تتجه الأنظار إلى الشعارات واللافتات التي ستُرفع خلال الجمعة 29 في الجزائر، بعد تدهور القدرة الشرائية وتراجع مداخيل البلاد، نتيجة انهيار أسعار المحروقات، ما يؤشر إلى توسّع دائرة الاحتجاجات على غلاء المعيشة وغياب التنمية، أي المخاطر التي أشار إليها قائد الأركان قايد صالح في خطابه الأخير، الذي وجّه من خلاله اتهامات إلى "أذناب العصابة" الذين يعملون على تأجيج الجبهة الاجتماعية لإطالة أمد الأزمة.
"هوية الحراك"
وأدت دعوة صالح لاستدعاء الهيئة الناخبة يوم 15 سبتمبر (أيلول) 2019، إلى التفاف مؤسسات دستورية عدة وأحزاب سياسية وشخصيات حول ضرورة الإسراع في تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، كخطوة أولى في اتجاه التغيير المنشود، الأمر الذي فتح المجال أمام تغيير مرتقب لـ"هوية الحراك" من سياسي إلى اجتماعي، خصوصاً في ظل وضع معيشي صعب يعانيه الشعب على اختلاف مستوياته، من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة وتراجع أسعار النفط واتساع دائرة المشاكل التنموية والاجتماعية في مختلف مناطق البلاد.
ضياع الفرصة
وتوقع مصدر مطلع لـ "اندبندنت عربية"، أن "تُرفع شعارات ولافتات اجتماعية في مسيرات الجمعة 29، بعدما تبيّن الخيط الأبيض من الأسود في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية"، موضحاً أن "تخوف فئة واسعة في الحراك من ضياع فرصة تحقيق مطالب اجتماعية، دفع بهم إلى التفكير في رفع مطالب معيشية قبل فوات الآوان". وأضاف "الجمعة 29 صادفت هذه المرة عودة العمال إلى وظائفهم والتلاميذ إلى مقاعد الدراسة بعد العطلة الصيفية، التي لم تكن هادئة كما جرت عليه العادة، بل ساخنة على المستويات كافة، المشهد الذي من شأنه أن يغيّر اتجاه الحراك الذي يقترب من الأفول".
وأشار المصدر إلى أن الشريك الاجتماعي اعتاد التفاوض مع الحكومة في اجتماع "الثلاثية" المعروف جزائرياً، والذي يجمع بين الحكومة ونقابة العمال وأرباب العمل، لكنّ الظرف السياسي الذي تعيشه البلاد منع هذا اللقاء، ما جعل الوضع الاجتماعي صعباً، بدليل الغليان الشعبي الذي يزداد يوماً بعد يوم.
العمال... المكوّن الأساسي للحراك
وفي هذا الشأن، قال أستاذ علم الاجتماع علي صاميد في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، إن "الدخول الاجتماعي (انتهاء العطلة) لهذا العام جاء ساخناً بسبب الوضع السياسي الذي خلق تراكمات اجتماعية، من بينها تدني القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة وبروز مشاكل جديدة في قطاعي الصحة والتعليم". وتابع "شبه الإجماع الذي حققته دعوة قائد الأركان بخصوص موضوع الانتخابات، فتح الباب واسعاً أمام المشاركين في الحراك لرفع مطالب اجتماعية، ما قد نشاهده في الجمعة 29".
ودعا صاميد، نقابات العمال إلى اغتنام الفرصة ورفع مطالب اجتماعية في الحراك الشعبي، موضحاً أن "العمال هم مكوّن الحراك الأساسي نظراً إلى عددهم المقدّر بثمانية ملايين، إضافةً إلى ثلاثة ملايين و200 ألف متقاعد، وما لا يقل عن مليوني عامل يعملون لحسابهم". كما شدّد على أن "رفع المطالب الاجتماعية بات أمراً ضرورياً لاعتبارات عدة، أهمها اغتنام فرصة الحراك لإيصال مشاغل الشعب إلى السلطة الفعلية".
أقراص تهدئة من الحكومة
في غضون ذلك، يُتوقع أن يُعرض المشروع التمهيدي لقانون المالية 2020 على الحكومة الأسبوع المقبل، علماً أن هذا المشروع يأتي في ظل ظرف صعب على مستوى التوازنات المالية. وبحسب مصدر حكومي، فإنّ السلطات العمومية امتنعت عن فرض جبايات جديدة في مشروع القانون، إلى جانب الاعتماد على مقاربة حذرة في تحديد الميزانية في جوانبها الخاصة بميزانيتي التسيير والتجهيز، واعتماد سعر مرجعي للنفط 50 دولاراً للبرميل.
زرع بذور الشك والبلبلة
في السياق ذاته، قال قائد الأركان في خطابه الأخير، إنه ولإفشال رهان "العصابة" وعملائها على التشويش بشأن الدخول المدرسي المقبل، من خلال زرع بذور الشك والبلبلة في صفوف التلاميذ وأوليائهم، تتواصل جهود الدولة في توفير الظروف الملائمة لبداية العام الدراسي الجديد، إذ اتخذت الحكومة الإجراءات كافة ووفرت كل الإمكانيات المادية والبشرية لضمان دخول مدرسي في أفضل الظروف، لا سيما من خلال رفع منح الدراسة بنسبة معتبرة، وهو الإجراء الذي من شأنه تعزيز دور الدولة وحرصها على تخفيف الأعباء عن كاهل الطلاب وأوليائهم.
وتابع صالح "الجزائر ولاعتبارات عدة، كانت وستبقى مستهدفة من قبل أعدائها، ولا يُراد لها أن تبني نفسها اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وتكنولوجياً، ولا أن تكون متحصنة بكل وسائل القوة. سلاح هؤلاء الأعداء في ذلك هو المحاولة من جديد تجريد الشعب الجزائري من كل ركائز قوته، المتمثلة أساساً في مقومات شخصيته الأساسية وثوابته الوطنية وقيمه، لا سيما تلك النابعة من ثورة نوفمبر (تشرين الثاني) الخالدة ونسيجه الاجتماعي المتلاحم". واعتبر أن هذا التلاحم "أزعج العصابة التي لا تزال تخطط في السر والعلن، لفك روابطه وقطعها، اعتماداً على أذنابها المندسين في هياكل المؤسسات كافة، الذين أوكلت إليهم مهمة عرقلة عمل الحكومة ومؤسسات الدولة وخلق حالة من الانسداد والغليان في الجبهة الاجتماعية، أملاً في تحقيق مآربهم وأهدافهم الخبيثة في عرقلة مسار الحوار وإطالة عمر الأزمة".
إفشال الحراك سياسياً
من جانبه، قال البرلماني السابق فاتح ربيعي، "لعل هدر فرص فرز ممثلين عن الحراك وناطقين باسمه، ثم الزج بالحراك في متاهة العداء لقيادة الأركان بشعارات مخوّنة، على الرغم مما قدمته من وعود وحققته من إنجازات تجاه مطالب الحراك، عقّد الأمور"، كاشفاً عن أن الحراك تراجع والإقبال عليه قلّ، وقد تكرس الانقسام السياسي والمجتمعي، وتحوّلت المؤسسة العسكرية من مرافق للحراك للاعب أساسي، وربما وحيد في ظل ضعف بقية الأطراف وهشاشتها. كذلك، رأى أنه "على الرغم من محاولة الأطراف كافة استدراك الأمر وتقديم التنازلات، إلاّ أنّ القطار قد أقلع، وربما لا يسعفها الحظ على اللحاق به".
وأضاف "وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر في تقييم الأوضاع، فإنني أرى ضرورة التفاعل الإيجابي مع الاستحقاق الرئاسي، باعتباره بداية حل شامل للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد، والدفع بالجدية المطلوبة إلى توفير الضمانات السياسية والقانونية كافة، خصوصاً مطلَبَيْ الهيئة المشرفة على الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات، بما يضفي الشفافية والمصداقية عليها"، وخلص إلى أنه "من الخطأ بمكان الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات قبل جلاء ما يتعلّق بضمانات نجاحها، لما لذلك من آثار سلبية في استمرار جذوة الحراك وتحسين أدائه مستقبلاً".