Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشح المائي يهدد الأمن القومي التونسي

محللون يرون أن الدولة تواجه معضلتي توفير مياه الشرب والكهرباء للمواطنين

عدم التشاور حول خريطة المياه مع الأجوار عمق الإجهاد المائي (أ ف ب)

 

ملخص

مسؤولية تونس في انبعاثات الغازات الدفيئة تساوي 0.0008 لكنها تعاني تأثيراته في غذائها وتجارتها

تواجه تونس انعكاسات الاحتباس الحراري في مستويات متقدمة، بل أضحت تعاني النتائج المباشرة من ارتفاع مستوى سطح البحر إلى الجفاف، إذ تعد من أكثر البلدان عرضة للإجهاد المائي في الوقت الحالي، وهو ما أعاق تطور الإنتاج الزراعي قبل أن يتحول الأمر إلى تهديد مباشر للأمن الغذائي.

ومع استمرار الجفاف زادت المخاوف مع تراجع إنتاج الحبوب وأعلاف الماشية، إذ سجلت تونس العام الماضي أدنى مستوياتها التاريخية في إنتاج الحبوب بانخفاض بلغت نسبته 60 في المئة بإنتاج 2.7 مليون قنطار (القنطار يعادل 149 كيلوغراماً).

إلى ذلك، يزداد الوضع خطورة بسبب استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، بعد أن رفعت أسعار الحبوب، مما أكد انعدام الأمن الغذائي.

في غضون ذلك، دق المتخصصون ناقوس الخطر حول التداعيات السلبية الجانبية المتعلقة بالشح المائي سواء ارتفاع مستويات التضخم أو تراجع الدعم، وكذلك تأثر الموازنة العامة للدولة مع نقص الموارد.

وأرجع المتخصصون تلك التداعيات إلى عوامل عدة، منها عوامل مناخية إضافة إلى التهديدات الجيوسياسية الخطرة.

 شح المياه في تونس زاد مع تغير المناخ، إذ لا تزيد نسبة امتلاء السدود التونسية على 35.6 في المئة حتى شهر مارس (آذار) الماضي وهم ما يعادل 828 مليون متر مكعب، وارتفعت أسعار الطاقة اللازمة لإنتاج المياه من محطات التحلية، وبلغت كلفة العجز الطاقي 7.6 مليار دينار في 2023 (2.4 مليار دولار) وتمثل نحو 54 في المئة من العجز التجاري الإجمال لتونس.

وطال انتظار انطلاق مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، التي لا تزيد حالياً على أربعة في المئة من مجموع الاستهلاك.

تراجع المخزون

من جهته قال الاقتصادي الهادي المشري في تحليله إلى "اندبندنت عربية" إن "التحول البيئي والطاقي يقعان في قلب مشكلة السيادة الغذائية والأمن القومي لتونس"، مضيفاً أن "التونسيين يتذكرون الوضعية الصعبة التي مروا بها مع اندلاع الحرب الأوكرانية مع تراجع كميات المواد الأساسية في البلاد والمشاهد الموجعة لطوابير التونسيين وهم ينتظرون التزود بالخبز والزيت والدقيق"، موضحاً أن "الأزمة تتمثل في عدم إيجاد حلول مستدامة من قبل الدولة كما يبدو واضحاً إمكاناتها المالية المحدودة".

وأشار المشري إلى أن التحديين الكبيرين اللذين يواجهان البلاد هما توفير الماء والكهرباء للمواطنين في مرحلة أولى وللقطاعات الاقتصادية في مرحلة ثانية.

ويتجاوز مستوى خطورة الشح المائي في تونس نظيريه بالجزائر والمغرب وفق تقدير المشري، لافتاً إلى أن "التقصير حصل على مستوى سوء التقديرات للأخطار وعدم اتخاذ السياسات اللازمة لتفادي تعمق الشح ووصوله إلى المستويات الحالية وكذلك في نطاق تعثر التعاون الثنائي بين بلدان الجوار".

ولفت إلى أن التعاون لم يتجاوز مجرد التشاور مع هذه البلدان حول خريطة المياه وأفضل دليل عدد السدود الجزائرية الجديدة المشيدة قرب الحدود التونسية والمؤثرة بالسلب في تدفق المياه نحو تونس، مما أسفر عن تراجع كبير في تدفق المياه المتجهة إلى تونس وهي مياه مشتركة ومن ثم نقص في المخزون التونسي في العقد الأخير، بينما تحتم القوانين المنظمة للاستغلال المشترك للمياه التنسيق والتشاور المسبقين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال المشري "لم تسجل مشاورات في هذا الصدد وكشفت الأمور عن معضلة أخرى مع تأكد تراجع المخزون المائي".

وتسعى تونس إلى معالجة الإجهاد المائي بشتى الوسائل منها تعبئة مزيد منه، من خلال إدارة أكثر صرامة إذ تستنزف الفلاحة (الزراعة) 80 في المئة من الموارد المائية، بينما تكمن الحلول في حوكمة الاستهلاك بإدخال تقنيات جديدة في الري تعمل على اقتصاد 20 في المئة من استهلاك القطاع الزراعي، علماً أن هذه النسبة تساوي حاجات ماء الشرب والصناعة والسياحة مجتمعة.

ويعد الأمن المائي قوام الأمن الغذائي في وضع ما باستثناء البلدان التي لديها إمكانات مالية تمكنها من استيراد حاجاتها الغذائية، أما في حال السعي إلى تحقيق السيادة الغذائية وجب وضع سياسة عامة للقطاعات المنتجة بحسب ما قال المتخصص الاقتصادي.

وأضاف المشري أن "تطوير الصناعة والسياحة يظل رهن تحقيق السيادة الغذائية بحكم أهمية الحاجات الغذائية، وعلى هذا الأساس لا مفر من توفير 50 في المئة من حاجات الحبوب بالنظر إلى عدم ارتباط وظيفة الفلاحة بالصبغة الاقتصادية على أساس توفيرها 12 في المئة من الإنتاج القومي الخام في تونس، بل هي تتجاوز ذلك لتصبح مكوناً أساساً للسلم الاجتماعي، وعاملاً مهماً في تخطيط مساحات الأراضي، إذ تضمن المساحات الزراعية الحدودية المأهولة بكل بلدان العالم أمن حدودها وسط تدفق المهاجرين غير الشرعيين هرباً من مخلفات التغيرات المناخية".

وتابع أنه "من جهة أخرى تسببت التحولات المناخية في ارتفاع أسعار الغذاء ومستويات مرتفعة من التضخم في تونس"، موضحاً أن "تونس في حاجة إلى إعادة النظر في منوالها وتطويره للتمكن من توفير الغذاء في ظل تغييرات جذرية يشهدها المجتمع التونسي الذي انتقل من مجتمع زراعي إلى مجتمع حضري بحكم أن 60 في المئة من التونسيين يعيشون بالمدن".

البحث العلمي قوام الإنقاذ

إلى ذلك تواجه جميع البلدان بمستويات مختلفة إشكالات جديدة في ما يخص السيادة الغذائية والوضع الغذائي وفق المتخصص في الشأن الاقتصادي الحبيب كراولي، الذي اعتبر أن السيادة الغذائية تتجاوز الأمن الغذائي لأن مفهومها يؤدي إلى ضرورة تحقيق الاستقلالية. لذا وجب على البلدان الساعية إلى تحقيق السيادة إيجاد الآليات لصياغة سياسة غذائية مستقلة بتمكين كل المتداخلين وكل الأطراف المشاركة داخل البلاد من الآليات وهي البرامج التكوينية لصياغة استراتيجية مناسبة ثم وضع الإمكانات المادية لتمويل هذه السياسة.

ويرى كراولي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن البحث العلمي هو قوام الاستراتيجية الزراعية، إذ لم تعد الفلاحة مبنية على آليات تقليدية، بل أقحم فيها كل ما هو ابتكار وتكنولوجيا تمكن من مضاعفة مردود الزراعات، ولا تغيب التصورات الصديقة للبيئة عن الزراعة العصرية علاوة على الجانب الاجتماعي والاستدامة.

ويعجز عدد من البلدان على تنفيذ هذا التحديث من دون مساندة الشركاء، وفي هذا الإطار حري بالشريك الأول لتونس وهو الاتحاد الأوروبي التدخل للنظر في كل هذه الضغوط وتمويل البحث العلمي، مضيفاً أن "تونس تتحمل تداعيات وضعية ليس لها فيها مسؤولية بحكم أن مسؤوليتها في انبعاثات الغازات الدفيئة تساوي 0.0008، ثم أصبحت مؤسساتها الناجحة والأكثر ديناميكية المصدرة في مواجهة إجراءات البصمة الكربونية ولن تستطيع الدخول إلى السوق الأوروبية من دون الخضوع للنسب المحددة، مما سيؤثر في تنافسية السلع".

 مشيراً إلى أن تونس كانت سباقة في سياسة تعبئة المياه منذ فجر الاستقلال بفضل سياسة تشييد السدود وتحقيق 80 في المئة من تعبئة المياه المعتمدة في الفلاحة ومياه الشرب، بينما حالياً لا تزيد على 35 في المئة، وهي مطالبة بمواصلة السياسة الطلائعية مع التكنولوجيا الحالية بدعمها والتركيز على نقاط القوة وهي الصناعات الغذائية الزراعية كذلك الفلاحة البيولوجية.

أما عن المستلزمات الملحة لتحقيق تطوير هذا القطاع فطالب كراولي بدعم الموارد البشرية، إذ هم أصحاب الأفكار والمؤسسات الناشئة بواسطة الإمكانات المادية والأمان وفتح المجال للاتصال المباشر بمؤسسات البحث العلمي وتقنيات التسويق في الخارج، بينما لا توفر تونس التمويلات والمساندة اللازمة لهؤلاء في الوقت الراهن، عكس منافسيها، في حين أن الدولة هي الداعم الأول للبحث العلمي والابتكار لدى الاقتصادات الواعدة وهي القاطرة التي تسبق القطاع الخاص ثم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مراحل متقدمة.