ملخص
من المتوقع أن تشهد تونس انتخابات رئاسية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، قد تختلف عن سابقاتها مع اعتماد نظام انتخابي جديد على الأفراد بدل القائمات 2021
بات من المؤكد اليوم أن تونس ستشهد انتخابات رئاسية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، إثر تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال لقائه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها.
وتنتهي ولاية قيس سعيد الرئاسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وتتزامن الانتخابات الرئاسية المقبلة مع سياق سياسي مختلف عن الانتخابات السابقة، بعد أن دخلت تونس مساراً سياسياً جديداً منذ الـ25 من يوليو (تموز) 2021، باعتماد نظام انتخابي جديد على الأفراد بدل القائمات، وبرلمان ودستور جديدين، ووسط ضمور دور الأحزاب السياسية وتوسع صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور 2022 مقارنة بدستور 2014.
مرشح من خارج المنظومة
وقبل انتهاء العهدة الرئاسية لقيس سعيد، يطرح سؤال حول مدى تحقيق ما وعد به رئيس الجمهورية ناخبيه، ويرى المتابعون للشأن العام في البلاد أن قيس سعيد، المرشح المستقل لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2019، مثل ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي من خلال إعلانه أنه "لا يملك برنامجاً انتخابياً يسوق للأوهام والأحلام الكاذبة والوعود الزائفة"، مضيفاً في سبتمبر (أيلول) 2019، في مدينة الجم من محافظة المهدية، أن "البرامج الانتخابية التي طرحها المرشحون منذ 2011 لا تزال في مرتبة الوعود ولم تطبق فعلياً"، مؤكداً أنه "يقدم مجموعة من الأفكار والتصورات سيستشير فيها الشعب لتنفيذها على أرض الواقع، ومنها تنطلق عملية البناء السياسي والإداري لتونس على أسس جديدة".
لم ينتظر قيس سعيد، فترة طويلة للبدء في تنفيذ مشروعه السياسي، وبعد أقل من سنتين من انتخابه رئيساً للجمهورية في أكتوبر 2019، وأمام أزمة سياسية سمتها الصراعات الحزبية وتنازع السلطات ووضع اقتصادي واجتماعي متدهور، دفع برئيس الجمهورية إلى تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 بتاريخ الـ25 من يوليو 2021، ووضع بذلك حداً لمنظومة الحكم بكل مكوناتها السياسية والمؤسساتية من خلال تجميد أعمال البرلمان وإقالة الحكومة وتعليق العمل بالدستور، لتدخل تونس مساراً سياسياً جديداً.
اليوم وقبل بضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، هل أوفى قيس سعيد بوعوده الانتخابية؟ ولماذا تتم مؤاخذته من معارضيه وهو منسجم مع ما طرحه من عرض سياسي مغاير لما هو موجود؟
يرى عدد من المتابعين أن رئيس الجمهورية منسجم تماماً مع ما طرحه للناخبين، وعلى رغم عدم وضوح تلك الوعود حينها، فإن جزءاً كبيراً من التونسيين انتخبوه أملاً في قدرة شخصية غير سياسية على تغيير واقع الحال، بينما يرى آخرون أن التونسيين انتخبوا شخصية من خارج المنظومات السياسية والحزبية لـ"نظافة يديه"، ولوعده بتفكيك لوبيات الفساد ورفضه ميكانيزمات عمل الأحزاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قيس سعيد منسجم مع وعوده
يقر أستاذ القانون العام رابح الخرايفي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، بأن "قيس سعيد منسجم تماماً مع أفكاره التي أعلنها منذ 2011، وهو ملتزم بها إلى حد الآن".
ويصف الخرايفي مسار رئيس الجمهورية، بأنه "تصور من ضمن مقاربات عدة لتطبيق الديمقراطية التمثيلية، يقوم على الانطلاق من القاعدة إلى القمة، ويكون الانتخاب على الأفراد بدل القائمات"، معتبراً أن "نظام الاقتراع على القائمات أسهم في توسع الأحزاب وقلص حظوظ المشاركة السياسية أمام الراغبين في الترشح فردياً"، مشيراً إلى "تلاعب الأحزاب بالانتخابات عبر اختيار المرشحين وضخ المال السياسي وتوجيه الناخبين، علاوة على الولاءات الحزبية والمحسوبية، وهي ممارسات لا توجد في الديمقراطيات العريقة".
ويستدرك أستاذ القانون العام قائلاً "إن نظام الاقتراع على الأفراد، أفرز شروطاً تتعلق أساساً بنوعية المترشح وخصوصاً النواب ومدى قدرتهم على العمل البرلماني التشريعي الذي يؤسس لجمهورية الغد".
السيادة ومكافحة الفساد
ويعتبر الخرايفي أن "النظام المعتمد اليوم في تونس هو نفسه النظام الديمقراطي القائم على الانتخابات، إلا أن الاختلاف يكمن فقط في المفاهيم، وتقوم بقية السلطات باعتبارها وظائف بالدور الموكل إليها من دون تداخل بينها، حفاظاً على وحدة الدولة وضماناً لعدم تفتت سلطاتها، ولذلك تستمر ثقة جزء كبير من التونسيين في رئيس الجمهورية، لأن له سردية مختلفة تقوم على مفهوم السيادة ومقاربة مكافحة الفساد".
وبينما تعمل المعارضة في تونس على التقليل من شأن مسار الـ25 من يوليو (تموز) 2021، وتقديمه على أنه مسار فاشل، فقد أبدى رئيس الجمهورية "التزاماً كاملاً بما وعد به، عكس منافسيه في الانتخابات الرئاسية السابقة الذين نكسوا في الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي لم يتحقق منها شيء"، بحسب تعبير أستاذ القانون العام رابح الخرايفي.
وبخصوص ضمور دور الأحزاب السياسية، يؤكد أنه "لا يمكن لأية سلطة أن تلغي دور التنظيمات السياسية أو المدنية"، داعياً "الأحزاب السياسة إلى التخلص من ممارساتها التقليدية، والمصالح الضيقة القائمة على العلاقات الشخصية والعائلية التي أدت إلى نفور التونسيين من الطبقة السياسية برمتها".
مقاطعة الانتخابات
في المقابل يرى معارضو مسار رئيس الجمهورية أن الشعب التونسي لم يطالب بنظام قاعدي ولا بشركات أهلية، بينما ركز قيس سعيد في عرضه السياسي على مقاومة الفساد وتفكيك اللوبيات، واستغل حال الوهن السياسي الذي تعيشه الأحزاب سواء كانت في الحكم أم في المعارضة.
ويؤكد أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، في تصريح خاص، أن "عدم إقبال التونسيين على الانتخابات البرلمانية والمحلية، هو رسالة وموقف من المسار الذي بدأه سعيد".
ويرى الحوكي أن "السياق السياسي وقتها، هو الطلب على الشعبوية والشخصية الملهمة والنقية من الشوائب السياسة، والشعب التونسي وجد في قيس سعيد الشخصية المناسبة"، مضيفاً أن "قيس سعيد انتخب لأنه رجل "نظيف ومن خارج المنظومة السياسية والحزبية القائمة وقتها"، وشدد على أن "العرض السياسي لأي مرشح للانتخابات، يقوم على إحداث مواطن الشغل، ودفع الاستثمار والتشغيل والبنية التحتية والصحة والتعليم والعلاقات الخارجية، بينما لم يقدم قيس سعيد أي وعد في هذه المجالات".
ويؤكد أستاذ القانون الدستوري أن "قيس سعيد ليس له مشروع، ويقوم تصوره على نسف كل مكتسبات تجربة الانتقال الديمقراطي، بما فيها بناء المؤسسات وإرساء تقاليد الحوار الوطني واستقلالية القضاء وحرية الإعلام"، لافتاً إلى أن "هذا التصور وجد مقبولية لدى الشعب التونسي، لأن النخبة السياسية مشتتة وفقدت ثقلها وقدرتها على التعبئة والتأثير في الشارع التونسي".
ويضيف شاكر الحوكي أن قيس سعيد لطالما تحدث عن أن "السيادة للشعب" بينما "لا يتحرك البرلمان إلا بإرادته، من خلال المصادقة على ما يقترحه رئيس الجمهورية من مشاريع قوانين، ومن توجهات كبرى"، ومرجحاً أن "يستمر مسار سعيد في تونس طالما أن المعارضة مشتتة ولا توجد تصورات موازية لإنقاذ البلاد مما وصلت إليه"، على حد تعبيره.