ملخص
يرى مراقبون أن الهجوم على قوات أميركية داخل الأراضي الأردنية من شأنه رد اعتبار أردني على انتهاك سيادته
حاول الأردن النأي بنفسه عن الهجوم الذي استهدف جنوداً أميركيين قرب حدوده مع سوريا بطائرة مسيرة وأوقع في صفوفهم قتلى وجرحى، على رغم تأكيدات واشنطن أن الهجوم وقع داخل أراضي المملكة.
ورصد مراقبون تراجعاً وتضارباً في التصريحات التي أطلقها الناطق الإعلامي باسم الحكومة الأردنية وزير الاتصال مهند مبيضين، إذ أصر في تصريحه الأول بعد الحادثة مباشرة على النفي القاطع لوقوع الهجوم داخل الأراضي الأردنية وظل متمسكاً لساعات بأنه وقع في قاعدة "التنف" الأميركية في سوريا، في وقت كانت خلاله تتلاحق التأكيدات من واشنطن وجميع وكالات الأنباء العالمية أن الهجوم استهدف قاعدة "البرج رقم 22"، والتي تقدم المساعدة والمشورة لعمان، لكن الوزير الأردني تراجع بعد ساعات عن تصريحه ليؤكد أن الهجوم استهدف موقعاً متقدماً على الحدود الأردنية مع سوريا، كما كان لافتاً عدم إصدار بيان من قبل الجيش الأردني خلافاً للعادة، إذ تتولى القوات المسلحة مهمة إصدار بيانات توضيحية حول الأحداث التي تتعلق بالجانب العسكري.
ما هو موقع "البرج 22"؟
وقتل ثلاثة جنود أميركيين وأصيب عشرات في هجوم بطائرة مسيرة على موقع عسكري أردني يحمل اسم "البرج 22" الذي سلطت عليه الأضواء منذ الحادثة، وهو برج يقع في مكان استراتيجي، وتحديداً في أقصى الشمال الشرقي عند التقاء حدود المملكة مع سوريا والعراق. وأهمية هذا الموقع العسكري هو وقوعه قرب قاعدة "التنف" الأميركية الواقعة في الجهة المقابلة من الأراضي السورية، والتي أنشئت في إطار الحرب على تنظيم "داعش"، ومواجهة التمدد العسكري الإيراني في شرق سوريا.
وسلطت هذه الحادثة الضوء على طبيعة وجود القوات الأميركية في الأردن وفقاً لاتفاقية الدفاع المشترك بين عمان وواشنطن التي وقعت عام 2021. وتقول الحكومة الأردنية إن القوات الأميركية تساعد على تأمين الحدود وفقاً لهذه الاتفاقية التي تتيح للجنود الأميركيين التحرك بحرية مطلقة والوصول إلى كافة المواقع العسكرية الأردنية في المملكة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والى جانب تقديرات تتحدث عن وجود ثلاثة آلاف جندي أميركي، ثمة المئات من المدربين الأميركيين الذي يقدمون تدريبات ومشورات عسكرية للجانب الأردني، ضمن برنامج أنشأته واشنطن عام 2011 لتطوير نظام مراقبة هدفه وقف تسلل المسلحين من سوريا والعراق.
ووفقاً للبنود التي نشرت في الصحيفة الرسمية عام 2021، تعطي الاتفاقية القوات الأميركية الحق في الوجود على الأراضي الأردنية والتنقل والتدريب والتخزين والصيانة والدخول والخروج بحرية، فضلاً عن استخدام المرافق مجاناً، كما تعطي الاتفاقية الأميركيين الحرية بإقامة محطات استقبال بالأقمار الاصطناعية، فضلاً عن هبوط الطائرات وتموين السفن، وعمليات النقل والإمدادات.
وبحسب الاتفاقية، بإمكان القوات الأميركية الوجود بحرية داخل 11 قاعدة عسكرية في طول البلاد وعرضها.
حرج سياسي وشعبي
وتوضح خرائط على موقع "غوغل ماب"، وأخرى نشرتها وزارة الدفاع الأميركية أن الموقع المستهدف هو قاعدة "البرج رقم 22" والذي يقع داخل الأراضي الأردنية.
ويفسر مراقبون نفي الأردن لوقوع الهجوم على أراضيه، بمحاولته تجنب الحرج السياسي والشعبي، إذ قوبلت اتفاقية الدفاع المشترك مع واشنطن برفض شعبي وبرلماني، كما أنها أقرت دون عرضها على البرلمان وفق القنوات الدستورية.
وسوقت عمان في حينه اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة على أنها لحماية الأردن من الإرهاب وخطر التمدد الإيراني. ويرى مناوئون للاتفاقية أن الوجود الأميركي في الأردن من شأنه أن يجعل المملكة في قلب دائرة الصراع والهجمات الانتقامية.
وكان الأردن قد أعلن خلال الأشهر الماضية أنه يتعاون مع شركائه لتأمين الحدود، كما طلب من الولايات المتحدة ودول أخرى تزويده بأنظمة عسكرية والمعدات اللازمة لزيادة قدراته على مواجهة الأخطار.
هل يتم الرد؟
يعتقد المحلل العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار أن الحديث عن وقوع الهجوم داخل الأراضي الأردنية يرتب على عمان الرد باعتبار أن ما حدث انتهاك للسيادة ولأجواء المملكة، ولذلك حاولت الحكومة أن تكون دقيقة جداً في تحديد الموقع الذي وقع فيه الهجوم.
أبو نوار اعتبر أن الهجوم يمثل تصعيداً خطراً وغير مسبوق، وقد يستوجب رداً أميركياً في سوريا والعراق مرجحاً أن تكون المسيرة انطلقت منها، إذ إن "البرج 22" لا يبعد عن قاعدة التنف الأميركية في سوريا سوى 24 كيلومتراً فقط.
بينما فسر وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة تضارب التصريحات الرسمية الأردنية في شأن الحادثة بتداخل الحدود وقربها من الجانب الأردني، مضيفاً أن واشنطن تعلم حجم سيطرة كثير من الميليشيات الإيرانية في تلك المنطقة، وأن الهدف من الهجمات إنهاء الوجود الأميركي في سوريا والعراق حتى تتحرك إيران بحرية أكبر في المنطقة ضمن صراع للنفوذ في المنطقة.
أضاف المعايطة، "الأردن يدفع ثمن لغياب الدولة السورية وجيشها عن ضبط الحدود المشتركة، والتي تبلغ 378 كيلومتراً، فضلاً عن الحدود المشتركة مع العراق أيضاً". ويرى أن واشنطن بتعاملها الناعم وتهديداتها غير الحقيقية أسهمت في زيادة نفوذ إيران وتوسع ميليشياتها في الإقليم، بل إنها استفادت من هذه الميليشيات في إدارة أزمات الإقليم، واليوم تدفع ثمناً أولياً لما فعلته، مشيراً إلى أن شهية إيران واسعة لخروج أميركا من المنطقة وابتلاعها الإقليم خدمة لمشروعها.
ليست الحادثة الأولى
وليست هذه المرة الأولى التي يقتل فيها أميركيون في الأردن، إذ يستذكر الأردنيون حادثة الجفر التي وقعت عام 2016 حين قام الجندي معارك أبو تايه بإطلاق 91 رصاصة أدت إلى مقتل أربعة جنود أميركيين في قاعدة عسكرية أردنية بمنطقة الجفر الواقعة في محافظة معان جنوب البلاد. كما اغتيل الدبلوماسي الأميركي لاري فولي في عمان عام 2002، ودينت بالحادثة مجموعات إسلامية، في حين قتل الطبيب الأردني همام البلوي سبعة من ضباط جهاز الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) في أفغانستان عام 2009.