Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين الغرب وروسيا كسر الخطوط الحمر ليس "نزهة عسكرية"

مواجهة "الناتو" لموسكو بالأسلحة التقليدية أمر غير ذي جدوى وسيعزز من إطالة مدى النزاع فهل خلصت القيادات العسكرية في الحلف إلى ضرورة السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة متطورة يمكنها أن تقلب موازين المعركة؟

لم تكن مواجهة روسيا مع كييف بل مع حلف "الناتو" الذي لم يأل جهداً في دعم زيلنسكي بمختلف أنواع الأسلحة التقليدية (أ ف ب)

ملخص

طرح ثالث يقول إن موسكو ستبذل قصارى جهدها لإشعال حرب أهلية بين الأميركيين وبعضهم بعضاً على مشارف الانتخابات المختلف من حولها، غير أن ساعتها سيكون مصير الترسانة النووية الأميركية بدوره أمراً مخيفاً ومقلقاً لأمن وسلام العالم.

فهل من طريق لاستنقاذ العالم من الجنون القائم والقادم؟

دخلت الأزمة الروسية - الأوكرانية منعطفاً جديداً في الأيام الأخيرة، حيث العام الثالث من أخطر حرب عرفتها المنطقة الأوراسية حول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لم تكن الرحلة مجرد نزهة عسكرية بالنسبة إلى الروس، بل تكبدوا عناء ومشقة كبيرين، ناهيك عن خسائر بالغة على صعيد العتاد المسلح من جهة، والخسائر البشرية من جهة ثانية، عطفاً على الأزمات الاقتصادية التي تولدت من الحرب، وحتى لو كان الاقتصاد الروسي ينمو بالفعل.

لم تكن مواجهة روسيا مع كييف، بل مع حلف "الناتو"، الذي لم يأل جهداً طوال العامين الماضيين في دعم حكومة فولوديمير زيلنسكي بمختلف أنواع الأسلحة التقليدية اللازمة لمواجهة القوات الروسية، لكن من غير أن تتجاوز الخطوط الحمراء.

 

ماذا عن تلك الخطوط؟

المؤكد أنها تتعلق بالأسلحة التي تصيب الحواضن الروسية بالأذى البالغ، والحديث حتى الساعة يدور في سياق الأسلحة الاعتيادية غير النووية. على أن ما يجري أخيراً، يفتح الباب أمام نوع من أنواع المواجهة المختلفة، إذ يبدو الإصرار الأميركي والأوروبي على تعريض الأمن القومي الروسي للخطر من خلال أسلحة متقدمة يمكنها أن تخل بموازين القوى وبما يعرض موسكو لخطر الهزيمة. على أن علامة الاستفهام الواجب التوقف أمامها بجدية تامة: هل يمكن بالفعل أن تتعرض روسيا للهزيمة؟

قبل الجواب يتحتم علينا مناقشة مقولات الغرب الأوروبي والأميركي، حول ضرورة هزيمة روسيا - فلاديمير بوتين من أجل ضمان الأمن والاستقرار العالمي.

وهنا تبدو المعادلة كالتالي، على بوتين أن يذوق الهزيمة العسكرية في أوكرانيا حتى لا تنفتح شهيته أو تتسع أحلامه إلى ما وراء أوكرانيا من دول أوروبية، والبداية من عند دول البلطيق بنوع خاص، الأقرب جغرافياً، والأخطر عسكرياً على موسكو.

والربط بين الأمن والاستقرار العالمي وبين حتمية انكسار القيصر يطرح تساؤلاً جدياً وجذرياً بدوره، وهو "هل كانت روسيا أصل المشكل؟ أم أن مخططات الناتو للتقدم شرقاً جهة روسيا هي التي استدعت التحرك الروسي درءاً للأخطار المقبلة لا محالة؟

وهل روسيا ضحية أم جلاد؟ وماذا كان على الروس أن يفعلوا وهم يرون، بحسب ادعاءاتهم، مخططات استراتيجية تبغي تفكيك وتفتيت روسيا الاتحادية بالضبط كما جرى مع الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود؟

 

تصعيد مرعب على الجبهة الأوكرانية

بصورة متسارعة تتغير معالم الصراع على الجبهة الروسية - الأوكرانية، ومن الواضح أن التقدم العسكري الكبير والخطر الذي تحرزه القوات الروسية في مدينة خاركييف هو ما أقنع إدارة الرئيس جو بايدن بتجاوز الخطوط الحمراء، والسماح باستخدام أسلحة متقدمة لوقف تقدم الروس والاستيلاء على مناطق حاسمة أخرى في شرق أوكرانيا .

وكانت مجلة "بوليتيكو" الأميركية هي من أماط اللثام عن أبعاد المشهد المتدهور لا سيما بعد اللقاء الذي جرى في الـ13 من مايو (أيار) الماضي بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي كيو براون مع زيلنسكي ومساعديه. وفي هذا اللقاء طلبت كييف رسمياً من البيت الابيض رفع القيود المفروضة على الأسلحة حتى تتمكن من استخدامها لضرب المواقع الروسية عبر الحدود، وهذا ما حدث بالفعل.

ما بين الـ23 والـ28 من مايو الماضي شنت كييف غارات بعيدة المدى بطائرات بلا طيار على محطتي رادار روسيتين تشكلان جزءاً من نظام رادار للإنذار المبكر مصمم لاكتشاف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وهي في المقام الأول الصواريخ النووية. واستهدف الهجومان عمق الأراضي الروسية. ويمثل هذه الهجوم على إحدى أكثر ركائز البنية التحتية للردع النووي في روسيا التصعيد الأكثر رعباً للصراع حتى الآن، مما يجعل العالم أقرب بخطوة أخرى إلى حافة حرب نووية.

ولعل من الواضح كذلك أن الدفع في مواجهة روسيا لم يتوقف عند حدود الولايات المتحدة الأميركية فحسب، وإن كانت هي رأس حربة الصراع، بل امتد المشهد كذلك إلى ألمانيا، ففي الـ31 من مايو قال شتيفن هيستريت المتحدث باسم المستشار الألماني أولاف شولتس إن برلين منحت أوكرانيا الإذن باستخدام أسلحة زودتها بها ألمانيا لضرب أهداف داخل روسيا غداة الكشف عن قرار أميركي مماثل. وأضاف في بيان أن كييف لديها "الحق في الدفاع عن نفسها بموجب القانون الدولي" ضد الهجمات من مناطق داخل روسيا قرب الحدود مع أوكرانيا، وتابع "لهذه الغاية يمكنها أيضاً استخدام الأسلحة التي زودت بها لهذا الغرض، بما في ذلك الأسلحة التي زودناها نحن بها".

 

ما الذي أدى إلى هذا التغير؟

ظاهرياً دفع الإلحاح الجديد من جانب كييف التي لا تزال تنتظر المساعدات العسكرية الأميركية الحاسمة، مزيداً من المسؤولين الغربيين إلى دعم فكرة إزالة القيود المفروضة على ضرب أهداف داخل روسيا، وخلال معظم فترات الحرب، رسم شركاء كييف خطاً أحمر ثابتاً لا يسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة التي يزودونها بها داخل الأراضي الروسية، خوفاً من تصعيد من جانب الكرملين الذي قد يحول الصراع إلى حرب عالمية ثالثة.

فهل هناك ما هو أكثر بعداً وعمقاً من الأسباب الظاهرة على السطح التي تدفع أوكرانيا لتجاوز ما كان ممنوعاً عليها ومحرومة منه من قبل بخصوص الأسلحة الهجومية ذات ردات الفعل القاتلة والمؤثرة؟

سلام مستدام وخطة نصر متماسكة

يأخذنا الجواب عن التساؤل المتقدم إلى منطقة ملتهبة تتشابك فيها أوضاع الحاضر وهواجسه مع حقائق الماضي ومخاوفه. باختصار يبدو أن "الناتو" يتساءل اليوم "هل الصبر على بوتين يعادل الصمت الأوروبي على هتلر حين قام بخرق معاهدة ميونيخ؟".

يقول بعضهم إنه لو تحركت الجيوش الفرنسية والبريطانية وبقية حلفائهم ضد ألمانيا في وقت مبكر، لربما كانت هيئة أركان الجيش الألماني في ذلك الوقت، قامت من تلقاء نفسها بإزاحة هتلر في محاولة لتجنيب البلاد الدخول في حرب مع بقية أوروبا .هنا تكاد العقلية نفسها أن تكون حاكمة للمشهد، ولعل ما سطره كل من المؤسسة المشاركة للمركز الدولي للنصر الأوكراني هانا هوبكو وعضو البرلمان الأوروبي رئيس وزراء ليتوانيا السابق أندريوس كوبيليوس عبر مجلة "نيوزويك" الأميركية يقطع بذلك.

ففي قراءتهما يقطعان بأنه لا يمكن أن تكون الأخطار أعلى مما هي عليه الآن، ذلك أن روسيا، في تقديرهما، تحت حكم بوتين تشكل تهديداً مباشراً لنظام الأمن العالمي والسلام المستدام في أوروبا، وعندهما كذلك أن نتيجة الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا ستحدد الإطار الزمني المستقبلي في القارة الأوروبية لعقود مقبلة، وأنه إذا قدم الغرب لأوكرانيا الدعم الذي تحتاج إليه لتحقيق النصر في الحرب، فإن هذا النصر من شأنه أن يضمن السلام ليس لأوكرانيا فحسب، بل لأوروبا بالكامل. وقد تؤدي هزيمة روسيا إلى إحداث تحول سياسي داخل روسيا وتساعد في تقويض الطموحات الإمبراطورية العدوانية للبلاد.

الكاتبان البارزان يريان أن الكرملين لن يتصرف بمفرده، بل على العكس من ذلك، فإن انتصار روسيا على الغرب في أوكرانيا من شأنه أن يشجع تحالف الأنظمة الاستبدادية، على حد تعبيرهما، الذي نشأ في السنوات الأخيرة، الذي يجمع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، وفي حين من المرجح أن يركز مزيد من العدوان الروسي على أوروبا، فإن رفاق بوتين المستبدين سيتشجعون على تبني أجنداتهم التوسعية في أماكن أخرى.

من هذا المنطلق، يتعين على المجتمع الدولي أن يتقبل حقيقة مفادها بأن النصر الأوكراني وحده هو القادر على فتح الباب أمام سلام مستدام، سواء بالنسبة إلى أوكرانيا أم للعالم أجمع.

فهل يعني ذلك أن أي سعي للتوصل إلى سلام مع بوتين أمر مرفوض؟

الكاتبان عينهما يعتبران أن أية محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام وسط مع بوتين لن تمنح روسيا النصر وتسمح لموسكو بمواصلة احتلال مناطق بأكملها في أوكرانيا فحسب، بل سيكون تكراراً لمؤتمر "ميونيخ" عام 1938 الذي كانت له عواقب مأسوية على المجتمع الدولي بأسره.

وكان القادة البريطانيون والفرنسيون الذين وافقوا على تسليم هتلر جزءاً من تشيكوسلوفاكيا في ميونيخ، يأملون أيضاً في تأمين السلام، وبدلاً من ذلك كانوا يمهدون الطريق للحرب العالمية الثانية.

 

فهل تستطيع أوروبا أن تتحمل ارتكاب الخطأ نفسه مرة أخرى؟

الجواب المخيف والمرعب في الوقت ذاته "ما البديل؟ وهل تجاوز الخطوط الحمر العسكرية من خلال قصف رادارات الأسلحة النووية الروسية وربما استهداف أعيان ذات أهمية فائقة في البنية التحتية الروسية، كمحطات الطاقة أو السكك الحديدية، وربما في الغد الموانئ والمطارات، بأسلحة تقليدية، وقد تجري المقادير بأدوات عصرانية، مثل الهجمات السيبرانية أو استخدام الذكاء الاصطناعي للتخريب في روسيا من الداخل، أمر ستقف موسكو - بوتين عاقدة الأذرع على الصدور في شأنه؟

ما الذي تريده موسكو حقاً؟

قد يكون من التبسيط الجواب عن علامة الاستفهام هذه في فقرة من قراءة، مهما اتسعت سطورها، فروسيا العائدة كما العنقاء من الرماد تحتاج إلى كتب وشروحات مستفيضة، غير أنه لا بد من الإشارة، ولو لماماً، إلى أنه قد يبدو للوهلة الأولى أن التغير الجذري في سياسة روسيا الداخلية والخارجية يرتبط في المقام الأول بالأحداث التي شهدتها شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في عام 2014. غير أن الحقيقة هي أن موسكو أدركت ما يدور من حولها، وما يحاك لها، ولهذا كان عليها أن تمر بمراحل عدة، ربما ليس آخرها المواجهة العسكرية في أوكرانيا.

باختصار يمكننا التوقف عند النقاط التالية:

1- روسيا غير العسكرية 2000-2003: وهنا كان الشغل الشاغل هو ضمان الاستقلال الاقتصادي لروسيا بعد سداد الديون التي كانت توقفت عن سدادها في عام 1998 مع التركيز على قضايا السياسة الداخلية.

2- روسيا العسكرية 2004-2008: هذه المرحلة اهتمت فيها روسيا ببناء قوتها العسكرية من جديد، وخدمتها أسعار الطاقة المرتفعة في ذلك الوقت، مما وفر لها مداخيل عالية، وبدأت في جورجيا خطوات إعلان عودتها.

3- روسيا على مفترق طرق 2009-2011: حدث ركود اقتصادي عميق على خلفية الأزمة المالية العالمية في 2008، مما دفع موسكو إلى البحث في نماذج تنمية اقتصادية محلية جديدة، ومحاولة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة، ونجحت في ذلك بشكل واسع، مما سلط عليها بؤرة الغضب الأميركي الجامح.

4- روسيا العسكرية المعزولة 2014: هنا بات جلياً أن القيصر بوتين أمسك بزمام المبادرة في الرد على ما يحاك لروسيا من مؤامرات في الخفاء.

واستشعرت روسيا أن "الناتو" يستعد للتقدم إلى جهة الشرق من خلال أوكرانيا على رغم الوعود التي كان قطعها على نفسه بأن يتوقف عند حدود روسيا مع أوكرانيا. وفي هذه المرحلة قام بوتين بضم شبه جزيرة القرم، فكانت هي المنفذ الوحيد لبلاده للخروج إلى المياه الدولية، وهو ما حدث رداً على الثورة في كييف وبعد الإطاحة القسرية بفيكتور يانوكوفيتش من منصب رئيس أوكرانيا، كما مارست موسكو دعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا ومن وقتها بدأت العقوبات الاقتصادية تنهال على رأسها. وعلى رغم التطورات المثيرة في هذه المراحل، تمكنت روسيا من البقاء موحدة شعبياً ونخبوياً، كما أن قبضة بوتين الحديدية على جماعة "السلوفيكي" المحيطين به بددت آمال وأحلام الدول الغربية المخملية في الإطاحة به من الداخل. ولاحقاً وقر في عقل وقلب روسيا - بوتين أن أوكرانيا يراد لها أن تضحى "كعب أخيل" بالنسبة إلى الجسد الروسي، ومن هنا كانت العملية في أوكرانيا .

التفسير والتبرير الروسيان لهذه العملية يدوران في سياق المفهوم الاستراتيجي العسكري التقليدي "أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم"، ومن هنا يمكن للقارئ أن يتفهم من تلقاء ذاته الجواب عن السؤال "هل كانت روسيا هي السبب الرئيس في تهديد أمن وسلام واستقرار العالم؟ أم الناتو بطرفيه الأوروبي والأميركي هما السبب؟

مهما يكن من شأن الجواب، فإن الحديث الآن يدور حول المدى الزمني الذي يمكن لروسيا أن تقاوم فيه الحرب التقليدية من حولها، وقبل الانتقال إلى مستوى آخر من المواجهات التي يمكنها أن تذهب بالفعل بأمن وسلام العالم. ماذا عن ذلك؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الصمود الروسي حتى متى؟

في الذكرى الثانية للعملية العسكرية في أوكرانيا، صدر تقرير عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره المملكة المتحدة، حول القدرات الروسية في الصمود والاستمرار، وما إذا كان للروس أن يكملوا مسيرة المواجهة مع الغرب تقليدياً حتى الساعة. والنتيجة النهائية للتقرير تفيد بأن روسيا يمكنها بالفعل، وعلى رغم كل الأسلحة التي تدفقت على أوكرانيا خلال العامين الماضيين البقاء في ساحات القتال لعامين أو ثلاثة أعوام.

ويقول التقرير "على رغم خسارة مئات المركبات المدرعة وقطع المدفعية شهرياً في المتوسط، تمكنت روسيا من الحفاظ على استقرار أعداد مخزونها النشط من خلال إعادة تنشيط الأنظمة القديمة وتعزيز قدرتها الصناعية والشراء من الخارج".

وفي حين تكبدت روسيا خسائر فادحة في المركبات المدرعة ومركبات المشاة القتالية من جراء الدعم الصاروخي الغربي لأوكرانيا، فإن روسيا استطاعت التعويض سريعاً من خلال استراتيجية عسكرية واقتصادية ناجحة عرفت كيف تقاوم الضغوطات الغربية. وأدرك القيصر بوتين أن هناك حالاً من الرفض المعولم للسياسات الأميركية، لا سيما في القارة الآسيوية، ولهذا نجح في مد الجسور من جديد مع الجمهوريات السوفياتية السابقة، عطفاً على الشراكة التي تحتاج إلى حديث مفصل مع الصين، ومن ثم فتح مسارات تعاون مع كتل جغرافية وديموغرافية، كما الحال مع القارتين الأفريقية واللاتينية أي أميركا الجنوبية.

وأثبت الاقتصاد الروسي مرونته على رغم العقوبات الدولية، وزاد الإنفاق الدفاعي لعام 2024، إذ رفعت روسيا موازنتها الدفاعية الرسمية للعام الجاري بأكثر من 60 في المئة على أساس سنوي، وبات هذا الإنفاق الآن يمثل ثلث الموازنة الوطنية، ويصل بنهاية العام إلى 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مما يشير إلى التركيز على مجهودها الحربي.

ماذا يعني ما تقدم؟

باختصار يفيد بأن المواجهة الغربية لروسيا بالأسلحة التقليدية أمر غير ذي جدوى وسيعزز من إطالة مدى النزاع، وهنا يطفو على السطح تساؤل نهائي "هل خلصت قيادات الناتو، كما رأينا في المقدمة إلى ضرورة تجاوز الخطوط الحمراء من خلال السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة متقدمة يمكنها أن تتسبب في قلب موازين المعركة مع موسكو؟".

عن التلويح بالفزاعة الروسية

قبل الجواب عن السؤال المتقدم لا بد أن نشير إلى أن دوائر "الناتو" تعمل جاهدة وبسرعة كبيرة على التلويح بفزاعة روسيا في عموم أوروبا ودول البلطيق بنوع خاص، عطفاً على دول الجوار الروسي.

خذ إليك على سبيل المثال، وبعد انضمامها لحلف "الناتو"، تحاول السويد هذه الأيام أن تظهر شكلاً من أشكال التهديدات الروسية المخيفة، وبخاصة في ظل محاولات القائد العام للقوات المسلحة السويدية الجنرال ميخائيل بودن إقناع السويديين بأن روسيا تسعى إلى السيطرة على جزيرة "غوتلاند"، التي من المفترض أنها تحتاج إليها لفرض سيطرتها على بحر البلطيق.

وقول الروس إن السويديين كانوا في يوم من الأيام من أشهر رواة القصص الأسطورية، وحصلوا على ذلك من الثقافة الإسكندنافية. والقصة المفضلة لدى الصحف السويدية الآن هي معرفة كيف تقترب الغواصات الروسية المجهولة مرات عدة في السنة من شواطئ المملكة؟ وربما حتى كيف يتم إنزال القوات البرية مباشرة نحو القصر الملكي؟

غني عن القول إنه في كل مرة تتم فيها إثارة مثل هذه الاتهامات في وسائل الإعلام يؤمن الجميع حقاً بما يسمونه "التهديد الروسي الجامح"، وغالباً ما تحدث ذروة هذا التاريخ خلال الفترة التي ينظر فيها في موازنة الدولة، والمؤكد أن ما تروج له بعض وسائل الإعلام التابعة للسويد في شأن التهديدات الروسية، لا يتوقف فقط عند حدودها، لكنه يمتد كذلك إلى غيرها من الدول الأوروبية بخاصة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

هل لهذا علاقة ما بالمخططات التي يتحدث عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنوع خاص؟ وترتيباته القاضية بإرسال خبراء عسكريين وجنود من فرق العمليات الخاصة للعب دور محدد في مواجهة القوات الروسية على الحدود مع كييف؟

من الواضح أن المشهد يتطور أو يتدهور بسرعة بالغة، وبخاصة مع استخدام كييف أسلحة نوعية بعينها، مما يجعل التساؤل "هل بالفعل الأمن والاستقرار العالميان باتا عرضة لأخطار جمة؟ ويمكن عند لحظة بعينها من سخونة الرؤوس أن تمضي الأوضاع في طريق مخيف، طريق الحرب العالمية الثالثة؟

مخاوف جدية من المواجهات النووية

ما الذي يمكن أن يتوقعه العالم من روسيا حين تستمع موسكو إلى الرئيس الأميركي جو بايدن وهو يهدد بإرجاع روسيا برمتها إلى القرن الـ19؟

لم يطل انتظار ردات الفعل الروسية الرسمية، ذلك أن الأمر لم يتوقف عند حدود تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف الذي تكلم كثيراً جداً عن نزوع موسكو لاستخدام ما لديها من أدوات للردع غير التقليدي حال حدوث ما يهدد الأمن القومي الروسي.

ووصل المشهد إلى قيام وزير الخارجية العتيد سيرغي لافروف بالتصريح لا التلميح بأن روسيا قد تتخذ خطوات في مجال الردع النووي إذا نشرت الولايات المتحدة صواريخها في أوروبا أو منطقة آسيا والمحيط الهادئ والقرار في هذا الشأن سيتخذه الرئيس الروسي. ولافروف بالتدقيق، كان يشير إلى الطائرات الأميركية "إف-16 رابتور" التي يمكنها حمل قنابل نووية، وقيل إنها توجهت بالفعل إلى رومانيا وبولندا.

فهل كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيداً من المشهد المأزم أخيراً؟

بالقطع الجميع يتابع التعليمات التي أصدرها الشهر الماضي، للقيام بمناورات بأسلحة نووية غير استراتيجية، بمعنى أسلحة نووية تكتيكية، يمكنها أن تطاول أوكرانيا أول الأمر .ومن وراء الستار كان الاستعراض العسكري الرسمي الأخير يحمل إعلاناً يفيد بأن الصواريخ الجهنمية الروسية عابرة القارات، لا سيما الصاروخ المجنح ذو الرؤوس الـ10، المعروف باسم "سارامات"، كفيل بتدمير ولايات عدة في أميركا، أو محو دول أوروبية عن بكرة أبيها من فوق الخريطة .

فهل موسكو أمام خيارات جدية حقيقية تجعل من قصة الأمن والسلم الدوليين أثراً بعد عين؟

يتحدثون اليوم في الداخل الروسي، وبجدية تامة عما يريده الرئيس الأميركي جو بايدن، وهل يتطلع لانتخابات رئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وسط فوضى أميركية داخلية؟ أم أنه يسعى في طريق تأجيج حرب عالمية نووية لا تبقي ولا تذر؟

الخيارات المتاحة لروسيا رداً على الضربات التي بدأت تتعرض لها كما الحال مع الرادارات النووية الأخيرة مخيفة، فهي تبدأ من عند توجيه ضربات نووية تكتيكية لأوكرانيا، وهو سيناريو استعد له "الناتو" بالفعل، وتتبقى معرفة ردات الفعل، فهل سيعمد "الناتو" إلى الرد بالمثل؟ أم سيحاول استخدام الصواريخ والقنابل الاستراتيجية؟

هناك قبل هذا وذلك السيناريو الاستباقي النووي الاستراتيجي الروسي، لكن الرد عليه بقوة مكافئة يجعله متأخراً في الخيارات.

طرح ثالث يقول إن موسكو ستبذل قصارى جهدها لإشعال حرب أهلية بين الأميركيين وبعضهم بعضاً على مشارف الانتخابات المختلف من حولها، غير أن ساعتها سيكون مصير الترسانة النووية الأميركية بدوره، أمراً مخيفاً ومقلقاً لأمن وسلام العالم.

فهل من طريق لاستنقاذ العالم من الجنون القائم والقادم؟

المزيد من تقارير