ملخص
في خطة القضاء على "حماس"، فإن إسرائيل تنوي تقسيم قطاع غزة إلى مناطق على صورة فقاعات دائرية، ويختلف هذا الإجراء عن التقسيمات السابقة التي نفذها الجيش الإسرائيلي، إذ في بداية الحرب عمل على شطر القطاع لنصفين شمالي وجنوبي، وبعد الهدنة الإنسانية التي انتهت في الأول من ديسمبر 2023 عمل الجيش على تقسيم غزة لمئات المربعات الأمنية الصغيرة ويحمل كل واحد منها رقماً.
في محاولة للإجابة عن سؤال من سيحكم غزة في اليوم التالي للحرب، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن تل أبيب تبحث بعمق عن بدائل لحكم حركة "حماس" في القطاع، وكشف عن أن مؤسسته الأمنية التي يديرها قد وضعت خطة "الفقاعات الإنسانية" لتطبيقها في القطاع قبل نهاية الحرب.
وبحسب غالانت، فإن "الفقاعات الإنسانية" تعد الإجابة الواضحة لسؤال كيف يبدو شكل غزة في اليوم التالي؟ الأمر الذي شغلت الإجابة عنه دولاً كثيرة، حتى إن الأمر وصل إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب، علناً، من إسرائيل توضيحات في شأن آليات الخروج من حرب غزة وما هي مقترحات ما بعد "حماس"؟
البداية تقسيم غزة
وعن خطة إسرائيل لليوم التالي للحرب، قال غالانت "بالتوازي مع العمليات العسكرية في قطاع غزة، تعمل مؤسسة الدفاع في الوقت نفسه على دراسة جهة حاكمة بديلة لحماس، وفي مرحلة انتهاء الحرب، نؤكد أننا لن نوافق على استمرار حكم حماس لغزة". وأضاف "نحن نخنق حماس ولا نسمح لها بالاستمرار في الوجود، ولن تكون لديها القدرة على إعادة التسليح، وفي الوقت نفسه، فإننا نعمل على خطة الفقاعات الإنسانية، التي تضمن خلق حكومة سلطوية جديدة". ووفقاً لغالانت فإن "الفقاعات الإنسانية" تقتضي تقسيم قطاع غزة إلى مناطق صغيرة، يدخل الجيش الإسرائيلي إلى كل منطقة تدريجاً، ويعمل على تطهيرها من عناصر "حماس"، ثم تدخل إلى تلك المنطقة قوات أخرى، هدفها ضبط الأمن وتشكيل حكم آخر يقضي على صورة سلطة "حماس".
وفي خطة القضاء على الحركة، فإن إسرائيل تنوي تقسيم قطاع غزة إلى مناطق على صورة فقاعات دائرية، ويختلف هذا الإجراء عن التقسيمات السابقة التي نفذها الجيش الإسرائيلي، إذ في بداية الحرب عمل على شطر القطاع لنصفين شمالي وجنوبي، وبعد الهدنة الإنسانية التي انتهت في الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2023 عمل الجيش على تقسيم غزة لمئات المربعات الأمنية الصغيرة ويحمل كل واحد منها رقماً.
قوات تطهر المنطقة وتشكل حكومة بديلة
في أي حال، فإن غالانت ينوي نشر قوات جديدة في كل منطقة يطهرها من عناصر "حماس".
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" فإن وزارة الدفاع الإسرائيلية تعمل على اختيار وتأهيل قيادات جديدة بالتعاون مع جهات دولية لهذه المهمة.
وفي خطة غالانت أيضاً، فإن هذه القوات ستباشر عملها على أرض غزة بقوة السلاح ودعم ومساندة الجيش الإسرائيلي حتى تتمكن من القضاء على جيوب "حماس" ومناصريها، ومن المقرر أن يظل الجيش موجوداً في المناطق حتى لا تسيطر عليها الحركة، وبعد ذلك سيجري تزويد هذه القوات بأدوات تطبيق القانون لتتمكن من تشكيل حكومة بديلة للحركة.
ومن المقرر، بحسب الخطة، تدريب قوات محلية في غزة على يد القوات الدولية مع توفير القدرة والإمكانات اللازمة لها لفرض الأمن والنظام، وبحسب صحيفة "معاريف" العبرية، فإن الجيش الإسرائيلي سيتفق مع الحكومة المحلية في غزة على حرية عمله بالقطاع في أي وقت يشاء، وهذا دليل على السيطرة العسكرية وليس المدنية لغزة.
أهداف
ومن وراء "الفقاعات الإنسانية" فإن غالانت يهدف إلى تحقيق هدفين من أهداف الحرب: الأول استبدال سلطة "حماس"، والثاني إعادة المختطفين إذ سيسهم دخول الجيش الإسرائيلي لكل منطقة وشبر في غزة من فرص التوصل إلى الرهائن، كما أن الحكومة الجديدة في القطاع ستتعاون مع تل أبيب، وتلقائياً تعمل على تسليمها أي رهينة تعثر عليها.
وأطلق غالانت مرة مصطلح "الفقاعات الإنسانية" على خطته، ومرة أخرى "الجزر الإنسانية"، والسبب من وراء هذه التسمية، أن الوزير يهدف إلى تقسيم غزة بطريقة تشبه الفقاعات أو الجزر، وسوف تكون أول مهمة للجهات الحكومية الجديدة التعامل مع الحالة الإنسانية ومعالجتها.
جزء واحد غامض
وتعد خطة وزير الدفاع أوضح وأشمل المقترحات لشكل اليوم التالي للحرب، وتفاصيلها ومراحلها قابلة للتطبيق، وهي تكشف عن معالم الرؤية الإسرائيلية حول مستقبل غزة، لكن الغموض الوحيد فيها يتمثل في الإجابة عن سؤال: ما هي الجهة التي ستتولى الحكم؟
في "الفقاعات الإنسانية" أكد غالانت أنه لا توجد جهة محددة اتفقت عليها إسرائيل وعرضت عليها أمر إدارة غزة، وبكل وضوح قال "ندرس في وزارة الدفاع جهة حاكمة بديلة لحماس".
وعدم وجود جهة واضحة لها تسميتها الصريحة لتولي مهمة "الفقاعات الإنسانية" يجعل من تنفيذ الخطة أمراً صعباً، ويفتح باب التفسيرات والتأويلات حول من سيتولى مهمة غالانت.
محاولة إرضاء غانتس
ويبدو أن إسرائيل أفصحت عن خطتها لأسباب عدة، أولها محاولة منع عضو مجلس الحرب بيني غانتس من الانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية، إذ هدد بذلك في حال لم توافق الحكومة على خطة واضحة لآليات الخروج من الحرب، ومنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهلة حتى الثامن من يونيو (حزيران) الجاري لتطبيق ذلك.
والسبب الثاني، إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أن الوقت بات مناسباً لإنهاء الحرب، والثالث لقطع الطريق على "حماس" التي تفكر أنها من الممكن البقاء في الحكم بناءً على مقترح الولايات المتحدة الأخير في شأن وقف الحرب.
هل يبحث غالانت عن عشائر؟
وبغض النظر عن الأسباب وبالعودة إلى "من سيتولى مهمة تشكيل حكومة بديلة"، فإن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" تقول إن المستوى السياسي يركز على أن يكون الحاكمون الجدد لا يبحثون عن سلطة، ولا تجمعهم بوتقة واحدة، ولا يهمهم قيام الدولة الفلسطينية.
وبحسب "كان" فإن تل أبيب تدرس أن تكون "الفقاعات" تحت قيادة العشائر المحلية وتتولى إسرائيل تسليحها وكذلك إمدادها بالمساعدات الإنسانية، لكن تطبيق ذلك صعب للغاية، وفقاً لما أكده الباحث في الشؤون السياسية الإسرائيلي نداف إيال الذي أضاف "كثيراً ما وصمت أي جهة تتعامل مع إسرائيل بالعمالة المباشرة وتمت ملاحقة المخاتير المتعاونين، فمن الصعب أن ينجح هذا السيناريو في ضوء الدروس المستفادة من الماضي، عندما حاولت تل أبيب تطبيق ذلك قبل أشهر".
وتابع "دول العالم ترفض فكرة إقامة حكم عشائري أو عائلي في غزة، كما أن الاتفاقات الدولية مثل إدارة معبر رفح تتطلب وجود سلطة شرعية يمكنها تنفيذ هذه الاتفاقات بفعالية"، وسأل إيال "ما مدى استعداد الدول المانحة للتعاون مع حاكم جديد في غزة إذا لم تحظَ هذه القيادة الجديدة بشرعية دولية وشعبية؟ وإن الأزمات في غزة ستتفاقم وقد تصل إلى حد الحرب الأهلية"، موضحاً أن الدول المانحة تشترط وجود سلطة شرعية وفعالة لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها وتستخدم في إعادة الإعمار بصورة صحيحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن هذه الخطة، قال القيادي في حركة "فتح" أيمن الرقب "تقسيم غزة إلى جزر إنسانية يعني أن هناك مؤسسات دولية ستعمل في القطاع، وسيتم إنشاء قوة مدنية فلسطينية مهمتها تسلم المساعدات وتوزيعها، ومع الوقت يتم دعمها بتوفير عربات للتنقل وأسلحة لضبط الأمن، لتتحول في النهاية إلى القوة الحاكمة على الأرض".
ومن وجهة نظر الرقب فإن هذه الخطة محكوم عليها بالفشل، وبرر ذلك بأن شعب غزة مسيس بالكامل، ولن يجدي معه تكرار تجربة الصحوة العشائرية، ولذلك فإن الحل يكمن في تطبيق خطة الولايات المتحدة التي تنص على قيام دولة فلسطينية.
قوة فلسطينية مع قوة سلام عربية
وفي الحقيقة، من الصعب أن يكون وزير الدفاع الإسرائيلي يقصد تشكيل جهات عشائرية، إذ في الـ30 مارس (آذار) الماضي، زار غالانت الولايات المتحدة وناقش فكرة إنشاء قوة عسكرية متعددة الجنسيات تضم قوات من دول عربية لحفظ الأمن والنظام في قطاع غزة.
وفي أميركا تحدثت وزارة الدفاع عن إمكان تشكيل فريق حفظ السلام بقيادة فلسطينية، وبمشاركة قوات عربية ودولية تكون مهمتها حفظ النظام وحماية القانون وتشكيل حكومة جديدة، وهذا الاقتراح الأقرب والأنسب لخطة "الفقاعات الإنسانية".
"فتح" و"حماس" مع تغير الحكم في غزة
وعن إمكانية تحقيق ذلك، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني "نرفض أي حلول إسرائيلية تفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ولا تضعه تحت السيطرة المباشرة للحكومة الفلسطيني"، وأضاف "غزة جزء من الأراضي الفلسطينية التي تقع تحت الولاية الجغرافية لدولة فلسطين، كل المحاولات الإسرائيلية التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية باءت بالفشل، فقد حاولوا مع بعض العشائر والعائلات تشكيل ما يسمى إطاراً بديلاً أو سلطة بديلة لكن المحاولات فشلت". وتابع مجدلاني "نحن مع تسليم غزة للسلطة الوطنية الفلسطينية، بالتعاون مع حماية المجتمع الدولي وهذا أفضل حل، مما يحمي الحقوق الفلسطينية ويؤسس لدولة عاصمتها القدس الشرقية".
ومن حركة "حماس" رد على خطة "الفقاعات الإنسانية" عضو المكتب السياسي للحركة غازي حمد قائلاً "نحن غير متمسكين بحكم غزة، نريد حكومة وطنية تخدم الناس والقضية، عرضنا هذا الأمر على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لكنه لم يتعاطَ مع بجدية".