ملخص
الفكرة الأساسية التي تقول إن العالم بدأ يتحرك خارج هيمنة الدولار صحيحة، غير أن هناك تحديات فنية تتعلق بالمخاطرة وكيفية إدارة سعر الصرف لنظام متعدد العملات، كما أن الصعوبة ستستمر ما لم تقدم مجموعة "بريكس" حلاً معقولاً لإدارة المخاطرة
نقلت موسكو معاركها المالية مع الغرب إلى دول أفريقية، حيث تحاول تكرار تجربتها مع الصين وإيران في التخلص من "الدولرة" إلى مناطق نفوذها بالقارة السمراء، فقطعت خطوات عدة في اتجاه البحث عن بديل للدولار في تعاملاتها التجارية والمالية والتوافق على سلة عملات بديلة، بعد أن استفاقت شعوب تلك البلدان على أزمات اقتصادية كان أحد أسبابها سيطرة العملة الأميركية على اقتصاد العالم.
ويوظف بعض الأعضاء المؤسسين لمجموعة "بريكس" التي تأسست عام 2009، هذا التكتل العالمي لإعادة النظر في المعاملات البينية بالعملات الوطنية، حيث توسع منذ يناير (كانون الثاني) 2024 ليشمل بجانب البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، خمسة أعضاء جدد كاملي العضوية. وعين المجموعة الآن على فتح الأبواب لبلدان أفريقية أخرى بإغرائهم للانضمام بهدف التحرر من الإشراف الغربي على التجارة العالمية.
وشكلت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن منذ عام 2018، وما أعقبها من خطوات أميركية، لمنع موسكو من التعامل بالدولار، عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، عاملين رئيسين لتكثيف الدعوات إلى التخلص من نظام "الدولرة".
وتروج موسكو لنجاح عملية التخلي التدريجي عن الدولار عبر نموذج التعاملات الجارية بين روسيا والصين خلال العام الماضي. وكشف رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين عن تحويل البلدين خلال 2023 أكثر من 90 في المئة من التجارة إلى اليوان والروبل، وهو ما يوضح الإلغاء شبه الكامل للدولار في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بحسب قوله.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، توصل رئيس البنك المركزي الإيراني محسن كريمي ونظيرته الروسية إلفيرا نابيولينا إلى اتفاقات في موسكو لإجراء تجارة ثنائية باستخدام عملتيهما الوطنيتين. وبموجبها أصبح بإمكان البنوك والجهات الاقتصادية الفاعلة الآن استخدام أنظمة ما بين البنوك غير "سويفت" لتنفيذ المعاملات بالعملات المحلية.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمة أمام قمة "بريكس" صيف العام الماضي في جنوب أفريقيا فقد كشف عن أن "التخلي عن الدولار كعملة عالمية عملية لا رجعة فيها". وأضاف أن دول المجموعة "تناقش مجموعة كاملة من القضايا المتعلقة بالانتقال إلى العملات الوطنية في جميع مجالات التعاون الاقتصادي".
ترحيب أفريقي
وفي السياق ذاته، صرح وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار خلال زيارة موسكو الأسبوع الماضي، بأن نيجيريا ترحب ببدائل نظام "سويفت" البنكي، وستدرس استخدامها إذا كان ذلك يناسب مصالحها الوطنية.
وقال توغار، متحدثاً عن إمكانية انضمام نيجيريا إلى نظام الدفع الروسي، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية، "هذا نظام مثير للاهتمام للغاية (النظير الروسي لنظام سويفت - نظام نقل الرسائل المالية) وهذا لا يعني أن نظام سويفت نظام سيئ، ولكن إذا كانت هناك بدائل أخرى، فإن نيجيريا ستأخذها في الاعتبار".
وكان وزير الخارجية النيجيري قد كشف رغبة بلاده في الانضمام لـ"بريكس"، فيما كشفت رئيسة الدبلوماسية الغانية شيرلي أيوركور بوتشوي، الأمر ذاته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول مراقبون في نيجيريا إن الدخول إلى "بريكس" والتحول إلى التجارة بالعملات الوطنية سيفيد الاقتصاد، إذ إن استخدام العملات الوطنية يمثل بديلاً وسيمكن من التخلص من نير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين تشكل لوائحهما خطورة على أفريقيا.
وكانت المؤسستان الدوليتان عرقلتا اتفاقية عام 2008 بين بكين وأبوجا، والتي تسمح للنيجيريين بتبادل النايرا في الصين، بينما يستطيع الصينيون في نيجيريا تبادل اليوان.
وإضافة إلى التسويات بالعملات الوطنية، تدرس مجموعة "بريكس" أيضاً إنشاء عملة مشتركة، والتي لا يمكن أن تكون مفيدة إلا في سياق عالم متعدد الأقطاب.
كما لجأت حكومات تحت الهيمنة الروسية إلى العملات المشفرة، كأداة للتحرر من نظام "سويفت"، وأخذت جمهورية أفريقيا الوسطى زمام المبادرة في هذه القضية في أبريل (نيسان) 2023، حيث اعتمدت قانوناً في شأن "ترميز مواردها الطبيعية ومواردها البرية" في العملات المشفرة. ففي عام 2022 أقرت جمهورية أفريقيا الوسطى الغنية بالألماس والذهب واليورانيوم "بيتكوين" عملة قانونية.
إمكانية التخلي عن "الدولرة"
لكن يقلل متخصصون في الشؤون المالية من إمكانية التخلي عن "الدولرة"، وفي السياق يقول المحلل الليبي في الشؤون المالية أحمد محمد، إن روسيا التي تحاول إنهاء معاملاتها بالدولار في التجارة البينية بينها وبين الدول الأفريقية، تقع تحت العقوبات الدولية لذلك لن تغامر بالقبول بالدفع بالدولار وستسعى إلى إيجاد آليات أخرى لتسوية مدفوعاتها مع أفريقيا بشرط إيجاد وسيط مقبول للتعامل بين الطرفين.
واستدرك محمد في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، أن "مشكلة الدول الأفريقية في أنظمتها المالية والنقدية غير المتطورة والتعامل بعملات متعددة، سيكون خارج إمكاناتها، لذلك معظم الدول تركز على التعامل بالدولار لتقليل المخاطرة وأحياناً باليورو".
ويرى في إضافة عملة جديدة مصدراً للمخاطرة قد لا تتحملها، كما بين المحلل المالي أن هناك بعض التصورات باعتماد آلية في منظمة "بريكس" ولكن الأمر ما زال مبكراً جداً، ومن ناحية تجارية بحتة سيبقى الدولار الوسيط الأكثر قبولاً لفترة طويلة وربما تحصل روسيا على هامش للتعامل بعملتها الروبل في قطاعات ضيقة، وعليها انتظار كيفية تطور التعامل النقدي في منظمة "بريكس".
ويعتقد محمد أن الفكرة الأساسية التي تقول إن العالم بدأ يتحرك خارج هيمنة الدولار صحيحة، غير أن هناك تحديات فنية تتعلق بالمخاطرة وكيفية إدارة سعر الصرف لنظام متعدد العملات وهي عوائق حقيقية أمام إمكانية الخروج من "الدولرة"، كما أن الصعوبة ستستمر، ما لم تقدم مجموعة "بريكس" حلاً معقولاً لإدارة المخاطرة، وعندها فقط يمكن للدول الأفريقية أن تتحول تدريجاً إلى أنظمة بديلة عن الدولار.
وتساؤل الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في أثناء زيارته لبكين في أبريل "كل ليلة أسأل نفسي السؤال التالي: لماذا تضطر كل دول العالم إلى المتاجرة بالدولار؟ لماذا لا يستخدمون عملتهم الخاصة؟".
وتقدم أحدث البيانات التي نشرتها خدمة "سويفت ميساج"، وهي المنصة التي تمر عبرها معظم البورصات، جزءاً من الإجابة، إذ إن 46 في المئة من المعاملات العالمية تتم بالعملة الأميركية، أما العملة الثانية، اليورو، فتأتي متأخرة كثيراً بنسبة 20 في المئة من الاحتياطات.