ملخص
تشكل الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل مرحلة مفصلية لجماعة "الإخوان المسلمين" لجهة شعبيتها في الشارع، وسط توقعات بمنافسة غير مسبوقة من الأحزاب الجديدة، فضلاً عن مرشحي العشائر في دوائر انتخابية كانت تعتبر معقلاً لها، مثل العاصمة عمّان ومدينتي الزرقاء وإربد.
تشير كل المؤشرات والدلائل إلى أن مهمة جماعة "الإخوان المسلمين" في صناديق الاقتراع خلال انتخابات سبتمبر (أيلول) المقبل لن تكون سهلة وستصطدم بكثير من الصعوبات والعراقيل، مما دفع الجماعة إلى البحث عن حلول وإستراتيجيات جديدة تضمن لها موطئ قدم تحت قبة البرلمان الجديد في الأردن.
وعلى مدى العقد الماضي حققت الجماعة نتائج متراجعة في البرلمان وفقدت امتياز الكتلة الأكبر من حيث عدد المقاعد، مما فرض عليها مراجعة سياستها الانتخابية القائمة على المغالبة إلى المشاركة ونسج تحالفات عدة مع التيارات الأخرى كافة، بما فيها العشائر الأردنية التي انضم كثير من أبنائها إلى الجماعة خلال الأعوام الأخيرة، مما زاد من قوتها التنظيمية.
وتشكل الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل مرحلة مفصلية بالنسبة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" لجهة شعبيتها في الشارع، إذ يتوقع أن تلقى منافسة غير مسبوقة من قبل أحزاب جديدة، فضلاً عن مرشحي العشائر في دوائر انتخابية كانت تعتبر معقلاً لها، مثل العاصمة عمّان ومدينتي الزرقاء وإربد.
الاستعانة بالعشائر
يصنف مراقبون العلاقة بين جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن والعشائر الأردنية بأنها واحدة من المواضيع الحساسة والمعقدة، إذ تتداخل فيها كثير من العوامل السياسية والاجتماعية والتاريخية، فالجماعة التي تأسست في الأردن عام 1945 بنت قاعدتها الشعبية في البدايات بجهود رموز عشائرية، وانطلقت من تجمعات سكانية ومدن ذات ثقل عشائري، قبل أن تتحول المدن التي يقطنها أردنيون من أصول فلسطينية إلى قواعد جماهيرية لها، من خلال تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية وصحية.
وتاريخياً كان حجم التداخل بين العشائر و"الإخوان" انتخابياً ينحصر في الانتخابات البلدية، كونها تعنى بالشأن المحلي الخدمي الذي استطاعت الجماعة الدخول إليه بقوة، إذ حققت نتائج متقدمة وحصلت على رئاسة كثير من البلديات في مدن الزرقاء وإربد وغيرها.
ولاحقاً تنبهت الجماعة إلى ضرورة عقد تحالفات سياسية مع العشائر في الانتخابات البرلمانية، وأفردت لها مقاعد عدة في قوائمها مما ساعدها في الفوز بمقاعد إضافية في البرلمان.
لكن العلاقة بين "الإخوان" والعشائر شهدت خلال الأعوام الأخيرة توترات وصراعات ومناوشات، بعدما تزايدت الضغوط الحكومية على الجماعة للحد من نفوذها السياسي، مما أدى إلى تراجع كثير من العشائر عن دعمها والابتعاد منها.
واليوم تمثل قيادات الصف الأول تقريباً في الجماعة عشائر أردنية كبيرة مع تراجع تمثيل الأردنيين من أصول فلسطينية، والذين يستحوذون على النسبة الأكبر في قاعدة مناصري "الإخوان".
وتمثل العشائر في الأردن إحدى ركائز النظام الاجتماعي والسياسي والأمني في البلاد، كما أن لديها موقفاً تاريخياً يساند الفلسطينيين منذ نكبة 1948، مما يدفع "الإخوان" إلى استثمار هذا الموقف انتخابياً.
رموز عشائرية
تقول مصادر مقربة من الجماعة إنها بدأت بالفعل تحضير أسماء عشائرية عدة لخوض الانتخابات البرلمانية ضمن قوائمها، في محاولة لحصد أكبر عدد ممكن من المقاعد في حال خسارة مرشحيها الذين ينتمون تنظيمياً للجماعة، ومن بين هؤلاء شيخ عشيرة بارز كان له موقف مناصر لجماعة "الإخوان" وحركة "حماس" منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وناشطون شباب ينتمون إلى عشائر قوية وبارزة، وتقول هذه المصادر إن الجماعة تعمل على استقطاب العشائر الغاضبة من إقصائها ومن السياسات الحكومية الاقتصادية.
بينما تعبر مصادر رسمية عن قلقها من أن يتأثر الناخب الأردني وصناديق الاقتراع بأحداث الحرب في غزة، فيؤدي ذلك إلى جو من الإحباط وعدم المشاركة أو الاقتراع لمصلحة جماعة "الإخوان المسلمين" التي استثمرت ما يحدث في غزة جيداً خلال الشهور الماضية.
ويشير استطلاع رأي حول "الإخوان المسلمين" في الأردن أجرته "الرابطة العالمية لأبحاث الرأي العام" إلى صورة ذهنية تشكلت عن الجماعة لدى المجتمع الأردني، وتأثير المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية في هذه الصورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في نتائج الاستطلاع أن نحو 40 في المئة من الأردنيين لا يعتقدون أن الجماعة تمتلك رؤية لمستقبل البلاد، بينما كان الأردنيون منقسمون حيال استطاعة "الإخوان" تشكيل حكومة ناجحة، كما أنهم منقسمون فيما إذا كانت الجماعة تهتم بالشأن الخارجي على حساب القضايا المحلية الوطنية، إذ يرى نصف الأردنيين أن قرار الجماعة غير مستقل.
وأظهر الاستطلاع أن نحو 46 في المئة يرون أن الجماعة تستغل المؤسسات الدينية والخيرية والتعليمية والصحية لمصلحة التنظيم، لكن النتيجة الأهم كانت حول علاقة الجماعة مع بعض الجهات الداخلية، إذ وصف 82 في المئة منهم أنها جيدة مع المخيمات الفلسطينية، و71 في المئة اعتبروا أنها جيدة مع العشائر الأردنية.
ويرى قرابة ثلث الأردنيين أن الجماعة تسعى إلى تحقيق مصالح سياسية، بينما يرى ربعهم أنها تسعى إلى تحقيق مكاسب تنظيمية أو مصالح شخصية.
كسر احتكار الشارع
ويقول مراقبون إن من بين الأسباب التي دفعت "الإخوان" إلى اتخاذ قرار بالاستعانة بالعشائر خلال الانتخابات المقبلة هو نشاط هذه العشائر على الأرض وفي الشارع، وكذلك كسرها احتكار الجماعة للقضية الفلسطينية وتحديداً منذ الحرب في غزة.
وفي المقابل ترى السلطات في العشائر الأردنية طرفاً جديداً للحد من صعود وسيطرة "الإخوان المسلمين" على المشهد، وكان واضحا في السياق ذاته إصرار حركة "حماس" منذ السابع من أكتوبر 2023 على مخاطبة العشائر الأردنية في جميع بياناتها وتصريحات قادتها السياسيين، باعتبارها قوة اجتماعية ديموغرافية لا يستهان بها، فمنذ بداية الحرب في غزة نظمت معظم العشائر الأردنية مهرجانات خطابية وأصدرت بيانات عبرت فيها عن موقفها المساند للفلسطينيين، بل إن عشائر أخرى لوحت بحمل السلاح، وبمعنى آخر فإن منافسة العشائر لـ "الإخوان المسلمين" على القضية الفلسطينية التي تشكل أهم برامج الجماعة، يشكل خطراً على وقودها الانتخابي للبرلمان المقبل، إذ استقبل "الإخوان" تشكيل "ائتلاف العشائر الأردنية" كمظلة قبلية تضم كل العشائر الأردنية ولديها مواقف من الحرب على غزة بقلق، على اعتبار أنهم يستخدمون الخطاب نفسه الذي تستخدمه الجماعة.
عشائر "الإخوان"
يؤكد الباحث في الإسلام السياسي إبراهيم غرايبة أنه لم يسبق للجماعة أن نافست العشائر، لكن حدث في الانتخابات البلدية والنيابية ما يبدو تحالفاً عشائرياً عندما كانت تقف عشيرة المرشح العشائري ضمن قوائم "الإخوان المسلمين" معه، من دون أن يُفهم ذلك على أنه تحالف عشائري.
ويضيف غرايبة، "هناك رؤية سياسية لدى ’الإخوان‘ مفادها أنهم جماعة اجتماعية تأثيرية توجه خطابها إلى أفراد بصفتهم أفراداً، ولا تتوجه إلى عشائر، كما أن العشائر لا تنظر إلى الجماعة على أنها عشيرة".
ويصنف غرايبة العشائر بأنها رابطة غير رسمية ولا مؤسسية، وليست شخصية قانونية اعتبارية، ولا تلزم المنتمين إليها بموقف سياسي أو ديني، ولكنها بحكم روابط القربى تملك تأثيراً أدبياً غير ملزم قانوناً على أبنائها، ولذلك فان محاولة استعانة "الإخوان" بالعشائر يؤذي العشائر والجماعات والأحزاب معاً، ويناقض العقد الاجتماعي للدولة مع مواطنيها، كما أن اللجوء إلى التأثير الإعلامي والعشائري يعني عدم اعتراف أو التزام بمؤسسات الدولة، أو عدم وجود حق قانوني، وفق رأي غرايبة.
تنظيم واسع الحيلة
يوضح معهد "كارنيغي" في ورقة له عن الحركة الإسلامية في الأردن أن جماعة "الإخوان المسلمين" الأردنية لديها باع طويل في المشاركة الانتخابية، كما أنها شاركت في حكومات عدة وحققت نتائج مميزة، لكن منذ أن توترت العلاقة بينها وبين النظام في مرحلة الربيع العربي حدثت انشقاقات داخلية في صفوفها إثر خلافات سياسية على ملفات عدة، ومن بينها العلاقة مع حركة "حماس" والتوتر مع السلطات الأردنية والابتعاد من تبني الهم الأردني في سياساتها الداخلية.
ويصف المعهد ذاته "الإخوان المسلمين" بأنهم واسعو الحيلة للتعامل مع أية تطورات من خلال تطويع النشاطات التعليمية والثقافية والاجتماعية لمصلحتهم، إذ لم يتبن الأردن قمعها وحظرها كلياً، كما يشير إلى أن العلاقة الأقل عداء بين الحكومة الأردنية و"الإخوان"، قياساً إلى دول عربية أخرى، دفعت بعضهم إلى وصف هذه العلاقة بأنها تحالف سري لكنه في الحقيقة علاقة حذرة.
وشكلت الجماعة عام 1992 حزباً سياسياً وهو حزب "جبهة العمل الإسلامي"، في محاولة منها لتجاوز العقبات السياسية التي وضعت في طريقها، ومنذ ذلك الحين يستعين الحزب الذي يشكل الذراع السياسي للجماعة بمرشحين عشائريين لديهم ثقل.