ملخص
"كل عائد ستمنح له مساعدات تشمل تعويضات مالية ومستلزمات منزلية مع إمكانية إدراجه ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية والتوظيف"
تعمل السلطات العراقية بالتنسيق مع نظيرتها في إقليم كردستان على غلق مخيمات تؤوي عشرات الآلاف من نازحي حقبة تنظيم "داعش" مع تطبيق برنامج تحفيزي يشمل قائمة من التعويضات تقدم خلال ستة أشهر، فيما تواجه العملية تحديات جمة في ظل تردد ورفض النازحين العودة لمناطقهم الأصلية.
وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت مطلع الشهر الماضي قراراً نص على إغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان، والبالغة 23 مخيماً خلال مدة لا تتجاوز نهاية يوليو (تموز) المقبل، كما يشمل القرار المخيمات في بقية المحافظات العراقية. وحدد القرار منح مبلغ أربعة ملايين دينار أو ما يعادل نحو 2500 دولار أميركي، لكل أسرة راغبة بالعودة، فضلاً عن تقديم مساعدات وحاجات أساسية مع التوظيف. وقد أجرت وزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية محادثات في وقت سابق مع الجهات المعنية في حكومة أربيل، للتنسيق ووضع آلية لغلق الملف، تتضمن إجراء مسح ميداني واستبيان للنازحين للوقوف على التحديات والمعوقات التي تقف عائقاً أمام عودتهم، والتنسيق مع لجنة المهجرين لمتابعة أوضاع العائدين إلى مناطقهم وآلية إعمار تلك المناطق.
واضطر أكثر من مليون ونصف المليون شخص إلى النزوح من مناطقهم في محافظات نينوى والأنبار وديالى وغيرها إلى المناطق الكردية، عقب سيطرة تنظيم "داعش" على نحو ثلث مساحة البلاد في الفترة بين عامي 2004 و2017، والذي كان أدى إلى تهجير نحو ستة ملايين شخص، لكن بعد معركة استعادة مدينة الموصل آخر معاقل التنظيم، عاد قسم كبير منهم إلى مناطقهم، في حين ما زال يوجد نحو 630 ألف نازح في الإقليم، يعيش نحو 160 ألفاً منهم في المخيمات، وفقاً للسلطات الكردية.
خيارات ومحفزات
وحددت الحكومة الاتحادية ثلاثة خيارات أمام النازحين لغلق مخيماتهم خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر، تتكفل بتنفيذها لجنة مشتركة من الجهات والمؤسسات المعنية بين حكومتي بغداد وأربيل. وبحسب الناطق باسم وزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية علي عباس، فإن "عدد النازحين في مخيمات الإقليم يصل إلى نحو 120 ألف شخص"، مشيراً إلى أن "النازحين خيروا بين العودة لمناطقهم الأصلية والذهاب إلى محافظة أخرى على أن يحسب ضمن العائدين، أو الإقامة في منطقة نزوحه"، مبيناً أن "كل عائد ستمنح له مساعدات تشمل تعويضات مالية ومستلزمات منزلية مع إمكانية إدراجه ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية والتوظيف".
وينص قرار الحكومة العراقية على منح العائدين من النازحين، إضافة إلى المساعدات المالية، مستلزمات وحاجات ضرورية كالأجهزة الكهربائية، مع إدراجها ضمن برنامج الإعانات الاجتماعية، وحق الحصول على قروض ميسرة من دون فوائد، وتوفير فرص عمل، وتخصيص نسبة اثنين في المئة من كل عنوان وظيفي ضمن قرار تعيينات العقود المنتظر تنفيذه، وكذلك إطلاق مشاريع لإنشاء وحدات سكنية بأسعار مناسبة.
رفض العودة
وما زال عديد من النازحين يرفضون ترك المخيمات لأسباب عدة تتعلق بقلة التعويضات وعدم تأهيل مساكنهم ومناطقهم، وكذلك لدواعٍ أمنية. وقال أحمد علي المقيم في مخيم "حسن شام" في أربيل، "يصعب عليَّ العودة، إذ لا تتوفر في مناطقنا بعد الخدمات الرئيسة، كما أن عديداً منا فقدوا منازلهم ولا يملكون مأوى هناك، والمبلغ المخصص من قبل الحكومة كمساعدة لكل أسرة، قد لا يكفي لكي ننصب خيمة جديدة، فكيف بنا أن نبني منزلاً؟". وتساءل "بعد العودة كيف يمكن أن نؤمن مدخول عيش هناك ونحن بهذا الوضع المعيشي الصعب ولا نملك أي مصادر دخل؟".
وكان ملف المخيمات محل جدل وتبادل للتهم، إذ سبق لبغداد أن اتهمت المسؤولين الأكراد بـ"التسويف" في غلقه، في حين أنها حسمت غلق عشرات المخيمات التي كانت أنشئت في المناطق الواقعة تحت سلطتها، فيما أعلنت أربيل معارضتها "لممارسة أية ضغوط لإعادة النازحين قسراً"، وعزت هذا التأخير لاعتبارات إنسانية.
وفي السياق ذاته، أفادت شبكة "روداو" المقربة من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في تقرير، بأن "معظم العائدين إلى سنجار يعانون وضعاً معيشياً صعباً مع شح في المساعدات". ونوه التقرير إلى أنه "لو كان العائدون تلقوا تعويضات، لعاد المتبقي منهم"، في حين أكد قائمقام القضاء نايف سيدو، أن "20 في المئة من العائدين لم يتلقوا مبلغ التعويضات، والذي يقدر بنحو ألف دولار، مع عدم تطبيق التعهدات التي قطعت بتوفير فرص عمل".
وتفيد آخر البيانات الصادرة عن مكتب الهجرة والمهجرين في القضاء "بعودة 14 ألف إيزيدي فقط" من مجموع نحو 350 ألف نازح كانوا قد لجأوا إلى إقليم كردستان.
وتضم محافظة دهوك نحو 15 مخيماً يؤوي ما يقارب 25 ألف أسرة، معظمهم من الإيزيديين الذين كان يقطنون قضاء سنجار غرب نينوى، عندما اجتاحها عناصر تنظيم "داعش" أواسط عام 2014 وقاموا بقتل وخطف نحو 6 آلاف شخص بينهم نساء وأطفال، وما زال نحو نصف العدد في عداد المفقودين، ومنهم من يرفض العودة لأسباب إما أمنية أو لعدم توفر الخدمات، في ظل انقسام إدارة القضاء على رغم إبرام اتفاق بين حكومتي أربيل وبغداد منذ عام 2020 على إعادة تحسين الأوضاع فيه.
تحديات وعقبات
وتخيم الهواجس من إمكان حسم الملف خلال المهلة المحددة نظراً إلى مالعوقات التي تعترض العملية في سياقات عدة. وفي هذا الإطار يقسم المدير السابق لمخيم "حسن شام" ميفان صديق، النازحين إلى خمس فئات تواجه صعوبات في حسم ملفاتها. وقال هناك "فئة الأسر التي بقيت وكانت تسكن في الجانب الأيمن من المدينة نتيجة تعرضها لتدمير كبير، وقسم كان متورطاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع التنظيم، وفئة ثالثة كانت من الشباب تحت السن القانونية من المحكومين في الإقليم، وبعد انقضاء مدة محكوميتهم صدر قرار من محكمة أربيل بالإفراج عنهم، لكن الحكومة الاتحادية رفضت الإقرار به، وهذا كان يمثل إحدى أهم المشكلات". وأضاف أن "الفئة الرابعة في المخيم كانت الأسر النازحة من القرى المجاورة أو قرى حسن شامي التي دمرت بصورة شبه كلية، وكانت غير قابلة للسكن، وفق معاينة أجرتها منظمات معنية. وأخيراً فئة خامسة من الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية والقانونية، وعلى رغم التنسيق بين حكومتي أربيل وبغداد والمنظمات، أصدرت حينها أوراقاً جديدة لنحو 3 آلاف شخص، إلا أن المشكلة بقيت عالقة لرفض الحكومة الاتحادية إصدار أوراق للأسر التي لها مفقودين أو للذين كانوا مع (داعش) تحسباً لأية تداعيات أمنية في حال عودتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى صديق أن هذه العوامل "تمثل بالتأكيد تحديات أمام عملية غلق المخيمات، وبما أن معظم النازحين من السنة، فبينهم من يخشى العودة لكون السلطة في نينوى مثلاً أصبحت واقعة تحت نفوذ القوى الشيعية". وأضاف "سبق أن عادت بعض الأسر حين العودة الطوعية، لكنها سرعان ما كانت ترجع إلى المخيم لأسباب شتى منها عدم امتلاكهم مأوى بعد هدم بيوتهم، وغياب الخدمات، والخوف من حالات الانتقام". ودعا حكومة بغداد إلى "مراعاة ثلاث نقاط إذا ما أرادت غلق ملف المخيمات، ومنها حسم المشكلة المتعلقة بالأوراق الثبوتية، وكذلك إصدار عفو أو تشكيل لجنة لحل مشكلة الشباب الذين كانوا مسجونين، فضلاً عن تقديم تعويضات تكون كفيلة بتوفير مأوى مناسب للعائدين، مع توفير الشروط الأمنية، إذ إن قسماً من النازحين التركمان في منطقة البعاج قرب الحدود مع سوريا ما زالوا يتوجسون من العودة نتيجة وجود أنشطة لـ(داعش) هناك".
للملف أبعاد
وبالنسبة لخطوات غلق الملف يرى متخصصون أنها لن تخلو من مخالفات في مجال حقوق الإنسان في ظل وجود أبعاد أمنية وسياسية واجتماعية. وفي هذا الإطار يعتقد الباحث الأكاديمي الكردي عبدالله كوفلي أن "حكومة بغداد سبق وأن فشلت في إعادة نسبة كبيرة من النازحين إلى مناطقهم الأصلية بصورة طوعية، لكن غلق المخيمات قسراً يعد مخالفة للقوانين الدولية وبعيداً من القيم الإنسانية". وأردف أن "لهذا الملف أبعاداً أولها البعد الأمني، إذ كان الإقليم يتمتع باستقرار أمني، مما وفر للنازحين ظروفاً مثالية، مقارنة مع البلاد التي كانت تشهد توترات وصراعات عدة، فضلاً عن البعد السياسي، إذ كثيراً ما شكل الإقليم الملاذ الآمن لمن كانوا يتعرضون للتهديد والمضايقات والملاحقات، وحتى الذين كانوا يعارضون النظام السابق، وقد نجد في هذه المخيمات من ينتمي إلى تيارات سياسية ودينية مختلفة، وبعض آخر ربما نزح لأسباب طائفية ومذهبية". وختم كوفلي بالإشارة إلى "البعد الاجتماعي لما حصل من اندماج لهؤلاء في المجتمع الكردي، وعليه فإن اتباع أسلوب الإكراه في إعادتهم ستكون لها تداعيات سلبية، ومنها في الإقليم نفسه"، مؤكداً أن العملية ستواجه تحديات وعقبات، "هذا إذا لم تقع - لا سمح الله - أحداث وتوترات جديدة في العراق، لنشهد من جديد موجات جديدة من النزوح والتهجير".