ملخص
لم تعترف إيرلندا بإسرائيل إلا بعد 15 عاماً من إعلان قيامها، ومع ذلك فإن تضامن دبلن مع الفلسطينيين تعدى حدود القول والاعترافات إلى الفعل، إذ جعلت الخارجية الإيرلندية منذ عام 1967 وضع اللاجئين الفلسطينيين قضيتها المحورية.
شكل اعتراف إسبانيا والنرويج وإيرلندا بدولة فلسطين أمس الأربعاء زلزالاً سياسياً في أوروبا، إذ كسرت هذه الدول المحظور في السياسة الغربية على وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويثير ذلك تساؤلات جدية عن الدوافع التي جعلت هذه الدول تقدم على هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كانت هناك أسباب ذاتية دفعت إلى ذلك.
وفي هذا التقرير نستعرض الخلفيات التاريخية والسياسية التي دفعت هذه الدول الثلاث إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو الأمر الذي أجج غضب إسرائيل وتحفظت عليه الولايات المتحدة الأميركية.
إيرلندا
تقف خلف اعتراف إيرلندا بقيام دولة فلسطين نقاط مشتركة تاريخياً، إذ يرى محللون وأوساط سياسية أن مساعي دبلن إلى الانفصال عن المملكة المتحدة يدفعها إلى التضامن مع الفلسطينيين.
وبعد هجوم شنته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على مستوطنات غلاف غزة أطلقت إسرائيل هجوماً برياً وجوياً وبحرياً ضد قطاع غزة المحاصر، مما أدى إلى مقتل وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين.
وقال الباحث في الشئون الإستراتيجية علاء أصفري إن "لهذه الدول الثلاث تاريخاً كبيراً ومشتركاً في النضال ضد الاحتلال، فإيرلندا على رغم أنها لا تزال تتبع المملكة المتحدة فإن لها برلماناً ورئيساً وتتمتع باستقلالية كبيرة بعد نضال دام مع المملكة، ولذلك فإن ظروفها التاريخية مماثلة للفلسطينيين وشعبها يفهم جيداً مشاعر تحرير الأرض وطرد المحتل".
وتضامن الإيرلنديين مع الفلسطينيين ليس وليد اللحظة بل يعود لقرون خلت، فمنذ 1947، العام الذي كان شاهداً على ميلاد قرار "الأمم المتحدة" القاضي بتقسيم فلسطين، بدأ الإيرلنديون يتوجسون من إسرائيل باعتبارها ذراعاً للاستعمار للسيطرة على العرب، وهو أمر يتشابه مع ما يرونه تجاه إيرلندا الشمالية التي يعتبرونها "محتلة من قبل بريطانيا".
ولم تعترف إيرلندا بإسرائيل إلا بعد 15 عاماً من إعلان قيامها، ومع ذلك فإن تضامن دبلن مع الفلسطينيين تعدى حدود القول والاعترافات إلى الفعل، إذ جعلت الخارجية الإيرلندية منذ عام 1967 قضية اللاجئين الفلسطينيين قضيتها المحورية، وفي عام 1980 كان لافتاً مطالبة إيرلندا بالاعتراف بقيام دولة فلسطين.
إسبانيا
دولة أخرى خرجت عن الإجماع الأوروبي تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية وهي إسبانيا التي رفضت منذ السابع من أكتوبر 2024 قرار "الاتحاد الأوروبي" تعليق المساعدات إلى الفلسطينيين.
ولا يمكن تفسير هذا الموقف من مدريد على مستوى راهنيته، إذ هناك تصعيد متبادل تاريخياً بين إسبانيا وإسرائيل قاد إلى هذا الاعتراف الإسباني بدولة فلسطين.
وكانت إسرائيل رفضت قبل عقود انضمام إسبانيا إلى "الأمم المتحدة" بسبب علاقات مدريد مع ألمانيا النازية، وهو أمر ردت عليه مدريد بعدم الاعتراف بتل أبيب إلا عام 1986.
وفي عام 2006 ظهر رئيس الوزراء الإسباني آنذاك خوسيه لويس رودريغيز مرتدياً الكوفية الفلسطينية، ولم يكتف بذلك بل وجه انتقادات حادة إلى إسرائيل بسبب إفراطها في استخدام القوة ضد اللبنانيين، على وقع التصعيد آنذاك بين تل أبيب و"حزب الله".
وقال أصفري إن "إسبانيا لها تاريخ مع العرب، ونحو 800 عام قضاها الإسبان معهم، لذلك فإن كثيراً من القضايا بين العرب والإسبان أصبحت مشتركة وأخوية".
ويبقى موقف وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلارا الذي طالبت من خلاله الأوروبيين بقطع العلاقات مع إسرائيل ومعاقبتها بسبب "قتل المدنيين في غزة"، الأجرأ من مدريد على الإطلاق.
النرويج
في المقابل يعد إعلان النرويج الذي جاء تزامناً مع إعلان إسبانيا وإيرلندا أمراً استثنائياً ويحمل كثيراً من الدلالات، ذلك أن أوسلو ظلت لعقود تقول إنها لن تعترف بفلسطين إلا إذا كان ذلك يدعم خطة السلام، وإضافة إلى ذلك استضافت أوسلو الاجتماعات السرية بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين عام 1993 والتي قادت إلى اتفاقات كان ينظر إليها على أنها إطار للسلام بين تل أبيب والقدس.
ووقع "اتفاق أوسلو" رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، في الـ 13 من سبتمبر (أيلول) 1993 برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
ولطالما اعتبرت النرويج نفسها "صديقة إسرائيل"، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إذ يرتبط الطرفان بعلاقات طويلة الأمد ولذلك يعد إعلانها أمس الأربعاء لافتاً للأنظار.
واعتبر أستاذ القانون الدولي رائد نجم أن "من المعلوم أن لدى النرويج تاريخاً طويلاً في محاولات حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فهي التي استضافت مفاوضات أوسلو ومن ثم كرس الاتفاق اهتماماً من هذه الدولة بهذا الملف وأصبحت وسيطة فيه".
ولفت نجم إلى أن "النرويج ترى في الاعتراف بالدولة الفلسطينية وسيلة لدعم مسار حل الدولتين من طريق التفاوض، فهي ترى أن التفاوض الآلية الوحيدة لحل الصراع، ولا بد من الإشارة إلى أن النرويج كدولة ذات نظام ديمقراطي لديها توجه يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره".
واستنتج أن "هذا يجعل النرويج من أوائل الدول الأوروبية التي تقدم على هذه الخطوة بكل جرأة، حتى مع الرفض الإسرائيلي والتحفظ الأميركي".
من جهته يتفق علاء أصفري مع نجم، إذ يرى أن "النرويج أيضاً تعرضت إلى الاحتلال سواء من السويد ثم الدنمارك، وكانت بريطانيا تحاصرها باستمرار، لذلك تتخذ سياسة مغايرة للسياسة الأوروبية التي تتبع الهيمنة الأميركية".