Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المحادثات السرية" بين عبدالناصر وإسرائيل: بن غوريون يعرقل (2ـ3)

الرئيس المصري الأسبق يتخوف من الاغتيال والعزلة ورئيس وزراء إسرائيل يخشى دفع "الثمن النهائي للسلام" بحسب المشروع الأميركي

أعرب جمال عبد الناصر عن خوفه الشديد من الاغتيال في حال تسريب محتوى المحادثات السرية ( اندبندنت عربية)

ملخص

لم يحتفظ جمال عبد الناصر بأية "ملاحظات أو سجل مكتوب لهذه المحادثات السرية" خوفاً من تسريبها فيكون الاغتيال مصيره... فماذا دار بين الرئيس المصري الراحل وواشنطن؟

استعرضت الحلقة الأولى من هذا التقرير عدداً من رسائل الخارجية البريطانية المتعلقة بالمحادثات السرية التي بدأتها الولايات المتحدة الأميركية بمعية بريطانيا عام 1956 مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر ورئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون، بهدف تحقيق تسوية سلمية للنزاع الإسرائيلي - العربي في تلك الحقبة.

وفي هذه الحلقة من "محادثات مع رئيس جمهورية مصر العربية جمال عبدالناصر حول إسرائيل وفلسطين"، نستعرض بقية الوثائق البريطانية التي رفع الحجب عنها في الـ 19 من يناير (كانون الثاني) 2024.

سير المحادثات مع عبدالناصر

جاء في البرقية الخاصة رقم (469) المرسلة في الـ 24 من فبراير (شباط) 1956 من السفير البريطاني في واشنطن إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني في لندن ما نصه، "طلب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط رؤيتي هذا الصباح وقال إنه سيصل إلى القاهرة في حدود الثالث من مارس (آذار) ثم سيتوجه إلى تل أبيب، وحمّلني رسالة قوية وعاجلة بعدم الحديث عن أية معلومة عما يجري (المحادثات السرية)، وكان مقتنعاً بأن هذا من شأنه أن يُوقف العملية برمتها. كانت حججه مقنعة".

وأضاف، "أشرت إلى الصعوبة التي قد يضعك فيها هذا الطلب في محادثاتك الخاصة مع عبدالناصر، ولقد أدرك ذلك تماماً وأجاب بإعطائي وصفاً كاملاً للخط الذي يتبعه في كل من القاهرة وتل أبيب. سأسجل هذا في الحقيبة غداً.

آمل أن يلبي هذا مشكلتك وأن تسمح لي أن أطمئن المبعوث الذي بات يشعر بالقلق بشكل واضح، وأنا واثق من أنكم لن ترغبوا في الوصول إلى موقف يمكن فيه إلقاء المسؤولية واللوم عن انهيار عملية واعدة جداً على عاتقنا."

الوسيط السري يغادر القاهرة إلى القدس

تشير الرسالة السرية الصادرة في الـ 25 من يناير 1956 وتحمل توقيع السير جيفري آرثر، وهو دبلوماسي بريطاني، إلى أن الرئيس المصري جمال عبدالناصر كان متردداً في مناقشات جوهرية ولتسوية القضية الفلسطينية خوفاً من التعرض للعزلة السياسية، والرسالة موجهة إلى السكرتير الخاص لرئيس وزراء بريطانيا أنطوني إيدن.

جاء في هذه الوثيقة، "أثناء غداء اليوم أخبرني راسل أن عملية الوساطة السرية في النزاع الإسرائيلي - العربي تمضي قدماً، لكنه لم يخبرني باسم الوسيط ومستشاريه، وأعطيت راسل انطباعاً بأن كل هذا كان جديداً بالنسبة إلي، وقلت إنني اعتقدت أنه من الغريب إلى حد ما أننا لم نناقش (ألفا) وأنك لم تعطني سرداً لمناقشاتك الأولى، الآن فهمت السبب".

 

وتشير الرسالة السرية إلى أن "راسل قال إن الوسيط غادر القاهرة الآن إلى القدس، وكانت مناقشاته مع الرئيس ناصر بعبارات عامة جداً حول الوحدة العربية وخوف عبدالناصر من العزلة وما إلى ذلك، ولم يكن قد بدأ الحديث بشكل محدد عن تسوية فلسطينية، ولم يعتقد راسل أن هناك أي سبب للكتابة إلى لندن أو إرسال برقية إليك حول هذا الأمر في الوقت الحالي، لكنه قال إنه سيتصل بي خلال الأيام القليلة المقبلة بعد قول كل هذا".

 

وتلفت الرسالة إلى أن "راسل أوضح أن وزارة الخارجية توصلت إلى استنتاج مفاده أنه طالما استمرت جهود الوساطة السرية هذه فسيكون من الخطأ الضغط على عبدالناصر في شأن "خطة جونستون"، وبالتالي فإن التعليمات التي تعهدت وزارة الخارجية بإرسالها إلى القاهرة ودمشق بعد الاجتماع الذي عقدناه مع جونستون الأسبوع الماضي لن ترسل في الوقت الحاضر، وقلت ذلك في ضوء ما قاله لي واعتقدت أن هذا كان صحيحاً. الصعوبة الوحيدة هي أنني أخبرت سيمبسون في رسالة الـ 20 من يناير أنه يجري صياغة تعليمات للقاهرة ودمشق في شأن خطة جونستون، وأنني سأسمح له بالحصول على نسخة، ومن المستحيل تقديم تفسير منطقي لسبب التخلي عن النية، ولذا أقترح ألا أقول شيئاً في الوقت الحاضر، وعندها ستعتقد دائرة المشرق ببساطة أنني غير كفؤ."

الخارجية البريطانية تطلب معرفة آفاق التقدم في مشروع "ألفا"

وثيقة أخرى تتحدث عن طلب الخارجية البريطانية من سفيرها بواشنطن الحصول على معلومات أكثر من الأميركيين، وفرص تقدم الحادثات السرية في مشروع "ألفا"، إذ كان مقرراً أن يزور وزير خارجية بريطانيا آنذاك العاصمة المصرية نهاية فبراير 1956.

تذكر الوثيقة "في برقيتنا رقم (831) حول جسر بنات يعقوب، طلبنا منك الحصول على آراء دالاس حول آفاق التقدم على (ألفا)، ولم نحدد بشكل أكثر تحديداً لأن البرقية كانت تشهد توزيعاً واسعاً، لكن بالطبع ما نريد أن نعرفه هو كيف تسير مهمة أندرسون وما التقدم الذي جرى إحرازه.

 

أعلم أنك كنت متردداً في الضغط على دالاس في هذا الأمر لأنها كانت مبادرة شخصية وسرية للغاية، لكن الوقت قد حان الآن عندما يكون من الضروري أن نُضع في الصورة بالكامل، فهو لا يؤثر فقط في مسألة جسر بنات يعقوب، لكن وزير الخارجية سيزور القاهرة في غضون أسبوعين ويجب أن يعرف قريباً جداً أين تقف الأمور حتى يتمكن من تحديد الخط الذي يجب أن يسلكه هو نفسه مع عبدالناصر."

وجسر بنات يعقوب موقع تاريخي لجسر قديم يمر فوق نهر الأردن في فلسطين، وتعود تسمية الجسر بهذا الاسم، بحسب رأي بعض المؤرخين، أن النبي يعقوب عبر نهر الأردن من هذه النقطة رفقة بناته وهم في طريقهم إلى شمال سوريا.

بن غوريون يعرقل المحادثات السرية

وجاء في البرقية المرسلة في  الـ 14 من فبراير 1956 من قبل السفارة البريطانية في واشنطن إلى مرجعيتها في لندن، "زودني فرانسيس راسل أمس بملخص للزيارة الأخيرة التي قام بها مبعوث الرئيس الأميركي إلى ناصر وبن غوريون، وعلى رغم أن المبعوث لم يكن لديه خبرة سابقة في مشكلات الشرق الأوسط فإنه شعر بأنه حقق درجة عالية من الثقة مع الجانبين، وتحدث ناصر وبن غوريون بصراحة وحرية، ونشأت الصعوبة الكبرى بعد رفض بن غوريون الكشف، على حد تعبيره، لمبعوث الرئيس، أو حتى كما أعلن للرئيس نفسه عن الثمن النهائي للسلام، أن بن غوريون كان مستعداً لفعل ذلك فقط في محادثات مباشرة عبر الطاولة مع ناصر نفسه".

 

وتضيف البرقية، "من ناحية أخرى تحدث عبدالناصر بإسهاب عن الصعوبات الكبيرة التي كان عليه مواجهتها، وعلى وجه الخصوص، العواقب وتداعيات الكشف عن هذه المفاوضات قبل أن يكون لديه الوقت لإعداد نفسه بشكل كاف، وسرعان ما أدرك المبعوث أن اهتمام عبدالناصر كان موجهاً بالكامل تقريباً نحو مسألة النقب مع استبعاد العناصر الأخرى للتسوية، ونجح المبعوث في وضعه وجهاً لوجه مع هذه المسألة الأخرى.

 

وتشير البرقية إلى "عدم إقناع الطرفين بالاتفاق على تسوية، وبالتالي يجب افتراض أن التسوية غير ممكنة ويمكن للمبعوث أن يعود بعد مشاوراته مع الرئيس ويحث ناصر وبن غوريون على الاتفاق على عقد اجتماع سري، وفي هذا الصدد، وعلى رغم أن عبدالناصر قد واجه كثيراً من الصعوبات، فإنه لم يستبعد إمكان عقد مثل هذا الاجتماع، وكذلك إبقاء المناقشات جارية في الوقت الراهن، ومن ثمّ استغلال الوقت والعودة لكل جانب بمقترحات حازمة، وفي هذه الحال قد يكون من الممكن القول إن (نهج تريستا) قد جرب، لكن بما أن بن غوريون لم يكن مستعداً للكشف عما سيقبله فلن يكون من العملي اتباع هذا الخط".

وتريستا مدينة حدودية صغيرة تقع بين يوغوسلافيا وإيطاليا، وخلال أعوام ما بعد الحرب العالمية الثانية جلبت قضيتها النزاع الدبلوماسي بين يوغوسلافيا (معسكر الاتحاد السوفياتي) وإيطاليا (المعسكر الغربي)، وأسهمت في تهيئة الظروف لبدء فترة الحرب الباردة.

محاولات عقد اجتماع مباشر بين ديفيد بن غوريون وجمال عبدالناصر

وتتحدث الوثيقة السرية المرسلة إلى نائب وزير الخارجية البريطاني كيرك باتريك في الـ 16 من فبراير (شباط) 1956 من مساعد وكيل وزارة الخارجية الأميركي إلى احتمال عقد اجتماع مباشر بين ديفيد بن غوريون وجمال عبدالناصر برعاية أميركية وبريطانية.

 

"الرسالة المرفقة من بيلي تقدم لنا أول سرد رأيناه للتقدم الذي أحرزه أندرسون في مفاوضاته باسم الرئيس أيزنهاور مع بن غوريون وعبدالناصر، ومن الممكن أن نتلقى بعض التعليقات من ر. ماكينز رداً على رسالتي التي سبقت ذلك".

 

وتشير الوثيقة إلى أن "النتيجة هي أن أندرسون سيعود للمنطقة في الـ 25 من فبراير من أجل محاولة عقد اجتماع مباشر بين بن غوريون وناصر، ومن المحتمل جداً أن يكون في القاهرة في الوقت نفسه الذي يكون فيه وزير الخارجية، وهذا جانب من جوانب المسألة يجب أن نسترعي انتباه دالاس إليه، فلن يرغب وزير الخارجية في أن يبدو لعبدالناصر وكأنه لا يعرف شيئاً عن هذه المفاوضات، أو أنه يلعب دوراً ثانوياً، ومن ناحية أخرى فبما أن لديه عدداً كبيراً من الأمور الخطرة التي يرغب في طرحها على ناصر فقد يشعر أيضاً أنه ليس عليه، إضافة إلى ذلك، الضغط على ناصر للقاء بن غوريون، وأتوقع أن تشعروا أن هذا يتطلب مناقشة مع وزير الخارجية."

ناصر يؤكد على السرية التامة للمحادثات

وتؤكد الرسالة السرية المرسلة في الـ 18 من فبراير 1956 من السفارة البريطانية في واشنطن إلى مرجعيتها في لندن، حرص الخارجية الأميركية على إرسال أي شيء مكتوب على الورق بخصوص المحادثات السرية مع جمال عبدالناصر إلى القاهرة خوفاً من التسريب.

 

تقول الرسالة، "الاستنتاج هو أن وزارة الخارجية الأميركية مترددة في إرسال أي شيء مكتوب على الورق إلى القاهرة، وأوضح فرانسيس راسل أسبابهم على النحو التالي: قال ناصر لأندرسون إنه خائف بشدة من تعرضه للاغتيال في حال حدوث أي تسريب للمحادثات السرية قبل أن يتاح له الوقت لإعداد نفسه، اثنان فقط من المصريين إلى جانب عبدالناصر يعرفان التفاصيل عن هذا النهج بالذات، ولا يعرف حتى نائب رئيس الوزراء المصري، وعندما كان مبعوث الرئيس الأميركي في الغرفة مع ناصر ودخل نائب رئيس الوزراء حوّل ناصر بسرعة الحديث إلى علم الآثار، يعتقد ناصر أن عدد الأشخاص الذين يعرفون عن هذه العملية في جانبنا محدود بالمثل".

وتحذر الرسالة من أن "فرانسيس راسل يخشى أنه إذا اعتقد عبدالناصر أن أكثر من شخصين أو ثلاثة يعرفون بالمحادثات فقد يقرر التوقف تماماً، ولذلك السرية المطلقة أمر مهم وحيوي، وناصر نفسه لم يحتفظ بأية ملاحظات أو سجل مكتوب لهذه المحادثات على رغم أنه يبدو أن لديه قطعة صغيرة واحدة من الورق يحتفظ بها في محفظته، وقد جرى إخبار بايرود كما تعلمون عن العملية عندما كان هنا، لكن لم يتم تمرير أي رسائل مكتوبة بين وزارة الخارجية هنا والسفارة الأميركية في القاهرة، إذ إنهم قلقون أيضاً من إرسال رسائل مكتوبة من جانبكم إلى القاهرة."

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير