Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كوجيكي" كتاب اليابان الأقدم يروي تاريخ الحضارة والغراميات

لماذا استبعد عصر الميجي من كتاب أو نو ياسومارو حكايات العشاق والحب المحرم؟

من رسوم وضعت لإحدى طبعات "الكوجيكي" (موقع تاريخ اليابان)

ملخص

ماذا استبعد عصر الميجي من كتاب أو نو ياسومارو حكايات العشاق والحب المحرم؟

إن لم يكن كتاب "كوجيكي" أول كتاب وضع في العام الميلادي 712 باللغة اليابانية، وكانت انفصلت قبل زمن من صدوره عن اللغة الصينية، فإنه بالتأكيد الكتاب الأقدم الذي بقي حياً حتى اليوم ليروي فصولاً من تاريخ اليابان، مع أن مؤلفه ينصحنا منذ المقدمة التي وضعه له بأن نقرأه على الطريقة الصينية لا على الطريقة اليابانية التي لم تكن ترسخت بعد، كلغة قراءة. والطريف في الأمر أن مؤلف الكتاب أو نو ياسومارو حرص على أن ينشر تلك المقدمة باللغة الصينية، مما يجعل قراءة الكتاب وقفاً على المتعلمين، ولكن في المرتين الأوليين اللتين ولد فيهما هذا الكتاب علماً بأنه ولد ثلاث مرات في تاريخه، إن لم يكن أكثر من ذلك. أما المرة الأخيرة التي أورثت اليابانيين النسخة المعتمدة حالياً من الكتاب فكانت عند بدايات عصر الميجي في النصف الثاني من القرن الـ19. ولا بد من أن نذكر هنا أنه إذا كان الكتاب ترجم مرات عديدة إلى عدد من اللغات بعد ذلك، فإنه ترجم انطلاقاً من تلك الولادة المعاصرة للكتاب علماً بأن كتاب "كوجيكي" يبدو معتمداً اليوم في الرجوع إلى الجذور الأسطورية لتاريخ ولادة اليابان، البلد – الأمة الذي تقول الحكاية إنه ولد قروناً عدة قبل التاريخ الميلادي عند انفصال السماء عن الأرض. فهل نحن هنا أمام كتاب ديني؟

التاريخ المختلط

ليس هذا مؤكداً، المؤكد في المقابل أننا هنا مع نص هذا الكتاب، أمام تاريخ يختلط فيه الديني بالدنيوي والأسطوري بالتاريخي على الطريقة التي لا يزال الأدب الياباني في جانب منه يتبعها حتى اليوم بمعنى أن في إمكاننا أن نعتبر مؤلف "كوجيكي" واحداً من مؤسسي ذلك الأدب الياباني ذي الخصوصية المدهشة. فما هذا الكتاب؟ الحقيقة أننا قبل الحديث عن الكتاب، لا بد لنا أول الأمر أن نقدم مؤلفه. وهو على عكس معظم واضعي هذا النوع من الكتب حتى العصور الحديثة، لم يكن راهباً متعبداً متفرغاً للكتابة، بل كان موظفاً عادياً متوسط القيمة، ومع ذلك أتيح له أن يقدم نسخة أولى من كتابه بعدما انتهى من تأليفه، إلى الإمبراطورة التي عاش في ظل حكمها: جينماي (عاشت بين عام 661 وعام 721)، معلناً دون التباس في تلك المناسبة أنه لا يعتبر نفسه المؤلف الحقيقي للكتاب، بل إن عمله فيه اقتصر على "ترجمة" الحكايات الشفهية والأشعار التي كان اشتهر بروايتها "حكواتي" يدعى هيدا نو آري، كان يحفظ تلك النصوص بعد أن جمعها من أصول شفوية، مما يعني أن "كوجيكي" هو في أصوله تراث شفهي كان يجمع بين نصوص يابانية قديمة ونصوص وأشعار صينية مما يجعل الكتاب في حد ذاته تراثاً شفهياً مطعماً بتراث مكتوب. ولئن كانت مقدمة الكتاب كما وضعها أو نو ياسومارو بالصينية التي كان يتقنها بالتأكيد، فإن اليابانية التي أصدر بها المؤلف كتابه كانت يابانية شفهية تستخدم من عامة الشعب مما يفيدنا بأن الكتاب كان شعبياً. وهذا ما يقودنا إلى تعريف الكتاب بشكل أكثر تفصيلاً.

تاريخ افتراضي

فالكتاب الذي يتابع ما يفترض واضع صياغته الأولى، أنه تاريخ لليابان ينطلق من رواية التاريخ المغرق في القدم لهذا البلد، بدءاً من ذلك الانفصال المؤسس للسماء عن الأرض كما أشرنا، ليصل في الأحداث التي يتتبعها إلى حكم الإمبراطور كنزو الذي يعتبر المؤسس للأمة اليابانية عند نهايات القرن الخامس الميلادي، ليختم حكاياته بلائحة بالأباطرة، الحقيقيين أو الأسطوريين الذين حكموا اليابان وصولاً إلى الإمبراطورة سويكو (التي حكمت بين 592 و628) مما يدفعنا إلى التساؤل بصدد 100 عام التي انقضت بين حكم هذه الإمبراطورة وتاريخ إنجاز ياسومارو كتابه من دون أن يغيب عن بالنا أن ثمة كتاباً تاريخياً مؤسساً بدوره لتدوين تاريخ اليابان صدر عام 729، أي بعد سنوات قليلة من صدور كتاب "كوجيكي"، يتابع تاريخ اليابان ولكن في صيغ أقل أسطورية وأكثر علمية حتى زمن صدوره وهو كتاب "حوليات تاريخ اليابان" المعروف. ومهما يكن هنا من الواضح أن مهمتنا لا تقوم في هذا المجال، بل في التعريف بكتاب ياسومارو بحالته التي وصلتنا.

الشعب وحكايات التاريخ

فهذا الكتاب يتابع ما يعتبره تاريخ اليابان بداية منذ العام 600 قبل التاريخ الميلادي، لكنه يتابعه عبر ما لا يزيد على 10 حكايات يوردها من دون أن يحدد تاريخ حدوثها، مما ينفي عنه في نهاية الأمر إمكان اعتباره تاريخاً حقيقياً ومتواصلاً لليابان، ومع ذلك يصعب اعتباره تاريخاً أسطورياً لهذه الأمة حتى وإن كان بعض ما يرويه لا يخرج عن نطاق الحكايات الأسطورية ومن هنا لا شك أنهم محقون أولئك الباحثون الذين ينظرون إلى "كوجيكي" بوصفه، بالأحرى تاريخاً للذهنيات في هذا البلد تصف تدرجه على دروب التاريخ من خلال تعاطي الشعب مع الحكايات والأساطير التي يتوقف عندها وتفسيره لها ليس بوصفها حقائق تاريخية مؤكدة في نهاية الأمر، بل بوصفها الشكل المتداول شعبياً الذي يرتديه تاريخه.

ومع ذلك يلفت نظرنا أن تاريخ "الآلهة" اليابانية لا يرد إلا في الجزء الأول من الكتاب الذي سرعان ما يتخلى عن تاريخهم ليتوقف في الجزء الثاني منه عند مجموعة من 10 أساطير تتابع ذلك التاريخ في منأى من تسلسل "الآلهة". ومن ذلك الأسطورة التي تحدثنا عن استيلاء الأمبراطر جينمو (حكم بين 660 و585 قبل الميلاد وكان أول أباطرة اليابان)، على شرق الجزيرة... أما الجزء الثالث والأخير من الكتاب فإنه يضم من الأشعار القديمة والتراثية أكثر مما يضم من الأساطير ولعل من أهمها وأشهرها تلك القصيدة الطوياة المعروفة بعنوانها الذي يحفظه اليوم كل طلاب المدارس الثانوية في اليابان "إيزي مونوغاتاري" وهي في الأصل نص شعري تراثي لمؤلف مجهول يعتبر من كلاسيكيات الأدب التراثي الشفهي في اليابان، ويروي غراميات شاعر يطلق عليه هنا اسم آيوارا نو ناريهيرا، ويتألف من 125 مقطعاً شعرياً، وهو دائماً ما ألهم الرسامين ومؤلفي الأغاني في هذا البلد واعتبر ضمه إلى "الكوجيكي" أمراً بديهياً. والواقع أن إدماج هذه الحكاية الغرامية في الكتاب الذي نحن في صدده، يسهم مساهمة أساسية في استبعاد اعتبار الكتاب تاريخاً دينياً لليابان، ولا سيما أنه يصف غرام الإمبراطور كارو المحرم بأخته وصفاً دنيوياً لا يستقيم مع أية غائية دينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الغراميات الغائبة في عصر الميجي

مهما يكن من أمر يمكن الركون في المقابل إلى اعتبار "الكوجيكي" أول معلم من معالم الحضارة اليابانية أو في الأقل المعلم الأقدم الذي بقي صامداً حتى العصور الحديثة خارج إطار النصوص الدينية، مع العلم أن الكتاب وبعدما كانت دنيويته طاغية طوال أكثر من ألفية من السنين حظي مع بدايات عصر الميجي بنوع من قداسة متعمدة، بغية جعله نوعاً من مرجعية مؤسسة لمزج ما بين النزعة القومية اليابانية والقداسة الدينية المفتعلة كما رأينا. ومع ذلك لا بد لنا أن نلاحظ مع الباحث الفرنسي في الحضارة اليابانية فرانسوا ماسيه صاحب الكتاب الأوروبي الأكثر أهمية حول كتاب "كوجيكي"، وعنوانه "بنية أساطير الكوجيكي" الذي صدر في طوكيو قبل صدوره في باريس، أن استخدام الكتاب عند "ولادته الثالثة" مع بدايات عصر الميجي، كان يتعلق بجزئه الأول فقط، أي بزمن "الآلهة" التأسيسي ولا سيما بعصر الإمبراطور جينمو، ومن بعده بعصر محارب القرن الميلادي الثاني ياماتو تاكيرو ثم الإمبراطورة جينغو (169 – 269 م.)، التي اشتهرت بغزوها للبلاد الكورية. غير أن حكايات كثيرة من التي يضمها النص الأصلي تلفت الأنظار بغيابها عن النص المعتمد في عصر الميجي، ولا سيما منها حكايات غراميات نينتوكو في القرن الرابع، ويورياكو في القرن الخامس، والحب المحرم بين كارو وأخته كما يرد في الجزء الثالث الذي تم تجاهله تماماً في نص الولادة الثالثة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة