Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملك ماليزيا الجديد لماذا يرفض تبني الثقافة العربية؟

يتمتع السلطان إبراهيم إسكندر بتناغم مع رئيس الوزراء الحالي أنور إبراهيم

غالبت الدموع السلطان إبراهيم إسكندر بعد انتخابه ملكا لماليزيا أكتوبر الماضي (أ ف ب)

ملخص

يتمتع السلطان إبراهيم إسكندر بعلاقات وثيقة مع أنور إبراهيم رئيس الوزراء الحالي مما ينبئ بحالة من التناغم بين الملك وبوتراغايا، من دون تدخله "بشكل مفرط" فج في السياسة.

تستعد ماليزيا لتنصيب ملكها الـ17 وهو السلطان إبراهيم بن السلطان الراحل إسكندر، سلطان ولاية جوهور، خلفاً للملك الـ16 السلطان عبدالله رعاية الدين المصطفى بالله شاه، سلطان ولاية باهانغ الذي أكمل فترته ذات السنوات الخمس ملكاً للبلاد.

واجتمع سلاطين الملايو في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لتحديد خليفة السلطان عبدالله، ووقع الاختيار على السلطان إبراهيم، الذي كان والده ملكاً للبلاد قبل 34 عاماً، وتعد مملكة ماليزيا حالة ملكية فريدة إذ تقوم ملكيتها الدستورية على تناوب الحكم الملكي بين حكام الولايات التسع كل خمس سنوات وسط توقعات بتزايد دور استانا نيغارا في سياسة ماليزيا خلال فترة حكم الملك الجديد.

ملك جديد

ويبدأ الملك الماليزي الجديد السلطان إبراهيم بن السلطان إسكندر حاكم ولاية جوهور حكمه الملكي في الـ31 من يناير (كانون الثاني) الجاري، فيما انتخب حكام الملايو سلطان ولاية بيراك ناظرين شاه نائباً لملك البلاد للفترة نفسها.

وقرار اختيار السلطان إبراهيم جاء في ظل نظام التناوب الفريد المعمول به في ماليزيا، إذ تتناوب الأسر المالكة التسع على شغل هذا المنصب. وجرى اعتماد هذا النظام في عام 1957 عندما حصلت ماليزيا على الاستقلال عن الحكم البريطاني.

والنظام الملكي في ماليزيا يحمل بعض أوجه التشابه مع مستعمره البريطاني، ليستمر النظام الملكي ذاته منذ حصول البلاد على الاستقلال، فيتولى الملك دوراً شرفياً كرئيس للدولة، وتحكم البلاد من خلال ديمقراطية برلمانية.

ويشرف الملك على التعيينات السياسية والقضائية الرئيسة، ويشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الماليزية. وبموجب الدستور، يتغير الملك دورياً، المسمى (يانغ دي بيرتوان أجونج) أو "سلطان السلاطين" كل خمس سنوات، كما لا ينتقل الحكم من طريق النسب أو الدم عند وفاة الملك أو تنازله عن العرش، بل عبر تبادل الأدوار إلى من يعقبه في ترتيب مؤسسي مكون من تسع عائلات ملكية تتقاسم العرش، وهم حكام تسع ولايات من ولايات البلاد الـ13.

وعلى رغم أن التالي في ترتيب التنصيب معروف، فإن الملك الجديد يحتاج إلى موافقة غالبية حكام الملايو عبر الاقتراع السري. وإذا فشل الاسم الأول في الحصول على خمسة أصوات في الأقل، أو إذا كان السلطان لا يريد أن يصبح ملكاً، فسيتم تكرار العملية مع الاسم التالي في القائمة حتى يتم اختيار حاكم البلاد الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الولايات الملكية التسع فهي (نيجيري سمبيلان، سيلانغور، بيرليس، ترينغانو، قدح، كيلانتان، باهانغ، جوهور، بيراك)، بينما لا يوجد دور لحكام ولايات ملاكا وبينانغ وصباح وساراواك - وهي ولايات لا يوجد بها أسر ملكية - ولا تسهم في اختيار الملك.

ولعل أول ملك ماليزي كان سلطان ولاية نيجيري سمبيلان توانكو عبدالرحمن بن المرحوم توانكو محمد، فيما اعتلى الملك السابق الـ16 المنتهية ولايته السلطان عبدالله، العرش في عام 2019 عن عمر يناهز 59 سنة، بعد أن تنازل سلفه السلطان محمد الخامس سلطان ولاية كيلانتان عن العرش بعد عامين من توليه هذا المنصب. تنحي السلطان محمد كان تاريخياً ومثيراً للجدل بعد زواجه من ملكة جمال روسيا أوكسانا فويفودينا، حين رفض حكام الملايو تتويجها كملكة، وفقاً لتقارير إعلامية.

تمثل الملكية هوية كثير من عرق الملايو الغالبية التي تشكل نحو 60 في المئة من نسبة سكان ماليزيا، كما ينظر إلى السلاطين بأنهم حماة الدين للإسلام في ولاياتهم، في حين أن الملك يعتبر حامي دين الدولة والولايات التي ليس لها أسر ملكية.

خمس عجاف

تزامن عهد السلطان عبدالله مع فترة عصيبة ومفصلية في تاريخ ماليزيا، شهدت عدم استقرار سياسي وجائحة كورونا. وخلال فترة ولايته، عمل السلطان عبدالله مع أربعة رؤساء وزراء مختلفين وعين ثلاثة منهم لحل المآزق السياسية التي مرت بها البلاد خلال سنوات حكمه الخمس.

وعلى رغم أن الانتخابات العامة هي من تحدد رئيس الوزراء في ظل النظام البرلماني، فإنه في حالة حدوث جمود سياسي، يمنح الدستور الملك سلطة تعيين رئيس وزراء يعتقد أنه قادر على الحصول على الغالبية بين نواب البرلمان.

واستخدم الملك سلطته ونفوذه ثلاث مرات، أولاها حينما انهارت حكومة الأمل برئاسة مهاتير محمد في عام 2020 بعد "تحرك شيراتون"، فجاء قرار الملك - على غير العادة - أن يجتمع بصورة فردية مع كل نواب البرلمان الـ222 لتحديد من لديه الغالبية لتشكيل حكومة جديدة.

ووقع الاختيار على رئيس حزب "برساتو" محيي الدين ياسين لتشكيل حكومة جديدة. وبعد أقل من عام، سقط ائتلاف حكومة محيي الدين، فطلب السلطان عبدالله من المشرعين الإفصاح عمن يدعمونه كزعيم لهم، ثم قرر تعيين القيادي بحزب "أومنو" إسماعيل صبري يعقوب، ليكون رئيس الوزراء التاسع للبلاد.

وبعد أن أفضت الانتخابات العامة الـ15 عام 2022 إلى برلمان معلق، إذ لم يحصل أي تحالف سياسي على غالبية بسيطة تمكنه من تشكيل حكومة جديدة، استدعى السلطان عبدالله المرشحين الرئيسين رئيس تحالف الأمل أنور إبراهيم ورئيس التحالف الوطني محيي الدين لاجتماع في القصر. ومن ثم كان القرار بتسمية أنور ليكون رئيس الوزراء العاشر ويشكل حكومة الوحدة الحالية، كما أصدر السلطان محمد الخامس، الحاكم الـ15 لماليزيا، عفواً عن أنور عام 2018 بعد أن سجن منذ عام 2015 بتهمة أخلاقية.

 

 

ولعبت حكمة ملك ماليزيا السابق دوراً في إنقاذ البلاد من الدوامة السياسية التي مرت بها عام 2022 عقب الانتخابات، وسط تقدير محلي لحكمة السلطان عبدالله ودوره الحاسم في إقناع الأحزاب السياسية بتشكيل حكومة وحدة.

وأكد الملك مراراً عدم نيته التدخل في الشؤون السياسية للبلاد، ملقياً باللوم على النواب والسياسيين الذين لم يضعوا خلافاتهم جانباً من أجل حماية البلاد ومصالح الشعب، وهذا المشهد دفع وزراء الحكومة الحالية إلى الاعتراف بأن فكرة السلطان عبدالله بتشكيل حكومة الوحدة أنقذت ماليزيا في واحد من أصعب المآزق السياسية التي مرت بها البلاد.

على الجانب الإنساني، فإن السلطان عبدالله معروف عنه تواضعه واهتمامه بالحديث والتفاعل مع الماليزيين في الشوارع مما جعله يتمتع بشعبية كبيرة، وانتشرت له ولزوجته الملكة عديد من المقاطع والصور وهو يساعد ضحايا حوادث المرور وسكان القرى ويقدم الطعام للصحافيين أمام القصر الوطني.

السلطان الملك

السلطان إبراهيم ابن السلطان إسكندر هو حاكم ولاية جوهور الماليزية منذ عام 2010، ويبلغ من العمر 64 سنة، وزوجته راغا زاريث صوفية بنت المرحوم سلطان إدريس شاه، ولديه ستة أبناء. درس في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية الأميركية.

يعود تاريخ عائلة جوهور الملكية إلى أوائل القرن الـ16 ولديها جيشها الخاص. ويبلغ عدد سكان ولاية جوهور 3.5 مليون نسمة، وتعد إحدى أكثر الولايات الماليزية ازدهاراً ويفصلها عن سنغافورة مضيق صغير.

وكان والده ملك ماليزيا الثامن، وتولى العرش بين عامي 1984 و1989، وحكم الولاية منذ عام 1981 حتى وفاته عام 2010. والسلطان إبراهيم ماليزي بريطاني، فوالدته هي غوزفين روبي تريفورو البريطانية، والتقى بها السلطان إسكندر أثناء دراسته في بريطانيا، وأنجبا أربعة أطفال، من بينهم السلطان إبراهيم.

عرف عن ملك ماليزيا الجديد شغفه بالرياضة وريادة الأعمال، إذ تدرب على قيادة الطائرات وممارسة التنس والبولو كما يملك عديداً من الأنشطة التجارية أبرزها شراكة مع شركة التطوير العقاري الصينية المتعثرة "كونتري جاردن" في مشروع "فورست سيتي" بكلفة تبلغ 100 مليار دولار.

خرج المشروع للنور عام 2006، كمدينة ذكية تمتد على أربع جزر قبالة ولاية جوهور، لكن الصعوبات المالية التي تواجه الشركة الصينية أدت إلى تعليق المشروع، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان المشروع سيكتمل أم لا.

سياسياً، يدعم السلطان إبراهيم مكافحة الفساد وتعزيز الوحدة العرقية، ومعروف عنه صراحته وهجومه على السياسيين المتورطين في قضايا الفساد والبرلمانيين الذين تسببوا في عدم الاستقرار السياسي في ماليزيا أخيراً، وأعرب صراحة عن رأيه في شأن علاقات ماليزيا مع الصين، التي وصفها بأنها "حليف جيد وموثوق".

ويشتهر السلطان إبراهيم أيضاً باعتداله الديني، ومن أبرز مواقفه عام 2017، حين أمر مغسلة رفعت لافتة "مخصصة للمسلمين فقط" بالاعتذار والتوقف عن التمييز ضد غير المسلمين أو مواجهة الإغلاق، كما اتخذ خطوات للحفاظ على التراث الثقافي لولاية جوهور عبر دعم الفنون التقليدية والمهرجانات والفعاليات الثقافية.

تصريحات مثيرة

يعتقد أن تنصيب ملك ماليزيا الجديد كان له رد فعل من لدن الخصوم في المعسكر السياسي، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد الذي عارض خلال وجوده في سدة الحكم محاولات عائلة جوهور الملكية للدخول في السياسة، وقاد حملة استمرت لسنوات للحد من سلطة السلاطين التسعة.

فيما خرج السلطان إبراهيم في عام 2016 بتصريحات مثيرة طالب فيها بلاده بعدم تبني العادات الثقافية العربية، والتمسك بثقافة وتقاليد الملايو.

وربطت بعض التقارير بين تصريحاته السابقة حول تصوره لإدارة البلاد وتصريحاته أخيراً في السياق ذاته، لترسم صورة رجل لديه طموح في لعب دور أكبر على المستوى الوطني، فوعد بألا يكون "دمية" وتوعد المسؤولين الفاسدين بالملاحقة، في بلد عانى تلطيخ سمعته على خلفية فضيحة فساد عالمية أسقطت الحكومة قبل فيروس كورونا وأحد أكبر أحزاب ماليزيا.

 

 

كما أن للملك القادم رؤية حول سلطته في التعيينات القضائية والتي يجب أن تظل بعيدة من السلطة التنفيذية، ومن ثم أن تكون من اختصاصه حصراً، إلى جانب خضوع الشركات الوطنية لإدارته مثل شركة الطاقة "بتروناس".

وتذكر تقارير أخرى أن ملك ماليزيا الجديد لديه نسبته في كل المشاريع على أراضي ولاية جوهور الحكومية منها والخاصة، وكان آخرها المدينة الذكية العملاقة بالتعاون مع شركة "كونتري جاردن" الصينية، ومشروع القطار السريع بين كوالالمبور وسنغافورة المار عبر الولاية.

استشراف مستقبلي

وفقاً للنظام الملكي الدستوري الفيدرالي يلعب حاكم ماليزيا دوراً شرفياً إلى حد كبير، ويمثل سلطة البلاد العليا في الدفاع عن الدين الرسمي للدولة وهو الإسلام. ويملك صلاحيات محدودة ويتصرف بناءً على نصيحة رئيس الوزراء، بينما يوقع على القوانين والتعيينات في المناصب الحكومية الرفيعة المستوى، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الماليزية، ولديه سلطة منح العفو عن المدانين.

وعلى رغم أن التدخل في الشأن السياسي ليس سمة بارزة في حكام ماليزيا، فإن السنوات القليلة الأخيرة فرضت على القصر الوطني الوجود بشكل مستمر في المشهد السياسي، ومن ثم فإنه مع استمرار حالة الاضطراب الحالية يمكننا توقع لعب النظام الملكي دوراً رئيساً في إحلال الاستقرار.

وبالنسبة إلى السلطة السياسية الحاكمة يتمتع السلطان إبراهيم بعلاقات وثيقة مع أنور إبراهيم رئيس الوزراء الحالي، مما ينبئ بحالة من التناغم بين الملك وبوتراغايا (العاصمة الإدارية الجديدة لماليزيا)، من دون تدخله "بشكل مفرط" فج في السياسة.

المزيد من تقارير