ملخص
بحسب القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي الجنرال احتياط إيتان بن إلياهو فإن "حزب الله" يمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ، منها "ما لا يقل عن 75 ألف صاروخ تصل إلى الشمال و67 ألفاً إلى حيفا و10500 صاروخ إلى الخضيرة و4500 إلى المركز، مما يعني أنهم يغرقون مساحة شاسعة في إسرائيل".
قبل 57 عاماً، شهدت المنطقة في مثل هذه الأيام حرباً بين إسرائيل وأربع دول عربية هي مصر وسوريا والأردن والعراق، وانتهت خلال ستة أيام ونجحت خلالها إسرائيل في احتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.
وأطلق على هذه الحرب في الدول العربية "النكسة" وفي إسرائيل يسمونها حرب الأيام الستة، وبقوا على مدى أعوام طويلة يتغنون بنجاحاتهم فيها، واليوم وفي إحياء ذكرى هذه الحرب يشكل قطاع غزة، الذي كان ضمن انتصارات إسرائيل باحتلاله مع سيناء أخطر وأكثر التحديات للجيش الإسرائيلي، ما بين وضعيته آنذاك واليوم، إذ اعتبر نفسه حتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 خامس أقوى جيش في العالم، وبعد ثمانية أشهر من هذا اليوم إذ انطلقت حرب "طوفان الأقصى" يشهد اليوم حال ضعف وتفكك وعجز عن حسم الحرب أمام تنظيمات شبه عسكرية، تضم حركة "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان، من دون أن يكون قادراً على حسم أي من الجبهتين ولا الجبهتين معاً.
وكما يكرر جنرال متقاعد إسحاق بريك في معظم مقابلاته "الجيش الإسرائيلي صغير عاجز عن حسم المعركة في غزة فكيف له أن يخوض حرباً تجاه ’حزب الله‘ الذي يمتلك ترسانة صاروخية وقدرات عسكرية متطورة، حققت معظم أهدافها من دون تصديها".
وتقف إسرائيل وهي تحيي ذكرى حرب الأيام الستة أمام تحديات خطرة من الداخل والخارج، وفي مقدمها صفقة الأسرى التي تشعل المجتمع الإسرائيلي المطالب بتنفيذها فوراً، ويتغلغل هذا المطلب بين جنود الاحتياط الذين بدأت مجموعات منهم التمرد ورفض الامتثال لأوامر الحضور إلى القواعد العسكرية، كما انعكس الانقسام داخل المؤسستين العسكرية والسياسية.
ويتمثل التحدي الخارجي الأخطر الذي يقف أمام إسرائيل اليوم في الجبهة الشمالية تجاه لبنان، بعد ارتفاع حدة التصعيد واشتعال المنطقة بنيران المسيرات والصواريخ التي أطلقت من لبنان، وعدم قدرة الجيش على مواجهة مسيرات "حزب الله" التي أدى استهداف اثنتين منها، بعد ظهر أمس الأربعاء، إلى مقتل جندي وإصابة 10 آخرين من دون إطلاق صفارات إنذار أو إمكانية التصدي للمسيرتين من قبل منظومات الدفاع التي ينشرها الجيش في المنطقة، ليضع الجيش بعد جلسات تقييم له لهذه التطورات الطائرات المسيرة التحدي الأكبر والأخطر لإسرائيل، فيما صعدت القيادة التي وصل معظمها إلى الشمال للاطلاع من كثب تهديداتها بالرد بحرب على لبنان، على رغم أن "الكابينت الحربي" لم يبحث خطة حول الشمال أو إبقائها إلى ما بعد حرب غزة.
واستدعت التحديات المتصاعدة من الشمال والشارع الإسرائيلي "الكابينت الحربي" إلى عقد سلسلة اجتماعات لحسم الوضع، فيما انتظر رد "حماس" على المقترح الإسرائيلي ليحسم شأن الصفقة، وأخذ بالحسبان التقارير والتحذيرات التي أطلقها أمنيون وعسكريون مطلعون على وضعية الجيش وإمكاناته لخوض حرب على جبهتين، وقرر تأجيل الهجوم الواسع على لبنان إلى ما بعد إنهاء عمليته في رفح، والمتوقع نهاية الشهر الجاري.
وخفف ما نقل من معلومات حول رفض حركة "حماس" المقترح لعدم تضمنه وقفاً للحرب من حدة التهديدات التي تعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من ائتلافه الحكومي، وتحديداً من وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب وتفكيك الحكومة إذا ما وافق على الصفقة.
ولكنه من جهة أخرى يجعل الاحتمال الأكبر انسحاب عضوي "الكابينت الحربي" بيني غانتس وغادي أيزنكوت، وفق مقربين منهم وبالتالي تفكيك "الكابينت الحربي" لتعود القرارات التي أوكلت له إلى المجلس الوزاري الأمني المصغر لحكومة نتنياهو، الذي يتكون معظمه من داعمي موقف بن غفير وسموتريتش، مما سيأخذ الوضع إلى منطقة أكثر تعقيداً لا سيما على جبهتي غزة ولبنان.
الرادارات الإسرائيلية غير قادرة على كشف المسيرات
وشغلت الأيام الثلاثة الأخيرة من التصعيد على الجبهة الشمالية متخذي القرار، الذين يواجهون معضلة كبيرة من جهة عدم إمكانية الإبقاء على حرب الاستنزاف في الشمال أمام "حزب الله" في ظل تصعيد القتال، ومن جهة أخرى تسارع انتهاء الساعة الرملية للجيش في غزة وتكثيف القتال لتحقيق أهداف هذه الحرب.
وتلتهم الصور التي هيمنت على المشهد الإسرائيلي والنيران عشرات آلاف الدونمات والبيوت والممتلكات التي تبقت في المكان، وصرخات بعض أصحاب البيوت المبعدين من الشمال الذين عاد بعضهم إلى بيوتهم على عجل، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ممتلكات قبل أن تلتهمها النيران.
"الشمال يحترق" و"سلمنا المفاتيح لنصرالله" هي أبرز ما سمع وكتب عن الشمال خلال هذا التصعيد، مما استدعى رئيس الأركان هرتسي هليفي خلال جلسة تقييم له في المنطقة، إلى الإعلان أن جيشه مستعد لحرب على لبنان وأنه في أقرب نقطة من الحرب بانتظار قرار المؤسسة السياسية، لكن الأخيرة التي تسعى إلى تحقيق أهداف حرب غزة أولاً ما زالت تتعامل مع الجبهة الشمالية في المكانة الثانية بعد غزة، على عكس ما تريد المؤسسة العسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعرض الجيش خلال طرحه على متخذي القرار وضعية الشمال خطتين لحرب لبنان، إحداهما تحاكي حرباً محدودة في جنوب لبنان تستهدف مخازن الطائرات المسيرة والصواريخ، التي يملكها "حزب الله" وقيادته على أن يتم تنفيذها خلال فترة زمنية محددة، وأخرى تتمثل في الخطة التي ينقسم حولها العسكريون والسياسيون، وتطرح تنفيذ حرب واسعة تصل إلى عمق لبنان والقضاء على البنى التحتية، لكن من شأنها أن تؤدي إلى حرب إقليمية وهو ما يحذر منه مطلعون على وضعية الجيش وطبيعة القتال في لبنان أمام "حزب الله"، وأوضحوا أن حرباً إقليمية تكون الجبهة الداخلية في إسرائيل حلقة ضعيفة فيها.
وحتى اللحظة، طلب متخذو القرار من الجيش تجنيد الاحتياط ما بين 300 ألف و350 ألف حتى نهاية أغسطس (آب) المقبل، فيما هو مستمر في بحث حرب غزة وصفقة الأسرى.
في الوقت نفسه، وفي ظل تقارير تتحدث عن الترسانة الصاروخية الدقيقة التي يملكها "حزب الله" ومخزون الطائرات المسيرة التي تعدها إسرائيل بديلاً عن سلاح الجو، يعد الجيش والجبهة الداخلية حملة معلومات للسكان حول ما يمكن أن تلحق به حرب مع لبنان على الجبهة الداخلية، فيما أكد التصعيد الأخير تقارير تحذر من أن ما يملكه الجيش من منظومات دفاعية غير قادرة على التصدي لما يمكن أن تتعرض له إسرائيل من صواريخ وطائرات مسيرة يومية من "حزب الله".
ويرى القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي جنرال احتياط إيتان بن إلياهو أنه على إسرائيل أن تستعد قبل أي حرب على لبنان، حول كيفية مواجهة القدرات الصاروخية لـ"حزب الله".
ويقول بن إلياهو إن "حزب الله" يمتلك "عشرات الآلاف من الصواريخ، وبحسب ما متوافر هناك ما لا يقل عن 75 ألف صاروخ يصل إلى الشمال، و67 ألف صاروخ إلى حيفا، 10500 صاروخ إلى الخضيرة و4500 صاروخ إلى المركز، مما يعني أنهم يغرقون مساحة شاسعة في إسرائيل".
ويضيف بن إلياهو أن "الحرب أمام ’حزب الله‘ لن تكون سهلة، ولكن في مرحلة معينة يجب تغيير الواقع وضمان أمن الحدود والمنطقة والسكان، أما في هذه المرحلة يجب على الجيش أن ينفذ خطة للقضاء على منصات الصواريخ وأيضاً الطائرات المسيرة".
أما التقارير الأولية للخسائر التي ألحقتها الطائرات المسيرة والصواريخ في الشمال فتفوق ضعفي خسائر حرب لبنان الثانية خلال عام 2006، وهذا لا يشمل كلف السكان المبعدين من بيوتهم من خزانة الدولة.
لا تصدقوا هرتسي هليفي
وتوسل ضابط الاحتياط أوري مسغاف من قادة احتجاجات "الأعلام السوداء"، التي شهدتها إسرائيل قبل حرب غزة احتجاجاً على خطة الحكومة "الانقلاب القضائي"، للإسرائيليين بعدم تصديق ما يقال من القيادة قائلاً "لست رئيس الأركان. فقط أنا ضابط صغير في الاحتياط، وأتوسل للإسرائيليين وأقول لهم لا تصدقوا هرتسي هليفي. هو يعيش في الخيال. اطلبوا رأياً آخر. الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل غير مستعدين لحرب في لبنان ستلحق دماراً كبيراً في الجليل، وستجر هجمات الصواريخ والمسيرات إلى حيفا وغوش دان ’في المركز‘".
ويرى أنه "بعد ثمانية أشهر على القتال في غزة والاستعداد والضربات الموجهة نحو الشمال، استنفذ الجيش موارده تماماً ومئات الجنود قتلوا والآلاف أصيبوا جسدياً ونفسياً، وباتت المنظومة الداعمة للقتال منهكة ومتآكلة، وتوجد مشكلة واضحة في أوساط جنود الاحتياط، ومنذ استئناف العملية في قطاع غزة أيضاً هذا سائد في أوساط جنود الخدمة النظامية، ويوجد أيضاً نقص في الذخيرة والمعدات".
ويكشف مسغاف عن وضع الجيش الذي أكد عليه أكثر من تقرير إسرائيلي "منذ ثمانية أشهر يقولون لسكان المنطقة الشمالية التي يتم قصفها إنه يجب عليهم خفض الرأس لأن الجيش منشغل في غزة، والجيش بوضعه الحالي غير مؤهل للقتال على جبهتين، هذا حتى من دون حساب تدخل الحوثيين في اليمن والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق أو حتى في الأردن، أو اشتعال الضفة الغربية".
ويضيف "أيضاً لا يوجد أي رد حاسم للجيش على المسيرات المتفجرة وعلى الصواريخ أو على خطر الحرائق، الذي لم يكن الأمر يحتاج إلى قدرة استخباراتية كبيرة من أجل توقعه"، بحسب مسغاف.
ويتفق مسغاف مع كثيرين في أن "وقف الحرب في الجنوب والشمال وإعادة الأسرى والتوقف عن التضحية عبثاً بالجنود وإنقاذ ما تبقى من الدولة" يتعالى هذه الأيام في إسرائيل، على رغم ما يشكله رفض "حماس" للصفقة من تأجيل.