Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"وجبة الأطفال المدرسية" تحت رحمة أزمة الأسعار في مصر

تبحث الأمهات عن وسيلة لتوفير محتويات "لانش بوكس" صحية باللجوء لأصناف بديلة أقل ثمناً والمتخصصون لا يرون الصورة قاتمة

باتت الوجبات المدرسية عبئا ثقيلا على كاهل الأسرة المصرية   (أ ف ب)

ملخص

ارتفاع أسعار السلع الغذائية المصرية أسهم في تحول صندوق الغذاء المدرسي (لانش بوكس) من مظهر للتفاوت الطبقي إلى معضلة حقيقة، وهذه بدائل لتوفير وجبات صحية مدرسية للأطفال

وجبات الطفل المدرسية تكون هي البند الأهم للأم طوال ثمانية أشهر من العام في مصر، وهي مدة السنة الدراسية تقريباً، فالأبوان يبحثان عن طريقة لإقناع الصغار بتناول الطعام الصحي، ومن هنا يتم بذل مجهود كبير في انتقاء الأصناف، مع الحرص على التنوع لضمان أن يأكل طفلهم أكبر كم من الوجبات المفيدة، بخاصة أن الطلبة يصابون بالملل من تكرار أنواع بعينها تكون سهلة الحمل في صندوق الغذاء "اللانش بوكس" ومشبعة وصحية وسعرها في المتناول، تلجأ لها الأمهات بشكل دائم.

لكن عندما تتزامن كل تلك الأمور مع أزمة اقتصادية معلنة، ومع ارتفاع مستمر في أسعار السلع الأساسية وعلى رأسها المنتجات الغذائية فإن المشكلة تتخذ أبعاداً أخرى.

 من ناحية الأبوين فهما يبذلان كل جهدهما لتوفير مصادر الغذاء الصحي للأبناء، ومن أخرى قد تضطرهم الأسعار المتزايدة بشكل شبه أسبوعي إلى الاستغناء عن بعض الأصناف التي تعتبر باهظة الثمن بالنسبة إليهما، مما يشكل بدوره مواجهة كبيرة من الأطفال الذين من الأساس لديهم معايير معينة في ما يتعلق بـ"اللانش بوكس" وبالكاد يتناولونه حتى في حال كانت الأصناف عالية الجودة وشهية المذاق، ويفضلون عوضاً عنه شراء أصناف تحوي الملونات وبعضها يندرج بقائمة الوجبات السريعة، وهذا بدوره يمثل ضغطاً مادياً مزدوجاً بخلاف كونه خياراً غير صحي أو ملائم.

في الظروف العادية كانت مشكلات الـ"لانش بوكس" تتلخص عادة في أن الأطفال يرفضون تناول وجباتهم كاملة، أو يتمردون على بعض الوجبات بداعي الملل، كما يرغبون في أن تكون الحلوى والسكريات بصورة عامة هي الغالبة على محتوياته.

 هنا كانت تتغلب الأمهات على تلك الطلبات بحيل كثيرة من دون التنازل عن وجود مصادر للبروتين والأحماض الأمينية والمعادن، لتكون وجباتهم متكاملة نظراً إلى أن الصغار يقضون في الأقل ست ساعات خلال خمسة أيام في الأسبوع بعيداً من البيت خلال فترة الدراسة.

بالطبع كانت كل أسرة توفق أوضاعها بحسب مستواها المادي، ولكن حالياً الجانب الأكبر من العائلات يبحث عن بدائل، فمن كان يومياً يرسل مع أبنائه "ساندوتش" لحوم بأنواعها كوجبة أساسية بخلاف الخضراوات والفواكه، لجأ إلى البيض واقتصر اللحم على يوم واحد أو حتى تم إلغاء هذا البند تماماً، في حين من كان يكتفي بالبيض والفواكه بسيطة السعر، لم يعد أمامه سوى بدائل قليلة للغاية ترضى الصغار ولا تضر بهم، في ظل هذه الأسعار. تحد كبير يحاول الأهل الفوز به، فهل ينجحون؟!

طبقية "اللانش بوكس" إلى زوال

كثيراً ما كان صندوق الغذاء في كثير من الأحيان مظهراً من مظاهر التفاوت الطبقي، فوفقاً لمحتوياته ولنوعية المادة المصنوع منها وعلامته التجارية، ومدى تنوعه، يتحدد عادة مستوى الطفل الاجتماعي، ولكن بصورة عامة يمكن أن تقتطع عائلات كثير من مصادر رفاهيتها مقابل أن ينعم ابنها بوجبات مدرسية بها بعض الرفاهية أسوة بزملائه.

لكن في الفترة الأخيرة، زادت قاعدة من تأثر "صندوق غذائهم" بأزمة أسعار السلع الغذائية على وجه التحديد، وتساوت غالبية الأسر في المعاناة. فـ"ما تعرضه وسائل الإعلام عن أسعار الأغذية شيء وما نجده في الأسواق شيء مختلف تماماً"، وفقاً لمضمون العبارة التي علقت بها فريدة علاء الأم لطفلتين إحداهما في الصف الثالث الابتدائي والثانية في الروضة؟

 

تشير فريدة إلى أن لديها معايير خاصة جداً في ما يتعلق بجودة الطعام، فهي لا تعتمد على الأغذية المقلية أو اللحوم المصنعة أو منتجات الألبان نباتية الدهن، أو السكريات إلا نادراً، وأنها كانت تعمل لسنوات عدة كمشرفة بأحد المستشفيات ولديها خبرة جيدة في ما يتعلق بالطعام الصحي، ولكنها أخيراً باتت في موقف لا تحسد عليه.

تتابع "ابنتي الكبرى كانت محط إعجاب معارفنا نظراً إلى أن نظامها الغذائي يتضمن الخضراوات والمأكولات الصحية منذ صغرها وتبتعد عن الأطعمة المليئة بالمواد الحافظة، وتفضل تناول الفلفل الملون والجزر، والخيار والتفاح على رقائق البطاطا والعصائر المحسنة بالنكهات، كما أن البيض واللحوم المشوية والأسماك من ضمن الأصناف الأساسية في صندوق غذائها على الدوام".

تضيف "كل هذه الأصناف على بساطتها وعلى رغم أنها تنتج وتزرع محلياً ولكن شراءها معاً أصبح بجاجة إلى ثروة، نظراً إلى أن سعر الكيلو الواحد منها يراوح ما بين 30 و60 جنيهاً (نحو دولار و دولارين) وفقاً لسعر الصرف الرسمي، وذلك بخلاف الأسماك واللحوم بالطبع، في حين أن الأسعار الرسمية المتداولة أقل من نصف هذا المبلغ ولكن على ما يبدو أن تلك الأسعار للتداول الإعلامي فقط والأمر ليس له علاقة بالواقع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 تواجه الأم المخلصة لمبدأ الأكل الصحي يومياً معضلة توفير صندوق غذاء متنوع ومشبع ومفيد وشهي كذلك، مشددة على أن أسعار اللحوم منعتها من جعلها صنفاً أساسياً، إلا لمدة يوم واحد في الأسبوع فقط، سواء كانت دجاجاً أو سمكاً أو لحم بقر، مشددة على أن حتى البيض بات سعره مرتفعاً للغاية ولكنه بالنسبة إليها لا يزال في المتناول، إذ يراوح سعر حبة البيض الواحدة ما بين خمسة وسبعة جنيهات، وفقاً لنوعيته وحجمه، فإنها لا تزال تشكو عدم "الوفرة"، لافتة إلى أنها اعتادت في ما قبل أن تكون الحاجات الغذائية موجودة في المنزل بشكل مستمر بل وتفيض، وليس بكميات "على القد"، وهو أمر يضايقها بشدة ويشعرها بالتقصير تجاه أطفالها.

أين اللحوم؟

ربما تشتري الموظفة السابقة والمتفرغة لرعاية منزلها وطفلتيها الصغيرتين حالياً حاجاتها من بعض المراكز التجارية القريبة من منزلها بمدينة السادس من أكتوبر والمعروف عن تلك المراكز أن أسعارها مرتفعة إلى حد ما بخلاف الأسواق الشعبية ومراكز بيع السلع المدعمة، ومن ثم فإن الفرصة أكبر أمام من يسكنون بجوار منافذ تعرض بأسعار تنافسية فعلاً، ولكن التساؤل الذي تطرحه، إذا كانت الأسعار العادلة لن تتوافر في كل المناطق فما فائدتها؟ وما فائدة أن تذهب إلى سوق بعيد يتطلب الوصول إليه وقتاً وجهداً وأموالاً إضافية من أجل توفير بضعة جنيهات ستستهلك ما يعادلها وربما أكثر خلال الرحلة ذهاباً وإياباً.

كل هذا بالطبع في سبيل الحفاظ على مستوى معين من الجودة في ما يتعلق بطعام الأسرة، وفي الوقت نفسه لا تجد نفسها وقد قضت على النسبة الكبرى من موازنة المنزل على هذا البند فقط، إذ وجدت موظفة الموارد البشرية زينب محمود طريقة لموازنة الأمور بعض الشيء من طريق شراء كثير من المستلزمات من إحدى أسواق الخضراوات بمنطقة شعبية بجوار محل عملها، فيما زوجها يتسوق بعض منتجات الألبان واللحوم المصنعة مثل اللانشون وغيره من أحد المحال بجوار محل عمله أيضاً، فالبدائل هنا لا تزال تؤدي الغرض وتقلل من شعور الحرمان، ولكن العائلة لا تزال تواجه معضلة اللحوم.

 

تضيف "اعتاد ابناي وهما الآن في المرحلتين الإعدادية والثانوية على تناول اللحوم المشوية بشكل شبه يومي، إذ يمكثان في الشارع لوقت طويل بسبب الدروس الخصوصية التي يتلقيانها بعد دوام المدرسة، كما أنهما في مرحلة المراهقة والنمو وهما في حاجة إلى عناصر غذائية كثيرة".

تتابع زينب "لكن اللحوم عادة ترهق الموازنة، بخاصة أن سعرها لا يتوقف بل هو في ازدياد بشكل دائم، ومن ثم كلما تكيفت مع مستوى أسعار معين يعود ويتصاعد مجدداً، فخلال وقت قصير قفز سعر لحم البقر من 300 إلى حالياً 450 جنيهاً (9.71 إلى 14.56 دولار)، وكذلك تجاوز سعر كيلو لحم الدجاج الـ100 جنيه (3.24 دولار)، فيما قطع بانيه الدجاج تصل إلى 180 جنيهاً (5.80 دولار)، ونفس الوضع بالنسبة إلى أنواع الأسماك وباقي الطيور، فأسعار اللحوم الجيدة لا تختلف من سوق إلى أخرى".

تشير إلى أن "حتى التونة المعلبة التي كانت تعتبر بديلاً ملائماً حتى وقت قريب أصبحت مرتفعة الثمن، كما أنني أرفض شراء نوعيات رديئة ومن ثم فتقليل الكميات واقتصار الأصناف التي زاد سعرها على يومين فقط في الأسبوع كان الحل الذي اهتديت له على رغم تذمر ابنيَّ، كما استغنيت تماماً عن المكسرات التي يعشقونها نظراً إلى أنها لم تعد في المتناول أبداً إذ يصل لمئات الجنيهات للصنف الواحد".

 ولفتت إلى أنها فوجئت بارتفاع أسعار السندوتشات التي تباع في المدارس ليصبح أقلها وهو سندوتش بطاطا صغير بـ"30 جنيهاً" (ما يعادل دولاراً واحداً)، وعلى شاكلته قائمة المشروبات إذ اضطرت أيضاً إلى زيادة المصروف المدرسي مما شكل عبئاً إضافياً، فمتوسط ثمن وجبة ساخنة طازجة من المدرسة يتجاوز الـ120 جنيهاً أي ما يعادل (3.88 دولار).

 

ما تقوله الأم الحائرة في سبيل الحفاظ على التنوع وعلى الكميات المشبعة، أكدته بصورة أو بأخرى تصريحات مسؤولين ومراقبين للأسواق، بينهم رئيس شعبة القصابين هيثم عبدالباسط، الذي قال في تصريحات تلفزيونية إن ارتفاع أسعار اللحوم أدى إلى تراجع حاد في القوة الشرائية بنسبة تصل إلى 70 في المئة ببعض المناطق، بل إن ما يقارب نصف الجزارين أغلقوا محالهم وتوقفوا عن ممارسة النشاط بسبب قلة الإقبال.

مطاردة سعر الألبان ومنتجاتها

لا تصدق رانيا العيسوي أنها أصبحت تترحم على الأيام التي كانت تتوسل فيها لأطفالها الثلاثة أن يتناولوا سندوتشات البيض والجبن الأبيض والكفتة في المدرسة، لافتة إلى أن حتى فاكهة الموسم أصبحت بنداً مرهقاً بالنسبة إليها، إذ تتحدث بعبارات تنم عن الأسى، بخاصة أنها اضطرت إلى أن تنقل ثلاثتهم من مدرستهم الدولية إلى أخرى خاصة، ولكن أقل في المصروفات بمقدار النصف، وذلك بعد الارتفاع الذي تصفه بالجنوني في مصروفات مدرستهم الأولى.

تستطرد "شعرت بذنب شديد بعد أن أخذتهم من البيئة المريحة والمعتادة بالنسبة إليهم، التي كونوا فيها صداقات وطيدة، ولكن بعد أن بدأنا في التكيف فوجئنا بقفزة كبيرة في أسعار السلع الغذائية الأساسية، فمن غير الممكن أن أسمح لنفسي بالتقصير في هذا البند ويكفيهم ما حدث بعد استبدال المدرسة".

وشددت على أن أبناءها يحبون منتجات الألبان والجبن بأنواعه وهي تجدها وجبة مفيدة ومغذية وبسيطة وسهلة الحفظ من دون الخوف من فسادها على مدى ساعات اليوم الدراسي، ولكن النوع الطبيعي المفضل لها أصبح سعره في ارتفاع دائم وكأنه سباق بحسب وصفها.

تضيف "السعر قفز من 40 جنيهاً (1.29 دولار)، وظل يقفز إلى أن وصل إلى 120 جنيهاً (3.88 دولار) مع تقليل الكمية، والشيء نفسه بالنسبة إلى باقي منتجات الألبان، وحتى المربى والحلاوة الطحينية، ولكن الجبن بالذات وجبة أساسية بالنسبة إليهم وبدائل النوعية المفضلة لم تكن مستساغة، من ثم أحاول توفيرها بأي شكل حتى لو جاء هذا على حساب مستلزمات أخرى منزلية، وأحاول أن أصنع بعض البدائل منزلياً حتى لو كانت لا تزال بكلفة مرتفعة مقارنة بأشهر عدة مضت، كالمعجنات المنزلية الصنع، فسعر كيلو الدقيق ارتفع أخيراً ووصل إلى 40 جنيهاً (1.29 دولار)، ولكن يمكن أن أصنع منه صنفين يكفيان لأسبوع كامل بعد أن أصبح ثمن رغيف الخبز "فينو" بجنيه ونصف الجنيه.

انتبهت رانيا أيضاً إلى مشكلة إضافية وهي أن لديها طفلاً يعاني حساسية شديدة ناحية عدد كبير من الأطعمة، مما يجعلها مضطرة إلى عدم التقصير في هذه الناحية خوفاً على صحته، ومن ثم فالوجبات التي تصلح لأن توضع في "اللانش بوكس"، معظمها تكون مستوردة ومن ثم باهظة الثمن.

البدائل قد تكون أكثر فائدة

البعض يرى أن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد بخاصة أن الأهم ألا يكون الطفل جائعاً وأن يكون معه ما يكفيه من الماء الصالح للشرب في عبوة مخصصة، كما أنه يمكن تدبير الموازنة مع عدم التنازل عن مستوى الجودة بالبحث عن منافذ بيع مدعمة وأخرى تلتزم التسعيرة بلا مبالغة وأيضًا بتقليل الكميات.

أشار المتفائلون إلى ضرورة تعلم الثقافة الغذائية الحقيقية، فهناك أطعمة بسعر معقول وتضاهي في فائدتها نظيرتها المرتفعة الثمن، فمثلاً قالت أستاذ علوم الأغذية بجامعة حلوان المصرية الأكاديمية منى سامي، إن أول بند يمكن التوفير فيه هو الحلويات مثل الشوكولاتة والبسكوت والكولا وغيرها، باعتبارها من الأصناف التي يطلبها الصغار دوماً، مؤكدة أن أسعارها باتت مرتفعة بعد الموجة الأخيرة من التضخم الاقتصادي، ومن ثم يمكن للأسرة أن تشتري بثمنها خضراوات مثل الخيار والجزر، ثمار متنوعة من الفاكهة بالكميات التي تلائم حاجاتهم، ويضعونها في صندوق الغذاء.

ولفتت إلى أن هذا من ناحية يتجنب الأطفال تراكم السكريات والدهون في أجسادهم، ومن أخرى يتناولون طعاماً صحياً، لافتة إلى أن على الأم أن تنوع في طريقة التقديم، وأن تضع الخضراوات المقطعة في السندوتشات لتشجع أطفالها على تناوله.

 

الأمر ذاته شددت عليه استشاري التغذية العلاجية عميد معهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية الدكتورة إيمان كامل، إذ قالت إنه يجب البعد من السكر والملح والدهون المهدرجة والمنكهات خصوصاً مادة الأسبارتام وأحادى جلوتامات الصوديوم، وقراءة المعلومات الغذائية على الطعام المغلف المصنع، حتى إنها حذرت من بعض أنواع الجبن التي قد تحوي نسبة عالية من الدهون والملح.

 وأشارت إلى أن البدائل قد تكون أفضل من الناحية الغذائية من بعض الأطعمة الشائعة، فيمكن استبدال رقائق البطاطا بالفشار العادي أو طعم الرز، والفواكه الطبيعية والمجففة بدلاً من الحلوى المصنعة.

حلول تكافلية

على رغم زيادة الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 6 آلاف جنيه (نحو 195 دولاراً أميركياً) بالسعر الرسمي اعتباراً من مطلع مارس (آذار) المقبل، فإن تلك الزيادات حتى الآن لا توازي الارتفاعات المتكررة بأسعار السلع، كما أن كثيراً من المؤسسات غير الحكومية على وجه التحديد لا تلتزم كثيراً بإعطاء موظفيها الحد الأدنى وذلك تحت تسميات عدة، حتى إن بعض الموظفين غير متعاقدين رسمياً من الأساس، من ثم فمعلمو الفصول هم الأكثر استيعاباً للصورة وهم الأكثر دراية بالمتغيرات نظراً إلى تعاملهم مع أنماط مختلفة من التلاميذ وعائلاتهم، وبنيهم "خ غ" التي تقول إنها لاحظت بشدة أن بعض العائلات أصبحت تقصر المصروف على يومين في الأسبوع فقط بعدما كان أطفالها يومياً يعتمدون عليه في شراء حاجاتهم من المكان المخصص لها في المدرسة، كما أن آخرين لم يعد يكفيهم صندوق غذائهم نظراً إلى أن الأصناف لا تعجبهم.

تابعت "هذا الكلام ليس به أية مبالغة، فأنا أعمل في مدرسة تجريبية وغالب أهالي الطلبة من أسر متوسطة وكثر منهم يصنفون على أنهم مقتدرون، ولكن أخيراً بات جانب كبير منهم يعانون لأن الحال الاقتصادية لا تخفى على أحد، الحقيقة أنني قمت بمبادرة شخصية وهي أنني اتصلت ببعض الأمهات اللاتي تربطني بهن علاقة وطيدة ومن أعلم أنهن لم يتأثرن كثيراً بالأوضاع، وطلبت منهن أن يرسلن مع أطفالهن مأكولات إضافية ليتشاركوها مع زملاء آخرين لهم، مما ينمي روح المشاركة ويحقق نوعاً من التكافل، ولكن بالطبع نجعل الأمر يبدو بصورة طبيعية كي لا نسبب إحراجاً لأي طرف ونحافظ على نفسية الصغار".

 

فإلى أي مدى يمكن أن يتسبب هذا الوضع المرتبك في مشكلات سوء التغذية للأطفال في طور النمو، تشدد استشاري التغذية العلاجية إيمان كامل على أن الوجبة اللذيذة يمكن أن تكون صحية وموفرة أيضاً، إذا ما روعيت جوانب أساسية بها، لتشجيع الأطفال على تناولها، كأن تحوي حبوباً كاملة وخضراوات، وكمية قليلة من منتجات الألبان، كالجبن القريش على سبيل المثال، فإنها تشدد على أن البروتين الصحي لا يجب تجاهله أبداً، فإذا لم يتسن الحصول على شرائح اللحوم المشوية بأنواعها فيمكن اللجوء هنا للمكسرات أو زبدة الفول السوداني أو الحمص أو البيض المسلوق كأبسط صور هذا البروتين.

في السياق، تؤكد منى سامي أن البيض شيء أساس وصنف محبب وسهل الحمل والحفظ، كما أنه لا بديل عنه بالنسبة إلى الأطفال في سن معينة، إذ يمدهم بالأحماض الأمينية التي لا يقوى جسدهم على تصنيعها، وطالبت بمحاولة عدم الاستغناء عنه وحتى لو جاء على حساب أصناف أخرى، بخاصة تلك الأكثر ضرراً مثل المشروبات الغازية والشيبس.

ولفتت إلى أهمية العودة لتناول رغيف الخبز البلدي الأسمر لأنه أكثر فائدة بكثير من نظيره المصنوع من الدقيق الأبيض، حتى لو كان ثمنهما متقارباً في بعض المناطق لكن يظل الرغيف أقل سعراً، وأكثر إشباعاً وفائدة.

في النهاية فإن صندوق غذاء الأطفال قد يكون وسيلة لتساعدهم على النمو بشكل صحي، وقد يكون على العكس طريقهم إلى سوء التغذية، حتى لو كان ممتلئاً بأصناف كثيرة، فالعبرة بالنوعية، بحسب رأي المتخصصين، وإن كانت الأزمة الاقتصادية تؤثر سلباً في كل بنود موازنة الأسرة المصرية، فإن البحث عن بدائل هو الحل وإن كان مرهقاً بعض الشيء كذلك فإن التثقيف الغذائي بات ضرورة حياتية في تلك الظروف.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات