Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عين أوروبا على أطباء الدول المغاربية والأفريقية

تسعى فرنسا وألمانيا وبلجيكا إلى سد عجز الوظائف الصحية بمتخصصين من المغرب وتونس والجزائر واستقدام آخرين من السنغال والكاميرون

يزاول المهنة أكثر من 14 ألف طبيب مغربي في الخارج (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

تطلب المستشفيات الفرنسية والبلجيكية استقدام أطباء يجيدون اللغة الفرنسية، لذا فإن المغرب يهجره زهاء 700 طبيب كل سنة، أي 30 في المئة من مجموع من مجموع خريجي كليات الطب.

تسارع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فرنسا وألمانيا وبلجيكا، الزمن لجلب الأطباء من المغرب وتونس والجزائر، ومن بلدان أفريقية أخرى مثل السنغال والكاميرون، بغية سد عجز الأطباء في دول القارة العجوز.

وينجذب آلاف الأطباء في "بلدان الإرسال" مثل المغرب وبلدان مغاربية وأفريقية أخرى، إلى عروض التوظيف في مستشفيات ""بلدان الاستقبال" الأوروبية، مما يتيح سد النقص في الكفاءات الطبية بأوروبا، غير أنه يفضي إلى خسارة "دول الإرسال" لهذه المهارات و"الأدمغة الطبية".

الوجهة فرنسا

عزوز الراشدي، طبيب مغربي، يكشف عن أنه تلقى عرضاً للعمل في أحد المستشفيات الأوروبية، سواء من جهة الراتب الشهري أو بقية الميزات المادية، علاوة على ظروف العمل المريحة والاهتمام بالتكوين العلمي.

يقول هذا الطبيب في هذا الصدد إنه ليس الوحيد الذي تم قبوله ليلتحق بأحد المستشفيات في فرنسا، إذ يعرف زملاء آخرين له، منهم من تخرجوا حديثاً، ومنهم من مارسوا المهنة منذ بضعة أعوام، يستعدون للرحيل إلى مستشفيات ومراكز صحية في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي.

وحول العوامل التي تدفع الطبيب في المغرب أو في عدد من البلدان العربية إلى حزم حقائبه صوب المستشفيات الأوروبية، رد الطبيب أن الأمر يتعلق بما يمكن تسميته آفاق المهنة والحياة المهنية المحفزة في هذه الدول.

وأما بخصوص المقارنات الحاصلة بين المستشفيات في "دول التصدير" صوب بلدان أوروبية، فشدد الراشدي على أنه لا مجال للمقارنات على مستوى الرعاية والاهتمام، والمكانة الاعتبارية للطبيب في أوروبا، عكس ما هو جارٍ في دول عربية كثيرة.

ويستدرك الطبيب الذي قرر الالتحاق بأحد المستشفيات في ضواحي العاصمة الفرنسية، بالقول إن لا شيء يعوض حضن الوطن وصدق أهله ومحبة سكانه، غير أن التطور المهني المرتبط خصوصاً بالبحث العلمي وإمكانات التدرج والارتقاء، يبقى مستعصياً أو متعثراً في البلد الأم، بخلاف السياق المهني الذي تعتمده دول أوروبية عدة.

وفي حالة المغرب الذي تطلب المستشفيات الفرنسية والبلجيكية بالخصوص استقدام أطبائه بفضل اللغة الفرنسية المشتركة، فإن هناك نزيفاً يصل إلى هجرة زهاء 700 طبيب كل عام، أي 30 في المئة من مجموع الأطباء الخريجين في البلاد، ويزاول المهنة أكثر من 14 ألف طبيب مغربي في الخارج، لا سيما في بلدان الاتحاد الأوروبي.

تفضيل ألمانيا

وبخلاف الراشدي المتوجه إلى فرنسا، اختار لوني وهو طبيب جزائري، وفق تحقيق صحافي حديث نشره موقع "ميديا بارت" الفرنسي الشهير، الهجرة إلى أحد المستشفيات الألمانية، وقال "تقدم ألمانيا أفضل الفرص المهنية مقارنة بفرنسا، وحتى إيمانويل ماكرون يعترف بأن وضع الطبيب الأجنبي سيئ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الطبيب السنغالي إيمي، بحسب التحقيق الإعلامي الفرنسي، لم يخفِ ندمه في الالتحاق بألمانيا بدلاً من فرنسا، وقال "لم يكن يتعين علي اختيار فرنسا، ومع ذلك، بالنسبة لي، كما هي الحال بالنسبة لكثير من السنغاليين الآخرين، هي أول دولة أتوجه إليها"، وهكذا تم توظيفه في فرنسا عام 2017، ويعمل في الجراحة في مستشفى سان كوينتين.

ووفق المصدر ذاته، يبدو استقبال فرنسا للأطباء الممارسين من ذوي المؤهلات من خارج دول الاتحاد الأوروبي والذين يعرفون بـ"بادهو"، سيئاً إذ إنه قبل التسجيل في مهنة الطب، يلزم سلك رحلة طويلة مليئة بالأخطار.

واستدرك التحقيق ذاته بأنه على رغم ذلك، يشكل هؤلاء الأطباء تعزيزات وتطعيمات مهنية أساسية في المستشفيات العمومية، خصوصاً في سياق "التصحر الطبي" الهائل، إذ يوجد 295 طبيباً فقط لكل 100 ألف نسمة.

وذكرت "ميديا بارت" أن الرئيس الفرنسي نفسه أقر في بداية 2024 بوجود هشاشة إدارية لقطاع الأطباء، لكنه وعد بالمقابل بتسوية وضع عدد من الأطباء الأجانب، وطمأنت الحكومة الفرنسية المهنيين الصحيين الحاصلين على مؤهلات من خارج الاتحاد الأوروبي، بأنهم سيقومون بدور أساسي في النظام الصحي الفرنسي، وبأنها ستعمل على تحسين وضعهم والسماح لهم بممارسة مهنتهم بصورة كاملة، مع ضمان جودة الرعاية.

ويبدو أن هذه الأسباب مجتمعة، وفق التحقيق نفسه، كانت الدافع الرئيس لطلب المستشفيات الفرنسية خدمات الأطباء خصوصاً من بلدان مغاربية من قبيل المغرب والجزائر، ودول أفريقية مثل السنغال بسبب عامل اللغة.

ثلاثة أطراف

وتتمثل عملية جلب المستشفيات الأوروبية للأطباء المغاربيين في ثلاثة أطراف رئيسة، فهناك دولة الاستقبال التي تقدم مناصب للكوادر الصحية، ودولة الإرسال التي تصدر الأطباء، ثم الأطباء أنفسهم المعنيون هذه الهجرة.

يقول متخصص السياسات الصحية المغربي الطيب حمضي إن أكبر مكسب لدول الاستقبال أنها تجهز مستشفياتها وترمم الخلل الكبير المسجل لديها لجهة عدد الأطباء.

وتتمثل معايير منظمة الصحة العالمية في 13 طبيباً لكل 10 آلاف نسمة من السكان كمعيار أدنى، بينما المغرب لا يوفر سوى 7.8  طبيب وفق المعيار الأدنى.

وأوضح الحمضي أن مكاسب دول الاستقبال من جلب هذه الكفاءات الطبية من بلدان مثل المغرب والجزائر وغيرهما، تكمن في أنها تستفيد مجاناً من هذه الموارد والمؤهلات، بعد أن تكون دول الإرسال عملت على تدريسهم وتكوينهم وتدريبهم.

أما بخصوص الدول المصدرة للأطباء، فيكمل أن هذه الهجرة تفاقم النقص المهول الموجود أصلاً في الكوادر البشرية، إذ تضيع البلاد في عماد من أعمدة التنمية، وهي الصحة، إضافة إلى هدر الأموال الطائلة بهدف تكوين عدد قليل من الأطباء يهاجرون في نهاية المطاف صوب الخارج.

وبالنسبة إلى الطرف الثالث في العملية، بحسب حمضي، فالأطباء أنفسهم الذين يكسبون دخلاً مالياً جيداً يراوح ما بين خمس إلى 10 مرات أفضل من رواتب المغرب، كما أن ظروف العمل هناك أفضل بكثير، ويكسبون أيضاً مكانة اجتماعية صارت تتناقص في بلدانهم الأصلية، ويستفيدون من تكوينات وتدريبات تثري مساراتهم المهنية.

ويستدرك حمضي أن الذي يخسره هؤلاء الأطباء هو دفء الوطن وأسرهم وعائلاتهم والشعور بالغربة وعدم مساهمتهم في تنمية بلدانهم، غير أن هذا لا يرتبط بهم كأطباء، وإنما بظروف اجتماعية واقتصادية دفعتهم إلى اتخاذ قرار الهجرة والعمل في مستشفيات دول أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير