Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق أميركية عن جبهة الجولان: هل زودت موسكو مصر أسلحة نووية؟ (4-5)

قادت السعودية جهداً عربياً لدعم المجهود الحربي للقاهرة ودمشق قبل الحرب وأثناءها

أجرى عمر السقاف جولة في العواصم العربية استمرت 10 أيام ودفعته إلى القلق من أن يكون مؤتمر القمة العربية في الـ28 من نوفمبر 1973 تصعيدياً (اندبندنت عربية)

ملخص

على رغم اعتراف وثيقة الاستخبارات الأميركية بأن موسكو مارست دائماً سيطرة وثيقة على أسلحتها النووية، وحرمت أعضاء حلف "وارسو" في شرق أوروبا من الوصول إلى هذه الأسلحة، إلا أنها توقعت أن يكون التحرك السوفياتي جزءاً من محاولة لتغيير التوازن الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي

بحلول الـ31 من مايو (أيار) الجاري يكون نصف قرن قد مضى على توقيع اتفاق فض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية الذي تم في مثل هذا اليوم من عام 1974، لتنتهي بذلك رسمياً المعارك القتالية والمناوشات بين الجانبين التي اندلعت بصورة مفاجئة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 على الجبهتين السورية والمصرية ضد إسرائيل، واستمرت بصورة متقطعة على مدى نحو ثمانية أشهر.

في الحلقات الثلاث الأولى من هذه السلسلة، كشفت "اندبندنت عربية" عن وثيقة فض الاشتباك النهائية والنص الذي يعد في آخر بنوده أن هذه ليست اتفاقية سلام، ولكنها خطوة نحو سلام عادل ودائم على أساس قرار مجلس الأمن رقم 338، كما كشفنا عن مجموعة من الوثائق الأخرى التي عكست الأجواء السابقة على هذا الاتفاق من استعدادات عسكرية ثم حرب ومفاوضات.

 

 

وفي هذه الحلقة نستكمل الأجواء الساخنة التي رافقت نهاية الحرب والخوف من انفجارها مرة أخرى، واحتمالات السلام ومفاوضات فض الاشتباك والجهود السعودية والعربية لدعم المواقف التفاوضية السورية والمصرية.

تأهب القوات الأميركية وتهديد السوفيات بالتدخل

مع قراري مجلس الأمن بوقف إطلاق النار يومي الـ22 والـ24 من أكتوبر وصلت أزمة الحرب إلى ذروتها ليلة 24-25، في القرار الشهير الذي اتخذه البيت الأبيض بوضع القوات العسكرية الأميركية في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب أعلى تسمى "ديفكون 3".

فمن وجهة نظر الاستخبارات المركزية الأميركية في وثائقها، حدث عدد من التطورات بحلول الـ24 من أكتوبر لتبرير قيام كبار صناع السياسة الأميركيين بالتدقيق الصارم في الوضع الأميركي السوفياتي الأوسع، وهو تحول تيار الحرب لمصلحة إسرائيل، وانهيار وقف إطلاق النار الأول، وتهديد القوات الإسرائيلية بمهاجمة الجيش المصري الثالث في سيناء، وأصبحت موسكو تشك في أن الولايات المتحدة، على رغم تأكيدات واشنطن، لن توقف إسرائيل أو أنها لا تستطيع ذلك.

في المقابل وصلت رسالة قاسية للغاية إلى الرئيس الأميركي نيكسون من السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفياتي ليونيد بريجينيف يهدد فيها بإرسال قوات سوفياتية إلى الشرق الأوسط من جانب واحد، وتساءل كثر، آنذاك ولاحقاً، عما إذا كان القرار الخاص برفع حالة التأهب العسكري الأميركي يستند إلى إنذارات مشروعة أم أنه كان رد فعل مبالغاً فيه.

 

 

ففي حين اعتبر البعض أن القرار ربما كانت له دوافع سياسية، بسبب حاجات البيت الأبيض المحاصر بقضية "ووترغيت"، رأى مدير الاستخبارات المركزية ويليام كولبي أن القرار كان له ما يبرره.

وفي وثيقة استخباراتية بتاريخ الـ26 من أكتوبر عام 1973 بدأ جزء من القوة البحرية السوفياتية قرب جزيرة كريت بالتحرك جنوباً نحو منطقة القتال بعد تنبيه القوات الأميركية في الـ25 من أكتوبر، وتمركزت السفن التي تضم فرقاطة صاروخية وثلاث مدمرات وسفينتين برمائيتين في موقع يبعد نحو 80 ميلاً بحرياً شمال الساحل المصري، بل واقتربت من منطقة القتال قرب بورسعيد، فقد توقع السوفيات تعزيز السفن الحربية الأميركية إلى شرق البحر المتوسط مع انضمام حاملتي الطائرات "روزفلت" و"كينيدي" إلى الحاملة "إندبندنس"، ليكون لدى الولايات المتحدة ما بين 25 و30 سفينة في شرق المتوسط.

 

 

وفي الـ27 من أكتوبر 1973 أشارت مذكرة للاستخبارات الأميركية  إلى تحرك أربع من هذه السفن (طراد وثلاث مدمرات) ببطء نحو الشمال الشرقي في اتجاه الساحل السوري، حيث توجد بالفعل مدمرة وكاسحة ألغام وسفينة برمائية في المياه بين سوريا وقبرص، في وقت قال فيه وزير الخارجية السوري عبدالحليم خدام إن جميع وحدات القوات الجوية العراقية غادرت سوريا، وإنه يجري سحب جميع القوات البرية العراقية.

أسلحة نووية سوفياتية في مصر

وتزامن هذا التوتر مع توقع الاستخبارات المركزية الأميركية وجود أسلحة نووية سوفياتية في مصر استناداً إلى تأكدها من وجود معدات مرتبطة بصواريخ سكود في موقعين مختلفين في طرة جنوب القاهرة وفي مطار القاهرة الدولي، ما عدت أنه يضيف خطورة إلى الأدلة التي تشير إلى أن موسكو قدمت أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط، بخاصة أن سكود هو صاروخ أرض - أرض يبلغ مداه 160 ميلاً ولديه القدرة على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية، ودقته ليست كبيرة بحيث لن تكون له قيمة تذكر ضد الأهداف العسكرية برأس حربي تقليدي يبلغ وزنه 2000 رطل، وأنه يمكن أن يستخدم لتهديد المدن الإسرائيلية وردع تل أبيب، بحسب ما أوردت وثيقة استخباراتية في الـ30 من أكتوبر 1973.

 

 

واعتقد الأميركيون في الوثيقة أنه في الـ22 من أكتوبر، مرت سفينة تجارية سوفياتية تدعى "مزدريشنك" عبر المضائق التركية من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، ووصلت إلى الإسكندرية في الـ24 من أكتوبر وخرجت في الـ29 من الشهر الجاري بعدما نقلت شحنات أسلحة، وأنه من المحتمل أن يكون السوفيات قد أدخلوا أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط لتكون تحت سيطرتهم أو تحت سيطرة المصريين، على رغم عدم وجود دليل قاطع بأن السفينة مخصصة لنقل أسلحة نووية.

وما زاد من شكوك الأميركيين أن هناك عديداً من أنظمة الأسلحة ذات القدرة النووية في مصر، إضافة إلى صواريخ "سكود"، والتي صواريخ فروج 7، وهو صاروخ أرض - أرض تكتيكي يمكنه إيصال رأس حربي يراوح ما بين ثلاثة وتسعة كيلو/ طن إلى مسافة 43 ميلاً، وهناك قاذفتان مقاتلتان "سوخوي 7" و"سوخوي 17" وقاذفة خفيفة "اليوشن 28" وقاذفة متوسطة "توبوليف 16"، ويمكن أن تحمل الأخيرة إما قنابل نووية ذات سقوط حر أو صواريخ جو - أرض برؤوس حربية نووية.

وسيلة لردع إسرائيل

وربطت الوثيقة الأميركية بين هذا الاستنتاج وإشارة الرئيس المصري السادات إلى أن بلاده تمتلك صاروخاً مصري الصنع قادراً على ضرب إسرائيل، أشار إليه باسم "ظافر"، وهو صاروخ أرض - أرض قامت مصر بتجربته في أوائل الستينيات، لكن يبدو أنها تخلت عنه بعد حرب 1967، كما ربطته بأن رئيس الوزراء السوفياتي كوسيجين، الذي وصل إلى القاهرة يوم الـ16 من أكتوبر لم يكن سعيداً بإشارة السادات إلى الصاروخ لأنه كان يعتقد أن الأميركيين قد يدركون مصدره السوفياتي، بخاصة أن الحكومة السوفياتية أصدرت بياناً في الـ23 من أكتوبر في سياق انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار هددت فيه بعواقب وخيمة إذا لم تلتزم إسرائيل، كما قدم بريجينيف ملاحظة غامضة في خطابه أمام مؤتمر السلام العالمي في الـ26 من أكتوبر مفادها أن موسكو تدرس اتخاذ تدابير محتملة أخرى غير ما قد يتطلبه الوضع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم اعتراف وثيقة الاستخبارات الأميركية بأن موسكو مارست دائماً سيطرة وثيقة على أسلحتها النووية، وحرمت أعضاء حلف "وارسو" في شرق أوروبا من الوصول إلى هذه الأسلحة، فإنها توقعت أن يكون التحرك السوفياتي جزءاً من محاولة لتغيير التوازن الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وأنه ربما شعر السوفيات أن وجود قدرة نووية تحت سيطرتهم، ولكن على الساحة قد يكون ضرورياً لمنع إسرائيل من تحقيق نصر عسكري هائل على مصر وسوريا.

 

 

وإذا كان من الممكن أن يقابل هذا التهديد بسهولة تهديد مضاد من جانب الولايات المتحدة، فإن الطبيعة التكتيكية للأسلحة الموجودة في مصر ربما تكون، في نظر السوفيات، قد ردعت إسرائيل دون أن تؤدي إلى التورط المباشر لقوى استراتيجية من الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي.

تعويض الخسائر العربية

وفي وثيقة أخرى صدرت أيضاً في الـ30 من أكتوبر، أشار تحليل للكلفة التي تكبدها الاتحاد السوفياتي نتيجة لحرب 1973 إلى أنها ستصل إلى نحو مليار دولار إذا عوضت موسكو جميع خسائر الحرب العربية، وهذا أكثر من ضعف الكلفة المقدرة للحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، إذ قدرت الاستخبارات الأميركية خسائر المعدات العربية بما لا يقل عن 444 طائرة و1774 دبابة و13 زورق دورية مزودة بصواريخ موجهة وزورقين بحريين صغيرين آخرين.

وقدر الأميركيون استمرار التزام السوفيات بدعم العرب بعد الحرب على رغم طرد مصر غالبية الخبراء السوفيات عام 1972 ففي برقية أرسلها برنت سكوكروفت نائب مستشار الأمن القومي إلى كيسنجر، كان لدى السوفيات وقت بدء الحرب ما يقارب 80 مستشاراً عسكرياً في مصر، ونحو 1400 في سوريا وما يقدر بنحو 550 في العراق، إضافة إلى عدد غير معروف من الفنيين المدنيين.

 

 

وعلى رغم توقيع مصر وإسرائيل اتفاقاً أولياً لوقف إطلاق النار من ست نقاط في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1973 في خيمة عند الكيلو 101 على طريق القاهرة - السويس، في محاولة من الأمم المتحدة للفصل بين الجانبين المصري والإسرائيلي، فإن هذا الجهد سرعان ما انهار، وتصاعدت المخاوف من العودة للحرب مرة أخرى.

 تعزيز الدعم العربي لسوريا ومصر

ومع عودة خطر اندلاع الحرب عززت الدول العربية من مساعداتها لكل من مصر وسوريا منذ اندلاع الحرب مادياً ودبلوماسياً، فضلاً عن استخدام النفط العربي كسلاح سياسي ضد الدول الداعمة لإسرائيل ومن بينها الولايات المتحدة التي تم حظر تصدير النفط إليها من السعودية ودول أخرى، كما تم تخفيض إجمال الإنتاج بنسبة 25 في المئة، وهدد المنتجون العرب الاستمرار في خفض نسبة خمسة في المئة شهرياً حتى تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في عام 1967 واستعادة حقوق الفلسطينيين.

ومن حيث الدعم المالي المباشر ذكرت وثيقة للاستخبارات الأميركية في الـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1973  أن الدول العربية قدمت التزامات مالية بقيمة تزيد على ملياري دولار كمساعدات حربية لمصر وسوريا منذ بداية الحرب في السادس من أكتوبر، بينما لم يعرف الحجم الكامل لهذه المساعدات، على رغم أنه من الممكن أن يصل 3 مليارات دولار.

 

 

وأشارت الوثيقة الأميركية إلى أن سوريا تلقت مساعدات بقيمة 1120 مليون دولار منها مليار دولار قدمتها السعودية، وتلقت مصر 920 مليون دولار منها 300 مليون دولار من السعودية، في حين جاءت بقية المساهمات من الكوي والإمارات، والجزائر وقطر وليبيا.

وقبل اندلاع القتال في أكتوبر 1973، قدمت السعودية ما لا يقل عن 150 مليون دولار سنوياً كمساعدات للدول العربية بعد حرب يونيو 1967 بنحو 100 مليون دولار سنوياً لمصر ونحو 40 مليون دولار سنوياً للأردن بحسب وثيقة أميركية أخرى صدرت في 27 نوفمبر 1973.

ضغط دبلوماسي سعودي

وفي وقت سبق موعد انعقاد قمة عربية طارئة دعا إليها الرئيس السادات أجرى وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عمر السقاف جولة في العواصم العربية، استمرت 10 أيام ودفعته إلى القلق من أن يكون مؤتمر القمة العربية في الـ28 من نوفمبر تصعيدياً، وأن المواقف العربية التي يمكن أن تؤدي إلى انتكاسة للتحركات نحو التسوية السلمية وفقاً لما أشارت إليه وثيقة للاستخبارات الأميركية في الـ20 من نوفمبر 1973، إذ طالب السقاف السفير الأميركي لدى السعودية بأن تعزز واشنطن موقف المعتدلين العرب في مؤتمر القمة العربية، بإصدار بيان يؤكد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط وقف إطلاق النار في الـ22 من أكتوبر أو من طريق إقناع تل أبيب باتخاذ خطوات في هذا الاتجاه.

 

 

وأبلغ السقاف السفير الأميركي لدى السعودية أنه وجد مزاج الحكومة السورية واقعياً للغاية، ولكنه أيضاً واثق جداً من نفسه، وفي كل من سوريا ومصر، أفاد السقاف بأن هناك كثراً على استعداد لقبول تجدد القتال إذا لم تكن هناك آفاق للتوصل إلى حل سياسي قريباً.

السادات وجه القمة العربية لمسار معتدل وبينما كانت مصر لا تزال تأمل في أن تؤدي محادثات فض الاشتباك أو "فك الارتباط" مع الإسرائيليين إلى اتفاق موقت فعال، أعربت إسرائيل عن استعدادها لسحب جميع القوات الإسرائيلية إلى خط شرق ممرات جبل سيناء، لكنها في المقابل واصلت الإصرار على أن تقوم مصر من جانب واحد بتخفيض القوات المصرية المدرعة المتبقية في سيناء والتي ترى مصر أن أية تخفيضات بها يجب أن تكون متبادلة، لكن مع استمرار تعثر مفاوضات فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، عقدت القمة العربية في الجزائر يوم الـ28 من نوفمبر 1973، والتي أظهرت خلافات جدية بين الأردن والفدائيين الفلسطينيين حول مسألة تمثيل الفلسطينيين في المفاوضات المستقبلية بحسب وثيقة أميركية صدرت في الـ29 من نوفمبر، والتي أشارت إلى أن الرئيس المصري السادات وضع الأساس للمؤتمر قبل أن يبدأ بفترة طويلة في محاولة لتوجيهه على مسار معتدل، ثم شرع في الحصول على تصويت بالثقة في قراره بالتفاوض على السلام مع إسرائيل، فضلاً عن إظهار التضامن العربي والحزم في مواجهة تلك المفاوضات، وعدت الوثيقة أنه نجح إلى حد كبير.

 

 

وفيما حذرت التصريحات العلنية للسادات وحافظ الأسد إسرائيل من أن خطر الحرب لن ينتهي إلا عندما يكون هناك سلام مقبول، أوضحت الوثيقة أن المصريين يعتقدون أن وراءهم غالبية كبيرة من العرب تساند موقفهم التفاوضي.

تعنت إسرائيلي

ومع ذلك، أبدت إسرائيل موقفاً متشدداً، إذ ذكرت وثيقة للاستخبارات الأميركية في الأول من ديسمبر 1973 أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير أبدت اعتراضها على الضمانات الدولية كبديل للحدود التي يمكن الدفاع عنها، وقالت إنها غير مقتنعة بعدم استئناف القتال، على رغم أنها تأمل في ألا يحدث ذلك، وبعد أن ذكرت أنها لم تلحظ أي دعوة حقيقية للسلام قادمة من القمة العربية التي انعقدت في الجزائر العاصمة، أشارت إلى أن إسرائيل مستعدة على رغم ذلك للمشاركة في مؤتمر جنيف للسلام المقترح.

وأصر وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان على أن إسرائيل لن تقبل مشاركة زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في مؤتمر جنيف للسلام، على رغم أن القمة العربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وبدلاً من ذلك، اقترح ضم ممثلين فلسطينيين إلى الوفد الأردني، وهو المفهوم نفسه الذي رفضته القمة العربية.

حرب أعصاب

وعلى رغم الهدوء النسبي على جبهات القتال السورية والمصرية خلال الأيام الأولى من ديسمبر، سجلت خروق لوقف إطلاق النار على الجبهتين، كان أخطرها ما قالته دمشق بأنها دمرت وحدة هندسية إسرائيلية، وثلاث دبابات، وجرافة، ومخزناً للذخيرة خلال معركة استمرت ثلاث إلى أربع ساعات.

 

 

وترافق ذلك مع حرب أعصاب خاضتها الصحافة والمسؤولون في القاهرة وتل أبيب مع تقارير متضاربة حول حتمية الحرب واحتمالات السلام، وهو ما اعتبرته وثيقة للاستخبارات الأميركية في الثامن من ديسمبر أنها تقارير مصممة للضغط على العدو والقوى العظمى ولإخفاء النيات، لكنها قد تعكس أيضاً عدم يقين حقيقي في شأن السياسة المستقبلية.

 

 

وعدت الوثيقة أن المصريين، بخاصة يأملون في أن يتم تحقيق بعض التقدم نحو كسر الجمود الدبلوماسي نتيجة الزيارة الحالية التي يقوم بها وزير الدفاع الإسرائيلي موشى ديان إلى واشنطن ومن زيارة وزير الخارجية هنري كيسنجر إلى القاهرة وعواصم أخرى في الشرق الأوسط الأسبوع التالي.

دوافع الحرب تتزايد

وحذرت وثيقة للاستخبارات المركزية الأميركية صدرت في الـ18 من ديسمبر 1973 من أن هناك أدلة كثيرة على أن القتال على نطاق واسع يمكن أن يحدث في أي وقت دون سابق إنذار، وقالت إن استئناف الحرب يعتمد إلى حد كبير على التقدم الذي تحرزه الأطراف المتفاوضة خلال المراحل الأولى من محادثات السلام، وإذا انتهى العرب إلى الاعتقاد أن مؤتمر جنيف للسلام لن يأتي بنتائج مهمة مبكرة ووقف إطلاق النار، فإن تجميد الوضع على الأرض في الأوضاع الحالية، سيؤدي بصورة شبه حتمية إلى جولة أخرى من الحرب.

 

 

وقدرت الوثيقة أن تحتفظ الأطراف العربية في الصراع بنفس الدوافع الأساس لتجديد الحرب التي دفعتها إلى البدء بها في السادس من أكتوبر مع الحافز الإضافي المتمثل في معرفة أن قواتها ومعداتها قادرة على إلحاق خسائر مدمرة بالقوات الإسرائيلية، حتى لو لم تكن قادرة على إلحاق الهزيمة بها.

وعدت الوثيقة أن القادة المصريين يشعرون بالارتياح لأن قواتهم أبلت بلاءً حسناً ضد الإسرائيليين، بينما تكبدت خسائر قليلة نسبياً مقارنة بتوقعات ما قبل الحرب، كما أن هناك شعوراً قوياً بين العسكريين في كل من سوريا ومصر، هناك شعور قوي بين العسكريين بأنهم يمكن أن يفعلوا ما هو أفضل في جولة أخرى.

وإذا استمرت محادثات السلام دون إحراز تقدم واضح ملموس نحو تحقيق الأهداف العربية، فمن المرجح أن ينمو هذا الشعور ويضيف إلى الضغوط التي يمارسها بالفعل أولئك الذين يشككون في قدرة المحادثات على تحقيق أي شيء دون المزيد من استخدام القوة، وستكون هناك نقطة في المناقشات لن يذهب بعدها السادات والأسد دون ممارسة خياراتهما العسكرية.

وعدت الوثيقة أنه ربما يأمل السادات في أن سلاح النفط سيجعل الخيار العسكري غير ضروري، لكن يبدو أن الرئيس الأسد يتعرض لضغوط داخلية أكبر لاتخاذ إجراء مباشر. ويبدو أن كلاً من مصر وسوريا على استعداد للمخاطرة بتجدد الصراع الذي يمكن أن ينشأ عن المعارك شبه اليومية، والتي تشوه وقف إطلاق النار، في حين أنه لدى الإسرائيليين حوافز أقل لتجديد القتال مقارنة بالعرب، وذلك للمرة الأولى منذ 25 عاماً، إذ تتاح للإسرائيليين فرصة لإجراء محادثات سلام مباشرة مع جيرانهم العرب.

العيب الرئيس لإسرائيل

لكن العيب الرئيس الذي سيواجه إسرائيل في تجديد الحرب، بحسب محللي الوثيقة هو خطر فقدان الدعم الأميركي، وهو أمر حيوي لوجودها، إذ يدرك القادة الإسرائيليون اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة، وشددوا على أن إسرائيل يجب أن تستمر في تعزيز هذه العلاقة، وليس إضعافها، كما تدرك تل أبيب جيداً أن سلاح النفط العربي سيلعب دوراً مهماً في مفاوضات السلام، وأن تجدد القتال لن يؤدي إلا إلى تفاقم هذه القضية وزيادة الإحباط الأميركي والأوروبي في شأن اعتمادهما على النفط العربي.

 

 

في الوقت نفسه فإن مزيداً من القتال سيتطلب تضحيات جديدة، وربما أكبر من قبل الجيش الإسرائيلي في أفراده، بينما الجزء الرئيس من الرأي العام الداخلي الإسرائيلي لن يؤيد مزيداً من الخسائر على هذا النطاق، دون استفزاز خطر من قبل العرب، أما إذا بادرت إسرائيل بالقتال وسيؤدي ذلك إلى رد فعل عربي أقوى وأكثر اتحاداً، وقد اعترف الإسرائيليون بأن العرب قاتلوا بصورة أفضل، وكانوا أكثر اتحاداً من ذي قبل. كما أن إعادة تزويد العرب أنظمة الدفاع الجوي قد تكلف القوات الجوية الإسرائيلية كلف باهظة مرة أخرى، فضلاً عن أن صواريخ سكود الباليستية، التي لم تستخدم في المعارك السابقة، ربما تستخدم في تجدد الحرب وقد تسفر عن خسائر فادحة في صفوف المدنيين.

وزادت القاهرة قواتها المدرعة في منطقة قناة السويس وحشدت منذ منتصف نوفمبر أكثر من 1400 دبابة منتشرة في المنطقة، واستمرت القوات البرية والجوية المصرية في وضع الاستعداد المتزايد الذي اتخذته عندما توقفت المحادثات عند الكيلومتر 101 في وقت متأخر من أكتوبر، وفي حالة تجدد القتال، ربما تحاول مصر عزل وحصار القوات الإسرائيلية غرب قناة السويس.

وفي سوريا وضعت دمشق السكان المدنيين وقواتها العسكرية في وضع الحرب مرة أخرى، ونسبت الوثيقة إلى مصادر موثوقة أن جميع القوات السورية على الجبهة كانت في حالة تأهب قصوى منذ الثامن من ديسمبر، وأن هناك تحركات كبيرة للقوات السورية وتعزيزات في المنطقة، كما وضعت وزارة التخطيط السورية خططاً على أساس الحرب وتم تنبيه جميع الوزارات والمدارس لتولي وضع مماثل بمجرد صدور التعليمات، كما أخلي مقر الجيش السوري ومكاتب الاستخبارات العسكرية، مع وجود جميع الأفراد في الجبهة.

أسباب رفض سوريا المشاركة في مؤتمر جنيف

بعد مفاوضات دبلوماسية مكوكية في الشرق الأوسط أجراها وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في منتصف ديسمبر من أجل ضمان نجاح مؤتمر جنيف للسلام تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، وبرئاسة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، أعلنت سوريا يوم الـ18 من ديسمبر بعد ثلاثة أيام من أول لقاء بين الرئيس السوري حافظ الأسد ووزير الخارجية الأميركي، أنها لن تشارك في مؤتمر جنيف الذي كان مقرراً أن يبدأ في الـ21 من ديسمبر.

 

 

وعكس هذا القرار كما فسرته وثيقة استخباراتية أميركية صدرت يوم الـ19 من ديسمبر إلى القناعة الراسخة لدى عناصر مهمة في سوريا بأن المفاوضات المثمرة مع إسرائيل ما زالت غير ممكنة.

وكشفت الوثيقة عن أنه من خلال التشكيك في إمكانية تحقيق الأهداف العربية في وقت مبكر من خلال المفاوضات، أدى هذا الإعلان إلى تجديد الأعمال القتالية على جبهة الجولان، وعزز احتمال أن تقدم مصر وسوريا جدولهما الزمني لممارسة ضغط عسكري مباشر على إسرائيل لتسريع انسحابها من الأراضي المحتلة.

ومع ذلك، فإن رد فعل مصر على هذا الإعلان السوري كان يحمل الأمل في إمكانية إقناع السوريين بالقدوم إلى جنيف في وقت لاحق، إذا أمكن تحقيق تقدم كاف لتبديد شكوكهم، إذ عبرت القاهرة في بيان رسمي عن تفهمها للخوف والشك الذي دفع سوريا إلى عدم حضور المؤتمر.

ومع ذلك أكد البيان أن التقدم الكبير الذي يمكن إحرازه خلال الاجتماعات الأولية في جنيف يمكن أن يفتح الطريق أمام سوريا والدول العربية الأخرى للمساهمة بصورة إيجابية في جهود السلام، لكن الرسالة حذرت من أن المماطلة من جانب الإسرائيليين ستجبر العرب على استئناف كفاحهم المسلح.

الخطوة الأولى لفض الاشتباك

استغرق الأمر نحو شهر حتى يعود كيسنجر إلى دمشق يوم الـ20 من يناير 1974 ويلتقي الرئيس حافظ الأسد في مكتبه للمرة الثانية من أجل التعرف على المطالب السورية، بعدما بدا الرئيس الأسد مستعداً الآن بطريقة حذرة للغاية لمحاولة التوصل إلى اتفاقية فض اشتباك خاصة به، بعدما وقعت القاهرة وتل أبيب اتفاقية فض الاشتباك المصرية - الإسرائيلية قبل يومين فحسب وبالتحديد في الـ18 من يناير 1974، فوفقاً لوثيقة من الأرشيف الوطني الأميركي صدرت في الـ20 من يناير، أصر الأسد في اللقاء الأول في الـ15 من ديسمبر على ضرورة إلغاء اتفاق فض الاشتباك السوري - الإسرائيلي بالكامل قبل أن يكون على استعداد للالتزام بمؤتمر جنيف الذي رفض مبدئياً مشاركة سوريا في افتتاحه، لكن الرئيس الأسد خفف في الاجتماع الثاني من موقفه إلى حد ما، مؤكداً أنه يجب أن يعرف إلى أين يتجه وطالب بالحصول على بعض المؤشرات حول احتمالات فض الاشتباك قبل أن يلتزم بصورة كاملة بالمفاوضات، كما قدم الرئيس السوري بعض المؤشرات الملموسة حول نوع اتفاقية فك الاشتباك التي سيقبلها، إذ عرض الأسد على كيسنجر ثلاثة خيارات: أولها انسحاب إسرائيلي من مرتفعات الجولان مع إنشاء منطقة منزوعة السلاح، ثانياً انسحاب إسرائيلي من شأنه أن يترك للإسرائيليين منطقة سيطرة تبلغ خمسة كيلومترات في المرتفعات، وثالثاً، انسحاب إسرائيلي في منتصف المسافة تقريباً بين خط السادس من أكتوبر 1973 وخط الخامس من يونيو (حزيران) 1967 الأصلي.

 

 

وعلى رغم أن هذه لم تكن بالنسبة لكيسنجر أكثر من نقطة بداية، بحسب ما تشير المذكرة، فقد أوضح للرئيس الأسد أن الانسحاب الكبير الذي يقصده سيرفضه الإسرائيليون بالتأكيد، ومع ذلك اعتبر كيسنجر أنه قدم في الأقل اقتراحاً ملموساً يستطيع تقديمه للإسرائيليين وأشار إلى أن الأسد يعلم أنه سيتعين عليه تقديم اقتراح آخر إذا رفض الإسرائيليون هذا الاقتراح.

وأشارت المذكرة إلى أن كيسنجر كان سعيداً بنقل مقترحاته للإسرائيليين في طريق عودته من دمشق، ليس فحسب لأن الأسد طلب منه ذلك، ولكن بسبب حقيقة أن محادثات فض الاشتباك السورية - الإسرائيلية قد بدأت بالفعل وسوف تكون مفيدة للرئيس المصري أنور السادات وتخفيف الضغط عنه، حيث كان يتعرض للهجوم لأنه وافق على خطة فض الاشتباك أو فك الارتباط دون انتظار السوريين وسيساعد انطلاق هذه العملية في كسب الوقت لجميع الأطراف المعنية، وتقليل حجم المشكلات التي يمكن أن يسببها السوفيات، وعلى هذا الأساس كانت خطة كيسنجر أن يصف بإيجاز الاقتراح السوري للإسرائيليين، ويطلب منهم دراسته والتوصل إلى أفكار ملموسة خاصة بهم، والتي ربما يستطيع موشى ديان أن يقدمها للأميركيين خلال 10 أيام أو أسبوعين في واشنطن، أملاً من كيسنجر في أن يكون الدور الأميركي هو نفس الدور الذي لعبوه في مفاوضات فض الاشتباك المصرية - الإسرائيلية.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق