ملخص
فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي نصت على تحريم استخدام الأسلحة النووية، إلا أن بعض الخبراء شككوا في وقت سابق في صحة وجدية هذه الفتوى كضمان لسلامة الأنشطة النووية للنظام الإيراني، وتحدثوا عن إمكان تغييرها في أية لحظة.
في الشهر الماضي وبعد فترة صمت، عاد الملف النووي الإيراني لصدر عناوين الصحف ووسائل الإعلام، إلا أن مسؤولي النظام الإيراني هذه المرة هم من ينفخون في البوق النووي، لعل وعسى أن يجدوا فرصة مناسبة لتسوية الملف النووي والوصول إلى اتفاق.
وظهرت موجة من التحليلات حول القدرات النووية الإيرانية منذ شهر تقريباً، وبالتحديد بعد الهجوم الفاشل الذي شنه النظام بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل، إذ تساءلت وسائل الإعلام عن ما إذا كانت هذه الصواريخ قادرة على حمل أسلحة نووية؟ وبطبيعة الحال فغالبية هذه التحليلات ركزت على احتياطات اليورانيوم المخصب عالي النقاء، ومدى الصواريخ التي يمتلكها النظام الإيراني، ولم تشر إلى العملية الفنية المعقدة اللازمة لإنتاج رأس حربي نووي.
وقد خلق هذا الوضع إمكان أن تبحث طهران مرة أخرى عن فرصة للتعامل مع الغرب، وتحديداً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من خلال استغلال المخاوف الغربية.
في البداية عمل بعض نواب البرلمان وادعوا القدرة على صناعة القنبلة النووية خلال أسبوع من دون أن يقدموا الوثائق والبراهين، إذ زعم أحد النواب "أعتقد أننا وصلنا إلى السلاح النووي".
وصحيح أن شخصيات سياسية مثل جواد كريمي قدوسي أو أحمد بخشايشي أردستاني ليس لهم أي مكان في النواة الصلبة للسلطة، ومن الواضح أيضاً أنهم بعيدون عمن القرارات الأمنية ولذلك فتصريحاتهم هذه ليست ذات أهمية تذكر، إلا أنها أصبحت حديث وسائل الإعلام الداخلية والخارجية وتصدرت العناوين.
في الوقت نفسه وخلال مقابلة تلفزيونية، كرر وزير الخارجية الأسبق والذي يشغل حالياً منصب رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسة الخارجية وأحد كبار مستشاري المرشد علي خامنئي، كمال خرزاي، تصريحاته التي أدلى بها قبل عامين حين قال إن "إيران لديها القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، وإذا ما تعرضت لتهديد فإنها ستغير عقيدتها النووية".
وحديث كمال خرازي كان تعقيباً على فتوى المرشد الإيراني التي نصت على تحريم استخدام الأسلحة النووية، إلا أن بعض الخبراء شككوا في وقت سابق في صحة وجدية هذه الفتوى كضمان لسلامة الأنشطة النووية للنظام الإيراني، وتحدثوا عن إمكان تغييرها في أية لحظة.
وكما كان متوقعاً فقد أثارت تصريحات كمال خرازي موجة من التحليلات في وسائل الإعلام المرتبطة بالنظام وتماشت مع النظرية التي سعى لوبي النظام إلى إثباتها في الغرب، وهي "إذا ما وُضع النظام الإيراني تحت الضغط والتهديد، فإنه سيتجه حتماً إلى صناعة الأسلحة النووية".
وقد سلكت إدارة بايدن وعدد من الحكومات الأوروبية حتى هذه اللحظة طريق إرضاء النظام الإيراني تحت تأثير هذه النظرية، عدا عن مصالحها مع طهران، وبعد ثلاثة أيام من المقابلة التي غيرت الأجواء الإعلامية لمصلحة سردية النظام الإيراني، كشف مستشار المرشد علي خامنئي الغرض من تصريحاته.
وتحدث خرازي الأحد الماضي في اجتماع الحوار الإيراني العربي في فندق آزادي في العاصمة طهران قائلاً إنه "ليس لدينا أسلحة نووية، وهناك فتوى من المرشد الإيراني في هذا الخصوص، لكن ماذا يجب أن تفعل إذا ما هددك العدو؟ قد تضطر إلى تغيير عقيدتك، وقد قال الأميركيون إن الدبلوماسية هي أفضل السبل، ونحن مستعدون أيضاً".
وجاء تصريح كمال خرازي، الأول من نوعه حول المفاوضات مع الولايات المتحدة، بعد فترة طويلة من الصمت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأي خرازي حول خيار المفاوضات مع الولايات المتحدة على عكس رأي نواب البرلمان الإيراني تماماً، وتأتي أهمية ما قاله كونه دائماً قريب من مراكز صنع القرار خلال العقود الأربعة الماضية، كما أنه يترأس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية حيث يتم اتخاذ القرارات الرئيسة في هذا المجال، وهو مستشار للمرشد الإيراني.
وفي معرض حديثه حول المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية قال خرازي إن "أميركا هي التي انسحبت من الاتفاق النووي، وهي اليوم ليست مستعدة للعودة لطاولة المفاوضات، إذاً لماذا تقول إن الدبلوماسية والمفاوضات هي أفضل السبل؟ نحن مستعدون للتفاوض والعودة لخطة العمل الشاملة المشتركة التي ستكون فرصة مناسبة للحديث عن شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية".
واتخذ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي كان حاضراً في هذا الاجتماع موقفاً مماثلاً، إذ قال "لقد أكدنا دائماً أننا سنتمسك بالسبل الدبلوماسية والتفاوض وتنفيذ الاتفاق النووي ومواصلة خطة العمل الشاملة المشتركة بما يوفر المصالح الإيرانية، وطالبنا جميع الأطراف أن تتخذ إجراءات بناءة في هذا الاتجاه".
كما قال وزير الخارجية الإيرانية إنه إذا ما عادت جميع الأطراف لاتفاق عام 2015 واتخذت إجراءات عملية في هذا الخصوص، فإن طهران ستستمر في التزاماتها.
وكما هو معلوم، بحسب الأرشيف النووي الإيراني الذي حصلت عليه إسرائيل، فإن طبيعة البرنامج النووي الإيراني كانت عسكرية حتى عام 2002 في الأقل، إذ تشير تقديرات معظم الخبراء إلى أن نقاء التخصيب باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة واحتياطات اليورانيوم المخصب في إيران ليسا للأغراض السلمية.
وفي مثل هذا الوضع فإن مبدأ ادعاء كمال خرازي بأن "إيران قد تغير عقيدتها النووية إذا ما شعرت بالتهديد" يصبح موضع شك، لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبارها الهيئة المشرفة على الأنشطة النووية في العالم لم تتمكن بعد من التأكد من طبيعة الأنشطة النووية الإيرانية، أي بعبارة أخرى ليس من الواضح بعد ما إذا كان البرنامج النووي الإيراني مدنياً أو ليس لطهران رغبة في إنتاج الأسلحة النووية.
ويمكن أن تستخدم هذا الجزء من تصريحات مستشار المرشد كرادع من ناحية، ومادة دسمة لوسائل الإعلام الدولية من ناحية أخرى، كما أن هذه التصريحات تتماشى كلياً مع نهج جماعات اللوبي الإيراني للضغط على الغرب، وبعبارة أخرى يستغل مستشار المرشد الإيراني التهديد النووي الذي كان ولا يزال قائماً، للتوصل إلى تسوية نووية مع الغرب.
وأما الجزء الثاني من تصريحات خرازي في شأن التفاوض مع أميركا فهو الأهم بالنظر إلى بعده الزمني، فهناك ستة أشهر باقية للانتخابات الرئاسية الأميركية، وبالنسبة إلى إدارة بايدن التي لم تحقق أي نجاح بعد في قضية وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، فإن الضوء الأخضر الذي أعطته طهران للمفاوضات يمكن أن يكون خبراً جيداً لهذه الإدارة.
وبطبيعة الحال فمن غير المرجح أن يتوصل إلى اتفاق مهم أو كبير خلال هذه الفترة الحرجة من دخول إدارة بايدن في الحملة الانتخابية، لكن رسائل طهران الإيجابية يمكن أن تهمد الطريق لبعض التفاهمات وإن كانت بسيطة على المستوى الإقليمي أو الملف النووي.
ومن ناحية أخرى سيعقد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا بعد ثلاثة أسابيع، إلا أنه لم يُحرز أي تقدم ملموس في تعاون طهران مع الوكالة، وقد ينتقل الملف النووي الإيراني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونظراً إلى الأوضاع في المنطقة فإن احتمال صدور قرار قوي من مجلس "المحافظين" ضد إيران، والذي يمكن أن يؤدي إلى تفعيل آلية الزناد، ضعيف، كما أن طهران لا تريد تفويت فرصة التوصل إلى "بند الغروب" المنصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، والوقت الذي ينتهي فيه القرار رقم (2231) المرفق به "خطة العمل الشاملة المشتركة"، واللذين ينهيان تفعيل آلية الزناد.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"