ملخص
أثار عرض مسلسل "عالم الست وهيبة" بجزئه الثاني حفيظة البعض بسبب ورود اسم شخصية مست بالرمزيات العقائدية لدى الطائفة الشيعية.
أصبح من المعتاد أن يترافق مع بداية كل موسم للدراما الرمضانية في العراق سيل من الانتقادات للمسلسلات التي تعرضها القنوات الفضائية العراقية، تبدأ الانتقادات بالغالب على شكل مطالبات فردية لإيقاف عمل ما، يتبعها حملات ممنهجة ضد العمل الدرامي في مواقع التواصل الاجتماعي لتصل بعدها المطالبات لإيقاف العمل إلى هيئة الاتصالات والإعلام أو القضاء، وفي النهاية يتم اتخاذ القرار من قبل الجهات الرسمية بطي صفحة العمل الدرامي الذي أثار الانتقادات والجدل وإيقاف عرضه.
وعلى ما يبدو ليس مسلسل "عالم الست وهيبة" بجزئه الثاني الذي يعرض على قناة "UTV" الفضائية وحده في مرمى النقد والمنع، فمع كتابة هذه السطور هناك مطالبات بإيقاف عرض مسلسل "وطن" بجزئه الثاني الذي يعرض على قناة "UTV" أيضاً، كونه وبحسب بيان رئيس الاتحاد العراقي لنقابات العمال وليد نعمة فارس وجه إساءة للعامل العراقي بعد ظهور الممثلة زهراء بن ميم إحدى بطلات المسلسل وهي تتلفظ بكلمة مسيئة لشريحة العاملين في المولدات. وطالب فارس هيئة الإعلام والاتصالات بإيقاف بث المسلسل، والقناة بالاعتذار لفئة العمال، ملوحاً باللجوء إلى القضاء.
إلغاء الأمر الولائي بإيقاف الجزء الثاني من "عالم الست وهيبة"
وقرر القضاء العراقي الأحد، إعادة عرض مسلسل "عالم الست وهيبة" بجزئه الثاني إذ قررت محكمة بداءة الأعظمية إلغاء الأمر الولائي الخاص بإيقافه بعد تقديم الشركة المنتجة للمسلسل الوثائق والتعاقدات اللازمة بينها وبين كاتب المسلسل صباح عطوان.
وكان الكاتب صباح عطوان أشار عبر حسابه على "فيسبوك" إلى أن إطلاق عرض المسلسل مجدداً جاء بعد تظلم القناة من أنها تتكبد خسائر بالملايين لفقدانها الإعلانات جراء إيقاف العرض، وتفهماً من القضاء لظروف القناة سمح باستمرار عرض المسلسل مع استمرار الدعوى قائمة ومستمرة أمام القضاء العراقي.
أما مخرج المسلسل بجزئه الثاني سامر حكمت، فقد غرَّد على منصة "إكس" قائلاً "مبارك لكلمة الحق وشكراً للقضاء العراقي إلغاء الأمر الولائي".
مطالبات بإيقاف المسلسل
وعُرض مسلسل "عالم الست وهيبة" بجزئه الأول في عام 1997، وتدور أحداثه حول الممرضة وهيبة، وكيف تعايش الظروف الصعبة خلال فترة الحصار الاقتصادي. وسلّط المسلسل الذي كتبه صباح عطوان، الضوء على عصابات السرقة التي اتسعت نتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في تلك المرحلة، وقدم الفنان غالب جواد شخصية "مهيدي" أو "مهدي أبو صالح" الشاب الذي ينتمي إلى إحدى تلك العصابات. وعاد جواد في الجزء الثاني الذي عُرض ضمن الموسم الرمضاني لهذا العام ليقدم الشخصية ذاتها، لكن هذه المرة لم تسلم هذه الشخصيات من سهام الانتقاد والمطالبات بإيقاف عرض المسلسل، إذ أثارت هذه الشخصية حفيظة بعض الأطراف، بذريعة أن اسم الشخصية داخل المسلسل "مهدي أبو صالح" يسيء إلى الإمام الثاني عشر (الغائب) لدى الطائفة الشيعية الإمامية.
أولى حملات الرفض بدأت ببيان عن النائب سعود الساعدي عن كتلة "حقوق" التابعة لكتائب "حزب الله"، طالب الساعدي في بيان له هيئة الإعلام والاتصالات بإيقاف بث المسلسل، بذريعة أن شخصيات المسلسل تسيء للرموز الدينية بشكل متعمد كما وصفه البيان "وجود إساءة متعمدة للرموز الدينية تتمثل في اختيار شخصية (مهيدي أبو صالح) في إشارة واضحة تتضمن الإساءة العمدية بصيغة الكناية والتورية إلى شخصية الإمام المهدي" البيان طالب بإيقاف عرض المسلسل أو توجيه القناة باستقطاع المشاهد الواردة في المسلسل التي تتضمن ظهور شخصية (مهدي أبو صالح) بمشاهد مسيئة من جميع الحلقات.
وعلى رغم أن المسلسل بجزئه الأول قد عرض قبل سنوات على قناة "العراقية" الرسمية بذات الشخصيات وأسمائها، وشخصية (مهدي) التي ترتبط بالجريمة وتعاطي المخدرات، فإن عرض المسلسل لم يجابه بالنقد ولم تظهر حملات لإيقافه كالتي حدثت الآن، مما اعتبره البعض حرباً بين الفضائيات وتوجيهاً لسهام النقد لفضائيات معينة في حد ذاتها.
ولم يكن بيان النائب سعود الساعدي وحده المطالب بإيقاف عرض المسلسل، بل طالب "الوقف الشيعي" في بيانين له أرسل أحدهما إلى قاضي تحقيق محكمة الرصافة وأرسل البيان الآخر إلى هيئة الاتصالات والإعلام وكلا البيانين طالب باتخاذ الإجراءات القانونية في حق القناة التي تعرض المسلسل وإيقاف عرضه لأنه وبحسب البيانات التي صدرت عن الوقف يمس أسماء لها قدسيتها عند المسلمين "تضمن المسلسل أسماء لها قدسيتها لدى المسلمين عامة وأتباع مدرسة أهل البيت على وجه الخصوص إذ ظهرت أدوار بشخصية تمثل (شخصية مهدي أو مهيدي أبو صالح) بشخصية تجسد الجريمة وتعاطي المخدرات والأفعال الشاذة الخارجة عن القانون مما يعطي انطباعاً ويكرس ارتباط تلك الأسماء بالجريمة لدى المتلقي".
جدل بين كاتب المسلسل والشركة المنتجة
وبعد الجدل الذي رافق عرض سبع حلقات من أصل 30 حلقة من مسلسل "عالم الست وهيبة" والاتهامات التي وجهت له بأنه يمس رموزاً شيعية، أصدرت محكمة بداية الأعظمية الأمر الولائي القاضي بإيقاف عرض المسلسل، الذي جاء بناء على الدعوى المقامة من قبل المؤلف صباح عطوان قبل عرض المسلسل على الشركة المنتجة والقناة التي كانت تعرضه، إذ طالب بوقف عرضه لأنه لم يحصل على مستحقاته المالية باعتبارها حقوق مؤلف، بالإضافة إلى مشكلات تتعلق بتعديل السيناريو.
وعلى الفور سارعت الشركة المنتجة بنشر تفاصيل العقد المبرم مع كاتب المسلسل، الذي يقر بأنه من حق الشركة المنتجة تعديل السيناريو، إذ أوضحت إحدى فقرات العقد المبرم مع كاتب المسلسل صباح عطوان "يقر الطرف الثاني بأنه فور التوقيع على هذا العقد تم التنازل كلياً عن السيناريو والحوار موضوع العقد ولا يحق له التصرف أو عرضه على أي طرف آخر"، كما بيَّن العقد أن يتعهد الطرف الأول كتابة اسم المؤلف (الطرف الثاني) بما يتناسب مع مكانته الفنية وليس للطرف الثاني حق التدخل والاعتراض على ما يختاره ويراه المخرج من تعديل النص بما يخدم إنجاح العمل، وأرفقت الشركة المنتجة تفاصيل تسلم المؤلف صباح عطوان جميع مستحقاته المالية.
عالم الست وهيبة على منصة المنابر
اتسع الجدل حول مسلسل "عالم الست وهيبة" ليمتد إلى المنابر الدينية فقد طالب حازم الأعرجي عن التيار الصدري بضرورة الحفاظ على ما سماه الرمزيات متسائلاً "مهدي اسم مقدس كيف يظهر بدور مجرم" الأعرجي طالب بتغيير الاسم أو قطع المقاطع التي تتضمن الشخصية أو إلغاء المسلسل. وعلى النقيض من ذلك انتقد حازم الباوي الآراء التي اعترضت على وجود اسم مهدي في المسلسل وآثار حفيظة البعض، راداً عليهم في فيديو متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً "بأن هذا خداع للشارع وليس من الدين، وأن الإساءة للإمام المهدي هي ما تقوم به الحكومات من سرقة وعدم توفير متطلبات المواطنين الأساسية وتابع "الإساءة لاسم الإمام المهدي في مسلسل (عالم الست وهيبة) هو خداع واستغفال للشارع وأقولها بملء الفم وليحصل ما يحصل، إذ تصدر كثير من الإساءات للإمام المهدي بأفعالنا العملية يومياً، فلماذا هذه الشكليات والدين واضح؟".
رفض النقابة
ورفضت نقابة الفنانين العراقيين في بيان لها المساس بالأعمال الفنية العراقية وخصوصاً الدرامية تحت أي ذريعة كانت. وأشارت في بيانها الذي نشر على صفحتها الرسمية إلى أن جميع النصوص الدرامية المنتجة يتم فحصها وإجازتها من قبل لجنة فنية متخصصة في هذه النقابة، إذ إن هناك تنسيقاً تاماً بين هذه النقابة وهيئة الإعلام والاتصالات كجهة حكومية متخصصة في رصد النشاطات المتنوعة على شاشات الفضائيات، وطالبت النقابة من الجهات القضائية في العراق بالنظر بعين الإنصاف والتقدير للجهود الكبيرة المبذولة من قبل الفنانين ليخرج العمل الفني إلى النور وعدم مصادرة هذه الجهود الإبداعية تحت أي ذريعة كانت.
نكوص الدراما العراقية
من ناحية ثانية، يوضح الكاتب عماد مجيد المولى أنه من الصعب إيجاد تحليل منطقي لظاهرة منع الأعمال الدرامية، فالصورة مشوشة إذ يصفها الكاتب "نجدها ردود فعل سياسية مرة أو دينية وربما قومية وحتى مزاجية للمتحكمين بمفاصل الثقافة والأدب" المولى يرى أن هذا نتيجة طبيعة في ظل ما وصفه بالخراب الذي يضرب منظومة الدولة المؤسساتية وتحول البلد إلى دويلات الأحزاب والطوائف والقوميات، ويرى أن الخاسر من هذا الخراب هو الدراما العراقية التي تعاني نكوصاً وتراجعاً إلى ذيل قائمة الإبداع على مستوى العالم العربي.
دعوات غير واضحة المعالم
يرى المنتج علي آل حسين مدير شركة "تي ميديا غروب"، أن دعوات إيقاف عرض مسلسل غالباً ما يتسم بعدم الوضح والفوضى، فهي تتنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما حدث في مسلسل "عالم الست وهيبة"، فلا الجهة الرسمية التي منحت ترخيص النص والإنتاج أصدرت بياناً عن اتخاذ إجراء معين ضد العمل، ولا قالت إن العمل مستوفٍ الضوابط وإسكات هذه الأصوات، رافق هذا الالتباس قرار قضائي لصالح كاتب العمل الذي تنازل عنه وتسلم حقوقه بالكامل، فالفوضى تجعل كل شيء ملتبساً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوة القانون
يكمل المنتج علي آل حسين فيوضح أن محاكاة الواقع في أي عمل درامي عراقي تعد من المستحيلات لأسباب عدة أهمها "الاعتبارات الاجتماعية والمورثات ورقابة الأنظمة الشمولية التي تسلطت على مقادير البلد أجهضت كل ما هو إبداعي وخلاق لا يحاكي أفكارها وتوجهاتها".
ففي عام 1955 طالب بعض أعيان العراق بإيقاف فيلم "فتنة وحسن" لأسباب أن العمل ينتقص من مكانة البيئة الريفية وتقاليدها بحسب رأيهم ، إلا أن قوة القانون انتصرت للعمل واستمر عرضه لفترة طويلة إلى أن فقدت نسخته الأصلية أو سرقتها جهة مجهولة.
رسائل أزعجت أصحاب السلطة
ورفض سامر حكمت، مخرج مسلسل "عالم الست وهيبة" بجزئه الثاني، الوسائل التي استخدمت لإيقاف هذا العمل، ومنها استخدام كاتب المسلسل كذريعة، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن وظيفة الدراما الواقعية مثل "مسلسل عالم الست وهيبة" هي بث رسائل ومعالجات توعوية للمجتمع من خلال تسليط الضوء على مشكلات حقيقية موجودة في مجتمعنا وتعالج درامياً.
حكمت يرى أن إيقاف العمل بذريعة غير حقيقية هو نوع من تكميم الأفواه وقمع الحرية كون الفن رسالة سامية، وهذا الإجراء يؤدي إلى خسارة المنتجين والقناة المستفيدة من العمل مما يدفعهم إلى تقليص إنتاج الأعمال الدرامية، وهذا يؤثر في شريحة الفنانين والفنيين العاملين في هذا المجال.
حكمت يرى أن موضوع اسم "مهدي" ليس السبب الحقيقي لإيقاف العمل، فالشخصية بذات الاسم موجودة في الجزء الأول، لكن السبب من جانبه "أن العمل الدرامي فيه رسائل أزعجت أحزاب السلطة وكشفت المستور وحالات الفساد والحشيشة والكرستال والعصابات".
الدراما أسيرة للأحزاب الحاكمة
يرى سامر حكمت أن الأعمال الدرامية العراقية ستكون بعيدة عن التسوق خارج العراق طالما أنها مقيدة أو أسيرة للأحزاب الحاكمة "تكرار سيناريو منع الأعمال يعتبر خرقاً وقمعاً ومصادرة جهد لا يقدر بثمن وأيام من التصوير تجاوزت الـ100 يوم"، ويرى أن تكرار إيقاف المسلسلات يعد سابقة خطرة تؤدي إلى هجرة الفنان والفنيين والمنتجين بعد الخسارة المادية والمعنوية جراء منع عرض العمل، حكمت يستغرب من السرعة التي أصدرت فيها المحكمة الأمر الولائي بإيقاف عرض المسلسل، فالقرارات في المحكمة تأخذ أشهراً عدة للبت في النطق بالحكم، "إننا متفاجئون من قرار المحكمة الذي اتخذ ونفذ خلال يوم واحد"، ويأمل في أن يكون القرار منصفاً من المحكمة بإعادة عرض العمل بعد تقديم ما يثبت تسلم الكاتب صباح عطوان مستحقاته المالية من قبل الشركة المنتجة "نأمل أن يكون الرد سريعاً من المحكمة ونأمل في رفع القرار الولائي لأننا نؤمن بالقانون ونحترمه فالمسلسل ليس مجهوداً لشخص واحد وإنما عمل جماعي اشترك فيه أكثر من 170 فناناً و50 فنياً وتقنياً، فلا يمكن القبول بإيقاف العمل ومن أجل سبب غير مقنع وتضيع كل الجهود".
الحل بوجود لجنة خبراء
يعتبر المخرج والأكاديمي صالح الصحن أن الحل للخروج من أزمات إيقاف الأعمال الدرامية يتمثل في ضرورة وجود لجنة من الخبراء تتولى فحص النص والعمل المنجز، وجود هذا الإجراء سينقذ العمل الدرامي من الاعتراضات والمطالبات بالرفض والإيقاف "تشكيل لجان خبراء مركزية في البلد تخضع لها كل الأعمال الحكومية والشركات الخاصة والفضائيات ولها الصلاحية الرسمية في الموافقة أو الرفض وإبداء الملاحظات والتصحيح، حماية للعمل الفني وعدم تكرار حالات إيقافه".
الدراما العراقية بعيدة عن الطموح
يرى المنتج علي آل حسين أن الدراما العراقية تغيب عنها عناصر الإثارة والشغف، وتعاني الخلل في الإنتاج "لا تجلب الانتباه كما أنها بعيدة جداً عن أبسط مقومات الطموح كما أن البدائية سمة بارزة فيها، فغياب النص وضعف المحتوى الفكري أثر بصورة كبيرة على الأعمال الدرامية"، ويضيف أن الدراما العراقية تعاني أيضاً من فوضى الإنتاج، فالمنتج الذي دخل الوسط الدرامي بماله لا يحاكي متطلبات المحتوى بقدر ما يتفاعل مع متطلبات السوق، الذي هو في الأساس موسمي.
ولا يتفق المخرج والأكاديمي صالح الصحن مع هذا الرأي، ويرى أنه من السابق لأوانه كتابة رأي نقدي عن عمل ما ضمن أعمال الدراما الرمضانية، ولكن بالإمكان تثبيت بعض الانطباعات الإيجابية المتمثلة بحجم الإنتاج واختلاف المواضيع والقصص وظهور كوادر فنية إبداعية متعددة في التمثيل والعمليات الفنية الجمالية. وهناك مؤشرات لوجود وعي إخراجي عال يبشر للانتقال إلى مرحلة عازمة على التسويق والانتشار خارج الحدود، ويرى أن تسويق الأعمال الدرامية له اشتراطاته الفنية المعمول بها عالمياً وإقليمياً هو أن يكون العمل حاملاً للمواصفات المتقدمة في النص وتقنيات الكتابة والإخراج مع حضور لافت للتمثيل ومجمل الرسالة والمضمون الذي يحمله كمادة فنية ثقافية.