ملخص
يدعي الحكام المتنافسون أنهم يدعمون إقامة نظام سياسي أو يحاربون "الإرهاب" في حين أنهم في الواقع يسعون إلى توسيع النفوذ لقوى إقليمية تدعمهم ولتحقيق ميزات اقتصادية لها
أزاحت دراسة استقصائية نشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الستار عن أن 60 في المئة من حروب العالم استمرت لمدة عقد في الأقل، من أفغانستان إلى ليبيا ومن سوريا إلى الكونغو الديمقراطية وأوكرانيا وفلسطين والهند وباكستان والصين وتايوان وتركيا وأرمينيا، مما يطرح تساؤلاً عن مدى تحول الصراعات إلى أمر طبيعي ومعتاد.
وتبين الدراسة أن آفاق صنع السلام على مستوى العالم آخذة في الانخفاض، لأن حروب اليوم تبدو وكأنها تشتعل لأسباب غير معلنة وغير محددة وغير حميدة وتشمل عادة أطرافاً متعددة وحكومات أجنبية وقوات بالوكالة وأساليب سرية وأسلحة جديدة، وهي تجري من دون اعتبار لأرواح المدنيين، أو اتفاقيات جنيف التي تنظم النزاعات المسلحة، أو مصالح السكان المستضيفين الذين تقاتل باسمهم، حين يدعي الحكام المتنافسون أنهم يدعمون إقامة نظام سياسي أو يحاربون "الإرهاب" في حين أنهم في الواقع يسعون إلى توسيع النفوذ لقوى إقليمية تدعمهم ولتحقيق ميزات اقتصادية لها.
وما دامت هذه الأهداف لم تتحقق، فلا أحد يبدي اهتماماً يذكر بالسلام. ويقابل ذلك صعود مواز للأنظمة الاستبدادية والشعبوية التي تعطي الأولوية للمصلحة الوطنية الضيقة على تصورات الصالح العام.
من أفريقيا إلى آسيا
يعتقد بعض الباحثين في أسباب الحروب المحلية والإقليمية أن ما يؤجج الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل والسودان هو حقيقة أن ملايين الشباب في أفريقيا، إذ يبلغ متوسط العمر 19.8 سنة، يفتقرون إلى العمل المجدي أو لا يشعرون بأي مصلحة لهم ذات مغزى في مستقبل بلادهم. كما أن العنف طويل الأمد بين الدول أو داخلها متجذر أيضاً في أزمة المناخ وما ينتج منها من ندرة الموارد والفقر والتفكك، إذ أجرت الأمم المتحدة مئات الدراسات حول تأثير الفقر وتغير المناخ في النزاعات الأفريقية التي سرعان ما تشتعل بين دولتين متقاربتين ومن دون أسباب حقيقية معلنة.
أما الحروب ذات البعد الديني فهي الأكثر مرارة والأصعب في وقفها، فالتعارضات المفاهيمية المتعددة في قواعد الإيمان والثقافة والقيم بين المسيحيين واليهود والمسلمين والهندوس وغيرها من المعتقدات، هي عناصر أساس في استمرار الحروب وإدامتها في أوائل القرن الـ21.
على سبيل المثال الهند وباكستان دولتان أصبحتا مستقلتين معاً في 1947 و1948، وكان كلاهما جزءاً من المستعمرة البريطانية نفسها، ولكن بعد انسحاب الاستعمار البريطاني انقسمت تلك المستعمرة إلى أجزاء عدة. ووقع قدر كبير من العنف بعد استقلال البلدين، وغالباً يقع بين المسلمين والهندوس، ما أدى إلى دورة من الهجمات الانتقامية في عامي 1947 و1948.
وانخفض الصراع بين الدولتين قليلاً في خمسينيات القرن الـ20، لكنه اندلع مرة أخرى في عام 1965، ثم تجدد في عامي 1971 و1999، وما زالت قضية كشمير العالقة تقبع كقنبلة موقتة بين الدولتين يمكنها الانفجار في أي لحظة إقليمية ودولية مواتية.
النزاعات الحدودية
يظهر الخصام بين الدول الجارة في معظم القارات، وقد تعود المياه إلى مجاريها بين دولتين جارتين إلا أن الشعور بالعداء بين الشعبين يبقى متوارثاً أو أن الذاكرة الجمعية الشعبية والسياسية تظل تحتفظ بعداء ما تجاه الآخر، كما هي الحال بين الصينيين واليابانيين من بعد حروب كثيرة وقديمة بين البلدين، وهو نفسه بين الأتراك والإيرانيين الفرس، وهو ناتج أيضاً من حروب قديمة عالقة في ذاكرة الأجيال كما بين أرمينيا وتركيا، وبين المصريين والإسرائيليين وبين السوريين واللبنانيين، وبين الإرتيريين والإثيوبيين، ويمكن أفراد مجموعة كبيرة من الأمثلة من كل قارة لأنواع النزاعات التي لا تنهيها المعاهدات الدبلوماسية.
في أفريقيا ما زال النزاع حول إقليم أبيي قائماً بين السودان وجنوب السودان وهو خاضع حالياً لسيطرة الخرطوم منذ عام 2012. وما زال النزاع قائماً بين إثيوبيا وإرتيريا على إقليم "بادم" منذ أن اندلعت الحرب بينهما عام 1998. وهناك النزاع على مليلية بين إسبانيا والمغرب، على رغم أن مدريد تسيطر اليوم على المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي، والأمر نفسه ينطبق على إقليم سبتة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك النزاع على أرخبيل سقطرى بين اليمن والصومال، وعلى جزيرة أبو موسى وجزر طنب الكبرى والصغرى بين إيران والإمارات، وعلى إقليمي جامو وكشمير بين باكستان والهند، وهناك النزاع المعروف على مزارع شبعا بين لبنان وإسرائيل وسوريا، وعلى الجولان بين إسرائيل وسوريا، كما لا تزال التوترات مرتفعة بين تايوان والصين منذ استقلت فعلياً عندما انتصر الحزب الشيوعي الصيني في حرب أهلية في عام 1949.
انحازت الفلسفة الاقتصادية والسياسية لتايوان بصورة رئيسة لمصلحة الرأسمالية والديمقراطية، في الأقل منذ ثمانينيات القرن الـ20، في حين اتبعت جمهورية الصين الشعبية السياسات الاقتصادية الشيوعية وهي دولة حزب واحد إلى حد كبير. ومنذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1949، لم يظهر هذا الصراع مرة أخرى كحرب صريحة.
وكانت هناك فترات من النشاط العسكري المحدود، مثل أزمة مضيق تايوان عام 1958 حين اشتبكت قواتهم على الجزر المجاورة الأصغر التي يدعي كل منها السيطرة عليها، وعادت إلى الواجهة في السنوات الماضية.
وهناك اليوم النزاع بين روسيا وأوكرانيا الذي بدأ حول شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو إلى أراضيها في عام 2014 ثم امتدت المطالبة بضم جزء من أراضٍ أوكرانية أخرى، ما أشعل حرباً ما زالت مستعرة حتى اليوم ويشارك فيها عدد كبير من الدول التي تدعم كل طرف من طرفي النزاع، وهذا مثال على الصراع الإقليمي الناتج من صراع دولتين كبيرتين في دولة صغرى.
أما النزاع التاريخي بين الفلسطينيين وإسرائيل حول استعادة أرضهم على حدود 1967 التي أقرتها الأمم المتحدة حدوداً للدولة الفلسطينية العتيدة فحدث ولا حرج، فحل هذه الأزمة المستعصية يواجه صعوبات كثيرة وحروباً شرسة لما تنته، وآخرها الحرب الحالية الجارية في غزة.
النزاعات الثابتة على كامل الخريطة
لو أخذنا الحدود بين الدول العربية فإنها لم تكن معروفة إبان سيطرة السلطنة العثمانية إلا بكونها حدوداً إدارية لتعيين الأقاليم والولايات التي كانت تتبع في ذلك الوقت لحكم الباب العالي، لكن في نهاية القرن الـ19 بدأ الضعف والوهن يلقي بظلاله على الدولة العثمانية فبدأ تحويل الحدود الإدارية إلى سياسية من قبل سلطات الانتداب الإنجليزي والفرنسي التي تقاسمت إدارة الدول الجديدة الناشئة عن انفراط عقد السلطنة بعد الحرب العالمية الأولى.
لذا فإن مشكلة الحدود العربية نشأت مع نشوء الدول العربية نفسها، وربما سبقتها في الظهور، ثم بعد ظهور الدول والسلطات فيها، صارت هذه المشكلات الحدودية خاضعة لمزاج القائمين على الحكم، فلو تناسب موقف حاكماً بلدين تم طي ملف الحدود، ولو تنافر نظامان سياسيان مجاوران فتحت قضية الحدود والنزاع حوله، وهذا يمتد من شمال أفريقيا حتى اليمن، فلكل بلدين عربين متجاورين مشكلتهما الحدودية النائمة، وكثيراً ما اشتد النزاع بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية، وبين مصر والسودان حول نقاط حدودية عدة تقع بين الدولتين، وبين سوريا ولبنان، والعراق والكويت، واليمن وجواره، وكثير من الأمثلة الأخرى.
على سبيل المثال جرى ترسيم الحدود في المشرق العربي على أساس مسار الأنهار وتوافر المياه، بعد الحرب العالمية الثانية تم رسم الحدود الفلسطينية السورية بحسب مسار نهري اليرموك والأردن، كما أن نفس النهرين استخدما لتقسيم الحدود بين فلسطين والأردن وسوريا ولبنان.
وعند قيام إسرائيل في عام 1948 على حدود نهر الأردن وبعد سيطرتها على مزيد من الأراضي العربية عام 1967 ثارت مشكلة بينها وبين سوريا بسبب حدود بحيرة طبرية وبسبب توزيع نهر الأردن واليرموك تصاعد الصراع العربي - الإسرائيلي حول تحديد حصة كل طرف في مياه نهري الأردن واليرموك.
ويقع تحت أراضي الضفة الغربية مستودع ضخم للمياه الجوفية ويمتد داخل الخط الأخضر بمسافة 5 في المئة ويقع الباقي كله في أراضي الضفة الغربية. وبسبب سيطرة إسرائيل العسكرية والأمنية والحدودية فإنها تعارض سيطرة الفلسطينيين على مواردهم المائية.
وكما المياه كان للنفط دور في النزاعات بين الدول العربية، بخاصة مع تزايد أهميته بعد حرب 1973 عندما تضاعفت أسعاره، ففي ظل هذا الوضع أصبحت المناطق الحدودية محوراً مهماً في معظم النزاعات الجارية في المنطقة. ومن أمثلة هذه النزاعات ذلك الذي شب بين العراق والكويت حول منفذ بحري للعراق على الخليج العربي، والخلاف بين قطر والبحرين على منطقة الزبارة والجزر الثلاث التي من بينها جزيرة فشت الديبل، وكذلك مطالبة ليبيا تونس بمنطقة الرصيف القاري لاحتمالات وجود النفط فيها حتى تمت تسوية النزاع.
وهناك النزاع العسكري المصري الليبي عام 1977 بسبب الخلافات السياسية بين نظامي الحكم في البلدين مما أدى إلى حدوث مواجهة عسكرية انتهت بسرعة في تلك الآونة.