Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مآلات انتخابات الرئاسة في إيران

يواجه الإصلاحي بزشكيان منافسة من المحافظين لكنه يتسلح بإيمانه في مبدأ ولاية الفقيه

بزشكيان الإصلاحي الوحيد في انتخابات الرئاسة الإيرانية وينتقد طريقة التعامل مع النساء والسنة والأذريين والكرد والعرب والبلوش (أ ب)

 

ملخص

أدى تعطيل الخلية الصلبة في النظام الإيراني المنافسة الانتخابية بين المتشددين والمعتدلين إلى انخفاض نسبة المشاركة من 73 في المئة في الانتخابات الرئاسية عامي 2013 و2017 إلى 36 في المئة في الانتخابات الرئاسية عام 2021.

يرتكز دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ما يخص المناصب القيادية المفصلية في البلاد على عمودين أساسين، المناصب التعيينية والأخرى الانتخابية، إذ يحوي الدستور أصولاً تؤكد انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء والإشراف على أدائه، لكن في العمل وبسبب توصيفه بنائب الإمام المهدي وهيمنته الشمولية على معظم الأمور الكبيرة والصغيرة في البلاد يحوز على 70 في المئة من السلطة ويبقى فقط 30 في المئة لرئيس الجمهورية.

لذلك فإن التنافس بين المرشحين الستة الذين تمت تزكيتهم من بين 80 مرشحاً يتم على منصب يختلف في صلاحياته مع معظم رؤساء الجمهورية في العالم، أي إن الرئيس في إيران ذو دور تنفيذي لا سيادي والخطوط الكبرى السياسية يحددها الولي الفقيه مطلق الصلاحيات الذي يعد القائد العام للقوات المسلحة بما فيها الشرطة. ويمكن أن نقارن صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران بصلاحيات رئيس الوزراء في الأنظمة الجمهورية والملكية ذات منصب رئاسة الوزراء في العالم.

أما الستة المرشحون للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة الذين حصلوا على التزكية فهم، (مصطفى بور محمدي وسعيد جليلي وعلي رضا زاكاني وحسين قاضي زادة هاشمي ومحمد باقر قاليباف ومسعود بزشكيان).

ينتمي بور محمدي إلى التيار المتشدد إذ يترأس رابطة رجال الدين المناضلين وهو رجل دين تقليدي كان عضواً في لجنة الموت الثلاثية التي تولت التصفية الجسدية لأكثر من 5 آلاف سجين سياسي إيراني كانوا يقضون أحكام سجنهم عام 1988.

بينما يحسب سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني وقاضي زادة هاشمي على التيار المتصلب، فيما ينتمي قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، إلى المحافظين التكنوقراط وذات مرة وصف قاليباف نفسه بأنه "الشاه رضا" الإسلامي أي إنه يطمح ليكون مثل الديكتاتور أبو الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي.

أما بزشكيان فيحسب على الإصلاحيين وهو طبيب جراح من والدين تركيين أذريين ويتقن الكردية وناقد لبعض ما يؤديه النظام بخاصة فيما يتعلق بالنساء وأهل السنة والأذريين والكرد والعرب والبلوش غير أنه يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، كما له تصريحات ينتقد فيها أداء النظام في المجالين الاقتصادي والسياسي، وإزاء النساء والشعوب غير الفارسية منها عدم التعليم بلغة الأم وعدم الاهتمام بتلوث البيئة وشح مياه الشرب في الأحواز على "رغم أن مياهها وغازها ونفطها يشكلون المصدر الأساس لإيران".

 

 

ليس هذا وحسب بل إن بزشكيان شكل كتلة "أتراك إيران" في البرلمان الإيراني عام 2016، جمع فيها أكثر من 100 مندوب تركي أذري، أي أكثر من ثلث كل المندوبين، مما أثار مخاوف القوميين الفرس الذين بذلوا مساعي حثيثة لإحباط هذه الكتلة وأفشلوها في نهاية المطاف.

النظام يعيد النظر في نهجه الانتخابي!

قبل أعوام، عطلت الخلية الصلبة في داخل النظام وبتأييد المرشد الأعلى علي خامنئي النهج القائم على المنافسة الانتخابية بين أطياف النظام، أي بين المتشددين والمعتدلين وذلك ليكون هناك انسجام تام بين الحكومة ورئيس الجمهورية والبرلمان من جهة ومع علي خامنئي من جهة أخرى، وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبة المشاركة من 73 في المئة في الانتخابات الرئاسية عامي 2013 و2017، التي فاز فيها حسن روحاني على منافسيه المتشددين، إلى 36 في المئة في الانتخابات الرئاسية عام 2021 التي فاز فيها إبراهيم رئيسي من دون أي منافس بارز، وإلى 37 في المئة بالانتخابات البرلمانية الماضية، إذ بلغت نسبة المشاركة في تصويت 2023 نحو 14 في المئة بالعاصمة طهران.

ومنحت حادثة سقوط مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي الفرصة لخامنئي ومجلس صيانة الدستور التابع له، ليعيدوا النظر مرة أخرى في نهجهم ويعودوا إلى لعبة التنافس بين الأصوليين والإصلاحيين، إذ سمع هؤلاء أصوات الاحتجاجات والتظاهرات التي عمت إيران عام 2022 وأدركوا أن مصير خطة خامنئي القائمة على ضرورة انسجام كل أركان السلطة من طريق هيمنة التيار المتشدد عليها سيؤدي إلى انهيارها عاجلاً أم آجلاً، وبخاصة أن شعارات رئيسي في حملته الانتخابية حول مكافحة الفساد فشلت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يتمكن الرئيس الراحل حتى من إقالة صاحب ملفات الفساد وزير الجهاد والزراعة وخفض معدل التضخم إلى النصف وبناء مليون وحدة سكنية وإزالة الفقر وبلوغ نسبة التنمية إلى ثمانية في المئة تماشياً مع وعوده في برنامجه الانتخابي.

وبحسب مصادر مطلعة فإن إحدى الدول المجاورة لإيران أيضاً طلبت وفي أعلى المستويات أن يكون الرئيس الإيراني من الترك الأذريين الذين يشكلون نحو ثلث سكان البلاد والمحرومين من حقوقهم الأساسية في إيران لتنصفهم بذلك السلطة الإيرانية.

ولا ننسى أن النظام أيضاً أراد بتزكية مسعود بزشكيان أن يعوض عما قام به الشعبان التركي الأذري والعربي الأحوازي لعدم مشاركتهم الواسعة، كما كانت للبلوش والأكراد، في احتجاجات وتظاهرات عام 2022 المعروفة بانتفاضة مهسا أميني. وفي الحقيقة أن موقف هذين الشعبين الشيعيين إزاء تلك الانتفاضة لم يكن "حباً لعلي بل كرهاً لمعاوية" أي إنهما رجحا التعايش مع نظام ديني شيعي شمولي ضعيف على نظام بديل ملكي أو قومي فارسي بقيادة رضا بهلوي أو من مجموعات سياسية معارضة تنتمي بمعظمها إلى القومية المهيمنة التي لا تعترف ليس بلغتهم وثقافتهم وهويتهم وحسب بل يمكن أن تعيد المجازر التي ارتكبها جد رضا بهلوي ووالده ضد هذين الشعبين.

لماذا قرر النظام تزكية بزشكيان؟

يجب الإشارة هنا إلى أن الانتخابات الرئاسية في إيران شهدت مراحل مختلفة يمكن أن نصف فيها أول انتخابات رئاسية (1980) بالحرة نسبياً شارك فيها معظم الأحزاب والمنظمات، لكن بعدها تحولت إلى شكلية حتى إن وصلنا إلى عام 1997 حين أصبح هناك تنافس بين الأجنحة الحاكمة أدى إلى فوز الإصلاحي محمد خاتمي على المرشح الأصولي ناطق نوري وسجلت نسبة مشاركة بلغت 80 في المئة.

لكن هذه الحال لن تستمر بل تبعها عهد أحمدي نجاد المتشدد لفترتين رئاسيتين ومن ثم المعتدل حسن روحاني أيضاً لفترتين رئاسيتين ومن ثم إبراهيم رئيسي الذي أصبح رئيساً للبلاد في 2021 إثر قرار خامنئي وحاشيته الأصولية بأن يكون الرئيس منسجماً مع المرشد الأعلى وبخاصة في ما يتعلق بانتخاب مرشد جديد يخلف خامنئي البالغ من العمر 85 سنة.

 

في الواقع كان هدف النواة الصلبة في السلطة أن يكون هناك انسجام وتناغم بين كل رئيس منتخب والمرشد الأعلى بعد تجربة خاتمي المريرة مع خامنئي غير أنهم لم يتوقعوا أن تؤدي تزكية حسن روحاني المرشح لانتخابات 2013 إلى فوزه بـ73 في المئة من الأصوات على رغم أنه كان رجل أمن رفيع المستوى ونائباً لرئيس البرلمان لمدة طويلة ومقرباً لخامنئي غير أن المواقف المعتدلة التي أبداها في حملاته الانتخابية بخاصة إزاء حل مشكلة النووي والاقتصاد الإيراني أدت إلى انتخابه لفترتين، لكن تزكية مسعود بزشكيان في هذه الانتخابات، خلافاً لروحاني، لم تفاجئ النظام لأن النظام نفسه قرر ذلك أي أن تشارك شخصية إصلاحية تنتمي إلى الترك الأذريين لأغراض أشرنا إلى بعضها آنفاً.

القاعدة الشعبية ونسبة حظوظ المرشحين

الاستطلاعات غير الرسمية تظهر أن نحو 15 في المئة من مؤهلي التصويت في إيران ينتمون إلى المحافظين و15 في المئة منهم للإصلاحيين، و70 في المئة من مناوئي النظام بنسب مختلفة، والمشاركة بـ30 في المئة مضمونة للنظام في الانتخابات لكن هناك من 20 إلى 30 في المئة من المعارضين والمستائين من النظام يقعون في المنطقة الرمادية وهنا يمكن لمسعود بزشكيان أن يكسب أصوات بعض منها.

وفيما لا يفصلنا إلا أسبوعان عن الانتخابات الرئاسية لا تزال الساحة الشعبية لم تتجاوب مع حملات المرشحين، وساحة الفضاء المجازي أكثر نشاطاً من الفضاء الحقيقي للمجتمع الإيراني، وبحسب مصادر قريبة لمقر حملة الانتخابات الرئاسية لبزشكيان في طهران فإن نحو 70 في المئة من الناشطين في المقر هم من الأتراك الأذريين يضاف إليهم أبناء القوميات الأخرى، واللغة السائدة هناك هي اللغة التركية الأذرية.

ويبدو أن مهندسي الانتخابات الرئاسية، ومن أجل تسخين الحملات الانتخابية، اختاروا  مسعود بزشكيان أولاً لأن ملفه عارٍ عن الفساد وثانياً أنه مرشح الإصلاحيين وثالثاً يتقن اللغة الكردية وينتمي إلى القومية التركية الأذرية التي يمكن أن تتعصب له وتصوت لمصلحته بمعظم فئاتها، وكذلك يستطيع أن يكسب فئات من العرب والبلوش والكرد للتصويت لمصلحته، ورابعاً ليس لديه مصلحة مباشرة في عملية اختيار خليفة خامنئي وخامساً يمكن أن يجذب التكنوقراط إلى الحكومة.

كما يرغب النظام، إذا تم انتخاب بزشكيان، أن يكون لديه مفاوض غير متشدد من حكومة إصلاحية يتمكن من التفاوض حتى مع فريق دونالد ترمب إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة.

في الحقيقة إذا لم نشهد مشاركة واسعة في الانتخابات الرئاسية سيكون الفوز للمرشحين المتشددين، إن كان سعيد جليلي أو محمد باقر قاليباف، لكن إذا تجاوزت نسبة المشاركة 50 في المئة يمكن لمسعود بزشكيان أن يأمل بالفوز أو في الأقل أن يبلغ المرحلة الثانية إذا لم يحصل على 50 في المئة من مجموع الأصوات.

 

 

وفيما يعول مؤيدو بزشكيان على مشاركة واسعة تصل إلى 55 – 60 في المئة من المؤهلين للتصويت لتضمين فوزه، فإن بعضاً يجادل بأن الجماهير الإيرانية لم تشارك بصورة واسعة في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية عقب احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) 2017 التي ردد فيها الجماهير هتاف "لا للإصلاحي ولا للأصولي... حسمنا أمرنا معكم " وبعد انتفاضتي عامي 2019 و2022 اللتين قتل فيهما آلاف من المحتجين والمتظاهرين.

كما يستدل المقاطعون للانتخابات الرئاسية أن الجناح المتصلب في السلطة وعلى رأسه علي خامنئي وإثر لعبة استمرت نحو 26 عاماً شارك فيها الإصلاحيون والمعتدلون في الانتخابات الرئاسية، لم تسعف إلا النظام الشمولي الكهنوتي كي يمدد حياته، ولولا تلك المشاركات الواسعة في تلك الانتخابات لتم إسقاطه، لكن يزعم المؤيدون للمشاركة في الانتخابات أن الجماهير وعلى رغم قمع الانتفاضة الخضراء عام 2009 شاركوا في الانتخابات الرئاسية عام 2013 فور حصولهم على منفذ أو شرخ في النظام لإبداء رأيهم والإدلاء بأصواتهم لمصلحة حسن روحاني المعتدل.

ونتذكر أنه عام 2009 اندلعت تظاهرات واحتجاجات معارضة للنظام بعدما اتهم مؤيدو المرشح مير حسين موسوي، المعتقل حالياً في الإقامة الجبرية، علي خامنئي بالوقوف إلى جانب أحمدي نجاد المتشدد وإعلانه فائزاً بالتزوير. في الحقيقة إن الداعين إلى الثورة ضد السلطة الحالية في إيران أو المطالبين بإسقاطها لن يشاركوا في هذه الانتخابات، لكن الإصلاحيين والداعين إلى التحول السلمي والتدرجي يعتقدون أن انتفاضة مهسا عام 2022  التي كادت تشكل خطراً على النظام الإيراني فشلت بسبب تشتت المعارضة في الخارج والدور السلبي الذي أداه الملكيون فيها ولا بد من دعم بزشكيان لإيجاد التغيير المنشود.

ويتحدث البعض عن استحالة وقوع أي تغيير في النظام الإيراني الحالي، لكن دخول بزشكيان إلى بطن السلطة يمكن أن يخلخل موازين القوى فيها ويفسح المجال لأي تغيير تدرجي مقبل، أي إن ذلك سيشدد التضاد بين أجنحة السلطة لتستغله الجماهير والشعوب لمصلحة عملية التغيير.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل