ملخص
يعد جهاز الأمن العام أحد الهيئات الأمنية الأربع التابعة لحكومة غزة مع جهاز "الأمن الداخلي" الخاص في التحقيق مع أي غزي من دون تهم وخارج سياق القانون
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 قرر سكان غزة الخروج في تظاهرات شعبية ضد غلاء المعيشة وانقطاع الكهرباء في القطاع تحت اسم "بدنا نعيش"، لكن عناصر حركة "حماس" منعت هذه الاحتجاجات حتى قبل خروجها إلى الشارع.
واستخدمت "حماس" أكثر من وسيلة لمنع هذه التظاهرات، وحينها حرضت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على المشاركين وهددت منظمي الاحتجاجات بالاعتقال، كما أجرت مئات المكالمات الهاتفية مع ناشطين في حملة "بدنا نعيش" لتهديدهم حال التظاهر ضد حكومة غزة وسياساتها.
وبالفعل نجحت "حماس" بمساعدة من حكومتها في غزة في إفشال تظاهرات "بدنا نعيش"، ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي تقمع فيها الحركة المعارضين، بل تكررت القصص على مدى الـ17 عاماً الماضية، ولكن كيف تمكنت الحركة من قمع حرية الرأي ومنع وجود أية معارضة في غزة لسلطتها؟
أجهزة الأمن
والجواب هو بالتأكيد من طريق أجهزة الاستخبارات التابعة لحكومة غزة، لكن ما هو مخفي ظهر خلال حرب إسرائيل على القطاع، إذ بحسب الجيش الإسرائيلي فإن قواته البرية المتوغلة في غزة تمكنت من الكشف عن تشكيل "حماس" لجهاز "الأمن العام"، ومهمته مراقبة معارضي "حماس" وكارهيها وتحييد مخططاتهم ومعاقبتهم.
ويعد جهاز الأمن العام أحد الهيئات الأمنية الأربع التابعة لحكومة غزة مع جهاز "الأمن الداخلي" الخاص في التحقيق مع أي غزي من دون تهم وخارج سياق القانون، و"الاستخبارات العسكرية" التي يتركز عمل طواقمها على التحقيق مع العملاء، و"الأمن الخاص" للتحقيق مع عناصر "حماس" نفسها.
وعلى مدى فترة حكم "حماس" في غزة لم يتم الكشف عن جهاز الأمن العام مطلقاً، وبقيت هذه الهيئة الأمنية سرية للغاية حتى ظهرت ملفاتها في الحرب الإسرائيلية على القطاع.
جهاز سري للغاية
وبحسب ما كشفه الجيش الإسرائيلي فإن "الأمن العام" جهاز تجسسي سري، لكن هدفه مراقبة سكان غزة والتجسس عليهم ومعرفة أخبارهم وكتابة تقارير عنهم، وليس التجسس على تل أبيب التي تعدها "حماس" عدواً.
وما يميز جهاز الأمن العام عن بقية هيئات الاستخبارات المحلية أنه يعتمد على جمع المعلومات عن سكان غزة حول جميع الجوانب الحياتية ورصدها في ملفات أرشيفية لاستخدامها وقت الحاجة، وليس لاستدعاء هؤلاء الأشخاص ومحاسبتهم.
ومن بين المهمات الأخرى لـ "الأمن العام" مراقبة كارهي "حماس" والمعارضين لسياسات حكومة غزة، ومتابعة هؤلاء الأشخاص وتحييد أنشطتهم، وهناك مهمة بحث أخرى يؤديها عناصر الجهاز تتمثل في مراقبة الأشخاص الذين يقيمون علاقات خارج إطار الزواج.
ومن غير الواضح من المسؤول عن "الأمن العام"، لكن إسرائيل تقول إن يحيى السنوار مؤسسه والمشرف الأول على عناصره، إذ اهتم بهذا الجهاز الأمني كثيراً وجعله من أقوى الهيئات وأكثرها انتشاراً، على رغم أن الجهاز يتبع حكومة غزة وليس الحركة نفسها.
تجنيد بسخاء
ويعمل في "الأمن العام" نحو 856 عنصراً أمنياً مهمتهم مراقبة سكان القطاع والتجسس على تفاصيل حياتهم، إضافة إلى 160 آخرين يتولون مهمة نشر دعاية تدعم رؤية "حماس" ومخططاتها، وبذلك يعد الجهاز من أكبر الفرق الأمنية من حيث عدد العاملين فيه.
ويتم نشر هؤلاء العناصر في المساجد والمؤسسات المدنية والرسمية ومفاصل الحياة اليومية، أي الحارات وجلسات الاستراحة والمقاهي، بهدف نقل تقارير حول نشاطات أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم.
ويقول الباحث في الشؤون الأمنية مخلص الصادق إن "تجند ’حماس‘ بسخاء عناصر أمن لها لأن نظرتها إلى القطاع قائمة على الشك في كل شيء، فمنذ سيطرة ’حماس‘ على الحكم وتشكيل حكومة غزة اهتمت هذه المؤسسة بالجوانب الأمنية وجعلتها على سلم أولوياتها"، مضيفاً أن "الاهتمام بالأمن في الحال الفلسطينية جيد، لكن ليس لدرجة جمع معلومات عن كل جوانب حياة سكان القطاع، فهذا أمر مبالغ فيه ويظهر أن حكومة غزة كانت تتعامل مع السكان على أساس الشك فيهم، وذلك يعود لطبيعة عقلية رأس الهرم الذي يحكم القطاع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أرشيف ضخم
ووفقاً لما كشف عنه الجيش الإسرائيلي فإنه تمكن من الحصول على أرشيف جهاز الأمن العام لـ"حماس"، يتضمن معلومات ووثائق جمعها مخبرو الحركة عن قرابة 10 آلاف فلسطيني.
وبحسب الجيش فإن هذه الوثائق تراوح بين أكتوبر (تشرين الأول) 2016 وأغسطس (آب) 2023.
وكشفت الوثائق التي حصل عليها الجيش الإسرائيلي عن أن عناصر جهاز "الأمن العام" راقبوا الفصائل الأخرى وخصوصاً "الجهاد الإسلامي"، كما رصدوا قيام شبان وشابات بأعمال غير أخلاقية، وتظهر الملفات أيضاً أن "حماس" كانت تشك في الصحافيين.
تحذير سكان غزة من عناصر "حماس"
وبعد أن حصل الجيش الإسرائيلي على وثائق تخص "جهاز الأمن العام" أسقط منشورات على غزة تفضح هذا الجهاز السري وتحذر سكان غزة من المخبرين الحمساويين الذين تم الكشف عنهم، لكن الغزيين اعتبروا ذلك نوعاً من الضغط عليهم وابتزازهم.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري "حصلنا على إذن قانوني لنشر المعلومات السرية عن جهاز الأمن العام لـ’حماس‘ بهدف إيقاظ سكان غزة، وإظهار أن ’حماس‘ تتبعهم، وتسليط الضوء على ما تمارسه عليهم".
ويضيف أن "’حماس‘ جمعت وثائق لابتزاز سكان غزة وأضرت بالناس العاديين في القطاع، لذلك يجب تحذير المدنيين من مخبريها وعدم التعامل معهم، لأن في ذلك تقييداً لحريتهم".
في المقابل اعتبر عضو المكتب السياسي لـ"حماس" باسم نعيم أن "ما تفعله إسرائيل يأتي في سياق الإفلاس السياسي والعسكري، ونحن نقدر أن سكان غزة يئسوا من الحرب لكن لا يمكنهم التجاوب مع ما تروج له تل أبيب من أنباء مضللة عن معلومات سرية كشفت عنها خلال توغلها في غزة".
ويضيف أن "الأجهزة الأمنية في غزة تعمل دائماً على خدمة سكان القطاع ولن تتجسس عليهم في أي وقت، ونحن من الشعب ونحاول حمايته من الدعاية الإسرائيلية المضللة".
من جهته قال مدير المكتب الإعلامي التابع لحكومة غزة سلامة معروف، "رصدنا مساعي جديدة لجيش إسرائيل تستهدف جبهتنا الداخلية عبر محاولة المساس بصورة أجهزتنا الأمنية في غزة، من خلال عرض معلومات كاذبة ومفبركة عن عمل أجهزتنا الأمنية وعلاقتها مع شرائح المجتمع، وهذه المحاولات تهدف إلى إحداث شرخ بين صفوف جبهتنا الداخلية وبث روح الفرقة وزعزعة استقرارها وتماسكها، خصوصاً بعدما رأى متانتها وصمودها في وجه عدوانه الهمجي الغاشم".