ملخص
ارتكب مشايخ النقشبندية والخالدية أعمال عنف ضد الأرمن، وهجروا آلافاً منهم، فيما اعترض عدد من العلماء المسلمين على ما يجري ضد الأرمن.
في الـ24 من أبريل (نيسان) من كل عام يحيي كثيرون ذكرى "نفي المثقفين الأرمن"، أو ما يسمى بـ"الأحد الأحمر"، وهي العبارة المستخدمة للإشارة إلى ترحيل الدولة العثمانية زعماء الجالية الأرمنية من إسطنبول خلال الحرب العالمية الأولى. ففي الـ24 من أبريل 1915، أمر وزير الداخلية في الحكومة العثمانية طلعت باشا بنقل زعماء الجالية الأرمنية إلى مركزين بالقرب من مدينة أنقرة، وفي الـ27 من مايو (أيار) من العام ذاته أقر قانون النفي رسمياً، وخلال عمليات النفي قتل كثيرون من أصل 2234 أرمنياً رحلوا.
اليوم يعترف العالم الغربي وبعض الدول العربية بما يسمى "الإبادة الجماعية للأرمن"، وهو ما ترفضه تركيا وعديد من الدول الصديقة لها، وفي هذا التحقيق سنسلط الضوء على جانب غير مشهور في قضية الأرمن، وهو الموقف العدائي لشيوخ وقبائل الطائفة النقشبندية في مدن "بيتليس وفان وموش وبنغول وسيرت"، تجاه الشعب الأرمني الذي كان يعيش في تلك المناطق.
يقول مؤلف كتاب "سيدات أولوغانا"، إن السلطة العثمانية "منحت أولوية لتحديث نظام الدولة، الذي اختلف بعد سياسة التغريب التي بدأها السلطان سليم الثاني، قبل أن تعود مجدداً لتصل إلى فكرة أن المركزية حل لا غنى عنه، واتخذت خطوات حاسمة لتحقيق هذا الهدف، وقبل ذلك كانت هناك ديون متراكمة على الدولة العثمانية، فأرادت الإدارة في إسطنبول فرض سلطتها المركزية على جميع المناطق، وكانت المناطق الكردية هي البداية، إذ كانت المناطق الكردية تتمتع ببنية أكثر استقلالية وحرية مقارنة بأجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية. وبعد البدء باتخاذ خطوات السلطة المركزية، كانت المناطق العثمانية من أول الأهداف، وذلك من خلال الاستيلاء على أصول الإمارات الكردية، وممارسة انتهاكات في حق الأكراد، وبالفعل تم توزيع رأس المال الكردي الذي تم الاستيلاء عليه في الغالب على موظفي الخدمة المدنية والجنود العثمانيين المحليين، وهذا ما يدعم خزانة الدولة"، فكانت هذه إحدى خطط الحكومة العثمانية لتغيير "الهندسة الاجتماعية التقليدية"، وتحويلها إلى "هندسة اجتماعية حديثة". ويضيف مؤلف "سيدات أولوغانا" أن "السلطان العثماني محمود الثاني، عين حاكم ولاية سيواس رشيد باشا، حاكماً لكل كردستان، وزوده بسلطات واسعة مهدت الطريق للعنف غير المحدود الذي مارسه العثمانيون على المناطق القبلية اليزيدية والسنية في كردستان، وخصوصاً في جارزان، المناطق النائية في مدينة بدليس. ذبح آلاف من الناس بأساليب مروعة، وصودرت ثروتهم وممتلكاتهم".
وفي الفترة التي أعقبت القضاء على الإمارات الكردية والاستيلاء على أراضيها، تم سد الفجوة الاجتماعية والسياسية في المنطقة من أمراء أكراد محليين وشيوخ الطوائف، وخصوصاً شيوخ الطائفة النقشبندية. وبهدف تعزيز سلطته المركزية، أنشأ السلطان عبدالحميد الثاني مقاطعة "بدليس"، وجعلها قلب كردستان".
المجاعة والتمرد والتقارير التبشيرية بعد الحرب الروسية - التركية
خلال الحرب الروسية - العثمانية (1877-1878) عانى الأرمن والأكراد أكثر من غيرهم، ونتيجة للجوع في مدن فان وأرضروم وديار بكر، اندلعت تمردات محلية، وأدى الانطباع المتشائم بأن الإمبراطورية العثمانية كانت على وشك التفكك إلى انتشار جنون التسلح على نطاق واسع في كردستان، وتكرر العنف القبلي بدرجة مفرطة حول مقاطعة بدليس. وتماشياً مع التقارير والشكاوى والنصائح المقدمة من المبشرين المسيحيين، الأميركيين والأوروبيين في إسطنبول وكردستان، أدخل ممثلو الدول الأوروبية مسألة إصلاح أوضاع المسيحيين إلى الأجندة العثمانية.
وتسبب سن وتنفيذ هذه الإصلاحات العثمانية (مثل مرسوم التنظيمات) بتطورين خطرين، الأول هو أن المطالب الإصلاحية أدت إلى شعور بالقلق والخوف والتصور بأن الدولة العثمانية ستتفكك وستعطى منطقة كردستان للأرمن، والثاني هو أن شيوخ الطائفة النقشبندية والعشائر الكردية، الذين خرجوا إلى الساحة في ظل غياب السلطة، استهدفوا الأرمن والإيزيديين في المنطقة على أسس عرقية ودينية، وهو ما كان أحد أهداف سياسة السلطان عبدالحميد "الإسلامية".
صراع بين شيوخ النقشبندية والمبشرين
عندما عجزت السلطة المركزية عن القضاء على الموضوع القبلي الذي برز بقوة في المناطق الكردية والأرمنية، التقت جغرافية كردستان بثلاثة فاعلين جدد، وهم: "شيوخ الخالدي" المعممين، و"المبشرين الغربيين" بالقبعات، و"المسؤولين العثمانيين" بالطرابيش الحمراء.
في مقاطعة بدليس، كان الشيخ يتصرف على مستوى أكثر فائدة من منافسيه الآخرين (المبشرين الأوروبيين وحكام المقاطعات العثمانيين)، لأن ذلك الوالي أو الإداري العثماني يرسل إلى جغرافيا لا يعرفها في مقابل أجر معين (راتب)، بينما الشيخ، الذي ادعى أنه من "السادات" (رجال دين يعود نسبهم لنبي الإسلام)، وأطلق على نفسه اسم "السيد"، شخصية "مقدسة" أصبحت أقوى في الميدان بما يتناسب بشكل مباشر مع ضعف الوالي، إذ استقر حول "بدليس" الشيوخ المشهورون والأقوياء، الذين أسسوا شبكة من المريدين ووفروا الدخل الاقتصادي إلى أقصى أركان كردستان في تلك الفترة من خلال الجمعيات والمدارس، ومن أشهر هؤلاء المشايخ هو "مولانا خالد" الذي ينتسب إلى مشايخ النقشبندية.
الشيخ "مولانا خالد البغدادي"، هو أحد أفراد قبيلة الكاف الكبرى التي تعيش في إقليم كردستان بين العراق وإيران، (ولد في السليمانية عام 1779، وتوفي في دمشق عام 1827)، ويعرف بين أعضاء الطريقة النقشبندية بلقب "مولانا".
اسمه الكامل أبو البهاء ضياء الدين خالد بن أحمد بن حسين الشهرزوري الكردي، تتلمذ على يد أساتذة وعلماء مشهورين في ذلك الوقت، ذهب إلى المدينة المنورة عام 1804 وإلى الشيخ عبد الله دهلوي في جيهان آباد بالهند عام 1809 وتلقى تدريباً على الطائفة النقشبندية، وحصل على "إذن الإرشاد" وأصبح خليفة لخمس طوائف مختلفة وهي: النقشبندية، والقادرية، والسهروردية، والكوبريوية، والجشتية.
وأدى بدء خالد بنشر المذهب النقشبندي إلى إزعاج مشايخ القادريين في السليمانية، ثم ذهب إلى بغداد مرة أخرى في عام 1813، وبدأ أنشطته الإرشادية بتحويل المدرسة التي اشتراها هناك إلى نزل نقشبندي، إذ ألقى فيها دروساً مختلفة لطلابه مثل التفسير والحديث والتصوف والفقه، وبعد 10 سنوات استقر في دمشق مع تلاميذه ومريديه.
تعرف الطريقة النقشبندية الخالدية، التي تنسب إلى "مولانا خالد"، بإيلاء أهمية خاصة للالتزام بالشريعة وتجنب الذكر الصريح، إضافة إلى المعتقدات والممارسات التقليدية للطائفة. وجمعت "الخالدية" بين السنية والديناميكية الاجتماعية والسياسية للقبائل. وكانت تبني "كردية جديدة"، إذ كان جميع خلفاء "مولانا خالد" المنتخبين والبالغ عددهم 26 فرداً من الأكراد، لذلك كان الفرع الخالدي من الطائفة النقشبندية، الذي أسسه "مولانا خالد"، منسجماً بقوة مع الهوية الكردية التي تحولت تدريجاً إلى توليفة كردية إسلامية سنية.
وكانت محافل الخالدي في بدليس (غيداء، نورشين، الكفرة، ملكان) مراكز قيادة تسيطر على منطقة كردستان في القرن الـ19. لقد بنت الخالدية - المنظمة بشكل كبير في كردستان - أسسها على معاداة الشيعة والمسيحية، ومع مرور الوقت انعكست معاداة المسيحية من الناحية النظرية أيضاً على أرض الواقع، إذ كانت مؤسسات البروتستانت الأميركيين والكاثوليك الفرنسيين الذين توافدوا على بدليس في خطر. كما حاول زعماء القبائل بقيادة شيوخ الخالدي مراراً وتكراراً قتل المبشرين البروتستانت الأميركيين، خصوصاً حول مدينة بدليس، ثم اتخذ الصراع بين الخالديين والمبشرين البروتستانت مساراً عنيفاً لأكثر من نصف قرن، وانتهى عام 1915 بإبادة المسيحيين في هذه المنطقة.
إن التأثيرات التعليمية للبعثات البروتستانتية والكاثوليكية، والنشاط السياسي لروسيا ودول أوروبا الغربية، أسهمت في تشكيل "حركة الخالدية"، التي تأسست في البداية من الفلاحين الريفيين ونخب الأراضي القبلية والغنية، ثم تحولت إلى قالب ديني.
تعرض كبير المبشرين جورج كناب، الذي ذهب في رحلة إلى بدليس، التي كانت محاطة بالخالدية، لهجوم من رجال "موسى بك"، الذي أصبح موضع اهتمام دولي بسبب العنف الذي مارسه على الأرمن. وكان والد موسى بك، ميرزا بك، من تلاميذ الشيخ عبدالرحمن الطاهي، وكان من الواضح أن الهجوم لم يحدث من دون إرادة الطاهي.
في الوقت ذاته كان العنف ضد الكلدان والآشوريين حول مناطق سيرت وجرزان، والنساطرة في بوتان بالجرعة نفسها التي انطبقت على الأرمن، ويرى والي سيرت، سعيد بك أن شكاوى الأرمن من الأكراد كانت سبب استفزازات شيوخ الخالدي الذين كانوا مؤثرين في القبائل.
الأنشطة التبشيرية في منطقة بدليس
في أوائل ثمانينيات القرن الـ19، انتشر المبشرون الذين ذهبوا إلى الأناضول من ميناء إزمير في منطقة كردستان الجبلية شديدة الانحدار، كوان أول من أنشأ قاعدة للتبشير هم الكاثوليك في منطقة بوتان الجبلية، تبعتهم بعد ذلك البعثات البروتستانتية الأميركية، أما ما يسمى "مجلس المفوضين الأميركي للبعثات الأجنبية"، فتأسس في بوسطن عام 1810، وافتتح أول فرع له في إسطنبول عام 1832، وفي عام 1839، دخل إلى كردستان بافتتاح فرع في مدينة أرضروم.
وعلى رغم حملات العرقلة والتشهير التي قامت بها البعثة اليسوعية الكاثوليكية المنافسة، تمكن "مجلس المفوضين" من الوصول إلى مقاطعة نائية مثل "بدليس"، وفي عام 1857 أرسلت المؤسسة التبشيرية البروتستانتية الأميركية الزوجين جورج سي وآلزين كناب إلى منطقة بيتليس كمبشرين في إطار برنامج "مهمة تركيا الشرقية"، وكما توقع مركز الإرسالية في أميركا، بذل هذان الزوجان جهوداً مكثفة للوصول إلى الأرمن حول مدينة بدليس، وكان الواجب الديني الرئيس لهؤلاء المبشرين الرواد، الذين أنشأوا المدارس والمستشفيات في بدليس والمستوطنات الأرمنية المحيطة بها، هو نشر البروتستانتية بين أهالي المنطقة، وتم تنظيم "الاتحاد الثوري الأرمني" الذي اتخذ من ولاية "فان" مقراً له، قبل أن يفتتح مراكز أخرى في كل من منطقتي بيتليس وموش.
استقر المبشران البروتستانتيان الأميركيان شارلوت وماري في هذه المدرسة الواقعة على جبل سينديان بالقرب من بيتليس، وعلى رغم أن ذلك تزامن مع السنوات التي كان فيها الشيخ الخالدي نشطاً حول بدليس، إلا أن "الأخوة إيلي" التبشيريين أسسوا مدرسة داخلية للفتيات الأرمن في عام 1873، ومع مرور الوقت تحولت هذه المدرسة إلى نوع من هيئة التدريس إذ جرى تدريب عديد من المعلمين، وأسس هؤلاء المعلمون عديداً من الجمعيات والمؤسسات التعليمية أطلق عليها اسم "قطرات الرحمة" أو "نحل كردستان المجتهد" أو "جمعية دوركاس".
قامت المؤسسات المذكورة، من خلال استنساخ طريقة مشايخ الخالدي في تدريب الخلفاء وإرسالهم بين القبائل، بإرسال المعلمين المرشحين الذين دربتهم إلى القرى الأرمنية النائية حول بيتليس، بهدف تثقيف السكان الأرمن وتعريفهم بالبروتستانتية. وكما أرادت قوات "الدفاع الديمقراطية"، التي يطلق عليها اسم "الثوار الأرمن"، أرسل هؤلاء المعلمين المرشحين إلى القرى الجبلية النائية لنشر الأفكار الحديثة بين المجتمع الأرمني، وأسهم عمل البعثة في هذا الاتجاه في عملية بناء الهوية والقومية الأرمنية الجماعية. وفي هذا السياق، ظهرت النزعة القومية الأرمنية، وهكذا أصبحت سبباً ونتيجة للعنف الذي تعرض له المجتمع الأرمني لاحقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحركات مشايخ النقشبندية ضد المبشرين والأرمن
لاحقاً تحول خطاب "مشايخ النقشبندية"، الذين أججوا العداء ضد أنشطة المبشرين في المنطقة، إلى معاداة الأرمن على أساس ديني، مما أدى إلى ظهور الأكراد على الساحة كعناصر عنيفة، وخلال الفترة ما بين عامي 1872 و1867 تم توثيق 320 حادثة عنف. ولم يكن زعماء القبائل هم الجناة الوحيدين في هذه الحالات، بل أيضاً كان لشيوخ الخالدي دور مهم في توسيع دوامة العنف.
وبعد أن استولى "الشيخ جلال الدين جيده" على المحفل الأرمني المحيط بمنطقة هيزان، شرع في تدمير الوجود المادي والروحي للأرمن منذ سبعينيات القرن الـ19 فصاعداً، لدرجة أنه أجبر المدعو بيتم مراد (أحد أثرياء أرمن المنطقة)، على العمل فلاحاً لدى عارف بك (أحد أصحاب الأراضي في المنطقة)، وعلاوة على ذلك بعد إضافة ثروة مراد إلى ثروته، صادر جميع الأراضي الزراعية الخصبة والماشية والأموال المملوكة للأرمن في المنطقة، ولم يكن يقوم بهذا النهب والسلب بدافع السرقة، إنما كانت تصرفاته مبنية على معاداته للمسيحية. كما استخدم "الشيخ جلال الدين"، الذي نهب ودمر عشرات الكنائس والأديرة، النقوش والحجارة التي يعود تاريخها لقرون في بناء منزله الخاص، وتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها للتراث الثقافي الأرمني من خلال تدمير المخطوطات في الكنائس، بل وكان الشيخ جلال الدين يملي حرفياً العنف كشرط من شروط الإسلام، ووصل الأمر إلى منع دفن الأرمن بالقرب من مقابر المسلمين.
وكان معظم مرتكبي حوادث العنف ضد الأرمن في بدليس وضواحيها بين عامي 1880 و1885، من دوائر المحافل والمدارس وزعماء القبائل المرتبطة بها، وفي بعض الأحيان كان القرويون العاديون وطبقة النبلاء الحضرية متورطون أيضاً في أعمال العنف، على سبيل المثال، في مذبحة بيتليس عام 1895، أطلق ضباط إنفاذ القانون النار على الأرمن مع السكان المسلمين، وبحسب التقارير الرسمية، فقد 139 أرمنياً و30 مسلماً حياتهم في هذه الحادثة الذي اعتبر "تمرداً"، وانتشرت هذه الأحداث، التي بدأت في وسط مدينة بدليس في الـ13 من أكتوبر (تشرين الأول) 1895، على شكل موجات إلى المقاطعات والمناطق المحيطة، وفي مدينة سيرت وحدها قتل 70 أرمنياً.
ولم يكن الوضع يختلف كثيراً في مناطق هيزان وسيرفان وموش وكالب وجينتش، وفي وقت لاحق عندما تدخلت "أفواج الحميدية"، أصبح نهب النساء وسلبهن واختطافهن أمراً شائعاً، واعتنق مئات الأرمن الدين الإسلامي، خصوصاً في سيرت وبيتليس، ودخلوا في خدمة المشايخ و"الملالي".
أسلمة الإيزيديين والقزلباش والأرمن
الصراعات التي وقعت نتيجة لهجمات الأكراد السنة بتشجيع من كل من الحكومة المركزية والشيوخ خلال فترة التنظيمات تذكر في الذاكرة المحلية باسم "حرب الشيوخ والشياطين"، وأظهرت السلطات المركزية والمحلية ممارستين في سياسة الأسلمة تجاه الإيزيديين، الأولى "حية تفهمية" تنص على النصيحة، والثانية "حزب الإصلاحية" الذي يتجه إلى العنف في الحالات التي لا تنجح فيها النصيحة.
في محافظة بدليس، نفذت سياسة التحول (الاتجاه إلى الدين الصحيح، أي الإسلام)، تجاه الإيزيديين المتمركزين في منطقة رضوان، وفي عهد السلطان عبدالحميد أوكلت مهمة التحول هذه إلى مشايخ مدرسة نورشين، كما سيطر الخالدي على عشرات القرى الكردية في مثلث شيرفان – ساسون – شرناق، وفي هذه الأثناء، عندما تحول الإيزيديون في قرية بطران إلى الإسلام بالكامل، بذلت الدولة جهوداً كبيرة لخدمتهم، وإضافة إلى بناء مسجد ومدرسة في كل قرية، أمر عبدالحميد بمنح كل من أسلم بعض المال والملابس، أما نتيجة أعمال العنف فأسفرت عن هجرة آلاف الإيزيديين نحو حدود روسيا القيصرية.
في التعداد السكاني الذي أجري في سبتمبر (أيلول) 1908، تم تحديد عدد السكان الإيزيديين في المنطقة بـ21 ألفاً و295 نسمة، في نظر الدولة كان الإيزيديون في محافظة بدليس "أناساً ضالين" وكان من الضروري بالنسبة لهم أن يصبحوا مسلمين في أسرع وقت ممكن، وفي هذه الأثناء، وخلافاً للاعتقاد الشائع، لم يتمكن أكراد كيزلباش (قبائل هورميك ولولان) في منطقة فارتو من إقامة علاقات جيدة مع الأرمن، ففي شتاء عام 1916 قتل أمراء كيزيلباش الأكراد على يد الحراس الأرمن انتقاماً.
كان كل من عبدالحميد وحركة "تركيا الفتاة" (الاتحاد والترقي) يحاولان الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية، التي كانت قائمة على المذهب السني، على قيد الحياة، من خلال سياسة التحول (الأسلمة)، وكانت مقاطعة بدليس بمثابة كنز (أو مختبر) بالنسبة إليهم في إطار هذه السياسة، إذ كانت الجماهير غير السنية فيها غير منظمة، ومن ناحية أخرى، كان الفرع الخالدي من الطريقة النقشبندية هو الأكثر تنظيماً في هذه المحافظة من منطقة كردستان، ولهذا السبب كانت مقاطعة بدليس هي المكان الذي حدث فيه معظم التحولات في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، لدرجة أن بعض القرى الأرمنية في جينتش وهيزان وموش اعتنقت الإسلام بشكل جماعي، وعلى رغم الادعاء بأن التحول، أي الأسلمة كان "طوعياً"، إلا أنه في هذه المرحلة كان هناك تشجيع واضح من الدولة.
في غياب الدعم المباشر من الدولة، برز ممثلان مهمان في حالات تحول النساء الأيزيديات والمسيحيات (معظمهن من الأرمن) إلى الإسلام، هما أمراء القبائل وشيوخ الخالدي، فكان أفراد القبيلة يأخذون النساء الأيزيديات والمسيحيات الذين اختطفوهن إلى الشيوخ ويحولوهن إلى الإسلام.
من جانب آخر يجب أن نوضح أن الادعاء القائل إن جميع مشايخ النقشبندية وأفواج الحميدية شاركوا أو وافقوا على مذبحة الأرمن المذكورة أعلاه، هو غير صحيح، كان عديد من المشايخ المسلمين في الدولة العثمانية ضد ما يجري، وكانوا يعترضون على هذا العنف، حتى أن الشيخ سعيد النورسي وصف ما يجري ضد الأرمن والجماعات المسيحية بأنه غير إسلامي وغير إنساني، وورد في مذكرات حسن هيشيار والمصادر الأرمنية أن الشيخ سعيد النورسي أنقذ 1500 أرمني كانوا على وشك أن يقتلوا في منطقة هيزان وسلمهم إلى الروس، كما أن الشيخ النقشبندي ملا سليم في بتليس، والشيخ عبدالسلام والشيخ أحمد بارزاني في كردستان العراق، كانوا يتمتعون بعلاقات جيدة مع الأرمن.
ملاحظة: الآراء الواردة في هذه المقالة تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".