علمت "اندبندنت" أن المزاعم المتعلقة بتعرض نساء في بريطانيا للتحرش والاعتداء الجنسي على يد عناصر الشرطة، سجلت ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة تقريباً منذ وقوع الجريمة المأسوية لاغتصاب سارة إيفرارد وقتلها على يد شرطي في الخدمة.
ويكشف تحليل لبيانات هيئة مراقبة الشرطة عن زيادة كبيرة في التقارير التي قدمها أفراد في شأن سوء السلوك الجنسي للشرطة، مع تقديم ما مجموعه 293 شكوى ضد شرطيين وموظفين خلال العام الماضي.
ويشمل الرقم الإجمالي أكثر من 200 ادعاء بالتعرض لاعتداء جنسي، و20 حالة تحرش جنسي، و65 شكوى مصنفة على أنها "سلوك جنسي آخر"، ضد قوى إنفاذ القانون في إنجلترا وويلز، خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2022 و2023.
وتظهر هذه الأرقام زيادة عن العدد المسجل قبل نحو ثلاثة أعوام - في ما يتعلق بسوء سلوك جنسي - لدى "المكتب المستقل لمراقبة سلوك الشرطة" Independent Office for Police Conduct (IOPC)، وهي الفترة التي جرى خلالها تسليط الضوء على الفساد في أجهزة الشرطة، بعد قيام واين كوزينز، وهو أحد عناصر "شرطة العاصمة البريطانية"، باختطاف السيدة إيفرارد وقتلها.
الرئيسة السابقة في الشرطة سو فيش، قالت إنه "لمن المؤسف أن كثيراً من النساء ينظر إليهن على أنهن سلعة، من جانب عناصر إنفاذ القانون، ويعاملن على أنهن أدوات للإساءة".
أما النائبة في حزب "العمال" البريطاني المعارض جيس فيليبس فدعت إلى إحداث "تغيير جذري" في عمليات تجنيد عناصر الشرطة، للقضاء على كراهية النساء داخل مؤسساتها، مشيرة إلى أن هناك عديداً من الحالات التي تقوم فيها الشرطة بـ"تقييم نفسها".
وفي هذا الإطار يمكن لـ"اندبندنت" أن تكشف عما يأتي:
• يخشى كبار قادة الشرطة أن تكون الشكاوى المبلغ عنها لا تعكس سوى جزء محدود من المشكلة التي يمكن أن تكون أكبر بكثير.
• واجهت "شرطة العاصمة البريطانية" - وهي أكبر قوة لإنفاذ القانون في المملكة المتحدة - 50 شكوى تتعلق بالسلوك الجنسي في العام الماضي.
• من المثير للقلق أن "المكتب المستقل لمراقبة سلوك الشرطة" لاحظ أن 136 شكوى متعلقة بإساءة معاملة أو سلوك جنسي، تمت تسويتها بشكل غير رسمي ومن دون إجراء تدقيق مستقل من جانب الشرطة.
• كانت هناك زيادة هائلة في عدد الإحالات من أجهزة الأمن إلى "المكتب المستقل لمراقبة سلوك الشرطة"، ومن المتوقع أن يتجاوز 7 آلاف هذه السنة بعدما كان في حدود 4 آلاف قبل 5 أعوام.
تعزو السيدة فيش - التي كانت أول رئيسة في الشرطة تصنف كره النساء على أنه جريمة كراهية - هذا الارتفاع في عدد النساء اللاتي يتقدمن للإبلاغ عن انتهاكات ضدهن، هو "إرث سارة إيفرارد"، التي أشعلت وفاتها الجدل حول فساد الشرطة، ودفعت إلى مراجعة للثقافة والسياسة والمعايير داخل "شرطة العاصمة البريطانية" قامت بها البارونة لويز كيسي، التي خلصت إلى وجود كراهية مؤسسية للنساء في الجهاز.
على رغم من هذا التقدم، إلا أن فيش تشعر بقلق من أن تكون الأرقام المبلغ عنها، لا تمثل سوى جزء صغر من الواقع، لأن كثيراً من الضحايا ما زلن يترددن في الإبلاغ عن الاعتداءات الجنسية التي ترتكبها عناصر الشرطة، لأنهن لا يشعرن بالأمان لدى الإبلاغ عن المعتدى عليهن، مما يثير مخاوف من أن مثل هذه الحوادث تؤدي إلى تآكل ثقة الناس في قوى إنفاذ القانون.
وتضيف السيدة فيش في حديثها مع "اندبندنت": "يمكن النظر إلى هذا على أنه إرث سارة إيفيرارد، بحيث ترفض النساء قبول سوء المعاملة. لكن البعض منهن - وليس الجميع - بتن يتحدثن بشجاعة، خصوصاً بعد المراجعة التي أجرتها البارونة كيسي".
وتابعت: "إنهن يقلن إنهن ضقن ذرعاً بالمعاملة المروعة التي يلقونها من جانب أشخاص يفترض بهم أن يقدموا الحماية لهن وأن يحترموا القانون، وهن في الواقع يستحقن الثناء على التحدث علناً عن ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السيدة فيش - التي حازت "وسام الإمبراطورية البريطانية" Order of the British Empire (OBE) على خدماتها في مجال الشرطة قبل أن تتقاعد من منصب رئيسة "شرطة نوتينغهامشير" Nottinghamshire Police في عام 2017 - أشارت إلى أن معظم أفراد الشرطة ينضمون إلى الأجهزة لفعل الخير، لكنهم يغوصون في بيئة "تكن الكره بشدة للنساء".
وانتقدت "فشل كل من الشرطة والحكومة في الاعتراف بأن الخلل موجود على المستوى المؤسسي". ورأت أنه "إذا تضاءلت الثقة في المؤسسة التي يفترض بها أن تحمي الناس، فإن هذا يعني فشل النظام بأكمله".
وشددت السيدة فيليبس التي تولت سابقاً منصب وزيرة شؤون العنف المنزلي في حكومة الظل "العمالية"، على "الحاجة إلى إحداث تحول عميق في عمليات التدقيق في خلفية عناصر الشرطة، وتطبيق الإجراءات التأديبية". واعتبرت أنه "إذا كانت لدينا أية فرصة لإعادة بناء ثقة النساء في أجهزة الشرطة، فلا يمكن لهذا الأمر أن ينتظر، ومن الضروري أن تتخذ الحكومة تدابير تكفل أن تتعامل كل قوة مع كل حال بالشكل المناسب، وبما يضمن الاستقلالية في هذه العملية".
ولفتت إلى أنه "في الوقت الراهن، لا يزال هناك عدد كبير للغاية من الحالات، التي لم تقم فيها قوى إنفاذ القانون بتقييم سلوكيات عناصرها في ما يتعلق بادعاءات ضدهم تتعلق باعتداء منزلي وجنسي".
وتظهر الأرقام أن حوالى 24 شكوى قدمت ضد عناصر في الشرطة وموظفين في "شرطة تيمز فالي" Thames Valley Police بينما سجلت 15 شكوى في كل من "شرطة مانشستر الكبرى" Greater Manchester Police و"شرطة نوتنيغهامشاير". و11 شكوى في "شرطة وست ميدلاندز" West Midlands Police، بينما قدمت 10 شكاوى ضد عناصر في "شرطة إيسيكس" Essex Police.
وخلال العام الماضي قدمت 74 شكوى أخرى في شأن استغلال عناصر في الشرطة منصبهم لغرض جنسي، على رغم أن هذه الشكاوى لم تسجل في خانة "السلوك الجنسي" من جانب هيئة مراقبة الشرطة.
وعلى رغم الزيادة الواضحة في عدد الإحالات من قوى حفظ الأمن إلى "المكتب المستقل لمراقبة سلوك الشرطة" منذ الكشف عن جريمة كوزينز، تظل قدرة هذه الهيئة الرقابية محصورة بنحو 300 تحقيق مستقل كل سنة. وهذا يعني اضطرارها إلى اتخاذ قرارات صعبة في شأن منح الأولوية للقضايا التي تختار متابعتها ضد الأفراد موضع الاتهام".
وتأتي هذه الأرقام في أعقاب إدانة جوردان ماسترسون العنصر السابق في "شرطة تشيشير" Cheshire Constabulary هذا الأسبوع، بإساءة استغلال منصبه لغرض جنسي، وذلك بعدما مارس الجنس مع ضحية عنف منزلي أثناء زيارة الشرطة لمنزلها في عام 2021. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في حق الشرطي ماسترسون الذي يبلغ من العمر 28 سنة، عن "محكمة تشيستر كراون" Chester Crown Court الشهر المقبل.
في المقابل أعلنت "شرطة العاصمة البريطانية" هذا الأسبوع عن اتهام الشرطي محمد ميه، بالإساءة جنسياً إلى امرأة بينما كان خارج الخدمة في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2020. ومن المقرر أن يمثل أمام "محكمة هايبوري كورنر" Highbury Corner Magistrates’ Court الأسبوع المقبل، بتهمة الاتصال الجسدي ذي الطبيعة الجنسية.
كما من المتوقع أن يمثل العنصر في "شرطة العاصمة البريطانية" أندري ساجيداك أمام المحكمة بتهمتي اغتصاب، وبتهمة خنق غير مميت، وبتهمة التسبب بأذى جسدي فعلي لرجل في شمال لندن، يوم رأس السنة الجديدة.
هارييت ويستريش، مديرة "مركز عدالة المرأة" Centre for Women’s Justice، (يساعد النساء والفتيات اللاتي يتعرضن لعنف الذكور في استخدام السبل القانونية للدفاع عن حقوقهن)، رأت أنه في حين أن التركيز على القضايا الأخيرة قد يشجع مزيداً من النساء على التقدم بشكاويهن، إلا أنه لا يزال هناك شوط طويل قبل استعادة الثقة في أجهزة الشرطة.
وقالت لـ"اندبندنت" إن "الزيادة الكبيرة في الشكاوى يعد أمراً مقلقاً للغاية. فانتشار سوء السلوك الجنسي لدى الشرطة يقوض ثقة المرأة في أجهزة حفظ الأمن، ويعني أن استعادتها ستتطلب كثيراً من العمل والوقت".
في غضون ذلك، أعربت باتسي ستيفنسون - البالغة من العمر 31 سنة التي قيدت بالقوة من الشرطة أثناء وقفة احتجاجية في مارس (آذار) عام 2021 بسبب ما تعرضت له السيدة إيفرارد - عن فقدان ثقتها بالشرطة.
وأوضحت الطالبة السابقة في الفيزياء أن حياتها خضعت لتغيير كبير بعدما أصبحت صور اعتقالها تتصدر عناوين الأخبار.
وقالت لـ"اندبندنت" إن "ثلاثة أعوام مرت (منذ اعتقالها خلال الوقفة الاحتجاجية على ما حدث لسارة إيفيرارد)، ومن المحزن حقاً أن أجد نفسي مضطرة للحديث عن هذه الأمور".
وأضافت: "أعتقد أن الشرطة أظهرت مراراً أنها تؤوي جناة في صفوفها. وعندما تقوم النساء بالإبلاغ عن قضايا ما، فغالباً ما يقابلن بموقف إلقاء اللوم على الضحايا. أشعر بأن الشرطة لم تتحمل المسؤولية بعد، ولم تحاسب المرتكبين. ولم نر أي تغيير يحدث على الإطلاق".
آنا بيرلي، المؤسسة المشاركة لمنظمة "استعادة هذه الشوارع" Reclaim These Streets - وهي الحركة التي نسقت الوقفة الاحتجاجية على ما حصل مع سارة إيفيرارد - أكدت على الحاجة الملحة لإجراء إصلاح شامل للشرطة.
وأوضحت أن "الاعتداء والتحرش الجنسي غير مقبولين في أي سياق، لكن الأمر يصبح أكثر خطورة وإثارة للقلق عندما يكون منتشراً بين صفوف أولئك الذين تم تكلفيهم الحفاظ على سلامتنا".
وأضافت: "يبدو أن غياب الإلحاح والمساءلة داخل أجهزة الشرطة البريطانية في ما يتعلق بانتشار كراهية النساء وسوء السلوك، يظل مثار قلق عندما يترك بلا معالجة أو رادع".
"مجلس رؤساء الشرطة الوطنية" The National Police Chiefs’ Council أكد أن الأجهزة تأخذ الشكاوى العامة على محمل الجد، وأن "تغييرات كبيرة تجرى للتصدي لقضية كراهية النساء".
وقال متحدث بإسم المجلس لـ "اندبندنت": "نحن ملتزمون تماماً ضمان التأكد من تحديد هوية الأفراد غير المؤهلين لارتداء زي الشرطة وفصلهم من قواتنا".
وأضاف: "يواصل كبار قادة الأجهزة رفع القضايا الخطرة التي تعاقب أو تزيل العناصر الذين يخذلون الرأي العام بشكل سيئ. ويؤكد هذا النهج التزامنا التمسك بالمعايير العالية التي يتوقعها الجمهور".
وأشار إلى أنه "توجد داخل كل قوة شرطة أقسام متخصصة بتطبيق المعايير المهنية، وهي مكلفة التحقيق في الشكاوى المقدمة ضد العناصر والموظفين. وتلتزم هذه الأقسام بإرشادات صارمة، وتقوم بإدارة خطوط هاتفية سرية للإبلاغ، لكل من الجمهور والزملاء، وتخضع لعمليات تفتيش مستقلة منتظمة. وتتصرف هذه الوحدات بشكل استباقي بناء على معلومات استخبارية لتحديد أي عناصر يفشلون في تلبية معايير الخدمة، والتخلص منهم".
وختم قائلاً إنه "يتم إحراز تقدم، ويجرى اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق تحسينات طويلة الأجل في المعايير والثقافة كما سبق أن وعدنا".
© The Independent