ملخص
اندلعت أعمال الشغب بسبب مشروع قانون جديد تبناه المشرعون في باريس سيسمح للمواطنين الفرنسيين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة 10 سنوات بالتصويت في الانتخابات المحلية، ويخشى بعض القادة المحليين من أن هذه الخطوة ستقوض القدرة التصويتية للسكان الأصليين من "الكاناك".
حذر ممثل الدولة الفرنسية في كاليدونيا الجديدة لوي لو فران، اليوم الجمعة، من أن مناطق في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ أصبحت خارجة عن السيطرة، على رغم تأكيده أن الوضع بات أكثر هدوءاً بعد أربع ليال من أعمال شغب قضى خلالها خمسة أشخاص.
وقال لو فران خلال مؤتمر صحافي، "ستصل تعزيزات... للسيطرة على المناطق التي أفلتت من أيدينا في الأيام الأخيرة والتي لم تعد السيطرة عليها مضمونة"، وخص بالذكر ثلاث مناطق في نوميا الكبرى يسكنها سكان أصليون بصورة رئيسة.
ورأى أن "حالة الطوارئ أتاحت للمرة الأولى منذ الإثنين، باستعادة وضع أكثر هدوءاً وسكينة في نوميا الكبرى". وأشار إلى أنه بعد ثلاث ليال من الاحتجاجات، كان الوضع "أكثر هدوءاً" ليل الخميس/ الجمعة، على رغم إضرام النار في مدرسة وشركتين.
اندلاع الشغب
واندلعت أعمال الشغب بسبب مشروع قانون جديد تبناه المشرعون في باريس سيسمح للمواطنين الفرنسيين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة 10 سنوات بالتصويت في الانتخابات المحلية، ويخشى بعض القادة المحليين من أن هذه الخطوة ستقوض القدرة التصويتية للسكان الأصليين من "الكاناك".
ويمثل هذا التعديل أحدث نقطة توتر في صراع مستمر منذ عقود حول دور فرنسا في الجزيرة المنتجة للمعادن والواقعة في جنوب غربي المحيط الهادئ على بعد نحو 1500 كيلومتر إلى الشرق من أستراليا.
وتخللت الاحتجاجات أعمال شغب ونهب خلفت خمسة قتلى ومئات الجرحى. ومن بين القتلى، عنصر من الدرك يبلغ 22 سنة قتل الأربعاء جراء إصابته برصاصة في الرأس، وعنصر آخر توفي أمس الخميس بنيران عرضية من أحد زملائه خلال مهمة أمنية. كما قتل رجلان يبلغ أحدهما 20 سنة والآخر 36 سنة، وفتاة تبلغ 17 سنة، بحسب السلطات.
وفي المجموع، أصيب 64 دركياً وشرطياً منذ الإثنين، بحسب حصيلة نشرت أمس، وأوقف أكثر من 206 أشخاص من بين نحو خمسة آلاف "مثير شغب"، حسب السلطات. وأعلن لو فران أن أحد الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جريمة قتل سلم نفسه للسلطات.
تعزيزات إجراءات أمنية
ودفعت أعمال الشغب إلى نشر قوات من الجيش في محيط الموانئ والمطار وإعلان حالة الطوارئ في الأرخبيل الذي استعمرته فرنسا في القرن الـ19.
ووصل ألف عنصر إضافي من قوات الشرطة والدرك الفرنسية إلى كاليدونيا الجديدة ليل الخميس/ الجمعة للانضمام إلى 1700 من زملائهم المنتشرين أساساً.
ومن المقرر أن يسهم هؤلاء العناصر الجدد في إعادة الاستقرار إلى مناطق التوتر الثلاث في نوميا الكبرى التي يقطنها سكان أصليون بصورة رئيسة.
ووصف لو فران هذه الأحياء بأنها "مناطق يوجد فيها مئات من مثيري الشغب الذين لا ينتظرون سوى أمر وحيد، وهو الاحتكاك مع قوات إنفاذ القانون، للإبقاء على مواقعهم وتجاوزاتهم".
ونفذت السلطات سلسلة إجراءات شملت منع التجمعات ونقل الأسلحة وبيع المشروبات الكحولية وحظر تجول ليلياً. كما منع استخدام تطبيق "تيك توك" الذي لجأ إليه مثيرو الشغب بكثافة. كما أعلنت القناة التلفزيونية الرسمية في كاليدونيا الجديدة اليوم، أنها ستعزز الإجراءات الأمنية لصحافييها، بعد اعتداء مجموعة من نحو 20 شخصاً ملثمين على أحد فرقها أثناء تغطية ميدانية، وقاموا بتحطيم المعدات ودفع المراسلين للمغادرة.
تحرك سياسي
واندلعت أعمال الشغب ليل الإثنين مع تزايد المعارضة للإصلاح الدستوري. وعلى رغم بدء تراجع أعمال العنف بعد ليلتين من بدء الشغب، قال رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال أمس، إن الوضع يبقى "متوتراً للغاية"، مبدياً أسفه لاستمرار "أعمال النهب والشغب والحرائق والهجمات". ودعا إلى فرض "أقسى" العقوبات على المرتكبين.
ومن المقرر أن يلتقي رئيس الحكومة الفرنسية اليوم لجان التنسيق البرلمانية في شأن كاليدونيا الجديدة من أجل التباحث في شأن الأزمة الراهنة.
وواجه "استئناف الحوار السياسي" الذي يدعو إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقبة مع إلغاء حوار عبر الفيديو كان مقرراً أن يعقده أمس مع مسؤولين منتخبين محلياً. وأكد الإليزيه أن الإلغاء مرده لأن "الأطراف المختلفة لا ترغب في الحوار مع بعضها حالياً".
ووضع 10 من "قادة" خلية تنسيق العمل الميداني، وهي المجموعة الأكثر تطرفاً في "جبهة تحرير شعب الكاناك الاشتراكية"، قيد الإقامة الجبرية بشبهة رعايتهم أعمال العنف، بحسب ما أكد وزير الداخلية جيرالد دارمانان متحدثاً عن منظمة "مافيوية" و"عنيفة".
نقص الغذاء
وفي ظل معاناة نوميا من أعمال الشغب، بدأ سكان بتنظيم حماية خاصة لأحيائهم وأقاموا حواجز. وفي ظل شح الإمدادات في المتاجر، تسبب نقص الغذاء في تشكل طوابير طويلة جداً أمام المحال.
وذكر لو فران أن عمليات لتوفير الغذاء والدواء للجمهور ستبدأ بفرق تضم متخصصين في إزالة الألغام وإزالة حواجز الطرق التي فخخها النشطاء.
وقالت حكومة كاليدونيا الجديدة في بيان اليوم إن الجزيرة لديها مخزون من الغذاء يكفي لشهرين، وإن المشكلة تكمن في التوزيع.
وقال رئيس حزب "اتحاد كاليدونيا" الاستقلالي دانيال غوا، لإذاعة فرنسا الدولية، إن مثيري الشغب "يعيشون مع شعور بالاستبعاد والغضب والفشل وينتظرون فرصة فحسب" للقيام بأعمال عنف، معتبراً أنهم يفتقرون "للوعي السياسي".
ومن دون ذكر صلة مباشرة بأعمال العنف، اتهم وزير الداخلية الفرنسي أمس أذربيجان بالتدخل في الأرخبيل، وهو ما نفته باكو بشدة.
ويعد الأرخبيل الواقع في جنوب المحيط الهادئ استراتيجياً لفرنسا الساعية إلى تعزيز نفوذها في آسيا من جهة، ولغناه بالنيكل والمعادن التي تعد أساساً لقطاعات صناعية عدة من أبرزها السيارات الكهربائية.