ملخص
تشكل كلفة السكن مكوناً مهماً في مؤشرات التضخم ومع استمرار الإيجارات المرتفعة يظل معدل التضخم صامداً
يشير تحليل صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن استمرار معدلات التضخم لن يثني "الاحتياط الفيدرالي" عن خطط بدء خفض أسعار الفائدة هذا العام، علاوة على أن أحد أهم الأسباب التي تجعله لا يبدأ في خفض أسعار الفائدة هو أن تقديراته لسوق العقار الأميركية لم تتحقق، مما يبقي على معدلات التضخم أعلى من المستوى الذي يستهدفه البنك.
لا يزال البنك المركزي الأميركي يتوقع أن تبدأ سوق العقار في التراجع بما يخفض معدل التضخم الأساس ليقترب من المستهدف عند اثنين في المئة، على رغم أن هذا التوقع بهدوء غليان سوق العقار يعود لأكثر من عام الآن. وبحسب بعض المحللين والاقتصاديين ربما يتأخر التراجع في السوق العقارية، مما يعني أن البنك المركزي لن يستطيع البدء في التيسير النقدي لفترة، أما سبب التأخر فهو أن آليات سوق العقار والسكن تغيرت بالصورة التي جعلت التقديرات السابقة محل شك حالياً.
وتلعب كلفة السكن دوراً مهماً جداً في ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الأخيرة نتيجة زيادة كلفتها ونصيب السكن من مكونات مؤشرات التضخم بصورة عامة.
كلفة السكن
تمثل كلفة السكن نحو ثلث مؤشر أسعار المستهلكين، المقياس العام للتضخم، وسدس مؤشر استهلاك الأسر وهو مقياس معدل التضخم المفضل لدى "الاحتياط الفيدرالي" بخاصة أنه يستبعد أسعار الغذاء والطاقة شديدة التقلبات، علاوة على أن كلفة السكن بصورة عامة يمكن توقعها بحسب نماذج التقديرات.
لا تستخدم أسعار البيوت في نماذج التوقعات لكلفة السكن، لأن شراء البيت يمكن أن يعد استثماراً كذلك، لكن تستخدم الإيجارات الشهرية للمساكن لقياس التضخم في كلفة السكن، من ثم معدل التضخم، وحتى بالنسبة إلى من يملك العقار الذي يعيش فيه، تحسب كلفة السكن على أساس ما يمكن أن يدفعه لو كان مستأجراً له.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وارتفعت إيجارات المساكن بشدة قبل ثلاث سنوات، مع زيادة الطلب على مساحات السكن نتيجة وباء كورونا وارتفاع الدخول بصورة عامة، والانخفاض التاريخي في المعروض من المساكن للإيجار أو حتى الشراء. وبحسب أرقام شركة "كور لوجيك" ارتفعت قيمة الإيجارات للمسكن بنسبة 14 في المئة عام 2022، وتراجع معدل الارتفاع بصورة سنوية في فبراير (شباط) الماضي إلى نسبة 3.4 في المئة، وأرجع المحللون في السوق العقارية ذلك إلى زيادة المعروض من المساكن المبنية حديثاً، إضافة إلى توقف الارتفاع في قيمة الدخول الحقيقية مع الأخذ في الاعتبار معدلات التضخم. وبحسب أرقام شركة "زيلو" للسمسرة العقارية تراجعت إيجارات الشقق كذلك بصورة بسيطة، إلا أن التغير في قيمة الإيجارات السوقية يحسب على أساس عقود الإيجار الحديثة، وبما أن عقود الإيجار لا تتجدد بسرعة فإن أي تغير في الإيجارات يتأخر لأشهر وربما أكثر من عام، وذلك ما جعل المسؤولين في "الاحتياط الفيدرالي" والمستثمرين في السوق والاقتصاديين من القطاع الخاص يتوقعون قبل عام ونصف العام أن يبدأ التضخم في التراجع استناداً إلى حركة كلفة السكن منذ نهاية عام 2022.
صمود التضخم
لم تتحرك الأمور بحسب التقديرات والتوقعات، ومما يفسر صمود معدلات التضخم مرتفعة في الأشهر الأخيرة أن السوق العقارية لم تشهد التراجع الذي قدرته حسابات نماذج التوقعات، ووصل مؤشر إنفاق الأسر المستهلكة في مارس (آذار) الماضي إلى نسبة 2.8 في المئة، ومع أنه تراجع عن معدله القوي عند نسبة 5.6 في عام 2022 إلا أنه لم يكن بالانخفاض الواضح عما كان عليه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
في مقابلة صحافية الشهر الماضي، قال رئيس "الاحتياط الفيدرالي" لشيكاغو أوستان غولزبي إن "سوق السكن لم تتحرك بالطريقة التي اعتقدنا أنها ستتحرك بها"، أي إنها لم تهدأ ولم تنخفض الإيجارات بالقدر المتوقع، لكنه أضاف "ما زلت أعتقد أنها ستفعل. لكن إذا لم يحدث ذلك فستكون أمامنا أوقات صعبة جداً".
في محاولة لفهم تأثير كلفة السكن في مستوى التضخم، يمكن تقسيم معدل التضخم الأساس - أي من دون أسعار الغذاء والطاقة - إلى ثلاث مجموعات: السلع الأساس، والسكن، والخدمات، وحين يحسب "الاحتياط الفيدرالي" تقديراته للتضخم لا ينتظر وصول المجموعات الثلاث إلى نسبة اثنين في المئة التي يستهدفها.
على سبيل المثال، كان مؤشر التضخم الأساس في الـ10 سنوات السابقة على وباء كورونا أقل من نسبة اثنين في المئة، وذلك لأن تضخم أسعار السلع كان بالسالب، أي إنها تنخفض ولا ترتفع بنسبة تصل إلى 1- في المئة، بينما كانت كلفة السكن ترتفع بنسبة تراوح ما بين 2.5 و3.5 في المئة، وكان الارتفاع في أسعار الخدمات غير السكن عند نسبة اثنين في المئة تقريباً.
يفسر ذلك أهمية كلفة السكن ضمن مؤشر التضخم الذي يعتمده "الاحتياط الفيدرالي" حين يضع السياسة النقدية ويقرر رفع أو خفض سعر الفائدة، ومع أن هناك تراجعاً حالياً في الطلب على السكن عما كان عليه الوضع في فترة وباء كورونا، إلا أن الإيجارات تظل مرتفعة ولا تشهد الانخفاض الذي كان متوقعاً من قبل، فما زالت غالب الأسر تلجأ للإيجار لفترات أطول نتيجة عدم قدرتها على الشراء في ظل ارتفاع أسعار العقارات، والأهم الزيادة في كلفة القروض العقارية بسبب أسعار الفائدة المرتفعة.