ملخص
التحولات المفاجئة في أسعار السوق تكشف عن نقاط الضعف في النظام المالي
يجتمع وزراء مالية مجموعة الـ20 ومحافظو البنوك المركزية، اليوم الأربعاء، في البرازيل، لبحث سبل دعم الاقتصاد العالمي الذي يتعرض انتعاشه الناشئ للتهديد بسبب مجموعة من الصراعات والأزمات، بما في ذلك الحربان في أوكرانيا وغزة. وستكون الأخطار الاقتصادية التي تشكلها أزمة كلفة المعيشة وتغير المناخ والصراع في الشرق الأوسط مدرجة أيضاً على جدول الأعمال، يعقد وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية من مجموعة الـ20 للاقتصادات الرائدة اجتماعهم الأول هذا العام.
وقال رئيس مجلس الاستقرار المالي كلاس نوت، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس البنك المركزي الهولندي، في رسالة نشرت على موقع المجلس، "آفاق الاستقرار المالي لا تزال تشكل تحدياً للاقتصاد العالمي". وأشار إلى أن الزيادات السابقة في أسعار الفائدة لا تزال تنتقل إلى المقترضين، وتقييمات الأصول ممتدة أيضاً في بعض الأسواق الرئيسة، محذراً من أن التحولات المفاجئة في أسعار السوق تكشف عن نقاط ضعف في النظام المالي، بما في ذلك تلك المتعلقة بالرفع المالي (اقتراض أو استخدام لأدوات مالية ينتج منه تضخيم أثر الأرباح أو الخسائر على المستثمر)، وعدم تطابق السيولة في الوساطة المالية غير المصرفية.
وتحدد رسالة نوت التي نشرها، في فبراير (شباط) الحالي، خطة عمل شاملة لعام 2024، وتتمثل العناصر الأساس لهذه الخطة في تحديد ومعالجة نقاط ضعف النظام المالي في المجالات الرئيسة، بما في ذلك الدروس المستفادة من الاضطرابات المصرفية في مارس (آذار) 2023، والمؤسسات المالية غير المصرفية، والتحول الرقمي، وتغير المناخ، وتعزيز كفاءة المدفوعات عبر الحدود.
وقال رئيس مجلس الاستقرار المالي، إن آفاق الاستقرار المالي لا تزال تشكل تحدياً، في حين كان النمو الاقتصادي العالمي، على رغم تواضعه، ثابتاً وسط تحول سريع إلى أسعار فائدة أعلى، وفي مواجهة عدم اليقين الجيوسياسي.
وأضاف نوت أنه مع اعتدال التضخم نحو الهدف في عديد من البلدان، تظهر الظروف المالية العالمية علامات على التراجع. ويرى أن هناك ما يبرر الحذر، إذ ارتفاع أسعار الفائدة ماض قدماً، ولا تزال تنتقل إلى المقترضين، لذلك يمكن أن تثقل تحديات خدمة الدين، ولذلك يرى أن التعرض للقطاعات التي تواجه رياحاً معاكسة مثل العقارات التجارية، يخضع لمراقبة دقيقة من قبل المجلس، وتمتد تقييمات الأصول أيضاً في بعض الأسواق الرئيسة.
وتحدث نوت عن إمكانية أن تكشف التحولات المفاجئة في أسعار السوق عن نقاط الضعف في النظام المالي، بما في ذلك تلك المتعلقة بالرفع المالي وعدم تطابق السيولة في الوساطة المالية غير المصرفية، قائلاً "الاضطرابات المصرفية التي شهدها العام الماضي بمثابة تذكير آخر بأننا لا نستطيع أن نتهاون في البيئة الحالية".
ويوضح الجزء المتبقي من رسالة نوت عمل مجلس الاستقرار المالي لتعزيز القطاع المالي العالمي، ونتائج المجلس التي يمكن تقديمها إلى مجموعة الـ20 في اجتماعاتها هذا العام.
الدروس المستفادة من الاضطرابات المصرفية
ووفقاً لرئيس مجلس الاستقرار المالي، كانت الاضطرابات المصرفية التي حدثت في مارس الماضي، هي أكبر ضغوط مصرفية على مستوى النظام المالي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، مشيراً إلى إجراء المجلس مراجعة لرصد الدروس المستفادة من فشل البنوك في عام 2023، ومعرفة مدى سلامة الإطار الدولي الذي توفره السمات الرئيسة لأنظمة الحل الفعالة.
وسلط نوت الضوء على المجالات التي تستحق مزيداً من الاهتمام لضمان التنفيذ الفعال للإطار، ويشمل ذلك العمل على آليات تمويل مساندة القطاع العام، وتحسين تفعيل مجموعة من خيارات الحل مثل نقل وبيع الأعمال وحدها أو بالاشتراك مع الإنقاذ، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي والابتكار الرقمي على الحلول.
وفي ما يتعلق أيضاً بالاضطرابات التي حدثت في مارس (آذار) الماضي، بعد تهاوي بنوك "وادي السيليكون" و"سيغنتشر"، واستحوذ بنك الاستثمار السويسري "يو بي أس" على بنك "كريديت سويس"، قال نوت في رسالته، إنه يحلل أخطار أسعار الفائدة والسيولة في النظام المالي، واستكشاف نقاط الضعف المرتبطة بتدفق المودعين في ضوء التقنيات الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي، ووعد بعرض ملخص كلا التحليلين في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
الوساطة المالية غير المصرفية (NBFI)
تحدث نوت عن الأهمية المتزايدة للمؤسسات المالية غير المصرفية لتمويل الاقتصاد الحقيقي، بما في ذلك رأس المال، والتدفقات إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى تقييم ومعالجة نقاط الضعف في هذا القطاع بشكل فعال.
وقال إن إحدى نقاط الضعف الهيكلية الرئيسة في إدارة الأصول، تتمثل في عدم التطابق المحتمل بين سيولة استثمارات الصندوق والاسترداد اليومي لوحدات الصندوق، في الصناديق المفتوحة (OEFs).
وأضاف أنه سيقدم توصيات سياسية منقحة لمعالجة نقاط الضعف الناشئة، عن عدم تطابق السيولة في عمليات التشغيل المفتوحة. وبالاشتراك مع إرشادات المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO) الجديدة في شأن أدوات إدارة السيولة المضادة للتخفيف، فإن التوصيات المنقحة تعتبر مهمة، على حد قوله.
ودعا نوت إلى ضرورة تعزيز إدارة السيولة من قبل الصناديق الخارجية مقارنة بالممارسات الحالية، داعياً أعضاء مجموعة الـ20 للموافقة على هذه التوصيات، وتنفيذها في أسرع وقت ممكن.
الابتكار الرقمي
واعترف نوت بأهمية الرقمنة في عالم المال والبنوك، مشيراً إلى أنه يعمل على إحداث تغيير جذري في طريقة عمل التمويل وطريقة تنظيم الصناعة المالية، مشيراً إلى ضرورة استغلال فرص الابتكار الرقمي، ولكن مع احتواء الأخطار المرتبطة بها وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار المالي والازدهار، على حد وصفه.
وقال إنه مستمر في مراقبة الآثار المترتبة على الاستقرار المالي للابتكارات الرقمية من كثب، بما في ذلك أسواق الأصول المشفرة، والترميز، والذكاء الاصطناعي.
واستجابة لدعوة مجموعة الـ20 في عام 2024، قال نوت إن مجلس الاستقرار المالي، سيقدم تقارير حول الآثار المترتبة على الاستقرار المالي لرموز الأصول والذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أن تسريع التحول الرقمي في جميع أجزاء التمويل أدى إلى تحسين الكفاءات، وزيادة الترابط بين النظام المالي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث حادثة سيبراني أو تشغيلي في مؤسسة مالية واحدة، مما سيكون له آثار غير مباشرة على الحدود والقطاعات، منوهاً بأن الإبلاغ الدقيق وفي الوقت المناسب عن الحوادث أمر بالغ الأهمية.
تغير المناخ
وأكد رئيس مجلس الاستقرار المالي، أهمية تنسيق العمل الدولي من خلال خريطة طريق خاصة بالمجلس، لمعالجة الأخطار المالية الناجمة عن تغير المناخ. وأضاف "في هذا العام، سنركز في المجلس على تعميق تحليلاتنا في شأن الأخطار المالية المتعلقة بالمناخ على الاستقرار المالي، ودراسة أهمية التحول في خطط الاستقرار المالي". وقال إن المجلس سيقدم تقريراً في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يوضح مزيداً من التقدم المحرز بهذا الصدد، مع تقديم تقييم في يوليو (تموز) المقبل، للمبادرات التنظيمية والإشرافية المخططة المتعلقة بتحديد وتقييم الأخطار المالية المتعلقة بالطبيعة.
وأشار نوت في رسالته إلى انتقال خريطة طريق المدفوعات عبر الحدود لمجموعة الـ20 العام الماضي إلى المرحلة التالية من العمل والتحسينات العملية، التي تنسقت من خلال مجلس الاستقرار المالي ولجنة المدفوعات والبنية التحتية للسوق (CPMI) والهيئات الدولية الأخرى.
وقال إن هدف خريطة الطريق هو جعل المدفوعات عبر الحدود أسرع وأرخص وأكثر شفافية وشمولاً، مع الحفاظ على سلامة النظام وسلامته. وكجزء من هذا العمل، قال إنه يعمل على تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، بما في ذلك مع الخبراء في مجال مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وحماية البيانات، مشدداً على أنه من خلال العمل المشترك، بالإمكان زيادة كفاءة أنظمة المدفوعات وتعزيز نزاهتها وسلامتها.
وختم بالقول، "إن تحسين مرونة النظام المالي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، أثبت قيمته في مواجهة الصدمات الأخيرة، ولكن مع تطور النظام المالي، يتعين الاستمرار في إعطاء الأولوية للجهود العالمية الرامية إلى تعزيز الاستقرار المالي. وفي هذا العام، سيسهم عمل مجلس الاستقرار المالي في تحقيق هذا الهدف، وتسخير الفوائد التي توفرها بيئة أكثر استدامة ورقمية، وما يمكن أن يقدمه النظام المالي لمجتمعاتنا".
تقليل الحواجز التجارية أمام الضفة الغربية
وفي تصريحات قبيل انطلاق اجتماع وزراء مالية دول الـ20، قالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إنها حثت شخصياً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على زيادة التعاون التجاري مع الضفة الغربية، معتبرة أن القيام بذلك مهم لتحقيق الرفاهية الاقتصادية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
تعد رسالتها إلى نتنياهو، النداء العلني الأكثر وضوحاً حتى الآن في شأن العواقب الاقتصادية للحرب بين إسرائيل و"حماس"، وعواقب تآكل الخدمات الأساس في الضفة الغربية. ودعت إسرائيل إلى إعادة تصاريح العمل للفلسطينيين وتقليل الحواجز أمام التجارة داخل الضفة الغربية.
وقالت يلين في مؤتمر صحافي في البرازيل قبل اجتماع وزراء مالية مجموعة الـ20، "إن هذه الإجراءات حيوية للرفاهية الاقتصادية للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء".
وأضافت أنها أبلغت نتنياهو بشعورها بالقلق من أن تصرفات إسرائيل "تضر بشكل خطر باقتصاد الضفة الغربية، وتقلل الدخل، ولها في الوقت نفسه تأثير سلبي على تل أبيب".
وجاءت الرسالة في وقت قدم فيه مجلس وزراء السلطة الفلسطينية، الذي يدير جزءاً من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، استقالته، الإثنين، على أمل أن يتمكن من إصلاح نفسه، وربما تولي إدارة غزة بعد انتهاء الحرب هناك. وتستأنف المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" أيضاً في قطر، هذا الأسبوع، إذ يعمل وسطاء من تلك الدولة، إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح بعض الرهائن الذين تحتجزهم "حماس" في غزة مقابل موافقة إسرائيل على وقف موقت لإطلاق النار.
المخاوف من اضطرابات اقتصادية في الضفة
ويحاول كبار المسؤولين في إدارة بايدن التوسط لحل الصراع في غزة، الذي تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنه أدى إلى مقتل ما يقارب 29 ألف فلسطيني. وركزت يلين إلى حد كبير على تتبع الآثار الاقتصادية للحرب وإدارة العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة على "حماس"، وأولئك المشاركين في شبكتها المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أن إدارة بايدن تشعر بالقلق إزاء الأزمة الإنسانية التي تتكشف في غزة، فإنها تشعر أيضاً بقلق متزايد من أن الاضطرابات الاقتصادية في الضفة الغربية يمكن أن تؤدي إلى تأجيج العنف، وزيادة تدهور مستويات المعيشة هناك. فعلياً أثرت الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي انكمش بنحو 20 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي.
وشددت رسالة يلين، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، على الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة لتعطيل الشبكات المالية لـ"حماس"، وكيف تستفيد إسرائيل من الضفة الغربية المستقرة اقتصادياً. وقالت أيضاً إن تعليق تصاريح العمال من الضفة الغربية أدى إلى بطالة كبيرة وأضر بالاقتصاد الإسرائيلي.
عائدات الضرائب
ودعت وزيرة الخزانة إلى ضمان وصول عائدات الضرائب إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ومنذ الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، ظلت الحكومة الإسرائيلية تحتجز عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن الفلسطينيين. تقليدياً، توزع هذه الأموال مرة أخرى على السلطة الفلسطينية، التي تستخدمها لتمويل موازنتها التشغيلية. وجمدت إسرائيل في السابق عائدات الضرائب ثم أفرجت عنها خلال فترات الصراع مع الفلسطينيين.
وقال مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، الشهر الماضي، إن الرئيس بايدن ناقش مع نتنياهو الحاجة إلى ضمان أن تكون عائدات الضرائب متاحة لدفع رواتب قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقالت يلين، الثلاثاء، إنها تشعر بالتشجيع لأن الإيرادات بدأت تشق طريقها إلى الضفة الغربية، وبدأت هذه الأموال في التدفق بعد اتفاق بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في وقت سابق من هذا الشهر عبر استخدام النرويج كوسيط موقت لتحويل أموال الضرائب التي جمدتها إسرائيل.
على صعيد موازٍ، يناقش القادة الاقتصاديون من مجموعة الدول السبع عدداً من الخيارات لاستخدام أموال روسيا بشكل قانوني لصالح أوكرانيا. وقالت يلين إن الاستيلاء على الأصول مباشرة سيكون "أبسط احتمال"، لكن القيام بذلك يتطلب تشريعات في الولايات المتحدة وأوروبا لجعل مثل هذا الفعل مسموحاً به.
ومن المقرر أن تجتمع يلين ووزير المالية الفرنسي برونو لو مير، ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا وغيرهم من كبار صناع السياسة الاقتصادية في ساو باولو، لحضور الاجتماع الذي يستمر يومين، على رغم أنه سيكون هناك بعض الغيابات الملحوظة، بما في ذلك وزارة المالية في بريطانيا والصين والهند وروسيا وفقاً لما قاله المنظمون لوكالة "الصحافة الفرنسية".
وقال المنظمون إن وزير المالية البرازيلي فرناندو حداد، المستضيف سيلقي كلمة في الاجتماع عبر الفيديو، بعد إصابته بفيروس كورونا.