Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنانيات في يوم المرأة العالمي... إنجازات من رحم الألم

واجهن دروباً مليئة بالصعاب من المرض والزواج حتى الموت

تستمر رحلة ليليان شعيتو مع العلاج بعد إصابتها في إنفجار مرفأ بيروت بانتظار رؤية طفلها الذي حُرمت منه (اندبندنت عربية)

ملخص

ولدت نجاحات عديدة لسيدات لبنانيات من رحم الألم وتركن بصمة لا تمحى، بل تستحق تسليط الأضواء عليها في اليوم العالمي للمرأة

تستعيد الشعوب في الثامن من مارس (آذار) من كل عام لحظات لا تنسى لاحتفالات وتكريمات للنساء في يوم المرأة العالمي ما بين إنجازات محفورة بأحرف من نور وقضايا وآلام يعانينها في طريق كفاح طويل من أجل تحقيق المساواة ونيل حقوقها.

منذ أكثر من 100 عام خصص اليوم الأول لقضايا المرأة في سنة 1909 بعد أن خرجت النساء العاملات للمطالبة بتحسين أوضاعهن، وفي الوقت نفسه تأتي هذه المناسبة أيضاً للاحتفاء بنساء أحدثن فارقاً في المجتمع وقلبن المقاييس عندما حققن إنجازات وبلغن أعلى المراتب في مجالات كثيراً ما كانت حكراً على الرجل، فاستحققن عن جدارة أن ترفع لهن القبعة.

وفي لبنان نساء أحدثن جدلاً، ومنهن من أخذن على عاتقهن نقل رسالة يمكن أن تحدث فارقاً لكثر، لكن إذا كانت أسماؤهن لمعت وسلطت الأضواء عليها، فهناك كثيرات غيرهن لهن قضايا لا تقل أهمية، وإن كانت لم تلق الاهتمام نفسه.

ليليان شعيتو... قضية تحمل كل الوجع

مع الصدمة التي أحدثها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، برزت قضية ليليان شعيتو التي اختزلت ألماً يصعب وصفه. بداية، بدت قصة ليليان واحدة من قصص عشرات الضحايا المتضررة في الانفجار، إلا أن قضيتها التي هزت الرأي العام لم تنحصر بكونها صارعت الموت وأمضت عاماً في الغيبوبة، بل أيضاً بما تخللته من معاناة مريرة منذ تلك اللحظة المشؤومة التي حرمتها القدرة على المشي والنطق والعيش بسلام، وتسببت في حرمانها من رؤية طفلها طوال عامين الذي كانت أنجبته قبل 40 يوماً من الانفجار.

ولولا ضغط الرأي العام وحملات المناصرة على وسائل التواصل الاجتماعي تضامناً معها وتفاعلاً مع معاناتها هذه لما تحقق ذلك، إذ لا تقتصر قصة ليليان على وضعها الصحي الصعب، بل على قضية قد تعني نساء كثيرات يعشن التجربة ذاتها بسبب حرمانهن من أطفالهن بسبب ظلم المجتمع وإجحاف القانون بحق المرأة في مجتمعنا.

قصة ليليان مع العذاب لم تنته، وإن كانت حالتها الصحية بدأت تتحسن على أثر تلقيها العلاج في أحد المراكز الطبية في تركيا، حيث بدأت عملية التعافي، وتمكنت من المشي وبدأت تنطق بعد سنوات من العلاج وعام من الغيبوبة، فمعاناتها الناتجة من حرمانها من طفلها "علي" هي الأكثر إيلاماً لها اليوم وتمنعها من التحسن بصورة أفضل لما لذلك من أثر إيجابي في حالتها، كما يؤكد الأطباء.

 

تروي شقيقة ليليان التي ترافقها في رحلة العلاج في تركيا منذ عام وأربعة أشهر، أنه منذ ذاك اليوم حرمها زوجها من رؤية طفلها، متجاهلاً القرار القضائي الذي أكد حقها في رؤيته، ومتناسياً كل معاني الإنسانية والرحمة.

 

وفي اليوم العالمي للمرأة تحسن وضعها الصحي، لكن يقابله معاناة مستمرة مع زوجها لاعتبار أن القضية لم تشهد بعد أي تبلور إيجابي، ففي مرحلة أولى، كان حجز على جواز سفرها لمنعها من السفر وتلقي العلاج، قبل أن تتدخل جهات سياسية لمعالجة المسألة. وأكثر من ذلك بعد أن أقدم على رفع دعوى في حقها لمنعها من الاقتراب من ابنهما ومقابلته.

تؤكد نوال أن علاقة ليليان وزوجها كانت طبيعية، لكنه ظهر على حقيقته، لذلك مضى عامان قبل أن ينجح ضغط الرأي العام المتعاطف مع الشابة المصابة في لبنان والدول العربية في التأثير لتتمكن من رؤية ابنها مرتين. أما اليوم، فعلى رغم القرار الصادر عن المحكمة الجعفرية الذي أكد حقها في رؤية ابنها، لا تزال محرومة من هذا الحق الطبيعي.

واليوم تبكي ليليان بصمت وتطالب بحرقة برؤية طفلها، فيما تستمر المساعي لتنفيذ رغبتها هذه، ولو عبر اتصال بالفيديو، عل ذلك يسهم في تحسن حالتها الصحية جسدياً ونفسياً. وما حصل مع ليليان يعكس ظلماً لا متناهياً للتأخير في تنفيذ الحكم.

ميسا رعد... قدوة في مكافحة المرض

منذ نحو سبع سنوات تحولت ميسا رعد إلى ملهمة لمتابعيها الذين باتوا يجدون فيها مصدر قوة، سواء في مواجهة المرض أو أي تحدٍ في الحياة، وسرعان ما أصبحت قدوة في محاربة المرض عندما أخذت على عاتقها مهمة نشر الوعي والإيجابية في مواجهته.

عندما بدأت بالتواصل مع متابعيها لتنقل كافة التفاصيل المتعلقة بحياتها اليومية في مسيرتها مع العلاج والمرض، أخذت على عاتقها مهمة نشر رسالة تعدها في غاية الأهمية، وفق ما توضحه في حديثها، إذ أرادت أن تؤكد أن عودة المرض وانتشاره في الجسم، كما حصل معها، لا يشكل نهاية الحياة، بعكس الاعتقاد السائد.

لذلك، شكل كل منشور وفيديو لها على صفحتها دعوة إلى التمسك بالأمل والحياة مع هاشتاغ "#بكرا_منحكي"، وبعد أن أصدرت كتاباً يروي قصتها مع المرض أكدت يومياً أنه من الممكن التعايش مع المرض حتى في مراحل متقدمة منه ومتابعة الحياة بطريقة طبيعية ما دام المريض متمسك بالحياة. لذلك، استطاعت أن تبعث الأمل في النفوس والقوة في مواجهة المرض وأي تحدٍ.

 

 

في حديثها مع "اندبندنت عربية"، تشير إلى أنها طوال السنوات الماضية، استمعت إلى قصص كثيرة لأشخاص استطاعت أن تترك لديهم أثراً إيجاباً في مواجهة المرض، وأن تغير حياتهم من خلال نظرتها المختلفة. أما ميسا الأم فقد تكون أكثر تأثيراً بعد. فعندما عاودها المرض كان وحيدها بعمر السنوات الخمس وحاربت طويلاً من أجله أولاً. وكانت أمومتها من العناصر الأساسية التي زادت التعاطف معها، حتى إنها اليوم تشعر بمسؤولية تجاه أي امرأة تمر بنفس تجربتها، وهي أم لأطفال صغار، فتحرص على توفير كل الدعم اللازم لها.

لا تنكر رعد أن مساعيها لنشر الوعي والإيجابية كان له أثر إيجابي فيها أيضاً، لأنها استمدت القوة من دعم متابعيها، واليوم تدرك أنها مصدر قوة لكثر، بعدما رأته من محبة أحيطت به، فكان هذا مصدر قوة لها على صعيد شخصي.

سالي حافظ... درس للرجال أولاً

حين أقدمت سالي حافظ على اقتحام أحد المصارف للمطالبة بسحب مدخراتها المحتجزة فيه ولتوفير كلف علاج شقيقتها المصابة بالسرطان، أحدثت خطوتها الجريئة صدمة للرأي العام.

كانت عمليات الاقتحام للمصارف تكررت في تلك الفترة، لكن إقدام شابة على عمل كهذا كان غير مسبوق أثار جدلاً واسعاً، لكن غلبت مواقف التعاطف لما حمله عملها هذا من حس إنساني ورفض للظلم، قبل أن يتسم بالتهور أو العنف.

في خطوتها هذه، لم تعط سالي درساً للنساء فحسب، إنما للرجال أيضاً على حد قولها فدعت كل فرد ليتحلى بالقوة ويأخذ حقه بيده. تذكر سالي أنها خلال الاحتجاجات، تعرضت مراراً للضرب في التظاهرات ولم تستطع أن تحقق شيئاً، فإنها حصلت على حقها خلال 15 دقيقة وأنقذت حياة شقيقتها بعد تأمين كلف علاجها.

 

لذلك، تحولت إلى قدوة للرجال والنساء على حد سواء، بعد أن أكدت أن الرجل ليس وحده رمزاً للقوة. أما والدها الذي أصر على إنجاب صبي ليعتمد عليه، فأثبتت له أنه يمكن أن يعتمد عليها أكثر بعد حتى إنه بات يعرف بـ"أبو سالي" بعد ما فعلته، بدلاً من "أبو علي".

تعود سالي وتؤكد أن ما فعلته كان لإنقاذ حياة أختها التي كانت مهددة بسبب المرض وعدم القدرة على تأمين كلف العلاج، ولو عاد بها الزمن إلى الوراء لما ترددت بتكرار ما فعلت لأنه عمل إنساني زود شقيقتها بالقوة والعزم حتى تقاوم المرض بعد أن كانت بلغت حد الكآبة والاستسلام.

وأخيراً تشير الشابة اللبنانية إلى أن الذكورية فكر غير موجود عند الرجال حصراً، بل عند نساء أيضاً، وهذا ما يجب الحرص على تغييره لأنه ما يكسر المرأة فعلياً.

العداءة عزيزة سبيتي... شغف ونجاح

في السنة الماضية، برز اسم العداءة اللبنانية عزيزة سبيتي ضمن لائحة "بي بي سي" التي ضمت 100 سيدة أكثر تأثيراً وإلهاماً في العالم. حصل ذلك في ظل الأزمة الأصعب في تاريخ لبنان ليشكل بارقة أمل للبنانيين الغارقين باليأس.

 

وأتى اختيارها كأسرع عداءة في تاريخ لبنان، حاملة رقماً قياسياً لسباقي الـ60 متراً والـ100 متر، كما أحرزت ميدالية ذهبية في بطولتي غرب آسيا والعرب. ليس مستغرباً أن يسطع نجم شابة لبنانية بهذه الصورة ويصل اسمها إلى العالمية، خصوصاً أن مسيرتها في عالم الرياضة حملت كل معاني الشغف لمجال استطاعت أن تصل فيه إلى أعلى المراتب.

 

في رسالتها بمناسبة يوم المرأة العالمي، تؤكد عزيزة أنه مهما كانت الظروف، يمكن للمرأة أن تبرع في أي مجال كان، ما دام شغفها يقودها، وإن كان حتى من المجالات التي جعلها المجتمع حكراً على الرجال.

تبعت عزيزة شغفها بالفعل، ولا تتصور أنه ثمة ما قد يقف عائقاً أمام من يبذل جهداً ليحقق ما يريد، أما التنمر الذي تعرضت له في مرحلة من المراحل، فلم يكسرها أبداً ولم يكن السبب وراء النجاح الذي حققته. وتدرك جيداً أن البعض قد يفتقد الثقة بالنفس ويتأثر، لكن انطلاقاً من تجربتها أرادت أن تسلط الضوء على الفكر العنصري لدى البعض وتعمل على نشر الوعي في هذا المجال عبر فيديوهات ورسائل تنقلها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

في مجتمعاتنا تكثر المسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة، ما قد يزيد من الضغوط عليها ويقف عائقاً أمام أحلامها ومساعيها لتحقيق ذاتها. في هذا الإطار، تقول عزيزة إن كل امرأة تعيش هذا الصراع في مجتمعنا، لكن مهما كانت الضغوط التي تتعرض لها، يجب أن تتبع أحلامها.

لكن في الوقت نفسه لا تنكر أنه في المجتمع العربي لكل امرأة اختياراتها، فثمة من يخترن بناء عائلة ويركزن على ذلك ويكون هذا اختيارهن في الحياة فيما تكون لأخريات أحلام أخرى تسعين وراءها، لذلك يبقى الأهم أن تختار ما تريد وتركز على شغفها في الحياة.

راي باسيل... عشق الرماية من الطفولة

كثيراً ما كانت رياضة الرماية حكراً على الرجل، إلا أن راي باسيل قلبت المقاييس عندما تبعت شغفها متأثرة بوالدها الذي كان أول الداعمين لها، وأصبحت بطلة في الرماية وفازت بالميدالية الذهبية في بطولة كأس العالم للرماية في عام 2016، وميدالية ذهبية في بطولة العرب وتتحضر اليوم للمشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس 2024 لترفع اسم لبنان عالياً في ظل هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها. وتؤكد في حديثها أنها منذ بداية مسيرتها في هذا المجال سمعت كلاماً يحفزها على إثبات قدراتها، مهما كانت التحديات، لذلك بالنسبة لها سر النجاح في أن يحب الإنسان ما يفعله. من خلال عشقها للرماية، نقلت رسالة إلى المرأة تؤكد لها فيها أنها قادرة على دخول أي مجال كالرماية مثلاً الذي لم تكن المرأة موجودة فيه سابقاً.

 

انطلاقاً من تجربتها الخاصة، تسعى راي إلى نشر الوعي لدى جيل الشباب في المدارس والجامعات وغيرها حول أهمية الرياضة وإثبات القدرات لتحقيق الإنجازات بمجرد التمسك بالشغف، أما من يمكن أن يشاركها حياتها فمن الضروري أن يتحلى بالوعي الكافي ليدرك دور هذا الشغف في حياتها وأن الرياضة هي كيانها وكل حياتها.

 

وتزامناً مع ذلك لا تنكر أنه مطلوب منها كامرأة أن تخلق التوازن بين الرياضة ودورها كزوجة وأم، وإن كانت تعلم أن مثل هذا الطريق مليء بالتحديات للمرأة.

وبعد تجربة زواج سابقة فشلت لها فهي حريصة اليوم على اختيار الشخص المناسب الذي يتفهم شغفها هذا، لكن تؤكد أن الزواج ليس بالنسبة لها هاجساً، خصوصاً أنها استطاعت أن تحقق ذاتها، فهي لن تقدم على هذه الخطوة ما لم تكن لديها القناعة الكاملة وإن كان المجتمع يمارس ضغوطاً في هذا المجال، داعية كل امرأة إلى القيام بالمثل حتى لا تخطئ في اختياراتها.

فرح... صحافية حتى الرمق الأخير

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قتلت المراسلة التلفزيونية فرح عمر أثناء تأدية واجبها المهني في جنوب لبنان بغارة إسرائيلية في قرية طير حرفا، وأحدث مقتل الصحافية الشابة وزميلها المصور ربيع المعماري صدمة ترافقت مع حملة استنكار واسعة للاستهداف الإسرائيلي للصحافيين.

وتحول اسم رفح إلى عنوان رئيس في مختلف الصحف والمواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فمقتل الشابة العشرينية كان صادماً، إلا أن شغفها لمهنة الصحافة التي اختارتها، وتعلقها الشديد بجنوب لبنان، ورغبتها بتأدية واجبها تجاهه حتى الرمق الأخير، جعلها تضحي بحياتها.

 

ومن هنا تحولت إلى رمز الصحافية المناضلة التي تبعت عشقها للمهنة حتى النهاية وقدمت حياتها من أجلها. وبعد مقتلها، قررت كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية التي تعلمت فيها فرح أن تمنحها شهادة الماجستير التي كانت قد أتمت التسجيل الأكاديمي فيها.

عشقت فرح الجنوب والمهنة والحياة، حتى تحولت إلى قدوة لكثر، ورحلت الطالبة المتفوقة قبل أن تتمكن من تحقيق أحلامها الكثيرة، لكنها أصبحت علامة فارقة بعد أن انضم اسمها إلى أسماء الصحافيين الذين سبقوها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير