Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لهذه الأسباب يتجاهل الأطباء آلام بطانة الرحم المهاجرة 

أظهرت دراسة جديدة أن المريضات يلاقين التجاهل وتكذيب شكواهن و"التضليل" عندما يبلغن عن مكابدتهن آلاماً في الحوض تقلب حياتهن إلى الأسوأ. تبحث السطور التالية في الأسباب وراء الإهمال الذي يتعاطى به المتخصصون الطبيون مع أعراض الأمراض النسائية

الألم الشديد الذي يؤثر سلباً في حياة المرء اليومية ليس حالة "طبيعية"، يقول الخبراء (غيتي)

ملخص

الأطباء يستخفون بآلام  نسائية ويعزونها إلى الحيض

"ذات يوم، انهرت تماماً في محطة القطار. ظننت أن رصاصة أصابتني في معدتي". تقول هاري دوبي Harrie Dobby، الممثلة البالغة من العمر 36 عاماً، من غير انفعال، ربما لأن الألم صار جزءاً من حياتها اليومية. تقاسيه تارة وترتاح منه طوراً منذ أكثر من 20 عاماً. شأن 1.5 مليون امرأة في المملكة المتحدة أكد أطباؤهن إصابتهن بهذه الحالة الصحية، تعتقد هاري أنها تعاني "بطانة الرحم المهاجرة" (endometriosis) [التي تسمى أيضاً "الانتباذ البطاني الرحمي" أو "داء البطانة الرحمية"]. ونقول إنها "تعتقد"، ولا نقول إنها تعرف، لأنها أمضت 20 عاماً، في معظمها، تسعى إلى الحصول على تشخيص رسمي لحالتها.

"آنذاك، لقيت التجاهل والإهمال من أطباء متخصصين أقنعوني بأني أتوهم أوجاعي، وأصبحت في نهاية المطاف أشكك في نفسي. تقول في نفسك، ربما تكون قدرتي على تحمل الألم متدنية؟ ربما أنا أبالغ في أوجاعي؟"، تضيف هاري.

يتمثل داء "بطانة الرحم المهاجرة" في نمو نسيج مشابه لأنسجة بطانة الرحم [غشاء يبطن التجويف الداخل للرحم] في أعضاء أخرى خارج البطانة، مما يسبب غالباً ألماً موهناً يقلب حياة المريضات إلى الأسوأ، وفي بعض الحالات، يجعل الحمل صعباً. وما زال الوعي بهذه الحالة وأعراضها متدنياً في أوساط عامة الناس والمتخصصين في الطب، على الرغم من أنه يقض مضجع نحو 10 في المئة من النساء البريطانيات، أو اللاتي تحدد جنسهن كنساء عند الولادة. تقول إيما كوكس، المديرة التنفيذية للمؤسسة الخيرية "إندومتريوزس يو كي" Endometriosis UK (بطانة الرحم المهاجرة في المملكة المتحدة): "لسنا أبداً إزاء حالة صحية غير مألوفة".

عندما أخذ ألم هاري يتفاقم للمرة الأولى كانت تبلغ من العمر نحو 15 سنة. ذهبت إلى الطبيب لأنها كانت قلقة، مع اقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة، من أنها لن تتمكن من اجتياز الاختبار إذا كانت في فترة الحيض. كانت هذه بداية رحلة عمر بأكمله تعرضت فيها هاري للتجاهل باستمرار، أو إعطائها معلومات متضاربة.

وتقول هاري إنها "في المرة الأولى، خدعوني وطلبوا مني أن أتناول دواء "فيميناكس" Feminax [نوع من مسكنات آلام الدورة الشهرية]. في السنوات التي تلت ذلك، كان الأطباء يصفون لي دواء مختلفاً كلما زرت أحدهم: دواء مضاداً للغثيان، "كوديين" codeine، "بوسكوبان" Buscopan لمتلازمة القولون العصبي، وجرعة قوية جداً من "إيبوبروفين" ibuprofen لتسكين الألم...

 

كلما مرت بضع سنوات، كانت هاري تحاول مجدداً علها تكتشف الخطب في جسدها. وفي كل مرة لا تصل إلى أي نتيجة. وفي نهاية المطاف، بعد انهيارها في محطة القطار، طلب منها الخضوع لمسح لأعضائها الداخلية، فتبين أن أمعاءها ورحمها ملتصقان معاً. تخبر هاري: "أخبروني أنه يسعهم تشخيص إصابتي ببطانة الرحم المهاجرة من دون إجراء الفحوص الكاملة، وأني أعاني هذه الحالة في اعتقادهم. وفي تلك المرحلة، قيل لي إنني على الأرجح لن أكون قادرة على الإنجاب".

وإذ اعتراها قلق تجاه هذه التحذيرات السابقة في شأن احتمال إصابتها بالعقم، قررت هاري بعد مرور عامين أن تبدأ من جديد عملية التشخيص. أحيلت إلى اختصاصي، وخضعت لفحوص جسدية داخلية، وحجزت مواعيد لمتابعة حالتها، ولكن أقل ما يقال إن تجربتها مع الاختصاصي لم تكن إيجابية.

تتذكر هاري تلك التجربة قائلة، "دخلت إلى المكتب وكان الطبيب يتحدث عبر الهاتف. جلست هناك في الانتظار ريثما ينهي محادثته، ثم قال إنه بالنظر إلى الفحص الذي خضعت له، لا دلالة على أني أعاني أي خطب. أخبرني أن "النساء يشعرن أحياناً ببعض الألم أثناء الدورة الشهرية ثم يعتقدن أنهن مصابات بـ"بطانة الرحم المهاجرة". كل مريضة تزورني تظن أنها مصابة بهذه الحالة، ولكنها في الحقيقة لا تعدو كونها آلام الحيض.

كذلك تجاهل الطبيب مخاوفها في شأن العقم، قائلاً، "لا أعرف ما الداعي إلى إبلاغ أحدهم إياك بمثل هذا الأمر"، موضحاً أن في استطاعته إجراء عملية جراحية لها إذا أرادت ذلك، ولكنه "رأى أنها لا تعود بأي فائدة كبيرة".

 أسريت إلى نفسي أنه من المحال تماماً أن أسمح لهذا الرجل بأن يجري عملية جراحية لي"، قالت هاري. هكذا، استسلمت مرة أخرى. "إذا دخل رجل إلى عيادة الطبيب وقال إن خصيتيه تؤلمانه كل شهر بشدة إلى حد أنه لا يستطيع العمل، فسيخضع لكل الاختبارات المتوفرة على وجه الأرض. لدي شعوري أنه يتوقع من النساء أن يتحملن قدراً أساسياً من الألم"، قالت هاري بأسف.

قصة هاري أبعد ما تكون عن أن تكون قصة يتيمة. وفق دراسة صدرت نتائجها أخيراً، تواجه النساء تحديات ومعوقات متعددة في الحصول على المساعدة والدعم، سواء عند البحث عن تشخيص لحالتهن أو عند تشخيص إصابتهن ببطانة الرحم المهاجرة فعلاً. ومن المقرر أن تنشر الدراسة التي نهضت بها "جامعة مانشستر متروبوليتان" في "مجلة التواصل الصحي" Health Communication في وقت لاحق من الشهر الحالي، وقد اشتملت على مقابلة 33 امرأة واستبيانهن حول تشخيصهن أو تجاربهن في انتظار التشخيص. كان "تجاهل الأعراض الجسدية للمريضة أو التقليل من أهميتها أو ردها إلى أسباب غير صحيحة" مشكلة بنيوية في مجال الرعاية الصحية، مما يجعل النساء يشعرن "بالرفض والاستضعاف والإحباط".

 

أعلمتني الدكتورة جاسمين هيرن، كبيرة المحاضرين في علم النفس والباحثة الرئيسة في الورقة البحثية، أن 11 عاماً تقريباً تمر قبل التشخيص. "تبدو تجارب النساء اللاتي تحدثنا إليهن حزينة وصادمة، وتكشف عن قضايا التمييز الممنهج بين الجنسين التي ما زالت تشوب نظام الرعاية الصحية. ثمة نقص حقيقي في الوعي بداء بطانة الرحم المهاجرة والأمراض النسائية الأخرى. لا تحظى هذه الحالات الصحية بالأولوية الأولى عندما يقصد الناس الطبيب العام.

في المقابل، غالباً ما تعطى النساء علاجاً للقولون العصبي أو داء "كرون" قبل التحقيق في مشكلات الحيض. تقول كوكس إن سوء فهم ما يعتبر "حالة طبيعية" بالنسبة إلى الطمث يمثل جزءاً كبيراً من المشكلة. "تقول خرافة قديمة إن هذه الفترة من الدورة الشهرية لدى النساء مؤلمة وأن عليهن التعايش معها، ولكن إذا كانت هذه الأوجاع تعوق حياتك اليومية، فهي إذا ليست حالة طبيعية. إلى حد ما، كأننا نقول إن الإصابة بالصداع النصفي (الشقيقة) لا تختلف عن الصداع الطفيف.

تقول الدكتورة هيرن، إن القول للنساء باستمرار أن عليهن فقط الابتسام والتحمل، وتقبل الألم المزمن الشديد كجزء من الحياة، نصيحة مدمرة جداً. "تتراكم هذه التجارب جميع فوق بعضها البعض، إذ تجعل النساء يشعرن بالخجل والإحراج إلى حد أنهن لا يعدن بعدها، كما يقلن، يصدقن الأعراض التي يعانينها، ولا يرغبن في الذهاب إلى الطبيب، بل يشعرن أن أحداً لا يتوخى الصراحة أو الصدق في شأن المشكلة الصحية التي يواجهنها.

"أشعر بكثير من عدم الثقة تجاه نظام الرعاية الصحية عموماً، وذلك ببساطة لأنه قيل لي إني أتوهم الألم الذي أتحدث عنه، وأن قدرتي على تحمل الألم متدنية، أو أني كنت أتألم لأنني كنت سمينة"، قالت أليس (27 سنة)، إحدى النساء اللاتي شاركن في الدراسة المذكورة.

 

تجارب النساء اللاتي تحدثنا إليهن حزينة وصادمة وتكشف النقاب عن مشكلات التمييز الممنهج بين الجنسين التي تشوب إلى الآن نظام الرعاية الصحية

الدكتورة جاسمين هيرن

وتكمن المشكلة الأخرى في التابوهات [المحظورات] المجتمعية القائمة حتى الآن في شأن الحيض وصحة المرأة خلال الدورة الشهرية. تتفق كوكس مع هذا الكلام مشيرة إلى "أحاسيس ومواقف مزعجة كثيرة ينطوي عليها هذا الداء". تشمل أعراض بطانة الرحم المهاجرة آلام الحوض المزمنة، وأوجاع الحيض التي تعترض أعمالنا ومهامنا اليومية، وحركات مؤلمة في الأمعاء، والعقم أو صعوبة الحمل، ونزف الطمث الحاد، كل الاضطرابات والأوجاع التي يخجل الناس، من بينهم بعض المتخصصين في المجال الطبي، من التطرق إليها. تقول كوكس: "نتحدث عن البراز، والحيض، والأوجاع خلال ممارسة الجنس، والعقم - الكثير من المحظورات، وكلها متشابكة مع بعضها البعض". "ولكننا الآن في عام 2024: كيف يتعذر علينا حتى الآن فتح نقاشات حول جميع جوانب صحتنا، بما في ذلك صحة المرأة خلال فترة الطمث؟".

إيما التي تبلغ من العمر 21 سنة، وقد شاركت في الدراسة أيضاً. تقول إنها عانت هذه الوصمة بشكل مباشر، مضيفة: "ليست لدي مشكلة في التحدث عن فترة الدورة الشهرية والطمث- ولكن ردود فعل الناس والمجتمع على الموضوع تجعلني أشعر وكأنني عاجزة عن الكلام، كما لو أنها مشكلة نسائية عليك التعامل معها بهدوء وبمفردك.

سألت كوكس عما إذا كان الأطباء الرجال سيئين جداً في أخذ آلام النساء على محمل الجد، ولكن الإجابة ربما تتعلق بالجيل نفسه الذي ينتمي إليه هذا الطبيب أو تلك الطبيبة أكثر مما إذا كان المعني رجلاً أو امرأة. "إنها مشكلة سائدة في هذا المجال برمته"، كما تقول. "يعزى ذلك إلى الوقت التي تلقوا فيها الأطباء دراستهم، إذ توافق الطبيبات أيضاً على الخرافة التي تقول "إن الحيض لا بد من أن يكون مؤلماً". حتى الآن نرى نقصاً صادماً في المعرفة في شأن هذه المسألة.

ولكن بدا واضحاً في الدراسة أن النساء "يدركن بشدة التحيز الجنسي الممنهج، ويشعرن بالقمع من جانب مجتمع أبوي يهيمن عليه الذكور، مع إعطاء الأولوية لصحة الرجال على حساب صحة النساء"، كما تقول الدكتورة هيرن. الأطباء العامون من الجنسين أوصوا النساء اللاتي يعانين آلاماً شديدة في الحوض "بتجربة تمارين البيلاتس" أو ببساطة "الاسترخاء". عانت بعض النساء في الدراسة من وجود مديرين ذكوريين، الذين لم يعتقدوا أن آلام الحيض كانت شديدة إلى حد أن الموظفات عجزن عن العمل. وتضيف الدكتورة هيرن: "تشعر تلك النساء بالاضطهاد لأنهن يلاقين عدم التصديق ولا يؤخذن على محمل الجد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الخبراء، إن تخصيص مبالغ أكبر من الأموال من أجل النهوض بمزيد من البحوث وتقديم تعليم أفضل، سواء بالنسبة إلى الناس أو العاملين في المجال الطبي، سيشكل خطوة أساسية في خفض أوقات التشخيص وتوفير علاج أفضل لداء بطانة الرحم المهاجرة.

وفق الدكتورة هيرن، لا بد من حدوث تحول ثقافي كبير نحو صحة المرأة عموماً. توصيتنا الرئيسة تتمثل في إدخال تحسينات على فترة التدريب، ودمجه كجزء من التدريب الطبي، إضافة إلى رفع مستوى الوعي العام من طريق رسائل الصحة العامة. ولا بد من توفر مزيد من الخدمات: خدمات صحية أكثر مخصصة للمرأة، وفرص أكثر لدخول المتخصصين في الطب تخصصات أمراض النساء.

نجحت الجمعية الخيرية "إندومتريوزس يو كي" في حملة سعت إلى إدراج صحة المرأة وعافيتها خلال فترة الطمث في المناهج المدرسية (كان من المقرر إضافتها قبل "كوفيد" ولكن بسبب الجائحة لم تتحقق هذه الخطوة بعد)، وتتضمن الخطوات التالية التي يعتزم فريق الدكتورة هيرن إنجازها الحصول على وجهات نظر المتخصصين في الرعاية الصحية حول التحديات التي يواجهونها عند محاولة دعم المرضى من النساء اللاتي يعانين بطانة الرحم المهاجرة.

في الوقت الحالي، إذا كنت تواجهين أعراض بطانة الرحم المهاجرة، توصي كوكس بالاحتفاظ بمفكرة للمساعدة في تحديد عدد مرات حدوث الألم ومصدره. "تحدثي إلى عيادة طبيب الصحة الخاص بك. غالباً ما يكون لديهم طبيب متخصص في صحة المرأة، لذا اطلبي رؤيته". تقول الدكتورة مضيفة أنه "لكل شخص الحق في طلب رأي ثان. افعلي ذلك في حال لم تصلي إلى أي نتيجة. إذا كان ألم الحيض يؤثر سلباً في حياتك اليومية، أو كنت تتألمين بشدة عند ممارسة الجنس، فليست هذه حالة طبيعية، بل من حقك أن تحصلي على المساعدة المطلوبة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة