفح البري تنتظر إشارة عبور إلى داخل غزة بمواد إغاثية ومساعدات طبية، ومداهمات لأوكار مهربي البشر، حيث الحدود مع ليبيا، جميعها مشاهد باتت مألوفة حملت توقيع عام 2023، الذي تعددت فيه التحديات واشتعلت خلاله الأزمات التي أشعلت معها المناطق الحدودية المصرية.

وخاضت الدولة المصرية تزامناً مع بداية من الربع الثاني من العام أول اختبار حقيقي جاء عبر بوابتها الجنوبية مع انفجار الوضع الداخلي بالسودان، وتسجيل موجات نزوح قياسية قطعت طريقها من صحراء السودان نحو البوابة المصرية.

وبحسب مراقبين، تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن النزاع المسلح الدائر بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، ودخول ما يزيد على 300 ألف نازح من السودانيين والجنسيات الأخرى البوابة المصرية كان له عديد من الانعكاسات في الداخل المصري، معتبرين أيضاً أن تداعيات عملية "طوفان الأقصى" وترحيل المصريين من ليبيا، واستهداف الملاحة بالبحر الأحمر والنزاع المسلح في السودان أكثر الملفات اشتعالاً وتأثيراً على مصر خلال 2023.

يقول المتخصص في شؤون اللاجئين ياسر فراج، إن البوابة المصرية الجنوبية استقبلت أعداداً قياسية من اللاجئين خلال 2023، بعد اضطرار الآلاف إلى الفرار من الحرب في السودان، وأحدثت الأزمة طفرة في أعداد اللاجئين المقيمين داخل مصر، بعد هدنة موقتة وتباطؤ في حركة النزوح خلال السنوات الأخيرة.

ما يقوله فراج توافق مع تصريحات متحدثة المفوضية في مصر كريستين بشاي في مايو (أيار) الماضي عبر الموقع الرسمي للأمم المتحدة التي أكدت "أن وضع النازحين واللاجئين ازداد سوءاً، وبات كارثياً هذا العام مع اندلاع الاقتتال في السودان"، مؤكدة أن المفوضية وحدها "لا يمكنها تلبية سوى نحو 50 في المئة من حاجاتهم".

أزمات متعددة صنعتها موجات النزوح

داخلياً، خلقت الأزمة السودانية وتداعياتها مشكلات متعددة، بعد أن ضمت الدفعات الأولى التي وصلت الأراضي المصرية بشكل قانوني عبر معبري أرقين وقسطل الفئات الغنية القادرة على توفير كلفة العبور والمعيشة، مما خلق أزمة بسوق العقارات المصرية، بارتفاع أسعار الإيجار والبيع للوحدات السكنية.

يعلق فراج عليها ويقول، إن الفترات الأولى شهدت قدوم القادرين على دفع كلفة الوصول من المنتمين للطبقة الراقية السودانية، التي رغم تأثيرها في زيادة أسعار العقارات فإن عملية النزوح الأولى لاقت ترحيباً من المصريين، لأنها شملت المثقفين وأصحاب الرأي والفنانين، الذين تمكنوا من الاندماج بشكل أوسع داخل الوطن البديل.

وفتحت مصر أبوابها كما سمحت بالدخول الرسمي للسودانيين والجنسيات الأخرى المقيمة هناك في الأيام الأولى من الصراع. وعن تلك الفترة يقول المتخصص العسكري والعضو السابق بلجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، اللواء حمدي بخيت، إن مصر كان عليها استيعاب تداعيات الأزمة السودانية، وإعطاء فرصة للسودانيين في تقرير مصائرهم، مشدداً على أنها تعاملت مع الملفات المشتعلة خلال العام بمواقف محددة، متمثلة في عدم الخضوع لقرار خارجي، واتخاذ قرارات نابعة من سيادتها على الأرض.

 

مع تصاعد وتيرة الحرب السودانية، انضمت دفعات أخرى من النازحين السودانيين والجنسيات الأخرى الذين عبروا إلى مصر بطرق غير شرعية، شملت فئات معدومة الدخل، أدى اندماجها إلى صعوبات في إجراءات التسجيل بقوائم اللجوء، نتيجة الضغوط على مكاتب مفوضية الأمم المتحدة.

وأوضح فراج، الذي يمتلك مكتباً متخصصاً في تقديم الاستشارات القانونية للاجئين الأفارقة بوسط القاهرة، أن الدولة المصرية لم تستوعب اللاجئين السودانيين فقط، حيث تخطى الحدود جنسيات من سوريا واليمن وإريتريا وإثيوبيا وجنسيات أخرى متعددة، كان أصحابها يقيمون في السودان قبل الحرب، أجبرتهم الحرب على الانتقال للمعيشة في مصر.

ووفق رؤيته، فإن الأزمة السودانية جعلت مصر حاضنة لأعداد فائقة من لاجئي الدول الأفريقية بصورة أكبر. ويرى فراج أن زيادة أعداد اللاجئين خلال العام مثلت ضغطاً كبيرة على المرفق الأمني، لارتفاع طلبات التأشيرات والإقامة وتوفيق الأوضاع من اللاجئين الذين وصلوا بطرق غير شرعية.

قوانين وقرارات لتقنين الأوضاع

لم تكن عمليات النزوح إلى مصر مقصورة على المقيمين في السودان، إذ شهدت المناطق الحدودية تدفق نازحين آخرين فروا من ويلات الحروب والصراعات الداخلية في البلدان الأفريقية، مستخدمين مسارات الموت وطرق غير شرعية للمرور إلى البوابة المصرية، مما أسهم في زيادة أعداد اللاجئين، ووصولهم إلى نحو تسعة ملايين مواطن داخل الأراضي المصرية، وفق تقديرات أعلنها رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري اللواء خيرت بركات في أغسطس (آب) الماضي، بينهم نحو أربعة ملايين سوداني، وهي أرقام توافقت مع الإحصاء الأخير الصادر عن منظمة الهجرة الدولية، وخطابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأخيرة في هذا الشأن.

يؤكد المتخصص في شؤون اللاجئين أشرف ميلاد لـ"اندبندنت عربية" أن 2023 شهد حلقة جديدة من حلقات استضافة مصر للاجئين، أظهرت أن الدولة قادرة على استيعابهم من جميع الجنسيات. لكنه سلط الضوء أيضاً على وجود عقبات واجهت اللاجئين، نتيجة محاولات تقنين الأوضاع، ووضع قيود على الإقامة، مشيراً إلى أنها كانت "غير موفقة"، وكشفت تخبطاً وتضارباً في الإجراءات المتعلقة بالتعامل مع اللاجئين، وفق تعبيره، مؤكداً أن العام شهد أيضاً موجة جديدة من موجات اللجوء ومحاولات التوفيق بين ما هو إنساني وأمني.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أقرت الحكومة المصرية، مشروع قانون لجوء الأجانب، كان يهدف إلى إجراء حصر رسمي للمرة الأولى عن أعداد اللاجئين في مصر لتوفيق أوضاعهم. لكن ميلاد قال، إن هذا المشروع توارى عن الأنظار بشكل مفاجئ، وحل محله قرار وزاري خاص بالإقامة.

وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي أصدر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، قراراً ينص على أن الأجانب المقيمين بالبلاد بصورة غير شرعية، يجب عليهم توفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم، شريطة وجود مستضيف مصري الجنسية. واعتبر ميلاد أن هذا القرار "غير مفهوم"، نظراً إلى أنه يطلب أن يكون للأجنبي ضامناً في مصر من دون تحديد نوع هذا الضامن، مشيراً إلى أنه ضمن الإجراءات التي عاناها اللاجئون خلال عام 2023.

ترحيل المصريين من ليبيا

يقول اللواء حمدي بخيت، لـ"اندبندنت عربية"، إن 2023 هو عام التعقيدات والحروب في جميع الاتجاهات التي كان لها تأثيرات مباشرة على الأمن القومي المصري، معتبراً أن الدولة تعاملت باتزان مع الملفات المشتعلة على الحدود.

 

ومع ذلك، شدد بخيت على أن "التعقيدات القائمة كانت أكبر من قدرة الدولة نتيجة وجود تغيرات إقليمية ودولية، لا تستطيع مصر أن تغير في المشهد أكثر من أصحابه"، موضحاً أن الوضع الراهن في ليبيا وتعقيداته وبقائه على حالة الحكومتين وشبه دولتين، رغم كونه شأناً داخلياً لكن تداعياته طاولت مصر.

وتسيطر مجموعة من الفصائل المسلحة المتنافسة على الأراضي في المناطق الغربية من ليبيا، بينما يسيطر الجيش الوطني الليبي (قوات شرق ليبيا) بقيادة خليفة حفتر على شرق البلاد. وخلال الأشهر الأخيرة زاد الضغط على الحدود الغربية لمصر، مع استمرار عمليات التسلل الحدودي من قبل مهربي البشر الذين يخترقون الحدود الليبية عبر البوابة المصرية.

كما نفذت قوات شرق ليبيا مداهمات عليهم انتهت بترحيل جماعي لمهاجرين مصريين، وطردت الآلاف منهم في يونيو (حزيران) الماضي. وتكرر المشهد ذاته الشهر الماضي بترحيل 600 مصري من العاصمة طرابلس دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، ونقلوا إلى معبر أمساعد الحدودي.

الجبهة الشمالية الشرقية تشتعل

رغم التوترات الحدودية التي تشهدها مصر، فإن جذورها ليست وليدة هذا العام، وفق رؤية أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أحمد يوسف الذي قال، إن 2023 كان عام الأزمات الأمنية المتعددة الأبعاد، لكن الموقف المحيط بمصر هو امتداد توترات سابقة، استجد عليها أزمات متفاقمة، أبرزها الصراع الداخلي في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، الذي مثل تهديداً أمنياً لمصر، إضافة إلى الأحداث التي وقعت بداية من الربع الأخير من العام مع اشتعال الجبهة في الشمال الشرقي، بسبب أحداث طوفان الأقصى وتداعياتها التي شكلت تهديداً أمنياً حقيقياً أكثر من أي وقت مضى، جعل من تهجير أهل غزة لسيناء خطراً غير مستبعد حدوثه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل أيام، أكد وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر أن بلاده تدرس إمكانية تشجيع الهجرة الطوعية من قطاع غزة. وتعقيباً على هذه التصريحات أعاد متحدث الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد تأكيد موقف مصر الرافض أي محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين خارج غزة بشكل طوعي أو قسري.

وأعلن مسؤولون مصريون في مناسبات متعددة رفضهم القاطع فكرة تهجير سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وكذلك خرج زعماء وقادة وممثلون عن هيئات دولية عدة لإبداء رفضهم القاطع لسيناريو التهجير.

وعلى رغم تلك المواقف المعلنة فإن الترويج للسيناريو ظل قائماً، مما دفع المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني للتنديد خلال المنتدى العالمي للاجئين بمحاولات إسرائيل الضغط على النازحين الفلسطينيين إلى رفح

 وقال لازاريني، إن سكان غزة يتجمعون في أقل من ثلث الأراضي الأصلية قرب الحدود المصرية، مضيفاً، "من غير المنطقي أن يظلوا صامدين في مواجهة مثل هذه الظروف، بخاصة عندما تكون الحدود قريبة"، معرباً عن قلقه من احتمالية النزوح الجماعي لسكان غزة نحو مصر المجاورة.

يعود أستاذ العلوم السياسية أحمد يوسف لتسليط الضوء على أخطار أخرى منها دخول الحوثيين على خط المواجهة، وممارسة أعمال تخريبية تمثل تهديداً للملاحة في البحر الأحمر، التي من المؤكد أن تؤثر بالتبعية على الملاحة بقناة السويس، وفق تصوره.

ومع ذلك يشدد يوسف على أن جذور التهديدات والتورات التي تشهدها مصر تعود إلى فترة ما يعرف بالربيع العربي، بحيث اختلفت أشكال التهديدات الأمنية بشكل واضح، سواء من الجبهة الغربية في ليبيا، مع دخول قوى خارجية في المعادلة، كما أوضح أنه منذ عام 2019 حدثت تحولات في السودان بإسقاط نظام البشير ودخول مرحلة جديدة، وكذلك الجبهة في الشمال الشرقي كانت تشتعل بشكل دوري منذ انسحبت إسرائيل من القطاع عام 2005.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير