ملخص
تساؤلات عديدة حول تأثير مقتل القيادي بـ"حماس" صالح العاروري في التوتر جنوب لبنان
تعتبر بعض القوى السياسية في لبنان أن اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، التصعيد الأكبر منذ حرب يوليو (تموز) 2006، في وقت بدأ الحديث عن مرونة يبديها "حزب الله" تجاه تطبيق القرار الدولي 1701، متخوفة من أن تكون شرارة لاندلاع حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل وتطيح بالجهود الديبلوماسية التي يبذلها وسطاء دوليون.
في حين تعتبر بعض الجهات السياسية التي استندت على معلومات تشير إلى أن استهداف العاروري حصل فور مغادرة مسؤولين من "حزب الله" الموقع، أن إسرائيل ترسم حدود اشتباكها مع الحزب في جنوب لبنان، في حين أن استهداف الضاحية الجنوبية محصور بقيادات فلسطينية متورطة بأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وكانت مجلة "إيكونوميست" كشفت عن أن "إسرائيل تريد فتح جبهة مع "حزب الله"، فهي تراه تهديداً غير مقبول، "لكن حسابات الحذر تظل قائمة"، وأضافت "أن مناطق الجنوب والساحل اللبناني تبدو هادئة إلا أن الهدوء يخفي وراءه أخطاراً تتجه نحو حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله، الذي تدعمه إيران، لا سيما بعد غارة الضاحية الجنوبية التي اغتالت العاروري، وتهديدات الحزب بأن العملية لن تمضي من دون عقاب وأن أصابع المقاتلين على الزناد".
إلا أن محللين استراتيجيين يعتبرون أن قضية تصعيد التوتر أو خفضها في لبنان مسألة مرتبطة بإدارة المعركة الإقليمية من إيران، وبالتالي لن يغير مقتل العاروري أو غيره في المعادلة، إذ حالياً تعتمد إيران سياسة "الاشتباك المنضبط" في سوريا والعراق واليمن، والأمر نفسه ينسحب على جبهة جنوب لبنان.
مبادرة هوكشتاين
إلا أن مصدراً ديبلوماسياً غربياً أكد أن اغتيال العاروري عرقل الأجواء الإيجابية التي كان يعمل عليها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، التي تتضمن وساطة لترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان واقتراح تسوية للنقاط الـ13 المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، إضافة الى قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المرتبطة بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
وأكد أنه تم تأجيل زيارة هوكشتاين إلى لبنان بعد زيارته إلى إسرائيل بسبب سخونة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي يتطلب صبراً وتأجيلاً في المواعيد والمفاوضات السلمية، مشيراً إلى أنه تم تجميد مبادرته حتى إشعار آخر.
صورة الحزب
وتشير مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى أنه تبلغ من "حزب الله" عدم وجود نية بالتصعيد في جنوب لبنان على رغم اغتيال صالح العاروري، إضافة إلى استعداد الحزب لمناقشة آلية لتطبيق القرار 1701، وأن بري كان ينتظر زيارة الموفد الأميركي لإبلاغه بذلك قبل أن يعلن تأجيل الزيارة. وأضافت أن الحزب سبق أن وافق على القرار الدولي عام 2006، إلا أنه يعتبر بأنه خرق من خلال توسيع دور قوات "اليونيفيل"، إضافة إلى عدم الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية والانتهاكات المستمرة من إسرائيل، مشددة على إمكان تنفيذ القرار شرط عدم إظهاره انكساراً أمام إسرائيل عبر إيجاد مخرج وصيغة مناسبة للموقف. ووفق المصادر فإن إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله "أننا أمام فرصة تاريخية للتحرير الكامل ومنع خرق سيادة لبنان"، يعني بشكل واضح استعداده لفتح باب التفاوض لتطبيق القرار 1701.
ساحة مستباحة
وفي السياق رأى عضو كتلة "تجدد" النائب أديب عبدالمسيح أن لبنان بات ساحة مستباحة من إسرائيل التي وسعت استهدافها إلى العمق اللبناني، وكذلك "حماس" التي تتخذ من بيروت مركزاً لعملياتها واجتماعاتها، مشيراً إلى أن ذلك يعقد الأمور لا سيما حول تنفيذ القرار الدولي 1701. ودعا الحكومة اللبنانية لاتخاذ قرار بالسيطرة على الوضع الأمني وعدم السماح بجر لبنان إلى حرب شاملة، رافضاً أن يختصر بعض الفرقاء، بشكل منفرد بالنيابة عن كل اللبنانيين مصير البلاد، إذ إن "أكثر من نصف الشعب اللبناني يبحث عن السلام والطمأنينة وراحة البال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبرأيه يمكن نزع فتيل المعارك في جنوب لبنان من خلال سلوك طريق المفاوضات الدبلوماسية واللجوء إلى الجهات الدولية للوساطة مع إسرائيل كما تم ترسيم الحدود البحرية سابقاً، لافتاً إلى أن "القرار الدولي 1701 هو القرار الذي أوقف الأعمال الحربية في لبنان عام 2006، لكن خرق من الجانبين الإسرائيلي واللبناني، والالتزام به يتطلب سلاماً وهدوءاً ووقفاً للعمليات العسكرية في الجنوب من الطرفين"، وشدد على قدرة الجيش اللبناني على حماية لبنان، "لا سيما أن معظم دول العالم تدعمه وتتفق على أنه الممثل الوحيد للجمهورية اللبنانية، لذا لا عذر أمام أية جهة لخوض معارك مع إسرائيل وتوريط لبنان في حرب شاملة".
رفع المعنويات
من جانبه رأى الصحافي جان فغالي أنه لا يمكن تطبيق القرارات الدولية قبل انتخاب رئيس للبلاد وإعادة تكوين السلطة، معتبراً أن أقصى ما يمكن يتوصل إليه الوسطاء الدوليون حالياً هو ضبط الصراع في الجنوب، لافتاً إلى أن القرار الدولي 1701 هو نظري ولم يطبق منذ إعلانه، وأن القوات الدولية في الجنوب غير فاعلة ولا تمارس دورها الحقيقي.
وبرأيه فإن مسألة اغتيال صالح العاروري قد تصعد التوتر، إذ بات "حزب الله" مضطراً إلى الرد على العملية، مما قد يستجلب تصعيداً إضافياً من إسرائيل، إلا أن تقديراته تشير إلى أن الرد ليس حتمياً على رغم تأكيد الأمين العام لـ"حزب الله" ذلك، موضحاً أن مسألة تجاوز "قواعد الاشتباك" بدأت قبل اغتيال العاروري، وكلام نصر الله هدفه رفع المعنويات لا سيما بعد مقتل حوالى 140 عنصراً للحزب، ووصول العمليات الإسرائيلية إلى داخل الضاحية الجنوبية لبيروت. واعتبر أن المنطقة تحولت اليوم من وحدة الساحات إلى تعدد الجبهات، وأن إيران تستخدم الحوثيين في البحر الأحمر للضغط على أميركا، مؤكداً أن إسرائيل وأميركا تعرفان أن إيران تقف خلف الصراعات في المنطقة وأن الرد عليها يتم عبر الرد على أذرعها.
ثمن الحرب
بدوره رأى الكاتب السياسي مكرم رباح أن اغتيال العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت رسالة واضحة بأنهم يستطيعون الوصول إلى أي مسؤول بمن فيهم حسن نصر الله، لافتاً إلى أن الحزب وأتباعه يستعملون المدنيين والمناطق السكنية كدروع لمقارهم العسكرية. وأشار إلى أن "حزب الله" ليس جدياً في الحرب ضد إسرائيل، "إنما يماطل في المناوشات على الحدود كي يكسب الوقت ويقبض ثمنها في المفاوضات التي ستلي الحرب"، وقال "إن ذلك لن يتحقق لأن هناك قناعة إسرائيلية بوجوب القضاء على الحزب، وبالتالي سيكون لبنان هو التالي بعد غزة".
ولفت إلى أن "الذي سبب اغتيال النائب محمد شطح عام 2013 هو سعيه إلى تطبيق القرار 1701 على كامل الأراضي اللبنانية بما فيها الحدود مع سوريا"، مشدداً على أن هذا القرار الذي يرفض "حزب الله" تطبيقه، هو الذي أنقذه من ورطته وأوقف الحرب في عام 2006.
أميركا تمنع إسرائيل
في المقابل كشف المحلل العسكري المقرب من "حزب الله" العميد المتقاعد أمين حطيط عن ثلاثة أهداف رئيسة لإسرائيل في جنوب لبنان، الأول إرساء هذه الجبهة للمستقبل، والثاني إعطاء دور إضافي لقوات "اليونيفيل" باعتبار أنها حرس حدود للإسرائيليين، أما الهدف الثالث فهو رغبة إسرائيل بتجاوز مسألة احتلالها مناطق لبنانية من خلال تثبيت وجودها في النقاط الـ13 المتنازع عليها، إضافة إلى مزارع شبعا عبر الإصرار على القرار 1701. وأكد أن "حزب الله" لن يصعد التوتر في المنطقة، إذ برأيه "أميركا تمسك زمام الأمر بالنسبة إلى القرار الإسرائيلي وتمنع إسرائيل من الاندفاع نحو حرب شاملة"، ولهذا يعتبر أن الأمور في جبهة الجنوب غير مرشحة للتحول إلى حرب شاملة على رغم كل الضجيج الإعلامي والحرب النفسية التي تخاض.