Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ما ميزة المعادن الأوكرانية وما سبب توق ترمب إليها؟

لقد أصبحت الثروات المعدنية محور السياسة العالمية

يستخدم الليثيوم في صناعة الإلكترونيات حول العالم (غيتي)

ملخص

تشكل الثروات المعدنية الأوكرانية، وبخاصة الليثيوم والمعادن الحيوية، محوراً جيوسياسياً عالمياً، إذ تسعى أميركا إلى النفاذ إليها لتقليل اعتمادها على الصين، فيما قد يتيح اتفاق محتمل لكييف موارد لإعادة الإعمار، مما يجعل أوكرانيا لاعباً رئيساً في التحول نحو الطاقة الخضراء.

تحولت الثروات المعدنية الأوكرانية إلى محور للجيوسياسية العالمية، مع سعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إبرام صفقة مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كي يتسنى له النفاذ إليها واستغلالها.

لكن ما هذه المعادن تحديداً وما الذي يجعلها منشودة إلى هذا الحد؟

غالباً ما تلفت أوكرانيا الأنظار بأراضيها الزراعية الشاسعة وإرثها الصناعي. لكنها تخفي في باطنها ما يعرف باسم "الدرع الأوكرانية"، التي تعد من أهم التشكلات الجيولوجية على الكرة الأرضية.

وهذه الصخور البلورية الضخمة، التي تشكلت منذ أكثر من 2.5 مليار عام، تنتشر في معظم أرجاء أوكرانيا، وتمثل إحدى أقدم الكتل القارية وأكثرها استقراراً على الأرض.

وتحمل صخور هذا التشكل بصمات حقبات جيولوجية عدة، تخللها ظهور سلاسل جبلية، وانبثاق وتدفق لصهارة البراكين، وغير ذلك من تغيرات عبر الزمن.

وخلقت هذه العمليات الجيولوجية ظروفاً جيولوجية مواتية لتكوين كثير من الرواسب المعدنية، بما في ذلك الليثيوم والغرافيت والمنغنيز والتيتانيوم والعناصر الأرضية النادرة.

تعد جميع هذه العناصر الآن بالغة الأهمية للصناعات الحديثة والتحول العالمي نحو الطاقة الخضراء.

وتحوي حقول الرواسب الطبيعية الأوكرانية 22 من أصل 34 معدناً حيوياً وفق تصنيف الاتحاد الأوروبي، الذي يشدد على أهمية دور هذه المعادن لضمان أمن الطاقة، مما يرسخ مكانة أوكرانيا بين دول العالم الأكثر ثراءً بالموارد الطبيعية.

سباق عالمي

في خضم تسابق دول العالم لخفض انبعاثات الكربون، يشهد الطلب على المعادن الحيوية طفرة غير مسبوقة، إذ تعتمد المركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، وألواح الطاقة الشمسية، وأنظمة تخزين الطاقة، على معادن أساس كالليثيوم والكوبالت، وإلى جانب معادن أرضية نادرة أخرى تتوفر بكثرة في أوكرانيا.

والحال أن سعر الليثيوم قفز من 1500 دولار أميركي (1164 جنيهاً إسترلينياً) للطن الواحد في تسعينيات القرن الـ20 إلى نحو 20 ألف دولار في الأعوام القليلة الماضية، وسط توقعات بارتفاع مستويات الطلب على هذا المعدن 40 ضعفاً تقريباً بحلول عام 2040.

وفي سياق موازٍ، تتوقع "وكالة الطاقة الدولية" ارتفاع عدد المركبات الكهربائية إلى أكثر من 125 مليون مركبة بحلول عام 2030، مع ترقب نمو مماثل لإنتاج المعادن الأخرى المستعملة في البطاريات. فكل مركبة كهربائية تتطلب معدن الليثيوم بكميات أكبر بكثير من الأجهزة الإلكترونية التقليدية. وعلى سبيل المثال، تتطلب بطارية سيارة "تسلا موديل أس" Tesla Model S نحو 63 كيلوغراماً من الليثيوم العالي النقاء.

وتمتلك أوكرانيا ثلاثة حقول ليثيوم عملاقة، تشمل حقل "شيفتشنكيفسكي" في منطقة دونيتسك، إلى جانب حقلي "بولوخيفسكي" و"ستاكوفاتسكي" في منطقة كيروفوغراد بوسط البلاد – وهي كلها حقول واقعة ضمن نطاق "الدرع الأوكرانية"، لكن على رغم وفرة الثروات المعدنية في البلاد، يبقى عدد كبير من حقول المعادن الأوكرانية غير مستثمر، ويعزى ذلك إلى الحرب مع روسيا التي تسببت بانقطاع عمليات التنقيب وألحقت أضراراً جسيمة بالبنى التحتية.

ومن جهته يحوي حقل الليثيوم "شيفتشنكيفسكي" كميات مركزة عالية من معدن السبودومين الأساس الحامل لليثيوم والمستخدم في إنتاج البطاريات. وفي هذا الصدد، يقدر احتياط الحقل بنحو 13.8 مليون طن من خامات الليثيوم، بيد أن استخراجها يتطلب استثمارات تنقيبية تراوح قيمتها ما بين 10 و20 مليون دولار قبل بدء أعمال التعدين.

أما حقل "بولوخيفسكي" فيحوي نحو 270 ألف طن من الليثيوم، ويعتبر من أفضل حقول الليثيوم في أوروبا، بسبب ظروفه الجيولوجية المواتية التي تجعل استخراج هذا المعدن ذا جدوى اقتصادية أكبر.

بيد أن الليثيوم لا يمثل إلا عنصراً واحداً من الموارد المعدنية الأوكرانية. وفي هذا الإطار، كشف مسح جيولوجي أجرته الولايات المتحدة عن أن أوكرانيا تحتل المرتبة الثالثة عالمياً في مجال إنتاج معدن الروتيل – وهي مسؤولة عن نسبة 15.7 في المئة من مجمل إنتاجه عالمياً. ومن ثم، تحتل المرتبة الثالثة عالمياً في مجال إنتاج خام الحديد (3.2 في المئة من الإنتاج العالمي) والتيتانيوم (5.8 في المئة)، إلى جانب كونها في المرتبة السابعة عالمياً في مجال إنتاج خام المنغنيز (3.1 في المئة).

وتمتلك أوكرانيا أكبر احتياطات أوروبية لليورانيوم الضروري لإنتاج الطاقة والأسلحة النووية. ولديها رواسب كبيرة من المعادن الأرضية النادرة، بما يشمل معدني النيوديميوم والديسبوريم، الضروريين لإنتاج أية سلعة، بدءاً بالهواتف الذكية ومروراً بتوربينات الرياح والمحركات الكهربائية.

في سياق متصل، تضم أوكرانيا أيضاً أكبر احتياطات العالم الراسخة لخامات المنغنيز، ويرتكز نحو 2.4 مليار طن منها بشكل أساس في حوض نيكوبول على المتحدر الجنوبي لـ"الدرع الأوكرانية".

وتجدر الإشارة إلى أن الأهمية الإستراتيجية للثروات المعدنية الأوكرانية حظيت باعتراف دبلوماسي متزايد على الصعيد الدولي. وبالفعل، فقد سلطت المفاوضات الثنائية أخيراً بين أوكرانيا والولايات المتحدة الضوء على الأهمية الجيوسياسية لهذه الموارد الطبيعية.

وفي حال المضي قدماً في صفقة مقترحة حول المعادن، فستسهم أوكرانيا بنسبة 50 في المئة من إيراداتها المستقبلية الناتجة من الموارد المعدنية الحكومية، والنفط، والغاز، وغيرها من المواد المستخرجة من باطن الأرض، في صندوق استثمار في إعادة البناء، مصمم لإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب. وسيكون هذا الصندوق بإدارة مشتركة بين كييف وواشنطن.

ماذا عن الثروات المعدنية التي تمتلكها الولايات المتحدة؟

يعكس اهتمام الولايات المتحدة بالثروات المعدنية الأوكرانية قلقاً جيوسياسياً متزايداً حيال تزايد الطلب، وتقلب الأسعار، ومواطن الضعف في سلسلة الإمدادات.

ومع أن أوكرانيا تمتلك عدداً كبيراً من المعادن الحيوية المشابهة لتلك الموجودة في أوكرانيا، إلا أنها اعتمدت، عبر التاريخ، على استقدام المواد المعدنة والمكررة من خارج البلاد، وذلك بسبب القوانين البيئية، وارتفاع كلفة اليد العاملة، وجاذبية [العروض التي تقدمها] الأسواق الأجنبية.

جراء ذلك، باتت الولايات المتحدة تعتمد على الواردات، لا سيما من الصين التي تهيمن على قطاع إنتاج الثروات المعدنية ومعالجتها، لذا فإن النفاذ إلى الثروات المعدنية الأوكرانية مقابل حصولها على الحماية العسكرية سيسمح للولايات المتحدة بتجنب شراء هذه المعادن من الصين.

في الواقع، تنص الإستراتيجية الفيدرالية الأميركية على أن الولايات المتحدة ستعطي الأولوية للتنويع من طريق شراكات تضمن أمن الثروات المعدنية، وتهدف إلى جعل سلسلة الإمدادات أكثر استقراراً ومرونة.

وتجدر الإشارة إلى أن المعادن الحيوية الأميركية تتوزع على مناطق جيولوجية متعددة، من بينها جبال الأبلاش، والحزام الكورديليري، والدرع ما قبل الكمبري Precambrian Shield الظاهر في أجزاء من الغرب الأوسط.

وفي حين أن الولايات المتحدة طورت موارد الليثيوم بكميات كبيرة، لا سيما في وادي كلايتون في نيفادا وجبل كينغز في كارولاينا الشمالية، فإن معظم إنتاجها الحالي من الليثيوم يأتي من "عمليات الاستخراج من المحاليل الملحية"، ومن بينها مياه البحر أو البحيرات المالحة. وقد تكون كلف عمليات الاستخراج هذه أعلى بكثير من كلف التعدين من الصخور الصلبة.

على صعيد آخر، يتسارع التحول العالمي نحو الطاقة الخضراء ووسائل النقل الكهربائية، إذ تشكل المعادن ركيزة أساسية لهذا التحول، وتستخدم نسبة 80 في المئة تقريباً من الليثيوم المنتج عالمياً في صناعة البطاريات. ومن ثم، تستثمر شركات صناعة السيارات الكبرى المليارات في إنتاج المركبات الكهربائية، متصدرة بذلك الطلب غير المسبوق على المعادن التي تشغل هذه التكنولوجيا.

وبفضل ثروتها المعدنية، اكتسبت أوكرانيا مكانة قد تجعلها من رواد ثورة الطاقة النظيفة. وما إن يعود الهدوء إلى البلاد، ستتسنى لأوكرانيا فرصة ذهبية لإعادة هيكلة سلسلة إمداد المعادن الحيوية لديها. وحتى مع تخصيصها نسبة 50 في المئة من الإيرادات للولايات المتحدة، ستبقى أوكرانيا قادرة على تمويل بنيتها التحتية المحلية، ونموها الصناعي، وتعافي سوق العمل والاقتصاد لديها.

 

منيرة راجي باحثة شريكة في علم الجيولوجيا في جامعة بلايموث.

صدر هذا المقال أساساً في مجلة "ذا كونفرسيشن" The Conversation وأعيد نشره بموجب ترخيص من "كرييتيف كومنوز" Creative Commo. اقرأ المقال الأصلي.

المزيد من متابعات